الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عشر سنوات من مشروعات قانون التأمين الصحى

محمد حسن خليل

2016 / 1 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان



أصدرت وزارة الصحة أخيرا بتاريخ 20 ديسمبر 2015 أحدث نسخة فى مشروع قانون التأمين الصحى، بعد حوالى عشر سنوات على النسخة الأولى التى وزعت على أعضاء مجلس الشعب فى مارس 2005، ثم ارتأت الحكومة تأجيل إدخالها للإقرار فى يناير 2006.
وقتها ثارت حملة شعبية لم تهدأ ضد مشروع القانون، تضاعفت منذ ربيع 2007 حينما صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 637 لسنة 2007 بإنشاء الشركة المصرية القابضة للرعاية الصحية التى تنتقل إليها كل مستشفيات وأصول التأمين الصحى لكى تديرها على أسس تجارية وتبيح لها بيع المستشفيات ومشاركة القطاع الخاص عليها وكل صور الخصخصة. وكان رد الفعل على صدور قرار رئيس الوزراء هو تشكيل تحالف شعبى عريض ضم أحزابا ونقابات وجمعيات كثيرة تحت اسم لجنة الدفاع عن الحق فى الصحة، وشعاره ضد خصخصة التأمين الصحى، واستمر حتى اليوم يدافع عن حق الشعب فى الصحة.
منذ ذلك التاريخ أعتادت الحكومة إصدار نسخ أخرى متتالية من مشروع القانون، أخذت فى ترقيمها حتى تعدت رقم العشرين، ثم توقفت عن ذكر رقم النسخة اكتفاء بذكر تاريخ الإصدار، وتوالى هذا بعد الثورة حتى شهدنا نسخة فى عهد المجلس العسكرى ثم نسخة فى عهد الإخوان، وصولا لنسخة إبريل 2014، وفبراير 2015 حتى وصلنا للنسخة الأخيرة بتاريخ ديسمبر 2015 كما أسلفنا.
أثر حجم المعارضة الهائل فى مشاريع القوانين المتتالية فحسن منها وأزال عددا هاما من عيوبها، ولكن ما علاقة المشروع الأخير بالمشاريع السابقة؟ وما هو عنصر التقدم فى ذلك المشروع وما هو ما تبقى مما أثار المعارضة الشعبية حين صدوره لأول مرة؟ وفى الأساس ما هو مصدر تلك المشاريع أصلا؟ حتى لا نطيل نكتفى بإبراز مشاكل أساسية فى المشروع الجديد، وعلى من يريد أن يعرف مصدر المشروع حمال المشاكل فليرجع إلى الورقة المعنونة " موجز مشروع الإصلاح الصحي و هو ثمرة لدراسات ستة، جمعت و اختصرت في جزء سابع قدم في أغسطس 1997، إلى هيئة المعونة الأمريكية في مصر، و إلى وزارة الصحة و السكان المصرية" والمنشورة مع هذه الورقة، أما من أراد أن يعرف المشاكل التى طرحت فى النسخ الأولى لمسودة المشروع فليرجع إلى "الإعلان المصرى الثانى عن الحق فى الصحة" الذى نشره المؤتمر القومى الذى عقدته لجنة الدفاع عن الحق فى الصحة فى نوفمبر 2008.
نأتى لمشاكل المشروع الجديد:
1- المشكلة الأولى تمس بمفهوم التأمين الصحى نفسه، الذى تعرفه منظمة الصحة العالمية بأنه نظام للدفع المسبق لمصاريف الرعاية الصحية، أى دفع الاشتراكات حتى فى غير حالة المرض، حتى لا يحتاج المواطن الذى يمرض إلى دفع مدفوعات ضخمة لا يقدر عليها فتؤثر على إتاحة الخدمة له. هذا ما عبرنا عنه ببساطة بأن التأمين الصحى هو جمعية ندفع كلنا شهريا اشتراكها، ويقبضها من يمرض منا أولا. هذا هو مبدأ التكافل بين المنتفعين. هذا هو المبدأ السارى فى التأمين الصحى الحالى حيث يقتصر ما يدفعه أغلب المؤمن عليهم على الاشتراك. أما القانون الجديد فيبتدع، بالإضافة إلى الاشتراك، ما يسمى بالمساهمات، وهى الدفع مقابل كل خدمة فى العيادة الخارجية: كشف يتراوح بين 3 و10 جنيهات، ثم 20% من الأدوية بحد أقصى 50 جنيها، و10% من التحاليل بحد أقصى 100 جنيها، و5% من الأشعات بحد أقصى 200 جنيها، ويستثنى أصحاب المعاشات والأمراض المزمنة. أى أن المواطن يمكن أن يدفع فى الحالات القصوى حوالى 350 جنيها، ليس شهريا فقط، بل فى كل عيادة فى كل شهر. أى لو قدر لمواطن أن يصاب بألم فى ظهره استدعى رنينا مغناطيسيا وتحاليل، مع مشكلة بالعين استدعت عمل تصوير لشرايين العين وتحاليل، فإن ما يدفعه قد يقفز إلى 700 جنيه شهريا! ويقولون تأمين صحى!!! ويدعون أن هذا نظام معمول به فى العالم! ويدعون أيضا أن هذا يقود إلى ترشيد استعمال الأدوية والفحوص! ولكن الطبيب وليس المريض هو من يحدد الأدوية والفحوص التى يحتاجها المريض، والمفروض أن يوجد إشراف مهنى على تناسق الأدوية والفحوص مع التشخيص أو الأعراض الموجودة لدى المريض من قبل لجان فنية على نسبة من الملفات، بحيث يلام الطبيب فى حالة كل من الإفراط أو الإنقاص غير المبنى على أسس علمية! كما أن دفع المئات شهريا فوق الاشتراك ينسف مبدأ التأمين الصحى من أساسه ويعيق إتاحة الخدمة لمن لا يملكها وهم كثر. وفى العالم لا يوجد هذا النظام: ففى انجترا يدفع المريض رسما موحدا على كل روشتة فقط مقداره خمسة جنيهات استرلينية، وفى فرنسا يدفع 10% من سعر الأدوية للأمراض الطارئة غير المزمنة، وفى كليهما ليست هناك مدفوعات على الفحوص (التحاليل والأشعات). الاستثناء: اليونان مؤخرا بعد أن فرض عليها صندوق النقد الدولى تلك المدفوعات فأفسد واحدا من أفضل نظم التأمين الصحى الأوروبية!!!
2- المشكلة الرئيسية الثانية هى طبيعة جهة تقديم الخدمة، ففى الوضع الحالى جميع الهيئات الحكومية الحالية لا تهدف للربح كما تنص قرارات إنشائها، ويتعاقد التأمين الصحى الحالى مع القطاع الخاص الربحى فى حدود احتياجه. يعترض البنك الدولى وشركائه فى تمويل مشروع الإصلاح الصحى (هيئة المعونة الأمريكية والمفوضية الأوروبية) على ذلك، فهو يدعو إلى تنمية تعتمد على القطاع الخاص بما فيها فى تقديم الخدمات الأساسية من تعليم وصحة، ويرد فى نص الوثيقة الأساسية للإصلاح الصحى المرفقة أن البنك يطالب ب: " جدول بيع أو نقل وحدات تقديم الخدمة الحالية (المستشفيات، الوحدات المجمعة، العيادات) إلى القطاع الخاص أو إلى منظمات القطاع العام الاقتصادية (وحدات بأجر)" قسم البرنامج (القومى للتأمين الصحى الاجتماعى ركيزة 2 إجراء 2). تنفيذا لتلك التوصية قامت الحكومة بإصدار قرار رئيس الوزراء رقم 637 لسنة 2007 بإنشاء الشركة المصرية القابضة للرعاية الصحية، وتمكنت لجنة الدفاع عن الحق فى الصحة من خلال ثلاث من الهيئات المشتركة فيها من كسب حكم محكمة القضاء الإدارى فى الشق المستعجل بوقف تنفيذ قرار الشركة القابضة بحيثيات عظيمة فى دفاعها عن حق الشعب فى الصحة فى 4 سبتمبر 2008. منذ ذلك الحين والحكومة تحافظ على الهدف ولكن فى صيغ ملتوية. يظهر هذا جليا فى مشروع القانون الحالى أولا فى المادة 4 التى تنص على أن هيئة الرعاية الصحية الجديدة هيئة اقتصادية مع الصمت المطبق حول ركن أساسى واجب أن يشمله أى قانون: هل هذه الهيئة ربحية من عدمه! ولكن نص القانون به من الدلائل ما يقطع بأن تلك الهيئة هى هيئة ربحية: فهى أولا تنص على أن من صلاحيات هيئة الرعاية الصحية وفقا للمادة 7 بند 11 على "اعتماد استراتيجية استثمار اموال النظام، بما فى ذلك اهلية انشاء شركات المساهمة وفقا لاحكام القانون 159 لسنة 1981 بشأن شركات المساهمة، وذلك على النحو الذى تحدده اللائحة التنفيذية" . هل يشير هذا إلى عقد شراكات بأصول التأمين الصحى مع شركاء عرب وأجانب؟! يترك تحديد هذا للائحة التنفيذية، وهو السلوك التقليدى للحكومة للتهرب من البنود التى لقيت نقدا من المعارضة فى السابق! عدنا إلى صلاحيات الشركة القابضة القديمة التى أوقفها حكم المحكمة! ثانيا تنص المادة 9 على إنشاء لجنة لتسعير الخدمات من أجل شراء الخدمة، وتترك الصيغة معممة. ماذا يعنى هذا؟ ألا يعنى شراء الخدمة من كل مقدمى الخدمة الحكوميين والخاصين بنفس السعر المحمل بالربح، بما يعنى أن الهيئة الحكومية الجديدة تستهدف الربح مثل الشركة القابضة مأسوفة الذكر؟! ثالثا: تنص المادة 10 على أن للهيئة الحق فى استبعاد مقدم الخدمة ... فى حال ثبوت تقصيره أو إخلاله بمستوى الرعاية الطبية المتفق عليه. الحق هنا مطلق أى ينطبق على الجهات المتعاقدة الخاصة والعامة! كيف يجوز هذا فى الهيئات العامة؟ بدلا من إصلاح أو تغيير الإدارة لمعرفة أسباب القصور وإصلاحها يأتى إلغاء التعاقد معها! وبالتالى لا يصبح لها دور فى الدنيا سوى أن تباع لتستغل كأصل عقارى (ومعروف أن مواقع المستشفيات العامة متميزة بكونها فى وسط البلاد أو على النيل) أو تستغل كمنشأة طبية من قبل القطاع الخاص المشترى! عدنا أيضا للشركة القابضة! ويعد القانون الجديد بأن المواطن سوف يكون له حق اختيار مقدم الخدمة الذى يلجأ له. ما هو المقصود بحق الاختيار؟ وما هو دور المواطن، وما هى أدواته فى معرفة الجيد من الرديئ فى مثل هذا التخصص المهنى؟ وهل فرض القانون على جميع المؤسسات الطبية عامة وخاصة أن تنشر علنا سنويا مؤشرات عملها من ناحية أعداد المرضى ونوعيتهم ونسب الشفاء ونسب الوفاه والمضاعفات؟ لا! الوعد هنا يداعب أحلام المواطنين فى أن المواطن حر فى الذهاب لأى مستشفى كما يريد، بينما المقصود هو المساواة بين القطاعين الحكومى والخاص فكلاهما هادف للربح. و المادة 13 تنص على أن هيئة المستشفيات والرعاية الصحية، ورغم النص على شمولها لهيئات وزارة الصحة المختلفة، إلا أنها لا تشمل كل المستشفيات القائمة، بل فقط تلك التى سيصدر قرار مجلس الوزراء موافقة عليها وفقا لمعايير محددة للاعتماد! أين الباقى؟ هل هو المطروح للبيع؟ كيف يستقيم أن نشكو من قلة موارد التأمين الصحى ونحن دولة فقيرة، ثم نحول القطاع المقدم للخدمة إلى قطاع ربحى ولا نوفر ذلك الربح بالحفاظ على القطاع الحكومى كقطاع غير هادف للربح؟! لقد طالبنا مرارا بالقضاء على فوضى النظام الصحى من خلال توحيد القطاع الحكومى كله فى قطاع حكومى تأمينى واحد غير ربحى، وهو ما يتسق مع تعميم التأمين الصحى على الشعب بأكمله، والتنسيق مع الجامعات لأن لها مهاما متميزة. يجيئ القانون الجديد للتخلص من على الأقل أقساما من الهيكل الحكومى سواء بعدم التعاقد معه (فيفقد زبائنه ويغلق أبوبه) أو بإلغاء التعاقد نتيحة لافتقاد الجودة المزعومة، وبالتالى لا يصبح لها دور فى الدنيا سوى أن تباع لتستغل كأصل عقارى (ومعروف أن مواقع المستشفيات العامة متميزة بكونها فى وسط البلاد أو على النيل) أو تستغل كمنشأة طبية من قبل القطاع الخاص المشترى! وهو ما سنفصله فى النقطة التالية.
3- بهذا نأتى لموضوع الجودة. يرى البنك الدولى أن المشكلة الأساسية فى القطاع الصحى الحالى هو افتقاد الجودة، ويصر على أن الجودة لا تتحقق إلا بالمنافسة، ويدعى ضمنا أن الجودة تكاد تكون مقصورة على القطاع الخاص، فما هى قصة الجودة؟ فى الحقيقة نحن لا نرى أن مشكلة القطاع الحكومى الأساسية هى افتقاد الجودة! ليس لأن الخدمة فى ذلك القطاع جيدة، ولكن لأنه من المعروف أن الجودة لا تتحقق ولا تقاس إلا بعد استيفاء الاحتياجات الأساسية basic requirements، وتلك هى بالتحديد ما تنقص القطاع الحكومى. ما هى تلك الاحتياجات الأساسية التى لا يمكن حتى النقاش عن الجودة دون توفرها؟ أولا الأطباء، ما هو عدد الأطباء المطلوبين وعدد المتوفرين منهم؟ صرح حاتم الجبلى الوزير الأسبق بأن المعدل الملائم لدولة نامية مثلنا هو طبيب لكل 500 مواطن (طبيبين لكل 1000 مواطن)، ونحن نوافق على ذلك ولا نطالب بستة أو سبعة أطباء لكل 1000 مواطن مثل انجلترا أو كوبا! كم عدد الأطباء المتوفرين فى مصر؟ إدعى حاتم الجبلى وقتها أن تلك النسبة متوفرة لأننا عندنا 183 ألف طبيب، ويقولون الآن أن عندنا 250 ألف طبيب، وهو خطأ شائع (أو تزوير فاضح ممن يعلمون) لأن هذا هو رقم القيد المسلسل فى نقابة الأطباء منذ إنشائها عام 1940، وبالتالى يضم كل الأطباء المتوفين خلال تلك الأعوام الخمسة والسبعين، غير من هاجروا هجرة دائمة عادة للغرب، وهجرة مؤقتة للخليج، غير من تركوا أو تركن المهنة لمهنة أخرى أو للزواج! أما عدد الأطباء فى مصر، مع توضيح أماكن عملهم (حكومة، هيئات، جامعات، خاص) فيوفره الكتاب السنوى الصادر عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وكذلك كتاب نفس الجهة عن الصحة. يبلغ نقص الأطباء فى آخر طبعتين صادرتين عن أعوام 2010 و2013 بين 45% و50%! أما فى مجال التمريض فنرى أن المعدل المناسب لنا 2.5 ممرضة لكل طبيب، أو خمس ممرضات لكل 1000 مواطن (مع ملاحظة أن متوسط عدد الممرضات فى الدول المتقدمة لمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية OECD فهو 8.9 ممرضة لكل 1000 مواطن). ونحن بلد منتجة للعمالة، ولكن هيكل الأجور المتدنى يطردها للخارج! ما عدد الأسرة المتوفرة فى مصر لكل 1000 مواطن؟ لن نقارن بالسويد (12 سريرا) و لا أمريكا (10 أسرة) ولكن بالهند (5 أسرة)، والمعدل يبلغ حوالى 1.2 سرير، أى ربع الهند! ويتفاقم النقص فى أسرة الرعاية المركزة وحضانات الأطفال كما نعلم جميعا! نعلم جميعا أيضا نقص المستلزمات فى المستشفيات الحكومية نتيجة لنقص الميزانية، ولنفس السبب نقص الصيانة والأجهزة وغياب صيانة المبانى. كل هذه مقومات أساسية لابد من توفيرها قبل تطبيق معايير الجودة. نحن أمام تزوير للمشكلة (بادعاء أنها مشكلة جودة وليس نقص الاحتياجات الأساسية) وتزوير للحل! يتضح تزوير الحل من أن معايير الجودة تجمع بين مؤشرات الجودة العلمية (نسبة العدوى بالمستشفيات، معدل وفيات المرضى بالمستشفى، نسبة إعادة الدخول للمرضى الذين خرجوا من المستشفى أو الاستقبال...الخ) وبين ما يسمى بمؤشرات الجودة التجارية (نسبة الإشغال، مدة الإقامة ودورة السرير ونسبة العائد الاقتصادى إلى الاستثمار..الخ). كيف طبق وزير الصحة السابق حاتم الجبلى معايير الجودة؟ قام بتدمير حوالى 500 مستشفى تكامل بتحويلها إلى عيادات طب أسرة بادعاء انخفاض نسبة الإشغال (متناسيا سبب ضعف الإشغال وهو نقص الاحتياجات الأساسية وعلى رأسها الأطباء) كما قام فى فبراير 2008 بإغلاق 70 مستشفى حميات من أصل 106 لأن نسبة الإشغال أقل من 25%! أدى هذا إلى كارثة حينما اجتاح وباء أنفلونزا الخنازير مصر فى العام التالى 2009، واضطر الوزير لإدخال المرضى فى المستشفيات العادية مما قاد لحالات عدوى كثيرة بين المرضى بتلك المستشفيات والممرضات والأطباء! لم يسعف الحظ حاتم الجبلى ببيع المستشفيات المقفولة لقيام ثورة يناير 2011 وذهابه هو ووزارة نظيف غير مأسوف عليهم! كما أن موضوع التعاقد مع جميع الجهات لا يتضمن هذا تفضيل الجهات غير الربحية العامة والخاصة فيحمل المريض بعبئ ربح كل جهات تقديم الخدمة! كما أنه من غير الواضح فى المادة 24 نطاق عمل المؤسسة المسئولة عن الجودة وهل يشمل القطاع الخاص أم لا، وهو فيما يبدو مستثنى من رقابتها؟! ألا يحق لنا أن نقول أن موضوع الجودة هو ستار للتخلص من القطاع الحكومى وخصخصته؟!
4- المشكلة الرابعة فى مشروع القانون هى وضع الأطباء وغيرهم من العاملين فى القطاع الحكومى. تنص المادة 24 على اعتماد الهيكل التنظيمى واللوائح المالية والإدارية وشئون العاملين دون التقيد باللوائح والنظم المعمول بها فى الهيئات العامة والحكومية فى هذا الشأن. أليس هذا وفاءً للتوصية المذكورة فى موجز مشروع الإصلاح الصحى ركيزة 3 إجراء 1 "لا وظائف مضمونة، أنقص عدد الأفراد الحالي"؟! ألا يمهد هذا لتنفيذ توصيات المؤسسات الدولية بإلغاء الوظائف الدائمة واللجوء للتعاقد والإطاحة بحق الاستقرار الوظيفى؟ بقرار واحد يلغى تغيين كل العاملين فى المستشفيات الحكومية الحالية ويحولوا إلى متعاقدين!
5- نأتى للتأمين على الأطفال. يدفع ولى الأمر حاليا 4 جنيهات لابنه الطالب فى المدرسة سنويا، كما يدفع 8 جنيهات للابن قبل سن المدرسة. وفى الحقيقة يعتبر التأمين على الأطفال مجانيا فى جميع بلدان التأمين الصحى الاجتماعى تقريبا لأنهم مستقبل الوطن سواء من أجل التنمية أو من أجل شباب أصحاء قادرين على الدفاع عن الوطن حين يحين وقت تجنيدهم. ولكن القانون الجديد يرفع التأمين الصحى على كل طفل إلى نصف فى المائة من إجمالى دخل الأب، بالإضافة للمساهمات المذكورة آنفا فى الأدوية والفحوص كما سبق القول، وهى سقطة خطيرة! لابد من التأمين الصحى على الأطفال على حساب الحكومة ويمول من الضرائب العامة أو الضرائب المخصصة للتأمين الصحى مثل ضريبة السجائر.
6- فى موارد التأمين الصحى رفع القانون من الضريبة المفروضة على السجائر، ولكنه ألغى الضرائب والرسوم الأخرى الموجودة فى معظم النسخ السابقة، وهى الضرائب على كل ملوثات البيئة والضارة بالصحة مثل ضريبة رمزية على طن الأسمنت أو طن الحديد أو رسوم المرور على الطرق السريعة، لماذا إعفاء الأغنياء حتى من 1% أو 2% فوق سعر تلك السلع وهى لن تضلعهم بينما تزيد من موارد الصحة التى تعانى من نقص الموارد؟!
7- وأخيرا تنص المادة 34 على تعديل الاشتراكات والمساهمات كل 5 سنوات بخبير اكتوارى، فاتحة الباب لزيادة الاشتراك وزيادة المساهمات وربما الانتقاص من الخدمات على يد مجلس الإدارة دون العودة لمجلس الشعب! فلنعد للقاعدة القانونية القديمة التى تنص على أنه لا ضريبة ولا أعباء على المواطنين إلا بإقرار مجلس الشعب وليس مجلس إدارة هيئة التأمين الصحى الاجتماعى الشامل. كما أن معظم الدول ذات التأمين الصحى الاجتماعى تعطى الأولوية لعلاج المواطنين وتنص على أنه إذا حدث عجز يستوفى من ميزانية الدولة لحين إعادة الدراسة الاكتوارية وعرض التعديلات القانونية المطلوبة على البرلمان لإقرارها.
8- من العجيب أن التأمين المسمى بالشامل ليس شاملا، لأنه يسقط حق المواطن فى التأمين! تنص المادة 29 على أن تلتزم الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى بسداد قيمة اشتراك التأمين الصحى الاجتماعى الشامل عن المتعطلين المستحقين للتعويض عن البطالة. ومن المعروف أن الاستحقاق للتعويض عن البطالة فى الدول المختلفة له شروطه القاسية مثل استثناء الشهور الستة الأولى، والإيقاف عند عرض أى وظيفة على المواطن ورفضه لها، ويستمر لمدة محددة عام مثلا، ثم يوقف، وفى مثل تلك الحالات وفقا للقانون يقف أيضا التأمين الصحى، وبهذا يصبح التأمين الصحى ليس اجتماعيا ولا شاملا!
9- القانون الجديد يلغى القانون 23 لسنة 2012 الخاص بالتأمين الصحى على المرأة المعيلة، والقانون رقم 127 لسنة 2014 الخاص بالتأمين الصحى على الفلاحين، وكان كلاهما ينص على أن تدفع الموازنة العامة للدولة 200 جنيها لكل مواطن من تلك الفئتين، فالقانون يوفر على الدولة فى الوقت الذى يعسر على المواطنين!
يحمل مشروع القانون الجديد كل سمات وبصمات البنك الدولى وهيئة المعونة الأمريكية فى الإصلاح الصحى. كنا نظن أن اللغط حول تلك البنود قد انتهى بإصدار الدستور الجديد، دستور يناير 2014، فالدستور فى المادة 18 ينص على ما يلى: "لكل مواطن الحق فى الصحة وفى الرعاية الصحية المتكاملة وفقا لمعايير الجودة وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التى تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافى العادل. وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وتلتزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحى شامل لجميع المصريين يغطى كل الأمراض، وينظم القانون اسهام المواطنين فى اشتراكاته أو إعفاءهم منها طبقا لمعدلات دخولهم. ويجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة. وتلتزم الدولة بتحسين أوضاع الأطباء وهيئات التمريض والعاملين فى القطاع الصحى. وتخضع جميع المنشآت الصحية والمنتجات والمواد ووسائل الدعاية المتعلقة بالصحة لإشراف الدولة ورقابتها، وتشجع الدولة مشاركة القطاعين الخاص والأهلى فى خدمات الرعاية الصحية وفقا للقانون." يتضح مما سبق عرضه التناقضات بين مشروع القانون وبين الدستور، حيث يسمح بتبديد هيكل المستشفيات الحكومية تحت ستار الجودة بدلا من الحفاظ عليه، كما يجعل التأمين معطلا فى بعض الحالات بالمخالفة للدستور، كما يخالف الدستور الذى ألزم المواطنين باشتراكات ولم يذكر المساهمات التى رأينا كيف يمكنها أن تعيق استفادة المواطنين من التأمين الصحى بإلزامه بدفع مئات الجنيهات شهريا بالإضافة إلى الاشتراك.
نحن نريد تأمينا صحيا اجتماعيا بحق وليس تأمينا تجاريا هادفا للربح، ويشمل جميع المواطنين دون استثناءات، ويؤمن مجانا على كل الأطفال، ويوحد جميع منشآت الدولة الصحية فى هيئة تأمينية غير ربحية واحدة، ولا يلتزم فيه المواطن سوى بالاشتراك، وتزداد مساهمة الدولة (سواء فى صورة دعم من الموازنة العامة أو فى صورة ضرائب مخصصة للصحة مثلما كان فى المشاريع السابقة والتى حذفت ولم يبق منها غير ضريبة السجائر).
دكتور محمد حسن خليل
منسق لجنة الدفاع عن الحق فى الصحة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آثار القصف الإسرائيلي على بلدة عيترون جنوبي لبنان


.. ما طبيعة القاعدة العسكرية التي استهدفت في محافظة بابل العراق




.. اللحظات الأولى بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في حي السلط


.. مصادر أمنية عراقية: 3 جرحى في قصف استهدف مواقع للحشد الشعبي




.. شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي دمر منزلا شمال غربي غزة