الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكم الخرافة والبديل المغامر

جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي

(Jassim Al-saffar)

2016 / 1 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


حكم الخرافة والبديل المغامر
جاسم الصفار

يحكى في قديم الزمان أن قوم من الأقوام كانوا يقيمون في وادي محاط من جميع جوانبه بالجبال ألشاهقة. وكان لسكان هذا الوادي نمط حياة خاص بهم تنظمه قوانين صارمة، يجري الالتزام بها طوعا منذ الطفولة لتصبح اساس معتقدات وتقاليد تميز هذه المجموعة البشرية عن غيرها، يفتخر بها الاباء ويصغي لها الابناء.
من جملة القوانين التي اصبحت سنة يعيش وفقها سكان الوادي، قانون غريب يضع حدود لحرية حركة الانسان، بحجة ان الشيطان قد يوسوس في صدور الناس ويزين لهم مباهج الحركة والتنقل فيدفعهم الى التهلكة عند مغادرة الوادي وتسلق الجبال المحيطة به، فكل ما هو خارج الوادي وخلف تلك الجبال بيئات شيطانية تغري الانسان بمباهجها وتدفعه نحو الخطيئة التي سيعاقب عليها بعذاب ابدي لا نجاة منه.
ولتفويت فرصة الغواية على الشيطان، كان على كل مواطن في الوادي أن يحمل حول خصره منذ طفولته حزام تشد اليه حلقة من الخشب، تعلق عليها أثقال يجري تغييرها بصورة مستمرة بالتوافق مع العمر بحيث لا تسمح لحاملها بتسلق الجبال. وبهذه الطريقة يتجنب الانسان ارتكاب خطيئة التمتع بمباهج الحياة الشيطانية وينجو من عقاب الله.
ولكن هذا النظام ألذي تحرسه قوانين يسهر على تنفيذها سدنة معبد الوادي الذين يملكون سلطة مطلقة دينية ودنيوية على سكانه لم يرق للجميع. فنمت وتسربت بين الشباب أفكار جديدة لا ترى أية ضرورة لحمل الأثقال، وتنادي بالتحرر منها. ومع اتساع انتشار هذه الأفكار ألتحررية وزيادة عدد المنادين بها، تهيأت الظروف ألمناسبة للتغيير ألثوري.
وفي موعد محدد للتغيير، كسر الشباب قيودهم وثاروا على المعبد فارضين على سدنته احترام ارادة السلطة الجديدة التي لها وحدها، بعد نجاح الثورة، ان تنظم شؤون سكان الوادي. واعلنت قوانين جديدة تمنع حمل تلك الاثقال وتشجع على تبني نمط حياة جديد لا يقوم، كالسابق، على الخرافة والخوف من ألمجهول.
اثر هذا التغيير ألثوري ألذي منح الناس حرية أكبر للحركة وطموح كبير لسبر أغوار ألمجهول واكتشاف ألعالم ألذي يقع خلف السور الجبلي الذي يسور الوادي، تنادى الشباب جماعات لتسلق الجبال تقودهم رغبة الاكتشاف والتمتع بالقدرات الجديدة قبل المعرفة والخبرة والدراية. وهكذا بين فترة وأخرى تتهيأ مجموعة من الشباب لرحلة طويلة لم يعد منها أحد. ولم يسمع عنهم بعد مغادرتهم الوادي غير صرخات تمزق صمت الجبال بين فترة واخرى، تدل على تعرض بعضهم لمكروه. اما الناجون فلم تغريهم العودة.
تسرب ألقلق الى نفوس من بقى من سكان الوادي بعد انتشار شائعات تحكي روايات عن المصير ألمفجع ألذي لاقاه المتسلقون المغامرون ألذين لم يأبهوا للوائح الدينية ولا لتقاليد قومهم ففتكت بهم الضواري وعاقبت الالهة من بقى منهم حيا على معصيتهم للإرادة الربانية واتباع هوى النفس وغواية الشيطان. وكانت هذه الشائعات اساسا لتقويض النظام الجديد والتخلي عن كل ما اتى به الشباب من "بدع" زعزعت الامن والامان في الوادي، فعادت السلطة لسدنة المعبد مع حفنة من الانتهازيين والوصوليين الطامحين للحكم والتحكم بالأخرين.
لم تعد سلطة الخرافة كما كانت في السابق ولم يعد النظام في الوادي على حاله قبل ثورة التغيير، فبعد كل مغامرة تاريخية فاشلة، تغتني تجربة القوى الرجعية والمحافظة وتصبح اكثر براعة في ادارة السلطة والحفاظ على ديمومتها، سواء بالقمع او بشراء الضمائر او بالاثنين معا.
اما قوى التغيير والتنوير فتبقى شاخصة بأبصارها حد العمى نحو نور المعرفة، تبحث في فسيفسائها والوان قزحها عن لون واحد يبعث فيها الامل بمشروع تغيير جديد. لا هي قادرة على رؤية الظلام الذي يحاصر المعرفة بكل مخلوقاته المصنوعة من الشهوة والمال والدم، ولا هي قدرة على تمييز الوان اخرى في نور المعرفة، دونها لن يكتمل الوجه الحقيقي والانساني للمعرفة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. WSJ: لاتوجد مفاوضات بين حماس وإسرائيل في قطر حاليا بسبب غياب


.. إسرائيل تطلب أسلحة مخصصة للحروب البرية وسط حديث عن اقتراب عم




.. مصادر أميركية: هدف الهجوم الإسرائيلي على إيران كان قاعدة عسك


.. الاعتماد على تقنية الذكاء الاصطناعي لبث المنافسات الرياضية




.. قصف إسرائيلي يستهدف منزلا في مخيم البريج وسط قطاع غزة