الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحية لثورة الياسمين !

صادق البلادي

2016 / 1 / 20
مواضيع وابحاث سياسية




خمسة أعوام إكتملت منذ أن قام الشاب التونسي محمد بوعزوز بحرق نفسه بعد أن لم يعد يستطيع تحمل العيش في هوان ، بلغ ذروته بالنسبة اليه بإهانة كرامته على يد شرطية صفعته، فأحرق نفسه إحتجاجا على هذه الإهانة ، وماكان يدري أن هذا الفعل سيصبح شرارة لثورة الياسمين ، التي أصبحت فاتحة للربيع العربي. لآ أعتقد أن هذا الشاب كان قد سمع اسم الشاعر الشيوعي التركي ناظم حكمت ، ذلك الشاعر الذي كان شباب العالم في الخمسينات يرددون من شعره في كل أنحاء العالم :

إذا لم أحترق أنا

وإذا لم تحترق أنت

وإذا لم نحترق نحن

فمن أين يأتي النور الذي يبدد الظلمات؟

قد تكون هذه الفكرة التحريضية الى النضال ،و التي صاغها ناظم حكمت شعرا، قد خطرت تلك اللحظة ببال هذا الشاب ، فجعلها بدل الشعر فعلا ، فأحرق نفسه أمام دار البلدية.

إنتصار الشعب التونسي يوم ذاك أكد مرة أخرى أن الناس إن استيقظوا من غفلتهم، التي يوقعهم فيها وعاظ السلاطين و مثقفو السلطة، وإن بِصَمْتِهم عن الظلم والعسف، نعم إن استيقظ الناس، و سواء أَحَرَّكهم النُزُوع الى الحرية أو تفاقمُ الحاجة ، أو تنامي الوعي بأنهم على حق وعازمون على إستعادة كرامتهم المسلوبة تتفجر آنذاك قوتهم برا كينا وسيلا يجرف الطغاة إن رفضوا ، ويتركهم يذوون في مزابل مع خَضراوات الدِمن.

وتلتها مصر العروبة وتجاوب معها الواعون من شعب العراق تضامنا و تعاطفا، إذ لا بد أن ما يحدث فيها سيكون له التأثير الكبير في إستنهاض قوى التحرر العربي لتتخلص من حكامها الفاسدين ، المستبدين ، ومن الهيمنة الإمبريالية ، ولا تبقى تستورد بمليارات الدولارات أكداس السلاح ، التي لا ينتفع منها غير تُجار الموت وعاقدي الصفقات، مهما علت أصواتهم بالصراخ أنها للدفاع عن الوطن وإستقلاله، فأي كذب صارخ تفضحه الأراضي، والمياه، والأجواء العربية المفتوحة من الخليج الى المحيط، و الميادين المكشوفة والآمنة لغطرسة القوات الأمريكية والإسرائيلية، لعملاء السي آي أي و الموساد وغيرهما.



مع ثورة الياسمين في تونس ، وبخاصة بعد نجاح حركة 25 يناير السلمية في مصر ، عادت رياح التغيير تهب في العالم العربي، وبدأت الروح تدب فيما تُوِهم أنه قد بات جرحا ميتا لا يحس بما يجري في العالم من تغييرات. وفي خلال تلك الأيام والأسابيع كنا شهودا على تدخلات الأمم المتحدة والدول الغربية عبر تصريحات مسؤوليها وسياسييها منددة بإستخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين و المعتصمين في شوارع وساحات تونس ومصر، حيث صار ميدان التحرير، بما فيه من رمز التحرر، راية وعلما لهذا الحراك الشديد ، ذي الزخم القوي، ولكنه رغم ذلك ليس بالعنفي. وبعد هذا امتدت رياح المطالبة بالتغيير لتصل الى اليمن وليبيا والأردن والبحرين والعراق، والتمعت نذرها في الجزائر والمغرب وحتى في السعودية.، وبعدها اشتعلت في سوريا البعث. وأصبح ميدان التحرير رمزا للتغيير في العالم. فقد دعا تنظيم أمريكي الى التظاهر في بلازا الحرية في واشنطن ، واعتبارها ميدان التحرير في واشنطن.

بعد أن انتهت الحرب العالمية الثانية بالقضاء على الفاشية ، ومعها اشتد الأمل في إقامة نظام عالمي جديد يسوده السلام وتتحقق فيه الديمقراطية وحقوق الإنسان. واعتمادا على الإتفاقيات بين قادة الدول الكبرى المساهمة في الحرب ، وإلإعلانات الصادرة عنها ، تم إقامة منظمة الأمم المتحدة ، مع أخذ دروس عصبة الأمم بنظر الأعتبار. وبصدور ميثاق هيئة الأمم المتحدة بشكله الديمقراطي، الذي يضمن حقوق حتى الأمم المُستعمَرة والصغيرة ، حيث أكدت الديباجة الإيمان بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية، وأكدت ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن " من الأساسي أن تتمتع حقوق الإنسان بحماية النظام القانوني إذا أريد للبشر ألا يضطروا آخر الأمر إلى اللجوء الى التمرد على الطغيان والاضطهاد،" ، كما و جرى تثبيت مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، وهو ما كان ضمانا قانونيا للدول الصغرى ضد تدخل الدول الإستعمارية في شؤونها، إلا أنه كأي مبدأ يمكن إساءة إستغلاله ، وتسعى الدول المتضررة منه الى عرقلة تطبيقه. ، كما استفاد الحكام المستبدون إلمنتهجون سياسة ضد شعوبهم من هذا المبدأ ، مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ، والذي نص عليه الميثاق في الفقرة 7 من المادة الأولى ، ولكن وُضِع له إستثناء واحد وذلك في حالة تطبيق تدابير قمع صادرة وفق الفصل السابع من الميثاق، والخاصة بقرارات يتخذها مجلس الأمن عند حدوث تهديد أو خرق للأمن والسلم الدوليين.وبصدور القرار 688 عام 1991 لكفالة حقوق الإنسان في العراق شُّرِّع مبدأ التدخل الإنساني.

وجرى التأكيد على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية في المواثيق و الاتفاقيات الدولية اللاحقة، وأكدت عليه بشكل خاص دول العالم الثالث ، التي تحررت من السيطرة الكولونيالية، سواء دول باندونغ أو دول عدم الأنحياز فيما بعد. لقد جرى إقرار هذا المبدأ في ميثاق الأمم المتحدةـ وتمت صياغته في ظروف تكون رأي عام ديمقراطي عالمي واسع وكبير، أوربيا وعالميا، خلال سنوات النضال المشترك، والتحالف العالمي ضد الفاشية أثناء الحرب العالمية الثانية ، في سبيل السلام و الديمقراطية ، وكان هذا قبل تفكك التحالف المناهض للفاشية فنشوب الحرب الباردة، وتسعيرها في الصراعات داخل الدول عبر تقديم المساعدات والإٍسناد لهذا الطرف أوذاك ، وحتى إشعال مواقد لحروب وكالة عن المعسكرين ،وكل صار يرغب في تقوية و ضمانة مصالحه، وإن باسم التضامن و مساندة الشعوب في نضالاتها من جانب المعسكر الإشتراكي ، أو باسم مساعدة الدول أمام الخطر الشيوعي من جانب معسكر الإمبريالية.

لقد شكل تثبيت هذا المبدأ خطوة هامة نحو تحرر الشعوب المستعمرة والتابعة وتخلصها من السيطرة الإستعمارية والإمبريالية، وساعد الشعوب على نيل إستقلالها، ودافعت الدول المستقلة حديثا و حركات التحرر الوطني عن هذا المبدأ من أجل تثبيت حقها في إختيار نهج تطورها اللاحق، وفي أنتهاج سياسة خارجية مستقلة. وكان هذا المبدأ إنتصارا كبيرا للشعوب، وليس للدول الغربية التي كانت تستعمر شعوب آسيا وأفريقيا، وتهيمن على أمريكا اللاتينية بُقْچَتها ( الحديقة الخلفية) ، دون أن تتخلى بالطبع عن التدخل بأساليب أخرى تحاول التستر عليها.



ففعل النزوع الى الحرية، كأي فكرة، إن جرى إدراكه ، واستحوذ على عقول وقلوب الناس يتحول الى قوة مادية، الى تسونامي يجرف قوى الرجعية والاستبداد، يجرفها الى سقر وبئس المصير. والنزوع الى الحرية إن نجح يُعدي و يُغري بالمزيد من الحرية.

والعالم العربي، الذي عمل الغرب على تقسيمه وتجزئته باتفاقية سايكس –بيكو، وبإقامة الدولة العنصرية إسرائيل - لترتفع البسمة على شفاه الذين يسخرون من " نظرية المؤامرة"، فهم على عقولهم يضحكون – أخذ بعد تونس و مصر يغلي في كل بقاعه، من الجزائر الى ليبيا، الى اليمن والخليج، حيث تحرك أهل البحرين مطالبين بملكية دستورية ، وشبيبتنا في العراق استعدت ليوم الغضب في الخامس و العشرين من الشهر، الجميع يريدون مواصلة العملية السلمية للتغيير، مؤملين ألّا يرتكب الحكام جرائم جديدة، فأنظار العالم مفتوحة على ما يحدث في أقصى بقاع الأرض، وكان من الضروري ألسعي لتقديم مرتكبي جرائم العنف ضد المتظاهرين الى المحاكمة، وألّا يفلت أحد منهم من العقاب ليكونوا عبرة للذين سيحل أوان الإطاحة بهم ؟

لكن النضال لا يجري في دروب مفروشة بالرياحين ، فالقوى الرجعية ، الإمبريالية والتابعة ، ساهرة على مواقعها و مصالحها ، خبراتها في إجهاض الثورات كبيرة وغزيرة ، من إثارة الفتن ، وتفريق القوى ، وإرسال رجالها وتحريك عملائها ، وطرح شعارات تحرف الثورة عن أهدافها، كما ولديها منظماتها الدولية من مالية مثل صندوق النقد الدولي وعسكرية مثل حلف الناتو، قادرة على التدخل وفرض إرادتها ،عبر إغراقها بالديون أو التدخل العسكري ، المباشر او بالوكالة، عبر الرجعيات العربية كقطر أو السعودية ، كما حدث ويحدث في ليبيا و سوريا ، وما نجم عن ذلك من إعاقة ودمار وخراب ، وهجرة مليونية رافقتها المآسي.



تحية لثورة الياسمين في تونس والتي كرمها المجتمع الدولي بمنح جائزة نوبل للسلام العام الماضي الى تونس.

ولنتذكر على الدوام قول المنسي فهد " أن الأهداف لا تتحقق بدون تنظيمات ملائمة شعبية قوية وهذه لا تتم عندنا اليوم بدون تقوية التنظيم الحزبي."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أعتقد أنت سمع اسم الشاعر الشيوعي التركي ناظم حكمت
شمال حمه عرب ( 2016 / 1 / 20 - 19:32 )

أنت سمع اسم الشاعر الشيوعي التركي ناظم حكمت في الخمسينات!.

لا لقول المنسي فهد - أن الأهداف لا تتحقق بدون تنظيمات ملائمة شعبية قوية وهذه لا تتم عندنا اليوم بدون تقوية التنظيم الحزبي.-


2 - بعدعملية القلب التي أجريتها في ألمانيا ابق حيث أنت
علاء عبدالنبي البلادي ( 2016 / 1 / 21 - 07:08 )
نحن أبناء اليوم تجاوزنا زمن التجار الفجار وزمنهم المؤسس للخراب الرديء والنفاق ورفاق الشقاق في عراق المقاومة الشعبية والحرس القومي والحزبية المؤدلجة لصالح عصر السوفييت وعبدالناصرمصر والشرعية الثورية مطية رفاق ستالين وصدام بغير رفق

ارحمونا! كفى ألم ولا بارقة أمل من احتراقنا.. ولا تحلمون على حسابنا

كبرنا على زمنكم خمسينات القرن الماضي

كل ما تستطيعه النقر على لوح الحرف العربي لتوجيه مجايلك الشوفيني زميلك في موقع الحوار
،متتبع محرك البحث Googleإلى بعر بعير البادية و روث بغل جبل شمالنا العراقي البدوي العشائري برزاني البراز!.

بلا تحية لثورة..، أمس أحرق كادر عمالي ثان نفسه في تونس وأنت تنعم بدفء ألمانيا يا متاجر بشعارات عفا عنها الزمن..

اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟| المسائية


.. اختيار أعضاء هيئة المحلفين الـ12 في محاكمة ترامب الجنائية في




.. قبل ساعات من هجوم أصفهان.. ماذا قال وزير خارجية إيران عن تصع


.. شد وجذب بين أميركا وإسرائيل بسبب ملف اجتياح رفح




.. معضلة #رفح وكيف ستخرج #إسرائيل منها؟ #وثائقيات_سكاي