الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العنف أوكسجين الدولة والقوى الإسلامية المتطرفة

محمد بوجنال

2015 / 12 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كل المؤشرات والدراسات تبرز قوة العلاقة بين ظاهرة العنف والوضع الاقتصادي الريعي العربي الذي يتميز بسوء توزيع الثروة وتعميق التبعية، عنف ترتفع أو تنخفض وتيرته وفق الشروط الموضوعية والذاتية. فانتشار الفقر في العالم العربي وعدم قدرة أشكال الدولة السلبية العربية على الاستجابة لإشباع رغبات وطموحات الشعوب أدى إلى الزيادة من الفقر والشعور بالإحباط والتهميش المتزايد للبادية واستشراء انتشار الفساد السياسي والإداري. وللأمانة،فلا يجب فصل العنف ذاك عن العنف الممارس من طرف الأب الرأسمالي والذي مؤداه القتل والمجازر وإبادة كل الفئات والمؤسسات والأفراد والدول النقيضة له وخاصة منها الدول المحيطية التي منها الدول العربية التي تعرضت شعوبها للبطش وارتكاب المجازر في حقها، ناهيك عن التعذيب والسجون؛ والأمثلة من أفغانستان إلى اليمن واضحة مرورا بالعراق وسوريا وليبيا وفلسطين. ففي ظل هذا الوضع تربى خدام الأب الرأسمالي الذين فوض لهم المسؤولية.
إذن لا نندهش إذا كانت أشكال الدولة السلبية العربية أنظمة تعتمد العنف المتوحش على شعوبها والتي تتقاطع معها في ذلك الجماعات الإسلامية المتشددة. إنه عنف متوحش جاء نتيجة علل منها جذورها الاستبدادية كما هو موثق في التاريخ وكذا تربيتها الاستعمارية؛ واللازمة المنطقية لذلك أنها لا يمكن أن تكون سوى الدولة المتسلطة التي لا ترى في شعوبها سوى العدو الكامن الذي يجب ترهيبه وتخويفه بممارسة العنف عليه بأدواتها ومؤسساتها القمعية سواء بالشكل المتوحش والمباشر كما كان سائدا وما زال، أو بالشكل المؤذب الذي فرضته موجة الديمقراطية وحقوق الإنسان كما هو مشاهد اليوم في عالمنا العربي بعد الحراك؛ أو قل أن أشكال الدولة السلبية العربية تمارس العنف على شعوبها بنوعيه بفعل سيطرتها على الاقتصاد من جهة، ونشر العنف ذاك من قهر وتخويف وترهيب بواسطة مختلف مؤسساتها وهو ما يعني محاصرة وترويض الشعوب العربية باعتماد مجمل أشكال العنف.هذا الأسلوب تم تطعيمه وإغناؤه مرحلة العولمة ومن داخلها بما سموه"بالربيع العربي"، بأساليب تعنيف مؤذب كلما اقتضى الأمر ذلك كرفع شعار الديمقراطية وحقوق الإنسان وإعادة بناء أو تعديل الدستور وفق انتخابات جديدة سموها "بالديمقراطية والغير المزيفة"؛ وبلغة أخرى، فأشكال الدولة السلبية العربية هي من حيث طبيعتها وتطورها التاريخي وتبعيتها للأب الرأسمالي هي أشكال لا يمكن أن تستمر إلا بممارسة العنف على شعوبها.
هكذا، فوجود واستمرار أشكال الدولة السلبية العربية يفسر بلجوئها الدائم لأساليب العنف المتشدد وفروعه المتمثلة في ممارسة القهر والتهديد والمضايقات وسد منافذ العيش والتصفيات والسجون وغيرها. نتيجة لكل ذلك،يزداد حقد الشعوب ، حقد كلما ارتفعت درجة حدته، خرجت الشعوب إلى الشوارع مهيجة ومضربة لتجد في مقابلها آلة عنف أشكال الدولة السلبية العربية. وقد أضافت وجها آخر من أوجه عنفها خلال مرحلة ما تم تسميته "بالربيع العربي"، بفعل ضغط وحاجيات العولمة في الادعاء بحرية التعبير والاحتجاج كأحد أسس الديمقراطية؛ فاستفادت الشعوب من إيجابية ذلك الضغط بتحررها من الخوف الذي عمر فيها تاريخا طويلا. إلا أن أشكال الدولة السلبية العربية، قد تمكنت ، بعنفها المؤذب، من احتواء هذا الحراك واستثماره في الحفاظ على استمرارية الأنظمة مع إدخال تعديلات شكلية كزوال أشخاص وتنظيم انتخابات وغيرها من الشكليات التي هي، في حقيقتها، الشكل الجديد والمرن والمؤذب للعنف المتوحش.
وهناك النوع الثاني من العنف المتوحش الذي خضعت له الشعوب العربية وما زالت والمجسد في الجماعات الإسلامية المتطرفة. فقد اعتبرت الإسلام دينا مطلقا تقتضي الشريعة محاربة كل من لا يعتقد بذلك أو قل أن الإسلام، في نظرهم، دعا إلى ممارسة العنف في حقهم. هكذا، فالجماعات الإسلامية المتطرفة تبرر إراقتها الدماء بتوظيفها نصوصا دينية تؤولها تأويلا تعتقد بإطلاقيته في الوقت الذي ليس سوى إفرازا لمرحلة تاريخية تحكمها القواعد الاقتصادية التي هي ، في راهننا، قواعد الأب الرأسمالي. إنه التأويل الذي قسم العالم العربي إلى مذاهب وطوائف متناحرة تطمح الواحدة منها محو غيرها من الطوائف معتمدة أسليب العنف من قتل وذبح وقطع الرؤوس وإبادة وغيرها. فغيرها زنديق أمرت الذات الإلهية بممارسة العنف عليه حفاظا على نقاء الجنس المسلم كما تفهمه. إنها مواقف أيديولوجية بلباس ديني لخدمة الأب الرأسمالي بشكل شعوري ولاشعوري في نفس الآن علما بأن عناصر الجماعات تلك هي عناصر تتميز بالجهل والأمية وانعدام القدرة على كشف أن العنف ذاك ليس سوى التوجه الرأسمالي بلغة دينية ماكرة تثقن قيادتها اللعب بها.
هدا وتعتبر الجماعات الإسلامية المتطرفة أن ممارسة العنف ظاهرة مشروعة لا تعبر من خلاله سوى عن الرؤية المقدسة أو قل أنها تعتبره – اي العنف – والتصور السليم الذي بفعله يعاد تطبيق الإسلام كما كان في أصوله الأولى المطلقة وبالتالي إقامة دولة الخلافة وفق قوانين وقواعد الشريعة التي هي كلام وأوامر الله. وفي كل هذا، وفي نفس الآن، عملت على احتواء واستغلال الوضع المادي السيئ للشعوب التي استجابت لمبررات عنفها خاصة وأنها شعوبا سئمت وعود أشكال الدولة السلبية العربية من جهة، وكونها- أي الشعوب- مكانا للخرافات والانغلاق والعصبية ومختلف أشكال الأمية من جهة ثانية؛ وعليه، فقد رأت الجماعات الإسلامية المتطرفة أن لا أسلوب لمواجهة قوى الكفر سوى ممارسة العنف.
هكذا، وللأسباب السابقة الذكر وغيره، اعتبرنا أن العنف كإنتاج لأشكال الدولة السلبية العربية والجماعات الإسلامية المتطرفة، هو الأوكسجين الذي به يتنفسان والذي منه تعاني الشعوب العربية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س