الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عصر الجهاد

سمير الحمادي

2016 / 1 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يبدو أن التهديد الذي يمثله الإسلام الراديكالي سيظل مؤثراً في البنية الفكرية والاجتماعية والسياسية والأمنية العربية، كما في بنية النظام الدولي، على الأقل في المدى المتوسط، وذلك على عكس التوقعات المتسرعة التي ظلت تتنبأ بأفوله وانحساره، على اعتبار أنه وصل إلى أضعف حالاته، بعد أن خسر معاركه الأساسية على مدار عقد من الزمان (2001 ــ 2011).

فالحركة الجهادية التي عانت، خلال السنوات التي تلت هجمات 11 سبتمبر، من وطأة الضغط والإخفاق، وتكبّدت خسائر فادحة في مختلف التجارب والجبهات التي راهنت عليها، تعيش اليوم على وقع تحولات جذرية وحاسمة: فكرياً وحركياً، قد تكون الأهم في تاريخها، حيث مكَّنتها ثورات 2011، وما أحاط بها من تفاعلات، من استعادة عافيتها، وترتيب أوراقها، للدخول على الخط، وفرض حضورها، ليس على هوامش اللحظة، كعَرَض جانبي لاندفاع الأحداث وانفلاتها، ولكن في قلب المتاهات الجيوسياسية المعقدة التي أفرزتها تطورات "الربيع العربي".

وحتى مع الشرخ العنيف والمفاجئ الذي أصابها في العمق، بانقسامها إلى تيار "قاعدي" وآخر "داعشي" يتنافسان في نفس الحلبة، وما ترتب على هذا الانقسام (أو "الفتنة" كما يصفون) من خدش في صورتها الذاتية، وفي رمزية الفعل الجهادي، فضلاً عن تكاليف أخرى باهظة، فإنها ما تزال قادرة على تسويق خطابها وتحقيق أهدافها بشكل فعال، خاصة في ظل الفوضى الجارية في منطقة منكوبة مثقلة بكوارثها ومآسيها، باتت تصارع، لا من أجل السلام فقط، ولكن من أجل البقاء أيضاً.

إن استمرار الأنظمة السلطوية (خلف واجهات ديمقراطية زائفة)، وتعثر جهود (وادعاءات) الإصلاح الاقتصادي، وكذلك استمرار الأنساق والتوجهات الفكرية المؤدلجة (على اختلاف مراجعها ومفاهيمها وشعاراتها)، وغياب المنهج النقدي في التعاطي مع مشكلات التراث الإسلامي (المقدس): لاهوتاً وتاريخاً، وانتشار الأصوليات الدينية والهويات الطائفية على نطاق واسع، ما تزال كلها خلفيات متداولة، بوضوح موجع، على شاشة المكان والزمان (والمصير) العربي، تعبِّد الطريق التي يتحرك عليها الجهاديون بكثير من الشراسة، والجنون.. والدم.

فلا عجب، وقد تحققت عندنا محددات "البيئة الحاضنة" كاملة، أن نقرأ ونسمع منذ سنوات عن أولئك "المؤمنين" الوافدين من كل فج عميق، وهم يدخلون في الدين الجديد أفواجاً: دين "السلفية الجهادية"، الذي زادته مؤخراً إغراءات القوة جبروتاً، فتجاوز في عروضه الدعائية حدود "السوق" المحلية (دار الإسلام)، وبات يستقطب "زبناءه" من "أسواق" الخارج (دار الكفر)، كما في حالة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الذي كسر بلا هوادة "اعتيادية النمط الإرهابي"، واجترح بمدركاته وبتأويلاته "هوية منفردة" لا مثيل لها، حتى بالقياس إلى القيم والأعراف الجهادية نفسها.

ولأن الوضع باقٍ على حاله، إذ لا ضوء (حتى اللحظة) يلوح في النفق، فإن المخاطر الإستراتيجية التي تهدد المنطقة والعالم بسبب العنف الجهادي لن تتراجع، ولن يطرأ عليها أي تغيير جوهري. على العكس، فمع اتساع مساحات الفوضى (أو "التوحش" بحسب القاموس الجهادي)، واستمرار مفاعيل الهيمنة الأجنبية بكل أشكالها: الناعمة والعسكرية، تحت ذرائع مختلفة، والإمكانيات الهائلة التي توفرها فضاءات التواصل الاجتماعي على الانترنت، من المرجح أن تظل دوائر العنف مشرّعة على اتساعها.. في كل الاتجاهات.

إن تراجيديات الواقع العربي المأزوم، والقاع الذي وصلنا إليه جميعاً بعد تاريخ طويل متصل (وقاسٍ) من الاحتباس الفكري والانغلاق الحضاري والهزائم والانكسارات والخيبات، شوَّهت كل ما هو عقلاني وروحاني فينا: أي ما هو فطري وإنساني، هي حبل الشر المتين الذي يشدّ الجهاديين إلينا، ويوفر لهم ما يحتاجون (وزيادة) من أوكسجين الغضب والكراهية، لينفثوا النار في وجوهنا، بدم بارد، وإيمان عميق، وكأن الارتقاء إلى الجنة لا يصحُّ إلا مشياً على الرمق الباقي من حياتنا.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب


.. مأزق العقل العربي الراهن




.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah