الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نرجسية الإنسان فى النصوص الدينية

رمسيس حنا

2016 / 1 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


فى محاولتنا للبحث عن تفسيرات و أسباب الصراعات الناشبة بين البشر فى العالم بأسره – سواءاً على مستوى العلاقات الفردية داخل الأسرة الواحدة أو داخل الجماعة الواحدة أو على مستوى علاقات الجماعات سواءاً كانت هذه الجماعات قبلية أو عرقية أو لونية أو جغرافية أو حتى على مستوى العلاقات بين الدول – إفترضنا أن النرجسية أو مرض إضطرابات الشخصية النرجسية يلعب دوراً هاماً فى خلق هذه الصراعات فأصلنا لمرض النرجسية بمقال عن الإسطورة الإغريقية تحت عنوان (اسطورة صدى و نارسيس) ثم تناولنا مرض النرجسية بأسبابه و سماته و ذكرنا الخطايا النرجسية السبعة القاتلة التى حددتها المحللة النفسية ساندى هوتشكيس (Sandy Hotchkiss) فى مقال ثان بعنوان (النرجسية أو مرض إضطرابات الشخصية النرجسية). وعلى مدى تطور السلوك الأنسانى رأينا أن صراع الأنسان بدأ مع عناصر الطبيعة نتيجة حرصه على الحياة و توفير إحتياجاته من مأكل و مشرب و ملبس خوفاً من أن يفقد وجوده لتتحول هذه الصراعات لتكون بين المجموعات البشرية فى مقال ثالث بعنوان (تأصيل النرجسية فى تطور السلوك الإنسانى). و فى مقال رابع بعنوان (مقدمة فى النرجسية الدينية) رأينا أن النرجسية كمرض أسبق من ظهور الأديان الإبراهيمية و لذلك فإن هذه الأديان تضمنت إحدى مظاهر أو سمات النرجسية المتمثلة فى هاجس (obsession/premonition) التابعين لها بالإعتقاد السحرى الذى ينم عن الغطرسة و الفوقية و التعالى و التباهى على غير التابعين بأنهم شعب الله المختار و أنهم خير أمة أُخرجت للناس. و فى مقال خامس تحت عنوان (النرجسية الموسوية) رأينا كيف أن موسى و هو مؤسس أول ديانة إبراهيمية (اليهودية) قد تأثر الى حد كبير بالنرجسية نتيجة لعلاقة أبوية أمومية غير سوية.

انظر روابط المقالات:
- اسطورة صدى و نارسيس (http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=488832)
- النرجسية أو مرض إضطرابات الشخصية النرجسية (http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=493882)
- تأصيل النرجسية فى تطور السلوك الإنسانى (http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=495071)
- مقدمة فى النرجسية الدينية (http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=496960)
- النرجسية الموسوية (http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=498661)

و فى هذا المقال سوف نتناول بعض النصوص الدينية التى تتضمن سمات و خصائص النرجسية التى ضمنتها المحللة النفسية ساندى هوتشكيس (Sandy Hotchkiss) تحت مسمى خطايا النرجسية السبعة. و عندما نحاول أن نكشف عن خصائص و سمات إضطرابات الشخصية النرجسية فى النصوص الدينية لا يعنى أطلاقاً تصيد أخطاء أو محاولة تسفيه المتبوعين أو التابعين و لكن نتعامل مع الأمور و المواقف بعمق حتى نفهم لماذا شوه الأنسان صورة الإله و حل محله بصورة فجة تنم عن مدى تعدى مصدرى النصوص الدينية سواءاً كانوا متبوعين أو تابعين على صورة الأله التى رسمها مصدرى النصوص عن هذا الإله الذى كان يُفترض فيه كلية و مطلاقية الصفات الحميدة و أولاها كلية و مطلاقية الخلق و الإبداع و المعرفة و العلم و القوة و المقدرة والخير و الرحمة و العدل الى أخره من صفات حميدة.

إن قصة خلق الإنسان (اَدم) الى تناولتها النصوص الدينية (الإبراهيمية) تجتمع فيها كل سمات و عناصر و مظاهر و بأختصار – كل أعراض مرض إضطرابات الشخصية النرجسية. إن قولنا هذا لا يعنى الطعن فى الوحى سواءاً كان هذا الوحى مصدر الهى أو مصدر بشرى فهذا المقال لا يعتنى بمصدر النصوص الدينية التى يتلخص تأثيرها على الإنسان فى إيمانه بكون مصدرها الهى أو بشرى. أما الوهية المصدر فقد كتب عنها كثير من المتبوعين و التابعين فى محاولات دؤوبة مستميتة لإثبات الوهية مصدر هذه النصوص؛ و أما بشرية النصوص فيكفى أن نشير الى ما يقوم به الفليسوف السامى اللبيب الذى بحق يبذل مجهودات عظيمة نجح فيها الى حد كبير بما لا يدع مجالاً للشك فى إثبات بشرية مصدر هذه النصوص الدينية بصراحة و بدون الإعتماد على أى مصادر أخرى غير النصوص الدينية نفسها و بدون إسفاف أو تهجم على أشخاص المتبوعين أو التابعين فى مواضيعه المتعددة بداية من خربشة عقل على جدران الخرافة و الوهم، و الدين عندما ينتهك إنسانيتنا، و مروراً برؤيته الإستشراقية، و التحريف بين المنطق و التراث، و دين فاقد المحتوى، و نهاية بنظرته حول إقتراحه بالتبشير بدين جديد. و لكن مهمتنا هنا مختلفة تماماً ؛ فهى تعنى ببيان إصابة الأنسان بمرض إضطرابات الشخصية النرجسية من خلال النصوص الدينية.

فالخطايا النرجسية السبعة القاتلة التى حددتها المحللة النفسية ساندى هوتشكيس (Sandy Hotchkiss) تجمع بين سمات و خصائص النرجسية (Narcissism) أو مرض إضطرابات الشخصية النرجسية (NPD) و بين خطورتها على التابعين. هذه الخطايا السبع القاتلة تشمل – لمجرد التذكرة – الإعتقاد السحرى (magical thinking)، الغطرسة (arrogance)، الحقد و الحسد (envy and malice)، الأحقية أو الإستحقاقية (entitlement)، الإستغلال و السخرة (exploitation and servitude)، الغاء الحدود الشخصية (bounderilessness) و أخيراً الوقاحة (shamelessness).

فالذى يهمنا هو عواقب و تبعات مرض النرجسية أو مرض إضطرابات الشخصية النرجسية (NPD) التى لا تتوقف عند المريض المتبوع بل تمتد و تتوغل اَثاره لتطول التابعين و دون إدراك أو وعى منهم بإمتداد المرض اليهم و كأن هذا المرض النفسى ينتقل بالعدوى رغم حقيقة أن الأمراض النفسية لا تنتقل بالعدوى. إلا أنه عندما يتعلق الأمر بالدين و الأيمان تصبح إحتمالية حدوث (إنتقال) المرض للتابعين متوقعة أو ممكنة إن لم تكن مؤكدة. و يمكن تفسير هذا بطريقة بسيطة. فالساحر مثلاً قبل أن يقوم بلعبته السحرية يهيئ جمهوره نفسياً بالإضافة الى إستعدادهم الداخلى أنهم سوف يشاهدون شيئاً خارقاً – يريدهم هو أن يروه – فلا يلقون بالأ بالمقدمات او بالحركات او بالوسائل المعينة التى يستخدمها الساحر لتنفيذ لعبته.

و مثل هكذا يحدث فى أى دين مع فارق أن الإيمان بدين ما مع تكرار أداء الطقوس الدينية الجسدية له تأثير كبير على تركيبة المخ البيولوجية. فالإيمان بشيئ ما بأداء طقوس و حركات جسدية معينة يوقر فى المخ مساراً بيولوجياً ليصبح هذا المسار إحدى التضاريس البيولوجية المخية التى تتكون فى أعماق فصى الجبهة (frontal lobes) و تحت القشرة المخية (cortex)، فيصبح المتبوع و التابع شخص و شخصية واحدة. و هذا يفسر لماذا لا يستطيع التابع أن يسيطر حتى على حركات جسده الطقسية فى حلقات الذكر. و عندما كنت أحضر حلقات الذكر و أنا صبى صغير كانت تستوقفنى مشاهدة بعض الأشخاص و عدم مقدرتهم على السيطرة على حركات أجسادهم حتى بعد توقف الشيخ عن الإنشاد و بعد توقف الموسيقى و الإيقاع ليستمر أولئك فى حركاتهم و لا يتوقفوا حتى يأتى اَخرون و يضموا أجسادهم بشدة و يوقفوا حركاتهم بالقوة.

و بالمثل لا يستطيع التابع أن يسيطر على تفكيره فيضطرب و ينزعج و يغضب عند سماعه أى نقد لأى فكر أو سلوك لمتبوعه – لأنهم شخصية واحدة – و لا يكون رد فعله بالحجة و المنطق و لكن يكون بكيل السباب و الشتائم و تحقير الاَخرين و التقليل من شأنهم و شأن جهودهم البحثية و إسقاط كل ما يعانيه من أمراض و نقائص عليهم لدرجة أنه يؤمن و يعتقد بل يتأكد و يؤكد أن أى رزيلة يمارسها المتبوع تتحول الى خصوصية و رخصة رخصها (إلهه) له فلا يجب نقده أو نقد أقواله أو سلوكه أو تصرفه و لا ينبغى مسئألته عليها و لا يجب مناقشة مثل هكذا أمور من سلوكيات و ممارسات المتبوع. و لا ننسى أن رد الفعل الغاضب للنرجسى تجاه من ينتقده أو ينتقد سلوكه هو إحدى سمات و خصائص مريض إضطرابات الشخصية النرجسية (NPD).

أولاً: هذا الإعتقاد السحرى (magical thinking) يتضمن خمسة عناصر: ا- التمركز على الذات (Self-centeredness) و 2- الأهمية الشخصية (self-importance) و 3- الأسبقية أو الأولية الزمكانية (precedence, priority, superiority, preference, primacy) (أى التقدم على ما سواه فى الزمان و المكان حسياً و معنوياً) و 4- البر الذاتى (self-righteousness) و أخيراً 5- إدعاء كلية المعرفة المعرفة (omniscience). بمعنى اَخر أن النرجسى الذى يتملكه الإعتقاد السحرى يكون هو مركز و محور النص و أنه فى مقدمة و أفضلية كل الموجودات حتى و لو سبقت وجوده؛ فالسبق الوجودى لمفردات الطبيعة هو فى تخيله من أجل إستقباله و تهيئة كل الظروف الحياتية له على الأرض و ذلك ببساطة لأنه ذات أهمية عظمى لأنه بار (self-righteous) و فى أحسن تقويم (best form´-or-structure) و من ثم فهو جدير بالسلطة (power/authority) بل له الأستحقاقية فى أكثر من ذلك (entitlement) فهو الوحيد فى الكائنات الوجودية الذى يمتلك معرفة (كل) الأشياء و أنه فى مقدمة الموجودات و بالتالى فهو فى مقدمة أقرانه من البشر و أنه يسبق جميع الكائنات – حتى زمانياً بإدعاءه هذه المعرفة على الأقل.

إن الإعتقاد السحرى بعناصره الخمسة يبدو جلياً واضحاً فى النصوص الدينية بصفة عامة و فى النصوص المتعلقة بعملية خلق الإنسان بصفة خاصة. ففى عملية الخلق كان لابد لهذه النصوص أن تبين و تركز على عظمة الخالق فى تعدد خلائقه إلا أن النصوص تحول الخالق الى مجرد صانع – و لا نقول خادم – و أن مصنوعاته هى من أجل إشباع و قضاء إحتياجات الأنسان و الإنسان الذكر على وجه الخصوص. و هكذا تتضح أولى أعراض أو سمات أو خصائص مرض إضطرابات الشخصية النرجسية (NPD) و هو التمركز على الذات و أحساس النرجسى بأن أهميته تفوق أهمية أى كائن اَخر و أنه أكمل و أجمل صورة فى الوجود و الذى عرفته المحللة النفسية ساندى هوتشكيس (Sandy Hotchkiss) بأنه الإعتقاد السحري (magical thinking) و الذى بموجبه يرى النرجسى نفسه على أنه كامل و تام و لا أخطاء له و هو المطهر النقى و التقى و المعصوم من كل زلل و من كل خطأ و من كل خطية. و ربما يوجد أمراض نفسية أُخرى تشترك مع مرض إضطرابات الشخصية النرجسية (NPD) فى هذه السمة أو الخاصية كمرض جنون العظمة (megalomania ) الذى كان يستخدم كأسم لمرض إضطرابات الشخصية للنرجسية (NPD) حتى تم الفصل بينهما كمرضين مستقلين سنة 1986 عندما إستخدم المحلل النفسى هاينز كوهوت (Heinz Kohut) – أمريكى من أصل نمساوى – المصطلح الأخير للتدليل على النرجسية.

ففى العهد القديم فى سفر التكوين أصحاح 1 من عدد 26 الى 31 نقرأ: (26 وقال الله نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا. فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الارض وعلى جميع الدبابات التي تدب على الارض. 27 فخلق الله الانسان على صورته. على صورة الله خلقه.ذكرا وانثى خلقهم. 28 وباركهم الله وقال لهم اثمروا واكثروا واملاوا الارض واخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الارض. 29 وقال الله اني قد اعطيتكم كل بقل يبزر بزرا على وجه كل الارض وكل شجر فيه ثمر شجر يبزر بزرا.لكم يكون طعاما. 30ولكل حيوان الارض وكل طير السماء وكل دبابة على الارض فيها نفس حية اعطيت كل عشب اخضر طعاما.وكان كذلك 31 وراى الله كل ما عمله فاذا هو حسن جدا).

و من خلال قراءتنا للنص فى العدد 26 يُفهم أن "الإله" قرر أن يعمل نسخة ثانية منه (صورتنا كشبهنا)؛ فالإنسان هنا – بتواضع جم – يضع نفسه فى مرتبة ثانية بعد (الإله) كسلطة عليا مؤقتاً و ذلك لكى يستغله لنفسه كعضد و مؤيد و مساند له لأن النرجسى فى حاجة دائمة الى العضدد و المساندة و التأييد من الغير و فى بداية الخلق كان لابد له من سلطة مطلقة تؤيده فوجد هذه السلطة فى (الإله) الذى بدوره سلمه هذه السلطة ليتحقق بذلك عنصران من عناصر إعتقاده السحرى و هما التمركز على الذات فيكون صورة و شبهاً لـ(إلهه) لأن النص أساساً يركز على الله الخالق و الصانع و العامل فى الوجود فبدلاً من تركيز النص على عمل الله بذكره لأكوان و مجرات و نجوم و كواكب و عوالم أخرى لم يتوصل لها الأنسان بعد ركز النص فقط على الأرض و السماء (الجو) المنظورين بالعين المجردة و البسيطين للمعرفة. فلم يأت النص بمعرفة جديدة تضيف الى معرفة الإنسان قبل كتابته. بل أن معرفة كاتب النص لا تتعدى معرفة أى فلاح مصرى بسيط أقدم أو أسبق من كتابة النص بكثير يعمل بفلاحة الأرض و زراعتها و يتعامل مع البذور و الحبوب و دبابات الأرض و طيور السماء و أسماك النيل أو أسماك البحر. و ربما يعترض أحدُ بأن التوراة ليست كتاباً علمياً أو فلكياً لكى يذكر هذه الأمور بتركيز و خصوصية و لكن الرد بسيط أن السفر كله يسمى سفر "التكوين" (Genesis) فكان عليه حتى مجرد التنويه عن عوالم أخرى دون الدخول فى تفاصيل خلقها لكى يظهر النص أن مصدره (الإلهى) يتصف بكلية المعرفة أو على الأقل أنه يخبر عن مخلوقات لا علم للإنسان بها فى ذلك الوقت و حتى أخر الأيام.

و لكن النص يكشف عن نرجسية الإنسان و قصور معرفته عندما يذكر أن هذا الوجود بما فيه تم عمله و خلقه و صناعته من أجل أن يُتَوَّج عليه الإنسان متسلطاً و من هنا تبدو أهمية الإنسان الذاتية؛ فالإله صنع له كل شيئ و جهزه له و بعد ذلك سلمه السلطة و التسلط على كل شيئى فى كل الكون و هو (الأرض) – التى لم يكن سواها فى حدود معرفته و خبراته عند كتابة النص – يفعل فيها كيفما يريد. و هنا يتحقق العنصر الثالث فى الإعتقاد السحرى أول خطايا النرجسية و هو أسبقيه النرجسى و تفضيله على كل الكائنات و الموجودات. ويأتى العدد 27 لكى يؤكد على كون الأنسان صورة "نسخة" للإله على الأرض ؛ بل تتكرر الصور مرتين فى نفس العدد إمعاناً فى التأكيد على أهميته و مقدمة تهيئ القارئ للتصديق و الإعتقاد ثم الإيمان أن الإنسان هو (صورة) الإله على الأرض لكى يتحول النرجسى بعد ذلك ليكون هو الإله نفسه.

و لكن الأنسان الذى أعطى لنفسه هذه الدرجة من الأهمية و العظمة لا زال يخفى هشاشة و ضعفاً و إنهزاماً و مرارة فى أعماق نفسه بحقيقة الموت فيحاول حل هذه المشكلة (إشكالية الموت) – دائمة الصدمة له – بطريقة لا تمثل إبداعاً أو تفكيراً أو كشفاً جديداً سواءاً كان الحل من (الهه) أو من الإنسان النرجسى نفسه؛ لأنه إذا كان الإنسان يموت فكيف تتحقق ديمومة تسلطه و سلطته على الأرض (الكون)؟؟ فيتفتق ذهن كاتب النص عن الحل فى عملية التناسل بتكرارية تؤكد على أن خلود الإنسان ليس فى فرديته بل فى نوعه (إثمروا و إكثروا و أملأوا الأرض) و هنا لا يوجد فرق بين الإنسان و الحيوان أو أى كائن اَخر ؛ و يظل الفرق الوحيد أن الكائنات الأخرى لا تتباهى بكثرة أعدادها مثل الأنسان النرجس الذى يجد فى الكثرة العددية حوله مفخرة لتأكيد جاذبيته. أما بقية العدد 27 بالإضافة الى الأعداد 28 و 29 و 30 فتأتى مكررة لتؤكد أن الغرض الوحيد من كون الأنسان و وضعه فى هذا الوجود هو التسلط و السلطة على الكون (الأرض) وكل الموجودات به.

أما العنصر الرابع فى الإعتقاد السحرى و هو البر الذاتى فيتجلى واضحاً فى كون الإنسان مخلوق على صورة الإله و كمثاله و كشبهه. و بغض النظر عن أى تفسيرات أو أى تأويلات للصورة و المثل و الشبه (كأن تكون تخيل أو تفكير أو تصور الإله فى تكوين و خلق الإنسان كأفضل و أحسن مثال للخلق و الإبداع) فحتى هذا التأويل و هذا التفسير له دلالة نرجسية تتمثل فى أفضلية النرجسى على كل ما سواه. فالإله البار يعمل و ينتج عنه كل شيئ بار فألإنسان بار كما خلقه (ألهه) البار بمعنى أن الإنسان بار و كامل نتيجة خلقه بواسطة (إله) بار و كامل فى حدود مقاييس الجودة و البر و الكمال التى وضعها و حددها هذا الخالق و هذا الصانع. ويأتى العدد العدد 31 لكى يؤكد على حسن و جودة ما خلقه (الإله) بما فى ذلك الأنسان برؤية و شهادة (الإله) نفسه عندما يذكر النص (وراى الله كل ما عمله فاذا هو حسن جدا).

أما العنصر الخامس فى الأعتقاد السحرى و هو كليه المعرفة فيطل براسه عندما يكرر كاتب النص ذكره للأرض بما عليها من دبابات و حيوانات و نباتات بأشجارها و بقولياتها و بذورها و البحر بأسماكه و السماء بطيورها – و كلها معارف لم تكن جديدة عند كتابة النص أو حتى قبل كتابته بزمن طويل – ثم بعد ذلك يأتى دور اَدم الإنسان فى تسميتها. فالإنسان يدعى المعرفة بكل الأشياء و الموجودات على الأرض؛ و لكنه هو لا يسعى الى معرفتها و لا الى البحث عنها فنراه جالساً متغطرساً و مدعياً فيأتى له إلهه بجميع حيوانات البرية و كل طيور السماء لمجرد أن يُطلق عليها أسمائها. ففى الأصحاح الثانى من سفر التكوين عدد 19 نقرأ (19وجبل الرب الاله من الارض كل حيوانات البرية وكل طيور السماء.فاحضرها الى ادم ليرى ماذا يدعوها.وكل ما دعا به ادم ذات نفس حية فهو اسمها. 20 فدعا ادم باسماء جميع البهائم وطيور السماء وجميع حيوانات البرية.واما لنفسه فلم يجد معينا نظيره). هذه المعلومات التى لا تمثل كشفاً جديداً لمعارف أبسط الناس و قت كتابة النص و لكن كاتب النص أراد أن يعطى معلومة معروفة و لكن الجديد فى المعلومة أن هذا النص مُوحى به من إله (سلطة) يحتاجها كاتب النص لتاييده و الأخذ بيده حتى يتسلط على الاَخرين.

و نلاحظ هنا كم تكرار الفكرة الواحدة التى يمكن تلخيصها فى أن الإنسان صورة الله على الأرض و أن كل شيئ خُلِق من أجله فهو بذلك محور الكون و مركز النص و الغرض من هذا هو التسلط على الأرض و كل كائناتها. و السؤال الذى يطل برأسه علينا ليدحض الإعتقاد السحرى للنرجسى و يهز كبرياء التابع و يكشف عن قبح نرجسيته و تفاهة تفكيره و هو: ما فائدة وجود المجرات الكونية الأخرى بكواكبها و نجومها بالنسبة للإنسان؟؟؟ الا تكفى الأرض للوفاء بمتطلبات ذلك النرجسى و سد إحتياجاته؟؟ و هذا يفسر لنا سبب ثورة رجال الدين ضد نيكولاس كوبرنيكس و كبلر و جاليليو الذين نادو بعدم مركزية الأرض للمجموعة الشمسية و أن الشمس هى مركز هذه المجموعة من الكواكب و منها الأرض التى كلها تدور حول الشمس ؛ لأنه بهذا الإكتشاف لم تعد الأرض هى مركز المجموعة الشمسية و بالتالى لم تعد الأرض هى مركز الكون و من ثم لم يعد الإنسان هو مركز إهتمام الإله و عليه ثارت ثائرة النرجسي الدينى الذى لم يتمكن من محاكمة كوبرنيكس الذى مات قبل أن تُنشر أفكاره و لكن تم محاكمة جاليليو و حكم عليه بالإعدام حرقاً و كاد يُنفذ فيه الحكم لولا نصيحة تلاميذه له بالإستتابة و لكنه عند خروجه من الكنيسة التى تم فيها إستتابته كان يدب الأرض بقدميه و يقول: (لكنها تلف و تدور).

أما فى النص القراَنى فإن ذكر خلق الإنسان ورد فى أيات كثيرة نذكر بعضها على سبيل المثال و ليس الحصر مما يؤيد إصابة الإنسان بمرض النرجسية حيث يتبين مدلولها من مطابقتها مع الإعتقاد السحرى بعناصره الخمسة. فنقرأ ما جاء فى النص القراَنى فى سورة البقرة اَية 30 : (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ). و لا ندرى لماذا أخبر الإله ملائكته بنيته فى خلق الإنسان. فهل الغرض منه هو مجرد الإخبار بما ينوى أن يفعله أو هى إستشارة متخفية فى الصيغة الخبرية. و لكن مما يؤكد أن النص يدلل على نرجسية هذا المخلوق (الأنسان) نلاحظ فى النص القراَنى أن الإله عرض على – ولا نقول إستشار – الملائكة فكرته أو مشروعه فى خلق هذا (الخليفة) فكان رد فعل الملائكة سؤالاً له دلالة على معرفة الأنسان بضعفه و هشاشته بما يمكن أن يرتكبه من نقائص (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ) و أضاف الى ذلك مقارنة بسيطة بين عمل الإنسان و عمل الملائكة (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) فكان جواب الإله الذى هو فى الواقع جواب الإنسان النرجسى (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) فهل جواب الإله على سؤال الملائكة يمثل رداً شافياً و مقنعاً؟ أم أنه إدعاء النرجسى و زعمه بإمتلاك ناصية المعرفة. أنه من الواضح جداً أن هذا الرد ليس رد إله يُفترض أنه كلى العلم بقدر ما هو رد فعل لشخصية الإنسان النرجسية (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) و هو إدعاء باطل كشف عنه الواقع فيما بعد من إرتكاب الإنسان للمفاسد و سفك الدماء (بدءاً بالحيوان و إنتهاءاً بأخيه الأنسان) ؛ ثم يأتى التقليل من شأن و معرفة الملائكة (لَا تَعْلَمُونَ) كما هى عادة النرجسى فى تطاوله و وقاحته فيسقط عيوبه و نقائصه على الاَخرين و فى حالة اَدم هنا فإن الاَخرين بالنسبة له هم الملائكة حيث لم يكن هناك بشر بعد ليسقط عليهم النرجسى جهله و عدم معرفته و مثل هكذا إذ بالنرجسى يزيح النقص عن نفسه ليلقى به على الملائكة.

إن ذكر كلمة (خليفة) تجعلنا نتسائل خليفة من لمن و الجواب واضح و هو (خلافة) الإنسان (أدم) للإله و أذا رجعنا الى معنى كلمة (خلافة) فى قاموس المعانى باللغة العربية نجدها تعنى (نيابة عن الغير إما لغيبة المنوب عنه ، أو لموته ، أو لعجزه ، أو لتشريف المستخلَف خلَّفه على أهله ومالِه) و هنا نتعرف على خاصية النرجسية الأولى و هى التركيز على الذات النرجسية سواءاً بإعلان تشريف الإله له بتسليمه السلطة أو لغياب هذا الإله أو لموته أو لعجزه فيحل الأنسان النرجسى محل هذا الإله. و فى سورة التين اَية 4 (لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم) يتضح إعتقاد النرجسى السحرى جلياً بأنه أحسن و افضل من كل المخلوقات و كل الموجودات. إن هذا التفضيل و هذه الأسبقية على كل الموجودات لا تركز على مجموع البشر ككل و لكنها تهيئ لفرز نرجسى و احد هو النبى أو خليفة الإله على الأرض و هو الحاكم. و تأتى الاَية 70 من سورة الإسراء (ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) و كذلك الاَيات من 32 الى 34 من سورة ابراهيم (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ 32 وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ 33 وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ 34) مؤكدة على أفضلية النرجسى على كل الموجودات بل أن كل ما فى الوجود خُلق من أجل هذا النرجسى فيتحول الإله الى ملبى لإحتياجات هذا النرجسى و لهذا فقد خلق له الأله البر و البحر و الرزق الذى يشمل كل ما يسد إحتياجات النرجسى من مأكل و مشرب و ملبس و مأوى. إلا أن هذا الإله لم يذكر (الجو) ليحمل فيه النرجسى لأنه لم يكم الأله قد إخترع أو خلق له الطائرات أو الصواريخ بعد.

و فى سورة الأعراف اَية 11 (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا الا ابليس لم يكن من الساجدين) تؤكد على أن عملية خلق الأنسان و تصوره أو تصويره هى قمة خلق و إبداع الإله فى هذا الكون و بالتالى فإن الأنسان هو مركز الكون و بؤرة إهتمام الإله فقد خلقه ثم صوره. و يأتى أمر الإله للملائكة بالسجود لهذا النرجسى كبيان لعظمته و أهميته و تمهيداً للنرجسي ليضع نفسه مكان هذا الإله الذى أوجده و ليظهر مدى حسد النرجسى و حقده على لملائكة المخلوقة من نور لكى ينتقم منهم بأن يجعل الهه يأمرهم بالسجود له و فى هذا تحقير للملائكة و تعظيم للنرجسى حيث أن السجود لا ينبغى إلا للإله و حده فهى خاصية من مجموعة خصائص و خصوصيات تميز الإله عن مخلوقاته و النرجسى هنا بعد أن سلب الخلافة فأنه يسلب إستحقاقية السجود له من الهه الذى أوجده. و فى رفض إبليس السجود للنرجسى يدلل على إعتقاد النرجسى فى أن الاَخرين يحسدونه و يحقدون عليه. و الغريب أن النرجسى يجعل الهه يعاقب كل من رفض السجود له فها هو اله النرجسى يعاقب إبليس الذى يتفاخر على النرجسى المخلوق من طين بكونه مخلوق من نار بطرده من الجنة و لعنه و جعله رجيم. فالكبرياء و التفاخر بالنسب إحدى سمات النرجسية و لكنه هنا يسقطها على ابليس و هذا ما تبينه الاَيات من 71 الى 78 من سورة ص (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ 71 فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ 72 فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ 73 إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ 74 قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ 75 قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ 76 قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ77 وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ 78)

و رغم هاجس الإعتقاد السحرى الذى يتملك النرجسى إلا أن الإحساس بالضعف و الهشاشة الذى قد يصل الى درجة إحتقار النرجسى لذاته يظهر بين الفينة و الفينة فى كثير من النصوص القراَنية. فعلى سبيل المثال لا الحصر ففى سورة الإنسان الاَيتين 1 ، 2 نقرأ (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا 1 إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا 2) فالنص هنا يبين عدمية الأنسان النرجسى فهو (لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا) و هو مجرد نطفة و يعانى من الإبتلاء. و فى سورة التين توضح الاَيتان 4 و 5 مدى ما يعترى النرجسى من غطرسة و كبرياء و فى نفس الوقت ما يعتريه من مزلة و مهانة و ضعف و هشاشة (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ 4 ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ 5) فرغم أن الإنسان يتغطرس بحسن تقويمه إلا أنه يشعر بالإنحطاط و المهانة برده الى أسفل سافلين ؛ و فى سورة المرسلات الاَية 20 (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ) تبين مدى المهانة و الضعف الذى يحاول المتبوع أن يجعله ماثلاً فى أحاسيس تابعه حتى يظل تحت سيطرته فيدور فى فلكه.
دمتم بخير
رمسيس حنا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الفرنسية توقف رجلاً هدد بتفجير نفسه في القنصلية الإير


.. نتنياهو يرفع صوته ضد وزيرة الخارجية الألمانية




.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط