الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة الدينية من منظور البيولوجيا السياسية

حمدى السعيد سالم

2016 / 1 / 22
مواضيع وابحاث سياسية



مما لاشك فيه أن أولى الأزمات المرتبطة بالجغرافيا هي أزمة الهوية الوطنية ومشروعية نظام الحكم وقوانين الدولة التي تأخذ في الاعتبار التعددية الثقافية.....
عندما تطرح أزمة كهذه في الدول العربية يقال لك إنه لا أزمة هناك.....
في مصر تحل تلك الأزمة العويصة من خلال ترديد شعارات....
فإذا كانت لديك الجرأة أن تقول إن مصر بلد متعدد مثلا دينيا وثقافيا قيل لك في التو :
عناق الهلال والصليب وإزاي وإحنا البلد الوحيد الذي لا توجد به حارة يهود؟ نحن نسيج متداخل....
ثقافة الإنكار هذه لا تحل المشكلة في دول حديثة ونامية مثل مصر.....
طبعا المصريون لا يقبلون فكرة أن مصر دولة صغيرة عمريا، لأنهم يخلطون بين الاستمرارية الحضارية ورمزياتها وبين دولة ما بعد الاستعمار التي هي الواقع....
نعم مصر حضارة قديمة، ولكنها دولة حديثة وهذا ينطبق على اليونان والصين والهند....
هذه دول بها معظم أزمات التنمية الرئيسة، ولكن بدلا من مناقشتها بجدية يجري إنكارها من خلال ترديد الشعارات الجوفاء....
لكى نفهم علينا أن نعرف أن هناك فرع جديد فى العلوم السياسية اسمه «البيولوجيا السياسية»...
وهو علم يدرس سلوك الإنسان بنفس الطريقة التى نتابع بها سلوك أى حيوان أو كائن بيولوجى آخر كى نعرف ابعاده عند اتخاذ القرار السياسى ...
ومن هذا المنظور سأحاول إلقاء الضوء على ما يريده ادعياء التأسلم السياسى فى مصر من خلال اقامة الدولة الدينية ....
الدولة الدينية التى يتشدق بها الإخوان المتأسلمين بصيغتها الحالية كانت حملاً فى شهوره الأخيرة فى عهد حسنى مبارك....
تعالوا معى كى نتابع سلوك مبارك ورجالات حكمه كأى حيوان أو كائن بيولوجى آخر كى نعرف ابعاده عند اتخاذ القرار السياسى...
والأساس فى هذا ليس أيديولوجيا مبارك وحدها، وإنما بيولوجيته....
أيديولوجية مبارك كانت قائمة على تقسيم العمل، فقسم البلد نصفين (الشارع للإخوان والحكم لأهل الفساد)....
لكن بيولوجيا مبارك كان لها الدور الرئيس من حيث كونه رجلاً مسناً....
وبيولوجيا الإسلاميين من جيل الشباب، والتى تحدثنا كل يوم عن خرافات وأوهام تدور كلها حول إيحاءات جنسية تتعلق بهرب سيدات مسيحيات من أزواجهن- مثل كاميليا وغادة- اعتنقن الإسلام وهربن مع فحل مسلم....
ما كان يحدث ما يحدث فى مصرفى عهد مبارك ليس بالسلوك الغريب عن الفحولة الجنسية كبديل عن السياسة، ففى أمريكا مثلاً كان الأمر معكوساً، فهناك خرافات عن القدرات الجنسية للرجل الأسود المضطهد، لذا تهرب الشقراوات مع الرجال السود، لأن الرجل الأبيض غير قادر جنسياً.....
هذا النوع من التوظيف والاستخدام السياسى للجنس بالصورة القبيحة التى نراها فى مصر، ولكن بغطاء دينى، هو أمر عنصرى وطائفى فى المقام الأول. هذه العنصرية ربما هى ما يعنيه المصريون عندما يتحدثون عن «عنصرى الأمة».....
ما حدث فى مصر أيام مبارك هو تسييس للجنس والغرائز البدائية، وهو أمر بيولوجى وليس دينياً فى المقام الأول....
بيولوجيا الحكم فى عهد مبارك تقول إن مبارك قبل أن يغادر الكرسى كان عمره فوق الثمانين، أى العمر الذى يبدأ فيه الإنسان رؤية النفق المؤدى إلى العالم الآخر فينشغل عن الدنيا بالقبر والتسبيح والصلاة، وكان ذلك واضحاً فى شخصية مبارك وحالة الاكتئاب التى أصابته يوم وفاة حفيده....
بيولوجيا القصة لم تكن الحفيد بقدر ما هى قصة اقتراب نهاية الجد، أى مبارك نفسه....
ولم يكن مبارك وحده هو الذى تسيطر عليه أيديولوجية دنو الموت وعذاب القبر، فقد كان كل رجال مبارك فى العمر ذاته، فتحى سرور، رئيس مجلس الشعب، وزكريا عزمى، رئيس ديوان الرئاسة، وصفوت الشريف، رئيس مجلس الشورى، ومفيد شهاب، وعمر سليمان، إلى آخر قائمة الأجداد التى كانت تحكم مصر...
ومن هنا كانت البيولوجيا هى الدافع الرئيس للتدين المبالغ فيه فى نظام مبارك....
لدرجة انك كنت ترى علامة السجود على جبهة ضابط أمن الدولة أكبر من تلك التى على جبهة رجل الإخوان الذى يطارده ضابط أمن الدولة....
أما موضوع التوريث فكان بيولوجياً وليس سياسياً أيضا....
فذهنية البيولوجيا السياسية هى التى تجعل الرئيس ينظر إلى الوطن وكأنه بيته وجزء من ميراثه الشخصى أو تركة توزع على من سيرثونهم....
لذلك التوريث آخر أيام مبارك كان منطقيا بمنظور فلسفة فراق الحياة عند عوام المصريين...
بمعنى الميراث لا بمعنى المواطنة فى دولة....
على صعيد أخر كل من كانواحول مبارك كانوا فى الثمانينيات وكان يحكمهم بيولوجيا فكرة الموت والفناء... لذا كان الدين ومفهوم التوبة مكوناً أساسياً فى حياتهم، ومن هنا كانت رعايتهم للتيار الدينى أمراً طبيعياً لأن الإنسان بطبعه كائن دينى....
مصر اليوم للأسف من منظور البيولوجيا السياسية لها مساران:
1- عنصرية وتطرف جنسى لا دينى عند الإسلاميين الشباب (الفحول) الذين تهرب إليهم بنات الديانات الأخرى....
2- البيولوجيا المتعلقة بالفئة العمرية لمن يتولون زمام الأمور فى البلاد وقد أصابهم الوهن الجنسى لذلك يفكرون فى الموت وعذاب القبر والحساب والعقاب، وربما يلهيهم الآن حساب الدنيا على حساب الآخرة فتركوا الأمل فى الدنيا ومسؤولياتهم فى إدارة البلاد وسلموا أمرهم، حرفياً لله أو ما يطلق علية دعاة التأسلم السياسى (الدولة الدينية)...
البيولوجيا السياسية هى التى تقول لنا اليوم أن استعانة من هم فى الحكم الآن بالإخوان المسلمين وبالسلفيين كشركاء لهم فى الحكم سببه الرئيس البيولوجيا، وليس التدين أو بناء الدولة....

حمدى السعيد سالم
صحافى ومحلل سياسى واستراتيجى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيتزا المنسف-.. صيحة أردنية جديدة


.. تفاصيل حزمة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل وأوكرانيا




.. سيلين ديون عن مرضها -لم أنتصر عليه بعد


.. معلومات عن الأسلحة التي ستقدمها واشنطن لكييف




.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE