الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف أكون عربيا إسلاميا مستقبلا؟

محمد الحمّار

2016 / 1 / 16
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


كفانا جريا وراء الهوية. لقد تعبت مجتمعاتنا من هذا الجري غير الناجع. بل لقد استغل الأقوياء في العالم هذا الانحراف فينا بخصوص الهوية. أتحدث هنا عن أخطر أشكال الهوية: الهوية الثقافية. ومنه اقول إن هنالك فرق بين البكاء من أجل الهوية وبين الاضطلاع بها. إن الموقف الباكي موقف منحرف لأنه يعني أن الفرد والمجتمع ليسا مسيطرين على هويتهما. حيث إن الهوية موجودة فعلا لكن الفرد والمجتمع لا يباليان بهذا الوجود. بينما الاضطلاع بالهوية يستوجب إدراك وجودها والالتزام بالبناء عليها وانطلاقا منها.

لكن هنالك مشكلة. كيف يمكنك ان تحس ان هويتك الثقافية موجودة؟ هذه مسألة أساسية. وهي أساسية لان مجرد عدم شعورك بثبوت وجود الهوية ينجم عنه تنكر لوجود هذه الأخيرة وبالتالي البحث عن هوية لن تأتي أبدا او الوقوع في اللبس واعتناق ملاذ على انه هوية (التحزب الديني ملاذ؛ داعش ملاذ). كما أن الإحساس بثبوت الهوية سيضع حدا للصراعات الإيدبولوجية والانقسامات داخل الأحزاب السياسية (على غرار التفكك الذي يشهده حزب نداء تونس، بينما هو الحزب الحاكم - في إطار التحولات السياسية ذات المنحى التعددي التي تعرفها البلاد التونسية).

إن أول الخطوات لاستشعار الهوية، من اجل الاضطلاع بها في الإبان، هو الإيمان بأن الهوبة في وضع متحرك على الدوام والا فهي ليست هوية. وبالتالي لا ينفع أن تقول لنفسك وللآخر إنك تحمل الهوية العربية الإسلامية. فالهوية لا تقال. الهوية تتحرك وتنجز وتحيا. و الهوية تحركها رموز أساسية مثل العرق واللغة والدين والبيئة. لذا ان تكون اليوم عربيا إسلاميا لا يعني أنك لا تعرف الا العربية لسانا. بل أنت مجبر على معرفة لغة او لغات حية أخرى. وإن أنت عرفتها فلا بد أن تحرك هويتك بواسطتها فضلا عن تحريكها بواسطة العربية. وأن تكون عربيا اسلاميا لا يعني أن تعرف فقط الديانة الإسلامية التي تعتنقها مثل غالبية المنتسبين إلى هذه الهوية. بل انت مطالب بمعرفة ماذا تقول الديانات الاخرى ولم ترمز وماهو دورها في المسار التاريخي وفي المسار الحضاري.

بالمحصلة، هويتك مطالبة بأن تتحرك بواسطة الغرنسية او الانكليزية أو الإسبانية أو غيرها، أو بعضها أو كلها، الى جانب العربية. وهويتك مطالبة بأن تتحرك بواسطة المعرفة المسيحية واليهودية والبوذية وغيرها. إن هويتك مطالبة بالتحرك هكذا لكنك لست بصدد تحريكها هكذا. ذلك لأنك عاجز عن تحريكها بالشكل المطلوب. وأنت عاجز عن ذلك لأنك لا تملك المنهج المناسب. لأنك لا تملك الأدوات المعرفية السانحة للتحريك الهوياتي. ولا لوم عليك بهذا الخصوص. لم تعلمك المدرسة معرفة كهذه. لا يمدك الأعلام بمعرفة كهذه. لا تنتج الجامعات العربية ولا الإسلامية معرفة كهذه.

إن اكتساب معرفة كهذه لكي تنتهج بواسطتها سبيل تحريك هويتك يتطلب منك تقويما جذريا للفكر بل لكيغية التفكير، تقويما يتوخى منحى التحريك. فعوضا عن التمادي في التفكير إما وكانك بلا هوية وكأنك تبحث عنها وإما وكأنك تملكها وتملك كل الحقيقة عنها (الإسلام السياسي وكل أشكال الوثوقية، دينية كانت أم لادينية)، ستكون قادرا على أساس أنك قائد ناشط لفكرك، ومشارك فعال في الفكر المجتمعي.

ولبلوغ مرتبة القيادة الفكرية، لا مفر من أن تكون مستطيعا لمهارات معينة من أهمها أذكر ما يلي:

أ. إن اكتسابك للغة أجنبية حية على الأقل ومن ثم دفعها إلى التفاعل الواعي مع لغتك العربية و مع لهجتك الإقليمية أو المحلية سيسهم في رفع سقف الهوية الحاصلة لديك وبالاتساق مع مجتمعك، وبالتالي سيكون بإمكانك أن تكون نفسك في بعدين اثنين: أنت والآخر. أنت بحاجة لأن تتمثل الآخر (صاحب الجاه المعرفي والمعرفي والحضاري) لا فقط انطلاقا من ذاتك مثلما يفعله ولا يزال يفعله الإسلاميون عموما، ما أدى بهم إلى الانطواء على الذات، ولا فقط من خارجها مثلما فعله ولا يزال يفعله الحداثيون بمختلف أصنافهم، ما انجر عنه اغترابهم. فالمطلوب أن تتمثل الآخر مع البقاء انت بنفسك.

ب. إن مقارنة الواقع العالمي المهيمن الذي تسيره قوى دينية غير مسلمة، مقارنته بصورة الواقع كما تبرز من خلال البنية التأويلية للإنسان المسلم (الذي يتمثل الآخر مع الإبقاء على كيانه الذاتي) تؤدي هذه المقارنة الى إفراز واقع جديد متناسب مع متطلبات السقف الموالي، الأرقى للهوية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن