الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موقفنا من العقيدة الدينية

رياض العصري
كاتب

(Riad Ala Sri Baghdadi)

2016 / 1 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مضمون هذا المقال كنت قد نشرته في عام 2006 عبر موقع الحوار المتمدن بعنوان ( نهاية العقيدة الدينية ) والحقت به مقال آخر بعنوان ( اضواء حول نهاية العقيدة الدينية ) ونظرا لأهمية المقالين فقد ارتأيت ان اعيد نشرهما بعد دمجهما في مقال واحد مع اجراء التعديلات والاضافات المناسبة .
من المعلوم ان جميع الاديان الموجودة في العالم في الوقت الحاضر كانت قد تأسست منذ عشرات القرون ، وحتى احدث العقائد الدينية او المذهبية الموجودة حاليا فانها تأسست قبل القرن العشرين الذي هو قرن التغيير العظيم في حياة البشر ، اذ ان التغييرات التي حدثت في حياة البشر في القرن المنصرم ( القرن العشرين ) قد فاقت كمّا ونوعا جميع التغييرات التي حدثت في حياة البشر على مدى آلاف السنين , لقد قدمت العلوم والمخترعات التي ظهرت في القرن العشرين انجازات عظيمة للحضارة البشرية ، انجازات هي أشبه بالمعجزات التي كان يحلم بها الانسان قديما أو حتى لم يكن يحلم بها على الاطلاق , فحقائق كثيرة عن المادة والطاقة أكتشفت , واجهزة عظيمة الفائدة اخترعت ، وتغيرت من جرائها طرق وأساليب العيش والعمل , وبالتالي تغيرت مظاهر حياتنا المعاصرة وتغيرت أزائها مفاهيم اجتماعية كثيرة ، وهذا ما يجعل عصرنا الحالي عصرا متميزا من حيث التقدم العلمي والتفوق المعرفي والحضارة التكنولوجية ، له سمات وملامح تميزه عن جميع العصور التي مرت بها البشرية عبر تاريخها منذ فجر الحضارة ، وان الفضل في هذه الحضارة التي يتمتع بها البشر في العصر الحالي انما يعود الى أولئك العلماء العظماء الذين اكتشفوا قوانين الطبيعة فسهّلوا من خلال استخدام تلك القوانين الاستفادة من المواد والطاقات الموجودة في الطبيعة في صنع حضارة القرن العشرين التي هي اعظم انجازات بني الانسان ، ان سعة المعلومات المتوفرة لدينا حاليا كمّا ونوعا عن الكون والحياة والانسان وكل ما تشتمل عليه الحضارة المعاصرة لم تكن متوفرة للبشر في العصور السابقة, وبالتالي فان البشر في العصر الحالي هم بشكل عام أكثر علما ومعرفة بمستويات عالية جدا من البشر في العصور السابقة ، وبناءا على ذلك فان من غير المعقول ان نستمر في التمسك بعقائد وافكار العصور السابقة دون تفحّص وتمعّن لمدى توافقها مع الحقائق العلمية ومدى صلاحيتها وملائمتها لعصرنا , ومن غير المنطقي ان نستمر في الرؤية الى كل ما يتعلق بشؤوننا وتنظيم حياتنا وما يحيط بنا من خلال عيون وعقول أناس عاشوا قبل عشرات القرون , صحيح ان عيون البشر لم تتغير من الناحية الفسيولوجية ولكن المرئيات تغيرت وكذلك مساحة الرؤية , ان من يقف على قمة التل يمتلك مساحة رؤية أوسع وأبعد ممن يقف على سفح التل ، كما ان من ينظر ويراقب ما يحيطه عبر نافذة واحدة لن يتمكن من رؤية كل ما يجري حوله ، اننا لا ننكر ان جميع الاديان الشائعة في العالم حاليا قد أدت خلال العصور السابقة خدمات للبشرية , وكان لها أهمية كبيرة في مراحل تطور الفكر البشري ، فقد كان لوجودها ضرورة وكان لقيمها وتعاليمها دورا كبيرا في الاستقرار النفسي للبشر في عصور الجهل من خلال اسلوبها العاطفي في مداعبة خيالات المحرومين والمعذبين على أمل ان ينالوا بعد موتهم ما حرموا منه في حياتهم ومعاقبة من تسببوا في عذاباتهم ، والحقيقة ان الفكر الديني ينفع في المجتمعات التي يسودها الجهل لانه هو الفكر المناسب لاخضاع الجهلة وضبط سلوكهم حتى وان كانت وعوده كاذبة ،العقائد الدينية بشكل عام تتضمن افكار خيالية ، غير معقولة ، غير منطقية هدفها ابهار الاتباع وتهدئة نفوسهم الحائرة وكسب ولائهم المطلق وخضوعهم التام مستغلة جهلهم وخوفهم ، وعلى العموم ان يحيا الانسان على أمل غير قابل للتحقيق خيرا من أن يحيا بلا أمل , ومعلوم ان العقائد الدينية انما هي بالاساس نظريات اجتماعية وليست نظريات علمية ، وانه لا يمكن لاي نظرية اجتماعية ان تبقى صالحة لعدة قرون مهما كانت عبقرية مؤسسها , ولقد آن الاوان لطي صفحة تلك العقائد ووضعها في المتاحف بعد ان انتهى دورها واصبحت غير صالحة للعصر الحالي للبشرية نتيجة انتشار العلم والمعرفة والثقافة ، وهذه النتيجة تشمل حتى الديانات التي توصف بانها ديانات سماوية ونعني بها الديانات الاسلامية والمسيحية واليهودية ، حيث تأسست عقائد هذه الديانات على عبادة اله واحد ذو قدرات عظيمة وسلطات واسعة ، ولكن هذا الاله الجبار خذل اتباعه حيث فشل في حمايتهم من مآسي الحروب ونكباتها ومن المجاعات ومن الاوبئة ومن كوارث الطبيعة ومن الظلم وفساد الذمم الذي ساد مجتمعاتهم عبر التاريخ وما يزال الظلم قائما ، مما يدل على انه الها وهميا صنعه مؤسسوا هذه الديانات وفقا لتخيلاتهم وثقافتهم وجعلوه يتمتع بالحصانة المطلقة ولا يتحمل اي مسؤولية ، ونستطيع ان نلقي بعض الضوء على نقاط الضعف في عقائد هذه الديانات : ـ
1ـ تشتمل جميع هذه الديانات على روايات ساذجة عبارة عن اساطير خيالية غير منطقية وغير معقولة ولا تعبر عن الحقيقة وتستخف بالعقل البشري ، كما تشتمل هذه الديانات على أفكار ومعلومات تتعارض مع النظريات العلمية المعروفة تعارضا حادا لا مجال للتوفيق بينهما ، الحقيقة انه لا يمكن الجمع بين العلم والعقيدة الدينية في بيئة واحدة لان لكل منهما طريق ، وان طريق العلم فقط هو المؤدي الى الحقيقة
2ـ ألاساليب التي تعتمدها هذه الديانات في تنظيم الحياة الاسرية والمجتمع لا تتفق مع معطيات عصرنا ومع ما حصلت عليه المرأة من حقوق ومكتسبات والتي لم تكن متوفرة لها في عصور تأسيس الاديان ، وبالتالي فان أساليبها في تنظيم شؤون الاسرة والمجتمع ومعالجة المشاكل الاجتماعية غير صالحة في عصرنا الحالي
3ـ تشتمل هذه الديانات على عبادات للتعبير عن الخضوع للاله والالتزام بتعاليمه ، ولكننا نرى ان تلك العبادات ليست الا طقوس او ممارسات عبثية لا معنى لها ولا جدوى من ورائها , فهي لا خيرا تصنع ولا شرا تمنع ، بل ان بعضها يكون مصدرا للضرر للفرد وللمجتمع ، اننا نعتقد ان الطقوس العبادية التي تشتمل عليها الاديان لم تعد تتلائم مع متطلبات عصرنا الحاضر
4ـ غالبية اتباعها انما هم منتمون اليها بالوراثة عن الوالدين والاجداد ولم يكن انتمائهم اليها عن ارادة او نتيجة قناعة , وبالتالي فان الكثرة العددية لأتباع اي ديانة لا تعني شيئا ولا يمكن اعتبارها معيارا لصلاحية تلك الديانة
5ـ تعرضت هذه الديانات خلال تاريخها الطويل الى انشقاقات وانشطارات فكرية نجمت عنها فرق وطوائف ومذاهب ذات اتجاهات متباينة ، هذه الانشقاقات والانشطارات دليل على ان الدين (اي دين ) كفكر وعقيدة مرتبط بظروف نشأته من حيث المكان والزمان ، فاذا ما تغيرت تلك الظروف عجز الفكر عن مواكبة التغيرات ووقف الاتباع عند مفترق الطرق ثم حدثت الخلافات بينهم وحدثت الانشقاقات ، وغالبا ما كانت تتحول الخلافات بين اتباع مذاهب الديانة الواحدة الى صراعات دموية ، ويمكن القول ان الصراع الطائفي بين اتباع اي ديانة انما هو نتيجة طبيعية ل( بضاعة فكرية رديئة + مستهلكين جهلة ) اذ انه عندما تنشطر الديانة الواحدة الى مذاهب تتقاتل في ما بينها فهذا دليل على ان البناء الفكري لتلك الديانة غير رصين مما يعكس مصدرها البشري الذي يحمل في مضامينه عجز العقل البشري وبالتحديد عقل مؤسس تلك الديانة عن استيعاب المتغيرات المستقبلية وتجاوز معطيات البيئة المحلية الى ما هو أعمق وأوسع وأبعد مدى
6ـ يدعي مؤسسي هذه الديانات ان كتبهم منزلة من السماء عن طريق وحي او ملاك مرسل من قبل رب السماء ، ونحن نعتقد بان هذا الادعاء غير صحيح وذلك لعدم توفر ادلته العقلية والمنطقية .
بعد عرض هذه الملاحظات نتسائل : هل تستحق مثل هذه العقائد التي تنطوي على أخطاء وعيوب فكرية ان نمنحها ثقتنا وايماننا وان نحملها كميراث من الاجداد لننقلها الى الابناء فالاحفاد ؟ والسؤال المهم هنا هو : ما الذي يجعل المؤمنين بالعقيدة الدينية في عصرنا الحالي ان يصدقوا بأن كل ما جاء به نبيهم من تعاليم هي نافعة وصالحة في كل مكان وزمان ؟ ماهي المعايير التي يعتمدوها لاثبات صلاحية تعاليم ومعتقدات دينهم في كل مكان وزمان ؟ بل ما الذي يجعلهم يصدقوا بان مؤسس دينهم هو حقا نبي يحمل رسالة من السماء لتبليغها الى البشر؟ ما هي الادلة والحجج التي لديهم لاثبات صدق نبوة نبيهم ؟ لو تم توجيه السؤال الاخير الى المؤمنين بأي عقيدة دينية لجاءت الاجابات مختلفة ولكننا نستطيع توقع ان تكون الاجابات بشكل عام ضمن الاطر الاتية :
1ـ ان نجاح نبيهم في نشر دعوته وانتشار دينه دليل على ان جميع تعاليم دعوته صائبة وانه مرسل حقا من قبل السماء
2ـ ان انتصارات نبيهم في معاركه ضد أعداء دينه بالرغم من قلة عدد اتباعه وضعف امكانياتهم دليل على انه مرسل حقا من قبل السماء
3ـ ان بقاء دينهم لحد يومنا هذا وعدم زواله رغم مرور عشرات القرون على تأسيسه دليل ان كل ما يشتمل عليه هذا الدين من تعاليم وعقيدة انما هي صحيحة ونافعة للبشر لان ما ينفع الناس يمكث في الارض ، وبناءا على ذلك فان مؤسس دينهم هو نبي مرسل حقا من قبل السماء
4ـ ان سيرة نبيهم منذ ولادته رافقتها معجزات كما انه هو ذاته كان خلال دعوته صاحب معجزات خارقة لا يستطيع ان يأتي بها أي انسان عادي وهذا دليل انه مرسل من قبل السماء
هذه هي الاجابات التي نتوقعها من قبل المؤمنين بأي ديانة لتبرير ايمانهم وثقتهم بنبيهم وتصديق كل اقواله وقبول كل تعاليمه ، ولكن دعونا نتسائل بناءا على هذه الاجابات هل أن كل نجاح او مكسب في العمل يمكن اعتباره دليلا على الاستحقاق والاهلية ؟ وهل ان كل انتصار او فوز في المعارك او المواجهات او الصراعات يمكن اعتباره دليلا على الاستحقاق ؟ وهل ان كل من يمتلك القدرة على البقاء والاستمرارية يمكن اعتباره دليلا على امتلاكه المنفعة والصلاحية والاستحقاق ؟ ما هي المعايير التي تعتمد لاثبات ان وراء أي نجاح يحرز في أي مسعى او أي مشروع , او وراء أي انتصار يحرز في أي مواجهة قتالية , او وراء أي عمل يتصف بالبقاء والاستمرارية هو الحق او المصداقية ؟ ان تلك الاجابات المفترضة نستطيع ان نرد عليها بطريقة علمية فنقول :
اولا ) علاقة النجاح بالحق : ان نجاح اي عقيدة في الانتشار لا يمكن اعتباره دليلا على ان جميع تعاليمها ومفاهيمها صحيحة وصائبة وتعبر عن الحقيقة , اذ من الممكن تحت ظروف الجهل ان يكون النجاح حليف الخطأ ويكون الفشل نصيب الصواب ، ان الجهل يعمي الابصار , ففي ظل الجهل لا يمكن التمييز بين الخطأ والصواب ، ولا يمكن التمييز بين الحقيقي والمزيف , ولا يمكن التمييز بين الصدق والكذب ، فقد ينجح تاجر ذو مهارة في فن التجارة في خداع الناس وبيعهم ما لديه من بضاعة مغشوشة او رديئة وغير مطابقة للمواصفات الصحيحة مستغلا جهلهم اونقص معرفتهم , وقد ينجح محامي حاذق ذو خبرة في الشؤون القانونية في كسب قضية باطلة مستغلا جهل أصحاب الحق في توفير الادلة الثبوتية لدحض افتراءات قضيته الباطلة , وقد يحرز النجاح طالب مهمل مستعينا بوسائل الغش ومستغلا ضعف المراقبة في قاعة الامتحان ، وخلاصة القول ان أي نجاح ليس دائما نتيجة حتمية للحق وللصواب , ففي وجود الجهل وضعف الوعي وانعدام الرقابة كثيرا ما يحرز صاحب الباطل النبيه نجاحا على صاحب الحق المغفل .
ثانيا ) علاقة النصر بالحق : ان الانتصار في المعارك والمواجهات ليست بشكل مطلق دليلا على الحق والصواب ، ففي ظروف معينة يمكن لاصحاب الباطل ان ينتصروا في صراعهم ضد اصحاب الحق ، اذ ان نتيجة أي صراع اوقتال بين طرفين او فئتين يتوقف من الناحية المبدأية على ثلاثة قوى بغض النظر عن مباديء اومعتقدات كل طرف وبغض النظر عن مصداقية او استحقاق كل طرف , والقوى الثلاثة هي ( المادة + الطاقة + الحركة ) ويمكن توضيحها على الشكل الاتي :
1ـ المستلزمات المادية : وتعني مدى امتلاك كل طرف للقدرات المادية القتالية والتي نعني بها المقاتلين ومعدات القتال كمّا ونوعا ، فهذه القوة لها اهمية كبيرة في نتيجة اي معركة او مواجهة مسلحة او غير مسلحة
2ـ المستلزمات المعنوية : وتعني مدى امتلاك كل طرف للطاقة القتالية اي القوة المعنوية الدافعة التي تدفع المقاتل نحو القتال والتضحية او المغامرة بحياته في سبيل مكاسب عقائدية او اقتصادية او حتى مجرد نزعة عدوانية توسعية شريرة من اجل مكاسب ومتع حسية , ان الطاقة القتالية تختلف من انسان لاخر حسب قوة الدوافع التي تحركه , وعادة يولّد الحق معنويات عالية وطاقة قتالية كبيرة لدى اصحابه حتى لو كان عددهم قليل , ولكن من الممكن ان يولد الباطل طاقة قتالية ايضا لدى اصحابه المخدوعين الذين يقاتلون عن اعتقادهم بانهم على حق ، موضوع المعنويات يتعلق بمبدأ الايمان ذاته بالدافع القتالي وليس بمضمون الايمان , ففي ظل ظروف الجهل يمكن للباطل من خلال اساليب الخداع والتضليل او ربما عن جهل بالحقيقة ان يشحن اتباعه الجهلاء بطاقة قتالية بدافع عقائدي او بدافع الحصول على المكاسب او المتع المادية , والتاريخ يحدثنا عن معارك عديدة انتصر فيها الباطل على الحق , والخطأ على الصواب , والزيف على الحقيقة , والهمجية على الحضارة ، وحتى في التاريخ الاسلامي حدثت الكثير من المعارك بين المسلمين انفسهم وكل طرف في الصراع كان يقاتل بدافع الحق كما يعتقد ولكن هل كانت نتائج تلك المعارك جميعها لصالح الاطراف التي بجانبها الحق فعلا ؟ هذا مع العلم بان الانتصار في معركة لا تعني ابدا الانتصار في حرب لان النهاية في اي حرب هي للحق وللصواب وللحقيقة وللحضارة الانسانية ، وقد طالت كثيرا حرب حضارة الانسان المعاصر ضد الدين الذي يمثل حضارة الانسان في عصور الجهل ولابد من طي صفحة الماضي واسدال الستار على منتوجات تلك الحضارة في حياتنا المعاصرة
3ـ المستلزمات الفنية التكتيكية : وتعني مدى امتلاك كل طرف لفنون الحركات التكتيكية المفاجئة والسريعة والدقيقة في المكان والزمان المناسبين ، اذا ان المناورة والمراوغة والتمويه وكل ما يتعلق بفنون الحركات التكتيكية لها دور مؤثر في ساحة الصراع لصالح الطرف الاكثر تفوقا في هذا المضمار بغض النظر عن استحقاقه او صواب موقفه .
ان هذه العوامل الثلاثة تمثل قوى فعالة اساسية في أي قتال , وعادة ما يمتلك كل طرف في ساحات المعارك قدرا متباينا من هذه القوى , وان نتيجة القتال او الصراع او المواجهة تكون لصالح الطرف الذي يمتلك أعلى قيمة لمحصلة هذه القوى الثلاثة التي لديه , والشيء الذي نؤكده هنا ان قيم ومباديء الحق ليست معيارا وحيدا في ميزان القوى بين أي طرفين متحاربين , فاذا كان الحق هو المصدر الاقوى للطاقة القتالية فانه بالتاكيد ليس المصدر الاوحد , كما ان ليس كل قتال بين طرفين يستوجب ان يكون الحق بجانب احدهما ، فقد يكون كلا الطرفين المتخاصمين على باطل ، وليس مستغربا ان تكون بعض المنازعات ناجمة عن سوء فهم او سوء تقدير او نقص في المعلومات او تلفيق في الاخبار ولا علاقة لمبدأ الحق والصواب في تلك المنازعات ، وخلاصة القول ان الانتصار في ميادين القتال لا يمكن اعتباره دليلا على صواب او استحقاق المنتصر.
ثالثا ) علاقة المنفعة بالبقاء وبالحق : ما يتعلق بمبدأ ( ما ينفع الناس يمكث في الارض ) فان هذا لا يعني ان البقاء والاستمرارية والديمومة حصرا لكل ما هو نافع للناس , فالبقاء وفقا لمعاييرالطبيعة ليس مرهونا بالمنفعة للناس وانما مرهونا بالتوافق مع قوانين الطبيعة بغض النظر عن حصول المنفعة للانسان او عدم حصولها , وهناك الكثير من الكائنات والاشياء الموجودة في بيئتنا الطبيعية منذ زمن سحيق وهي لا منفعة فيها لنا , بل ان بعضها ضارة لنا . ان المعتقدات التي يؤمن بها الناس قد تبقى راسخة في عقولهم ووجدانهم على مدى آلاف السنين , ولكن بقاء هذه المعتقدات كل هذه الفترة الطويلة في عقول الناس لا يعتبر دليلا على منفعتها وصلاحيتها مئة بالمئة , لان اي معتقدات مهما كانت درجة صلاحيتها او منفعتها فان لها القدرة على المكوث في عقول الناس زمنا طويلا طالما كانت الحقيقة مجهولة ، فمن ذا له القدرة على دحض الافتراءات اذا لم يكن يعرف الحقيقة ؟ ومن ذا يملك القدرة على التمييز في الظلام اذا لم يكن يحمل مصباحا ؟ في ظل غياب الحقائق فان صفة البقاء والديمومة ليست معيارا للصلاحية وليست دليلا على الاستحقاق ، وهذه من قوانين الحياة ان المعتقدات والقيم الخاطئة يمكن لها ان تحظى بالبقاء في بيئة الجهل ، وان بقاء هذه المعتقدات زمنا طويلا ليس دليلا على صحتها وصواب منهجها ، خلاصة القول ان الباطل او الزيف او الغش ايضا له القدرة على احراز النجاح او الانتصار او الفوز بالبقاء اذا ما توفرت له الظروف المناسبة من جهل او قلة وعي او ضعف التمييز او ضبابية الرؤية
رابعا ) ما يتعلق بقضية المعجزات الخارقة التي تتحدث عنها الاديان في معرض دعمها لصدق نبوة مؤسسيها وصحة العقيدة التي جاؤوا بها , فان هذا القضية ذات جانبين : الجانب الاول تتعلق بشخص مؤسس الدين ، والجانب الثاني يتعلق بالاشخاص التابعين له والذين كانوا شهود على تلك المعجزات المفترضة : ـ
ـ في ما يتعلق بشخص مؤسس الدين فاننا نؤكد هنا ان جميع مؤسسي الاديان هم اشخاص عاديون عاشوا حياة طبيعية كباقي البشر ولم يأتوا الينا من كواكب اخرى ولكنهم تميزوا عن الاخرين بما منحتهم الطبيعة عشوائيا من مواهب وقدرات عقلية ونفسية خاصة تبدو لمن لا يمتلكها انها نوع من المعجزات هبة من الخالق ، ولكن الحقيقة ان مضمون تلك المعجزات المفترضة لا يتعدى ممارسة الخدع والحيل البصرية والتأثيرات الايحائية من خلال تسخير طاقة الموجات الكهرومغناطيسية المنبعثة من الجسم وبالتحديد من الدماغ ومن العيون ومن كف اليد في احداث التأثير المطلوب في الاشخاص او في الاشياء الموجودة في موقع الحدث ، هذه الممارسات من الممكن ان يقوم بها أشخاص عاديون موجودون في كل مكان وزمان ويتمتعون بموهبة القدرة على تسخير الطاقة المنبعثة من اجسامهم والتي تسميها العقائد الدينية القدرة على تسخير الجن ، هذه الطاقة موجودة لدى كل انسان ولكن مقدارها يختلف من انسان لاخر كما ان القدرة على تسخير هذه الطاقة وتطويعها هي موهبة طبيعية يمكن تقويتها بالممارسة العملية المتواصلة ، وحتى في زمننا هذا يوجد مثل هؤلاء الموهوبين وهم ليسوا أنبياء ولا دعاة عقيدة ، وخلاصة القول ان هذه المواهب والقدرات التي تمنحها الطبيعة للاشخاص بطريقة عشوائية لا تخرج باي حال من الاحوال عن نطاق قوانين الطبيعة ، لانه من المستحيل استحالة مطلقة على اي انسان ان يخرق قوانين الطبيعة مهما أوتي من قدرات ومواهب .
ـ وفيما يتعلق بالاشخاص التابعين لمؤسس الدين والذين كانوا شهود عيان على معجزاته فاننا نقول بان البشر الذين يحيون في بيئة الجهل ليس بوسعهم تفسير الامور بشكل منطقي وتمييز الاشياء وتحليل الاحداث بشكل علمي ، فتنطلي عليهم الخدع البصرية التي تبدو خارقة او معجزة, في الحقيقة لقد احتوى الفكر الديني الاسلامي والمسيحي واليهودي وكذلك سيرة مؤسسي هذه الاديان على الكثير من الروايات القائمة على تهويل وتضخيم الاحداث وتزوير وتحريف الحقائق والتي كانت تنطلي على اتباع تلك الاديان في العصور السابقة بحكم جهلهم وعدم امتلاكهم لادوات التفكير العلمي , وان من المعيب ان يصدق بشر في عصرنا الحالي بروايات واساطير الاديان وروايات المعجزات , وخلاصة القول هنا ان من ينشأ في ظل ظروف الجهل يكون فاقدا للقدرة على التمييز بين المعقول وغير المعقول وبين الخطأ والصواب وبين الحقيقي والخيالي ، فالاوهام والخرافات لا تجد طريقها لتعشعش في عقول الناس إلا عندما تجهل الناس الحقيقة ، في ظل الجهل تنتعش العبودية , ولا زالت هذه العبودية موجودة مع الاسف لغاية ايامنا هذه , واذا كان لهذه العبودية ما يبررها في السابق حيث الجهل والظلام , فانه ليس هناك أي مبرر لها في الوقت الحاضر , اننا في هذا العصر لسنا بحاجة الى قناديل الاوهام التي لا تنير إلا طرق الخرافات , ولسنا بحاجة الى خبز السراب الذي لا يشبع إلا المخدوعين , ولسنا بحاجة الى الروايات والحكايات التي لا تنطلي إلا على السذج من البشر الذين لا يتمتعون بقوى عقلية ونفسية سليمة ، لدينا العلم ومنجزاته العظيمة , فهو النور وهو الخبز وهو الحقيقة الناصعة، الشيء الوحيد الذي يرضينا هو الحقيقة , ولاننا نملك العين التي تبصر والاذن التي تسمع والعقل الذي يفكر فاننا لن نقتنع إلا بالحقائق العلمية ، لقد أنار العلم حياتنا وكشف لنا حقائق الطبيعة , فكان صادقا معنا ومحترما لعقولنا , وانه لمن المخجل ان يؤمن انسان في عصرنا الحالي حيث التفوق والرقي في مضمار المعرفة والحضارة بافكار ومعتقدات ساذجة نتاج حضارات قديمة ، كما انه من المخجل ان يسير الانسان المعاصر في طريق لم يختاره هو بارادته ومشيئته وانما اختاره له أجداده الذين عاشوا قبل آلاف السنين او مئات السنين , فيحمل على كاهله ميراثهم من المعتقدات والتعاليم كقدر لا خلاص منه ليسلمه الى الابناء فالاحفاد .
ان هذه المقدمة انما هي اعلان عن نهاية مرحلة من مراحل تطور الفكر البشري وبداية مرحلة جديدة , انها اعلان عن نهاية مرحلة المعتقدات الدينية لدى البشر وبدأ مرحلة جديدة تعتمد الحقائق العلمية والتفكير المنطقي منهجا لها ، ان الواجب تجاه الضمير وتجاه المجتمع الانساني يحتم علينا ان نعبر عن رأينا بان جميع العقائد الدينية في العالم قد فقدت مبررات وجودها ، ويجب التوقف عن تعاطيها او تناولها او تداولها ، وان هناك حاجة ماسة لاعادة صياغة منظومة المعتقدات والقيم في المجتمعات البشرية بما ينسجم مع معطيات عصرنا الحالي ، اننا نعتقد ان منتوجات السابقين لم تعد مطابقة لمواصفاتنا القياسية ، لقد انتهت صلاحيات الكثير من منتوجات السابقين بسبب عوامل الزمان و ظروف المكان , اذ ان لكل زمان متطلباته ولكل مكان احتياجاته وان عصرنا هذا يتميز عن جميع العصور السابقة بميزات كبيرة وعظيمة , انه عصر ( اقتحام الفضاء ) وعصر( تكنولوجيا الاتصالات ونقل المعلومات ) وعصر ( الجينوم وهندسة الجينات والتحكم بالخلية الحية ) في عصرنا هذا تحدث المعجزات العلمية , نحن نمتلك الحقائق فكيف نتبع من كان يجهلها وكيف نقتدي به ؟ اننا في هذا العصر بحاجة الى اعادة صياغة مفاهيمنا ومبادئنا وقيمنا الاخلاقية استنادا الى الحقائق العلمية المتوفرة بين أيدينا لكي لا نشعر بالانفصام بين العقيدة الاجتماعية والعلم ، اننا بحاجة الى عقيدة اجتماعية تصدق معنا وتصلح شؤوننا وتنفعنا في حياتنا،ونعتقد بان العقائد الدينية لم تعد تلبي هذه الحاجات ، من حق الذين يؤمنوا بالعقيدة الدينية ان يظلوا على ايمانهم بها وان يتمسكوا بها أشد التمسك اذا شاؤا ذلك ، وكذلك من حق الاخرين ان يؤمنوا بما يشاؤون وان يتمسكوا بمعتقداتهم ، ولكن الاصرار على التمسك بما لا ينفع يؤدي الى حصول الضرر, وعندما تتحول هذه المعتقدات الى ضرر على حقوق الاخرين فيصبح من حقنا توجيه النقد لها , من حقنا ان نوجه النقد للافكار الخاطئة ان كانت هذ الافكار دينية او غير دينية , ونعتبر ذلك واجب علينا انطلاقنا من مبدأنا في ارشاد الاخرين لما نراه ونعتقده صوابا ، وتحذيرهم مما نراه خطأ دون ان نفرض عليهم نظرتنا ورؤيتنا , وهذا الواجب يمليه علينا ضميرنا تجاه اخوتنا في الانسانية , اننا لا نفرض أرائنا ومعتقداتنا على الاخرين , وليس هدفنا اغتيال حرية الفرد , وانما نحن نشق طريق جديد ان أي فكر جديد لا بد ان يقوم على نقد ما سبقه والا لما كانت هناك حاجة لجديد , وان نقد الفكر الاخر لا يعني اغتيال حريته ، كل انسان له الحرية في ان يسلك المسلك الذي يراه ويعتقده صحيح وهو يتحمل تبعات مسلكه ، نحن لا نجبر الاخرين على اتباعنا ولكننا معنيون بقول الحق كما نراه وكما نعتقده , ومن حق الاخرين ان يرفضوه او يقبلوه , ان رفض الاخرين لاقوالنا لا ينفي حقنا في نقد ما نراه خطأ , نحن ننصح ولا نفرض , نرشد ولا نأمر ، وعندما نعلن نهاية العقائد الدينية ونهاية دورها ورسالتها فتلك هي حقيقة علمية وحتمية تاريخية لا مناص منها ، وحتى عمليات الاصلاح والتجديد لا تنفع معها, ولقد جرت محاولات عديدة في العالم الاسلامي منذ مطلع القرن العشرين لما يسمى ( اصلاح الفكر الديني الاسلامي ) لجعله ينسجم ويتوافق مع معطيات العصر ولكن جميع هذه المحاولات فشلت لانها قامت على محاولة ضخ الدماء في عروق جفت وتيبست منذ زمن بعيد وفقدت القدرة على الحياة , وبالتالي فهي محاولات عبثية لن تأتي أوكلها , الفكر الديني بشكل عام والاسلامي بشكل خاص قائم على نصوص غير قابلة للتعديل او التغيير او الشطب او التأويل فكيف يمكن اجراء الاصلاح في الفكر الديني ؟ استنادا لما تقدم فاننا نتوجّه الى كل انسان سليم العقل والنفس , حر الارادة , وينشد الحقيقة لنعرض مشروعنا العقائدي في تأسيس عقيدة عالمية جديدة تصلح للعصر الحالي للبشرية تحمل اسم ( عقيدة الحياة المعاصرة ) بديلة عن العقائد الدينية الحالية ،عقيدة بديلة لتملىء الفراغ النفسي لمن يشعر بصعوبة مغادرة معتقدات تربى عليها منذ صغره ، عقيدة تنسجم مع الحقائق العلمية ومع الطبيعة البشرية وفي نفس الوقت لا تتعارض مع قوانين الطبيعة المادية ولا تتقاطع مع القيم الانسانية , منتهجين نهجا علميا وعلمانيا وعالميا في صياغة المفاهيم والمنطلقات الفكرية التي تشتمل عليها هذه العقيدة , ومتخذين من الحقيقة شعارا وغاية , ومتمسكين بجميع الوسائل التي تخدم مباديء وقيم الحضارة والتقدم . ففي ما يتعلق بشعار الحقيقة فقد وضعنا نصب أعيننا القاعدة المبدأية التالية في منهج العقيدة : (( ليس هناك ما يستحق ان نؤمن به ايمانا عميقا وراسخا سوى الحقيقة , وانه من الجهالة والضلالة ان نحول الاعتقاد الى ايمان عندما يكون المعتقد مجرد افتراض وليس حقيقة )) ان هذه القاعدة المبدأية أصبحت بمثابة قانون فكري وأخلاقي نعتمده في كل أفكارنا ومفاهيمنا وقيمنا ، واما تعريفنا للحقيقة فهو ما يلي : ـ
في ما يتعلق بالطبيعة البشرية (( فالحقيقة هي : ـ كل ما يعبر عن الحق والصدق والمنطق والواقعية ويتقبله العقل السليم بموجب أدلة وبراهين لا تطالها الشكوك ولا تقيدها ظروف المكان والزمان )) . (( تعريفنا للحق : هو حالة كل سلوك يسلكه الانسان بالافعال او بالاقوال ليحقق من خلاله وضع الشيء في مكانه الصحيح الحقيقي والفعلي والواقعي من غير اي معالجات او تداخلات وبعيدا عن اي مؤثرات او ميول او عواطف ،و بغض النظر عن تحقق المنفعة او عدم تحققها للفاعل او للمفعول لاجله ، فالحق لا يشترط حصول المنفعة ))
واما ما يتعلق بالطبيعة المادية فان (( الحقيقة هي : ـ كل ما هو موجود في الطبيعة ويمكن ادراكه من خلال حواس الانسان او من خلال الاجهزة والمعدات العلمية ذات التقنية الفائقة التي تفوق قدرات حواس الانسان في التحسس بغض النظر عن ظروف المكان والزمان , وان أي شيء خارج هذا الوجود المحسوس لا يعتبر حقيقة وانما مجردافتراض)) .
ومن هذا التعريف فاننا نعتبر الوجود بما يحتويه من مادة وطاقة وحركة وكذلك القوانين الخاصة بمحتويات هذا الوجود ( قوانين المادة والطاقة والحركة ) كلها نعتبرها حقيقة , لأن وجودها قائم يمكن ادراكه في كل مكان وزمان , وان أي شيء خارج مكونات هذا الوجود او خارق لقوانين الوجود فهو لا وجود له وبالتالي لا حقيقة له ، واستنتاجا من هذا التعريف للحقيقة فقد وضعنا مرجعيتين اساسيتين واعتمدناهما في رسم معالم منهجنا وصياغة المنظومات الاساسية في حياتنا , والمرجعيتان هما : ـ
1 ـ مرجعية الحقيقة والتي تنص على ان (( المرجعية الوحيدة في صياغة معتقدات الناس وافكارهم هي الحقيقة , وان أي معتقد لا يستند الى هذه المرجعية يعتبر مضلل للناس )) .
2 ـ مرجعية الطبيعة والتي تنص على ان (( المرجعية الوحيدة في تنظيم شؤون الناس ومصالحهم هي الطبيعة , وان أي تنظيم أو ترتيب لا يستند الى هذه المرجعية يعتبر مفرّق للناس )) .
انه لشرف عظيم لنا ان نقدم وبكل تواضع مشروعنا الحضاري للاصلاح والتغيير الى جميع البشر ، مشروع العقيدة العالمية الجديدة (عقيدة الحياة المعاصرة ) لتكون بديلا عن جميع العقائد الدينية التي انتهت رسالاتها وانتهت أدوارها في حياة البشر, ليس في عقيدتنا اله ولا عبادات ولكن اذا كان لكل عقيدة اله يُعبد فان الهنا الذي يستحق العبادة هو مبدأ الحق ، الحق هو اسمى القيم الانسانية الذي يستحق منا كل العبادة ، آمنا بالحق لا خوفا من نار ولا طمعا في جنة ولكن لانه يليق بكل انسان يحترم كرامته ويصونها ، نؤمن بوجود قدرة عظيمة مجهولة وراء خلق هذا الكون ولكن هذه القدرة هي بالتأكيد لا تمثل اله الاديان ، ويشمل مشروعنا ايضا اجراء التغييرات اللازمة في المنظومات الاساسية في حياة البشر بما يساعد في تعزيز التقارب والاندماج بين الحضارات والثقافات لخلق مجتمعات بشرية متعددة الثقافات لكنها منسجمة حضاريا ، وتشمل هذه التغييرات اعتماد حروف عالمية موحدة في الكتابة لكل اللغات في العالم ، واعتماد تقويم عالمي جديد لا يستند الى احداث او رموز دينية ، واعتماد توقيت عالمي جديد يعتمد مرجعية جديدة محايدة بين البشر وفقا لمرجعية الطبيعة ، واعتماد نظام البطاقة الشخصية العالمية الموحدة التي يستخدمها الانسان حيثما يتنقل حول العالم ، واعتماد عملة عالمية موحدة ،واعادة النظر بهيكلية مجلس الامن الدولي واسلوب عمله بما يلبي معايير العدالة في تشكيل هذه الهيكلية نظرا للدور المهم الذي ينبغي ان يضطلع به المجلس في منع الحروب وانهاء النزاعات وتحقيق السلم العالمي ، والدعوة الى نبذ اي مظهر من مظاهر التمييز الديني او العنصري او الطائفي ، وتجنب وضع رموز او اشارات ذات دلالات دينية او طائفية او عنصرية على اعلام الدول او شعاراتها ، كما اننا ندعو لأقامة نظام اقتصادي عالمي مستقر ومتوازن وقائم على العدالة والتعاون والمنفعة المتبادلة وهذه كلها تشكل ملامح او سمات للعصر الجديد للبشرية ، العالم يتجه نحو التوحد في فكر جديد , اننا نحيا جميعا على سطح هذا الكوكب ولم تعد تفصل بيننا الجبال ولا البحار ولا المحيطات ، وسائل الاتصات الحديثة جعلتنا نحيا في بيت واحد ونشاهد بعضنا بعضا ونتبادل الاحاديث في نفس اللحظة رغم المسافات البعيدة التي تفصلنا ، وكلما يقترب العالم من بعضه كلما تذوب الاديان ويظهر على السطح منطق المصالح الحيوية للبشر , المصالح الحيوية تقرب الشعوب بينما العقائد الدينية تفرقها , والبقاء للمصالح الحيوية وبالتالي تصبح الاديان عبارة عن معتقدات بالية ومنتوجات منتهية الصلاحية , ان توحد العالم هو حتمية وان صراع الحضارات او صراع الثقافات هو تعبير حقيقي عن صراع حضارة الانسان المعاصر ضد ثقافة الفكر الديني , الاديان لم تنشأ حضارات وانما انشأت ثقافات قائمة على معتقدات تكرس جهد الانسان في حياته لعبادة رب وهمي مقيم في السماء من اجل نيل رضاه وتجنب غضبه , فهل مثل هذه المعتقدات تنشيء حضارة ام ان سعي الانسان ليتحرر من العبودية ونيل حريته وتأمين عيشه وأمنه في الدنيا هي التي صنعت الحضارة ؟ لقد شهدت البشرية عبر تأريخها الطويل حروبا ونزاعات كثيرة بين البشر وكانت دوافع اغلب تلك الحروب هي دوافع دينية او مذهبية , ولا زال هذا النوع من النزاعات موجود في عصرنا الحالي , وانه لشيء مؤسف ان يتنازع البشر في عصرنا الحالي ويتقاتلوا بسبب مفاهيم ومعتقدات وضعت في عصور الجهل ، في ظل الجهل تولد مظاهر التعصب العقائدي والتطرف والعنف والارهاب ، وما ظاهرة الارهاب الديني في عصرنا الحالي ( القاعدة و داعش وغيرهما ) الذي يمثل التيار الاسلامي المتشدد الا تعبير صارخ عن فشل الدين الاسلامي في التوافق مع معطيات العصر الحالي ، وهو ايضا تعبير صارخ عن رفض الحضارة الحالية ، اما التيار الديني الاسلامي المعتدل او الوسطي فهو في الحقيقة تعبير صامت عن عدم التوافق مع هذه الحضارة ، وان محاولة دعاة الاعتدال الوقوف بوجه التيار المتشدد او تحجيمه ما هي الا محاولة عقيمة وفاشلة لان الطرفين ينهلان من نفس المنهل مع اختلاف الادوات والوسائل حيث يتبنى المتشدد مبدأ الجهاد بالسلاح ويتبنى المعتدل مبدأ الجهاد بالمال وبالوعظ ، اننا على ثقة تامة بان الاسلوب الوحيد لمكافحة الفكر الديني المتطرف او المتشدد هو بالسماح بنشر الفكر المناويء للفكر الديني والناقد له وتوفير الاجواء المناسبة له ليمارس دوره في الحياة الثقافية والاجتماعية ، من الخطأ الجسيم ان نمنع اي فكر مناويء للفكر الديني بحجة منع ازدراء الدين حفاظا على السلم الاجتماعي ، ان مبدأ مهادنة الخطأ ومسايرته حفاظا على السلم الاجتماعي ليس علاجا للخطأ القائم وما ينجم عنه من مشاكل متلاحقة وانما هو مجرد ترحيل للمشاكل الى زمن لاحق .
اننا نعتقد ان مشروعنا الحضاري يساهم مساهمة فعالة في تحقيق أهداف وتطلعات البشرية في السلام العالمي الشامل والدائم وفي ترسيخ مباديء حقوق الانسان وفي التقارب والتآلف بين شعوب العالم والعمل من اجل الرخاء والتقدم للشعوب كافة ، ان البشرية في عصرنا هذا تواجه تحديات عديدة تتمثل أخطرها في وجود الافكار والمعتقدات العنصرية او العدوانية الارهابية التي تنطوي على إثارة الكراهية والعنف والارهاب في ما بين البشر , وكذلك في وجود أسلحة الدمار الشامل والابادة الجماعية بانواعها الثلاثة النووية والكيمياوية والجرثومية , اضافة الى وجود انظمة حكم ديكتاتورية لا تقيم وزنا لحقوق الانسان وخاصة عندما تمتلك مثل هذه الانظمة اسلحة دمار شامل .
اننا نقدم مشروعنا الحضاري (عقيدة الحياة المعاصرة ) بنوايا سليمة وصادقة هدية الى شعوب العالم كافة تعبيرا عن المحبة الخالصة لبني الانسان , لاننا في حدود ادراكنا لهذا الوجود نعتقد ان الانسان هو أثمن ما في الوجود ومن دونه لا قيمة للوجود








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد