الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إتفاق الصخيرات تحت الإنعاش

عيسى مسعود بغني
(Issa Baghni)

2016 / 1 / 26
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


من الملاحظ أن سقف المطالب والتوقعات لجميع قطاعات الشعب الليبي قد إنخفض كثيراً عما كان عليه خلال سنة 2012م بل دب الخوف والوهن عند الكثير من المواطنين بسبب الفوضى الأمنية والإنهيار الإقتصادي الذي تعانيه الدولة، بما يصدُق عليهم المثل الليبي "غير ردها في جواها" ، بالمقابل لا يزال الجهويون والقبليون يعز عليهم تقوقعهم وإنتمائهم الضيق أكبر من مصالح الدولة الليبية وإصلاح أمرها بل يرون الدولة غنيمة لشخوصهم وبلداتهم، ولم تصل إلى أذانهم يوما القاعدة الشرعية در المفاسد أولى من جلب المصالح، أو قول فولتير "الوطن كم هو عزيز على قلوب الشرفاء"، ولذا كانت الحكومة الجديدة مرآة للإنقسام الطولي في بنية الدولة.
ترنح ميزان الوزارات بين حكومة متوسطة ب 22 وزير ثم مصغرة ب 11 وزير وأخير إستقر الأمر على 32 وزيراً، وضعفهم من الوكلاء ومثلهم للهيئاة العامة. لا يهم في الحقيقة عدد الوزارات سوى رواتب مضافة إلى كاهل الميزانية العامة المنهك ب 200 نائب برلمان و 132 نائب لمجلس الدولة، و هؤلاء النواب جميعاً لا دور لهم "فهم لزوم ما لا يلزم"، في زمن لا يوجد هناك دستور ولم تتشكل هيكلية الدولة، ليس هناك ضرورة لسن القوانين التي قد تلغى لاحقاً.
عدد الوزراء لا يهم كثيراً لأن الحكومة الحالية ليس من مهامها الإصلاح الإداري للدولة، والذي تجاوز عدد الموظفين بها مليون وثلاثمائة موظف يتلقون رواتبهم من خزينة الدولة، أي أن الدولة في حد ذاتها صندوق ضمان إجتماعي كبير يشمل معظم المواطنين في حين أن عددهم في الدول المتقدمة لا يتجاوز 20% في أسواء الحالات مثل ما يحدث الدول الشرقية. فالإصلاح الإداري يأتي من القاعدة وليس من القمة، بمعنى إرجاع عدد حرس المنشأة النفطية من عددهم الحالي البالغ 26 ألف معظمهم من المدنيين إلى عددهم السابق 3600 رجل أمن، وبالمثل عند تقليص الموظفين وفتح قنوات الإستثمار أممامهم فلن يكون هناك حاجة إلى تكرار الوزارات والهيئات مثل الخارجية والتعاون الدولي والشئون العربية والأفريقية، أو تكون وزارة للمواصلات ووزارة للنقل الجوي ووزارة اخرى للإتصالات، ناهيك عن وزارة للموارد المائية أو الثقافة في زمن الحرب.
إلا أن ما يهم جداً أن يكون الوزراء على درجة من الكفاءة، وهو حق مشروع ومطالب به شعبيا وتم تضمينه في إتفاق الصخيرات، ولكن المحاصصة الجهوية والقبلية حالت دون ذلك، مما يعرقل تنفيذ أهداف الوزارات من جهة ويساهم في إنتشار الفساد الإداري والمالي أكثر مما هو عليه الآن.
بعد رفض البرلمان لتشكيلة الحكومة وإلغاء المادة الثمانية من الأحكام الإضافية، قبل الشروع في قبول الإتفاق والقيام بالتعديل الدستوري دخل إتفاق الصخيرات إلى حجرة الإنعاش وبداء يحتضر، لعدة أسباب منها، أن الإتفاق حزمة كاملة طرفيها البرلمان والمؤتمر الوطني برعاية أممية يوافق عليه أو يتم رفضه كاملاً، ورفض الجزء يُطيح بالكل، وأن فتح باب التعديل يجعل الطرف الآخر يصر على تعديلاته وهو ما لم تم تجاوزه عند التوقيع المبدئي.
يرجع إصرار مجلس النواب على إلغاء المادة 8 من الأحكام الإضافية والتي تقرر أن جميع الوظائف السيادية ستكون شاغرة بعض مضي شهر من الإتفاق وبذلك يحق للمجلس الرئاسي القيام بتعيينات جديدة، تصب هذه المادة في صميم إزالة العقيد المتقاعد خليفة حفتر ومعاونيه من مناصبهم وإعادة هيكلة الجيش والشرطة، وهو ما رفضه حفتر منذ شهر وأوعز إلى الفيدراليين لتبني إلغاء هذه الفقرة، وساعد على تمرير التصويت حالة التشضي داخل البرلمان والقبول بإلغاء الإتفاق الأخير، والتنصل من الجنة الموقعة للإتفاق، ثم العمل على أساس أن الإتفاق مجهود للأمم المتحدة يقوم البرلمان بتعديله والموافقة عليه وليس هناك طرف آخر. وهذا منافي للحقيقة التي تبين أن الإتفاق لن يكون لو لم يحضر وفد من المؤتمر الوطني لذلك.
إن مهام الحكومة الحالية يمكن حصرها في ثلاثة نقاط مهمة يأمل الجميع إنجازها في أقرب الآجال، أولها إعادة بناء موسسات الدولة لتصبح فاعلة، والتي تساهم في إستثباب الأمن والإستقرار الإداري للدولة، ومن هذه مؤسسة الجيش والشرطة والأمن الداخلي والخارجي وتفعيل القضاء ودعم مصرف ليبيا المركزي وديوان المحاسبة والرقابة الإدارية وغيرها من أجهزة الدولة. ويعتبر الهاجس الأمني على رأس أولويات هذه الحكومة بعد إنتشار الحركات الإجرامية والتفلت الأمني في مشارق البلاد ومغاربها. إعادة مؤسسات الدولة للعمل ستحد نسبيا من عبث العابثين، وستخلق إنضباطية تساعد القضاء على القيام بعمله، وستنهي الهروب من العقاب، مما يساعد على إستثباب الأمن والحد من الفساد الإداري والمالي.
النقطة الثانية المهمة (وهي مرتبطة كليا بما سلف)، فتح المواني والحقول النفطية، وإبعاد التشكيلات القبلية المسلحة عنها وإرجاعها إلى سيادة الدولة، والبدء في إنتاج النفط ،علما بأن أكثر من 20 حقلا نفطيا مغلقاً في المنطقة الوسطى وثلاثة حقول مغلقة في الغرب الليبي. إبعاد المليشيات القبلية والبدء في تصدير النفط سيوفر للدولة عوائد يمكن بها كبح الإنهيار الإقتصادي القادم لا محالة، ويبعد شبح الإفلاس المحقق للدولة الليبية، ويوقف التلف البطئ لجميع تجهيزات وشبكات الحقول النفطية التى تقدر إعادة بنائها بالبلايين، وهو ما لا تشعر به ولا تفهمه التشكيلات المسلحة القبلية.
النقطة الثالثة والأخيرة، مع مباشرة الحكومة عملها وما توفره من أمن ثم حوار مجتمعي قد يكون المناخ مناسبا للجنة صياغة الدستور أن تستكمل عملها لتعرضه على الشعب، وبذلك يكون للدولة الليبية هيكلية قانونية يمكن بناء موسسات الدولة على ضؤها، وليس كما نرى حاليا من تخبط وتشردم وبروز فتاوي لا تخرج عن الإجتهاد الفردي القاصر.
ما يمكن لهذه الحكومة إستثماره لأجل الوطن هو التعاون الوطيد مع دول الشمال الذين لهم الرغبة الأكيدة في نجاح هذه الحكومة، ليس لسواد عيون الليبيين بل لأن مصالحهم مرتبطة بإستثباب الأمن على الشاطئ المقابل لهم، والذي يتمثل في الحد من تدفق الهجرة غير الشرعية التي تهدد أنظمتهم، والتخلص ومنع وصول التفجيرات الإرهابية إليهم، هذه المطالب من الغرب يجب أن يكون لهذه الحكومة مقابل لها وهي تقديم يد المساعدة في هيكلة الدولة، وبناء المؤسسات، والتدريب، وتقديم المشورة في حماية الحدود، وعقد شراكة حقيقية لتطوير الجهاز الإداري الليبي، ثم هيكلة الإقتصاد في خطوة لاحقة.
مع الإنهيار الكبير في الإتفاق تحتاج الأمم المتحدة والدول الصديقة لليبيا مجهودات كبيرة لإيجاد مخرج ملائم يحد من التدهور الأمني والإقتصادي للدولة، خاصة وأن جل أعضاء البرلمان والمؤتمر تنقصهم الخبرة السياسية وقراءة الأحداث، ف 92 عضوا الموقعون على قبول إتفاق الصخيرات قبل شهر، تلاشؤ عن المشهد تحت قبة البرلمان، وبالمثل إعضاء المؤتمر يعيشون إنقسام كبير وغياب للرؤية يحول دون وجود أي دور لهم في قيادة الدولة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام


.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ




.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا


.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس




.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم