الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدخل اقتصادي للقضايا النسوية

عصام شعبان حسن

2019 / 3 / 1
ملف 8 آذار / مارس يوم المرأة العالمي 2019 - دور وتأثير المنظمات والاتحادات النسوية في إصلاح وتحسين أوضاع المرأة وتحقيق المساواة بين الجنسين


غالباً ما يتم النقاش بشأن قضايا النساء ومشكلاتهن من دون الالتفات إلى علاقتها بالبنية الاقتصادية. يقتصر النقاش غالباً على البنية الثقافية. تُلعن الأفكار المجردة بوصفها المسبب لمشكلات المرأة. هذا هو المنهج والمدخل المتبع، في الأغلب، حين تناقش قضايا المرأة العربية، وتجد الخطاب نفسه يسود عالمياً. وعلى هذا الأساس الانتقائي، يتم تحليل التحديات التي تواجه النساء. تُناقش الأفكار بوصفها سبباً في مشكلات النساء، ويتم فصل البنية الثقافية عن عوامل وجودها وتوسعها. يُلغى البناء الاقتصادي وأثره في تسيّد ثقافة ما، وكأن الأفكار تأتي من السماء إلى الأرض، وتنتشر بفعل الريح، لا بتفاعلات متعددة، منها حركة الاقتصاد. تحفل فعاليات الحركات النسوية بمناقشة قضايا متنوعة، أبرزها التميز وتمكين المرأة سياسياً، وسبل مواجهة العنف، والقضايا سالفة الذكر وغيرها من قضايا وهموم نسوية، تلعب فيها بنية ونمط الاقتصاد السائد دوراً مهمّاً، ويشكل التكوين الاقتصادي للتحالفات الحاكمة دوراً محورياً من موقف الدولة والبناء الاجتماعي من النساء.

حين نناقش قضية المساواة، مثلاً، لا يمكن أن نعتبر العناصر الثقافية، بما فيها من نصوص دينية، هي، وحسب، التحدّي الوحيد الذي يعيق تطبيقها، فقضية التميز القائم على النوع، ترتبط في جوانب عديدة منها، بالمسألة الاقتصادية، ويتأثر بها سلباً وإيجاباً، المساواة في العمل بين العاملات والعمال، يخضع لنمط إدارة الاقتصاد وبنيته، فالرأسمالية ترى في النساء أيادي عمل رخيص، خصوصاً فى سن الشباب، وهي الفترة التي تتميز فيها العاملات بقدرة عالية على الإنتاج، بينما تلفظ العاملات من المصانع، حين يتقدم بهن السن، وتصبح منشغلة ومحملة بأعباء إضافية، كرعاية أسرتها.

يعتمد القطاع الهندسي على العاملات بشكل كبير، نظراً لدقة عملهن على خطوط الإنتاج. وفي إحدى أكبر المصانع الهندسية في مصر، تضغط الإدارة على العاملات بعد سن الخامسة والثلاثين، ليتركن العمل، ويصرف صاحب المصنع مكافأة تتمثل في الالتحاق برحلات حج وعمرة، لمن تختار إنهاء عملها. في هذه الحالة، يبرز المحدد الاقتصادي، وهو أن صاحب المصنع يريد إدخال عمالة جديدة أقل أجراً وأقل في المسؤولية العائلية، تكون العاملات الجدد، فى الأغلب، غير متزوجات، وغالباً ترتبط بالعمل لتوفير مستلزمات للزواج. ظروف العمل هنا والتميز القائم على النوع يرتبط بميل الفئات الرأسمالية المتحكمة في السوق إلى تراكم الأرباح، ولا تحكمها في ظل العلاقات الاقتصادية والسياسية القائمة بين السلطة ورجال الأعمال ضوابط تحد من التميز ضد النساء، وحين تلتقي الأفكار الرجعية المتخلفة التي لا ترى في المرأة سوى خادمة لأهل المنزل، تميل الفئات الرأسمالية وسياسات التصفية للقطاعات الإنتاجية إلى الضغط على النساء ليخرجن، في ما يُعرف بنظام المعاش المبكر، لتأتي الدولة أو المستثمر بعمالة أقل أجرا.
وكما أن بنية الاقتصاد تشكل عاملاً مهماً في قضايا المرأة والمشكلات المحيطة بها، فإنه أيضاً يشكل مفتاحاً لتغيير أوضاع النساء ورفع الظلم والتميز والتهميش الواقع عليهن. يمكن تلمّس أهمية المدخل الاقتصادي، أيضاً، في التغيير الذي يمكن أن يحدثه. وقضية خروج النساء للعمل، أو مشاركتها في المجال العام عموماً، يشكل النمط الاقتصادي فيها تأثيراً شديد الأهمية، يمكن أن نقيس حجم التغيرات الطارئة على ثقافة قرية أو منطقة صحراوية أو زراعية، إذا ما أنشى فيها مصنع، شاركت فيه نساء المنطقة عاملات، سيتعود المجتمع حينها على وجود المرأة في سوق العمل، وعلى مشاركتها السياسية أيضاً، وسيحد ذلك من الثقافة القائلة إن دور النساء خادمات في المنازل، وسيساهم ذلك أيضاً، وبشكل كبير، في ضبط العلاقة بين النساء والرجال، ورفع التمييز القائم، والمستند على أسس اقتصادية، تتعلق بتحرّر النساء اقتصادياً.


العمل يغيّر ثقافة المرأة وثقافة الرجل أيضا، والرجال الذين تربوا في واقع اقتصادي تعمل فيه النساء يجعل نظرته إلى زميلة العمل مختلفة. انظر إلى بئية الرجال المتحرشين في بئية العمل، كيف نشأوا، وما أساس نظرتهم إلى النساء وعملهن، هذا الأثر يمكن رؤيته على المستوى الفردي للمرأة، وينعكس أيضاً على حالة المجتمع ككل، وعلى الأداء الاقتصادي، فمشاركة النساء في العمل تعني أنك تضاعف من قدرات الاقتصاد، وتضيف إليه إمكانات وطاقات جديدة، وتحد، في الوقت نفسه، من ارتفاع نسبة الإعالة، حيث توزع على أفراد العائلة، ينعكس ذلك كله على معدلات الإنتاج، ويجعلها أفضل، إذا وظفت قدرات العاملين والعاملات على قدر من المساواة في النشاط الاقتصادي. وسيسعى هذا النمط الاقتصادي الذي ينفي التميز في العمل، بالتأكيد، إلى توفير احتياجات المجتمع من السلع والخدمات، وسيتصف بالعدالة في التوزيع طبقياً ونوعياً لعوائد التنمية.
يمكننا، أيضاً، ربط قضية العنف ضد النساء بالنمط الاقتصادي السائد، ودور النساء فيه، فقد أثبتت دراسات عديدة أجريت حول معدلات العنف والمعنفات أن الوضع الاقتصادي للنساء وقدرتهن على العمل في وظائف وأعمال مستقرة ذات دخول جيدة تحد من عمليات العنف ضدهن، بينما تزداد ممارسات العنف ضد النساء اللواتي يعملن في أعمال موسمية وهامشية، أو لا يعملن من الأساس، فثقافة العمل تعطي للنساء الثقة والقدرة على الحياة بكرامة، ورفض الضغوط ومحاولات الهيمنة من الرجال، أو حتى أصحاب العمل.

والتحرش يمثل نوعاً من العنف يرتبط بأسباب اقتصادية، فالنساء اللواتي يعانين ضعفاً في الشبكات الاجتماعية، وينتمين إلى طبقات أكثر فقراً واحتياجاً للعمل، ربما يكونون أكثر خضوعاً للعنف الممارس ضدهن في العمل والشارع والأسرة. ظروف العمل، بما فيها كرامة العاملات، تحددها البنية الاقتصادية والنمط الاقتصادي الذي يرى في المرأة طاقة إنتاج ورافعة للتنمية، بعكس النمط الاقتصادي الذي لا يرى فيها إلا أداة للكسب، أو سلعة يمكن استغلالها في مجال العمل. تفاصيل اقتصادية عديدة تشتبك مع مشكلات النساء والتحديات التي تواجهن. لكن، من يريد إخفاء الواقع الاقتصادي للنساء وبؤسهن، ويركز فقط على البنية الثقافية يريد، في حقيقة الأمر، تناول القضايا النسوية، من دون الخوض في صلب الألم، لأنه لا يريد، ببساطة، مهاجمة بنية النظام السلطوي الأبوي، والذي يمثل الطابع الطبقي فيه عاملاً جوهرياً، لا بد من هدمه، لتغير واقع المجتمع وواقع النساء








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. شبكة -أي بي سي- عن مسؤول أميركي: إسرائيل أصابت موقعا


.. وزراءُ خارجية دول مجموعة السبع المجتمعون في إيطاليا يتفقون




.. النيران تستعر بين إسرائيل وحزب الله.. فهل يصبح لبنان ساحة ال


.. عاجل.. إغلاق المجال الجوي الإيراني أمام الجميع باستثناء القو




.. بينهم نساء ومسنون.. العثور جثامين نحو 30 شهيد مدفونين في مشف