الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


افكار في موضوع المصالح الوطنية

جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي

(Jassim Al-saffar)

2016 / 1 / 13
مواضيع وابحاث سياسية



مع ان حجر الاساس لبنية العملية السياسية في العراق وضع منذ سقوط نظام البعث عام 2003 الا ان جذورها الحقيقية تمتد الى فترة طويلة تسبق هذا التاريخ. فالأنظمة الدكتاتورية لا يمكن ان تغادر دون ان تترك بعدها ترسبات واثار تضرب في جذور المجتمع العراقي وتهدد بنيته المستقبلية.
وبالتالي فليس غريبا ان تتكون السلطة العراقية اليوم من قوى وتيارات خرجت من بطون ازمة النظام السابق. بعضها عانى من الاضطهاد والتمييز الطائفي والقومي وبعضها الاخر كان اما من تشظيات النظام الدكتاتوري السابق او من الذين وجدوا سبيلهم الى السلطة في التهويل من اخطاء وتجاوزات الفريق الاول، معتمدين الطائفية والتعصب القومي منصة انطلاق نحو كرسي الحكم.
ولم تكن التوازنات وتغيراتها بين القوى الفاعلة في السلطة والمشاركة في العملية السياسية، اساسا صالحا لبناء الدولة العراقية الحديثة التي تلبي حاجات المواطن وطموحاته. لا بل اصبحت هذه التوازنات واليات تغييرها بالطرق السلمية او القمعية هي الهدف الذي انحسر نشاط جميع القوى السياسية التي تدير دفة الحكم الى حدوده. واصبح موضوع المصالحة جزء من تلك الاليات التي يفهمها كل من الاطراف المتقاسمة للسلطة بطريقته الخاصة.
في ظل هذا الوضع القائم، تصبح اية مصالحة بمفهوم القوى والاحزاب التي تتقاسم السلطة، ليست غير اعادة ترتيب لقواعد المحاصصة الطائفية والقومية. وهي اعادة ترتيب لحين حصول تغير ما في طبيعة التوازنات السياسية للقوى المستفيدة من الشحن الطائفي والقومي.
وعليه، فما دامت التناحرات واجواء الفرقة القومية والطائفية هي الارض الخصبة التي تعيش عليها الاحزاب المؤثرة في صناعة القرار السياسي العراقي، وتستمد منها اسباب وجودها وحقها في تقاسم السلطة وخيرات الوطن، فانه ليس من المنطقي ان نتوقع نتيجة لمصالحة بين تلك الاحزاب، تفكيك لأسباب الازمة المتمثلة بالاحتقان الطائفي والاثني. لذا فان أي مضمون جاد لمشروع مصالحة وطنية يجب ان يقوم على اساس اجتماعي وطني وليس على اساس سياسي.
فمتى ما تصبح قضية المصالحة بين ابناء وطننا الواحد قضية وجود ومصير يحدد مستقبل العراق كامتداد تاريخي لحضارات صنعت ملامح الانسان العراقي ووضعت اشاراتها لآفاق مستقبله. ومتى ما يؤمن المجتمع العراقي بكل فسيفسائه ومكوناته القومية والدينية والطائفية بان وحدة النسيج الاجتماعي هي قضية وجود للوطن والمجتمع العراقي، حاضرا ومستقبلا، نكون عندئذ قد لمحنا النور في نهاية النفق وبدأنا بكتابة مشروع الامل لبقاء وازدهار العراق.
والمصالحة الوطنية التي تمهد فعلا لمشروع الامل هي مصالحة المجتمع العراقي بكل مكوناته مع نفسه، والتي تلعب الاحزاب السياسية الوطنية المتجاوزة لشعارات الفرقة الاثنية والطائفية اضافة الى منظمات المجتمع المدني دورا اساسيا في وضع منهاجها وترسيخ مفاهيمها، وليس مصالحة بين قوى وتيارات وشخصيات سياسية برزت على سطح الخلافات الدينية والطائفية والقومية واستمدت وجودها من سعة هذه الخلافات وعمق جراحها.
لا جدوى اليوم من مشاريع التهدئة والمصالحة المبهمة وغير المنهجية. ولا مصالحة واقعية دون برنامج منهجي يتعامل مع مجمل العوامل التي افرزت مظاهر الفرقة الدينية والطائفية داخل المجتمع العراقي. والتجارب العالمية المماثلة لتجربتنا، كالتجربة الروسية في تسعينات القرن الماضي وبداية القرن الحالي تؤكد ان المدخل الصحيح لمعالجة جذور الاحتقان القومي والديني تكمن في دعم الدولة للمؤسسات الدينية على اختلاف انواعها ومذاهبها والاهتمام بتطوير الثقافة والتراث القومي مع اعادة بناء المنظومة القانونية والحقوقية على اساس المواطنة.
هذا من جهة، ومن الجهة الاخرى فانه يجب فصل السياسة عن الدين والمذهب والقومية وتحريم انشاء الاحزاب السياسية على اسس قومية او دينية، أو على اقل تقدير، تحريم دعوات الفرقة الدينية والمذهبية والاثنية في برامج وشعارات الاحزاب السياسية، ودعوة المحكمة الاتحادية لوضع اساس قانوني مستوحى من الدستور القائم للبت في مخالفات من هذا النوع.
التجربة الروسية، في مواجهة التعصب الديني اتجهت منذ البداية نحو التصالح مع الكنيسة الأرثوذوكسية ولم تكتفي بإعادة جميع ممتلكاتها المصادرة في زمن الحقبة الاشتراكية، بل وقدمت لها مساعدات هامة في جميع المجالات لتسحب البساط من تحت ارجل المتاجرين بالدين من ممتهني السياسة. وعندما واجهت روسيا الاتحادية خطر التطرف الاسلامي فإنها وبعد عقد كامل من تجربة فاشلة للرئيس الروسي الراحل يلتسن نجحت في تفكيك عناصر الازمة، معتمدة مبدأً اساسيا يقوم على التمييز بين التدين الاسلامي المعتدل وبين الاسلام السياسي الذي يقوم على امتطاء الدين للوصول الى السلطة الدنيوية.
فمع الالتزام بمبادئ التسامح الديني والدعم غير المحدود للمؤسسات الدينية الاسلامية ومنظومتها من دعاة وأئمة ودعمها لوجستيا في جميع المجالات التي تعينها على اداء مهامها كمؤسسات هداية ووعظ ديني، ضربت الدولة الروسية بيد من حديد كل بؤر الارهاب وشبكات انتشارها وحواضنها السياسية على كل الامتداد الجغرافي لروسيا الاتحادية وأوربا. وفي الوقت الذي كان فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتن يقدم دعما غير محدود للداعية الاسلامي، الرئيس الشيشاني الراحل احمد قاديروف، لاحقت القوى الضاربة لجهاز الدولة رموز الارهاب في كل مكان بهدف تصفيتهم.
لذا، ومن وحي نفس التجربة، يتعين على الاحزاب السياسة الوطنية العابرة لأفكار الفرقة القومية والطائفية ومنظمات المجتمع المدني، ان تضع في اولويات برامجها للمصالحة، مشروعا مطلبيا بإعادة جميع دور العبادة الى اهلها وهويتها التي اقيمت على اساسها منذ النظام المقبور بغض النظر عن اسباب ومسوغات التغيير في هويتها. عندها سنكون قد آمنا بان الانسان العراقي اغلى ثمنا من حجارة المعبد وتعالينا على تجاوزات واخطاء الماضي القريب، سواء تلك التي ارتكبت قبل 2003 او بعد هذا التاريخ. وعليها ايضا مطالبة الدولة ان تدير معركة وجود لا هوادة فيها ضد الارهاب وحواضنه السياسية.
ومع ايماننا بان من حق المواطن العراقي ان يعبر عن ايمانه بالدين او الطائفة التي ولد على هواها او التي تبناها، كما ان من حقه ان يناضل ضد مظاهر الفرقة والتمييز الديني او الطائفي او القومي، الا اننا يجب ان نقر بان الدولة وجميع مؤسساتها الاتحادية (المركزية) او المحلية بما فيها مؤسسات الاقليم، هي لكل المواطنين على اختلاف مشاربهم. وانها مركز وحدتنا وقاعدة تالفنا في اطار الوطن الواحد. وانها لن تكون كذلك اذا استمر تعليق الصور او المقتبسات الدينية او الطائفية او القومية الوحيدة الطرف، والتي يستفز بعضها مشاعر الطرف الاخر، على مباني وفي اروقة مؤسسات الدولة.
والمصالحة الحقة تبدأ بإزالة جميع مظاهر الفرقة والاستفزاز من الشوارع والمباني الحكومية والعامة وإعادة النظر برموز الوطن كالعَلم والنشيد الوطني والمنظومة الحقوقية التي وفقها تنظم الحياة الاجتماعية للمواطن، ووضع اليات للدفاع عن المؤسسة الدينية مع ضمان استقلاليتها عن المؤسسات الحزبية السياسية، وكذلك الدفاع عن حق كل المجموعات الاثنية في العراق في استخدام لغتها وتطوير ثقافتها وتراثها.
واخيرا بودي ان اؤكد كخاتمة لهذه الافكار التي نثرتها امامكم في ورقتي هذه على اننا امام منعطف تاريخي علينا فيه ان نكون كريمين في تسامحنا وشديدين في مواقفنا. ولكن قبل ذلك يجب ان نحدد مع من نتسامح ومع من يجب ان نكون اشداء وصارمين في مواجهاتنا ونزالنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟| المسائية


.. اختيار أعضاء هيئة المحلفين الـ12 في محاكمة ترامب الجنائية في




.. قبل ساعات من هجوم أصفهان.. ماذا قال وزير خارجية إيران عن تصع


.. شد وجذب بين أميركا وإسرائيل بسبب ملف اجتياح رفح




.. معضلة #رفح وكيف ستخرج #إسرائيل منها؟ #وثائقيات_سكاي