الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحكم القضائي بعضه قانون و كله لغةٌ وأدب

سالم روضان الموسوي

2016 / 1 / 28
دراسات وابحاث قانونية


الحكم القضائي
بعضه قانون وكله لغةٌ وأدب
يعد الحكم القضائي خاتمة المطاف في الخصومة ونقطة النهاية في سباق تصارع وناضل فيه ذوو الشأن بأساليب وأدوات وحجج قانونية، وهو تتويج لجهود كبيرة وإجراءات طويلة قام بها الخصوم وممثلوهم والقاضي وأعوانه، وهو واجب النفاذ وملزم لأطراف الدعوى، وأحيانا للكافة في بعض دعاوى القضاء الإداري ومثله القضاء الدستوري، وهذا الحكم لابد وان يكون بصياغةٍ تمكن الخصوم من معرفة ما ورد فيه ويتيح للمنفذ أن يعرف ماهية الفقرات الحكمية الواجبة التنفيذ وجهاتها، وهل هذا الحكم إعلاني (كاشف) يتعلق بإعلان حالة كانت قائمة قبل صدوره أم إنشائي يخلق مركزاً قانونياً جديداً اعتباراً من تاريخ صدوره، وهذه الخصائص وسواها توجب أن تكون صياغة الحكم القضائي بأسلوب من أساليب اللغة التي يكتب بها وفي العراق تكتب الأحكام القضائية باللغة العربية على وفق حكم المادة (4) من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المعدل، وهذا الأمر يدعونا لمراعاة الأساليب الأدبية في كتابته، فضلا عن الأحكام القانونية الواردة فيه لابد وان تكون على وفق صياغات أساليب اللغة القانونية التي كتب بها النص، وبذلك نجد إن الحكم القضائي منذ لحظة الشروع في كتابته ولحين صيرورته حكماً نافذاً مبني على الصياغة اللغوية ويصب في قوالب أساليبها الأدبية والبلاغية، ولابد من توفر القاضي على المهارة اللغوية التي تستوجب المداومة على التفكير والتنظيم ويرى بعض الكتاب، ومنهم احمد سعيد بيومي في كتابه الموسوم (لغة الحكم القضائي)، إن كتابة الحكم القضائي ليس له أسلوب إنشائي خاص وإنما يكتب الحكم القضائي كما يرى القاضي وما يسطره قلمه، لكن ذلك لا يمنع من إن كل فئة أو طبقة من المجتمع لها طريقتها الخاصة في وأسلوبها المميز في استعمال اللغة كما قال ابن خلدون إن (لكل فن من الكلام أساليب تختص به) وللقضاة أسلوب يختلف عن غيرهم من أهل الفنون والعلوم الأخرى ، ويرى بعض من كتب في هذا المجال إن الحكم القضائي يتضمن عدة أقسام(الديباجة والوقائع والأسباب والمنطوق) الأول هو الديباجة ويراعى فيها أن تكون بجملة تركيبية طويلة وتأخذ هيئة الجملة الاسمية لأنها تضفي على الحكم القضائي الصفة الرسمية كونها تتناول معلومات تشكيل المحكمة واسم القضاة أو القاضي وتاريخ إصدار الحكم والقسم الثاني عرض الوقائع ويتبع فيه أسلوب سرد الوقائع ويكون سردا لاحقا يحكي أحداث ماضية ودور القاضي فيه دور الراوي لان ذلك تمهيد للتحليل وإبداء الرأي ويكون من جمل تركيبية تربط مع بعضها بأدوات العطف والاستدراك والقسم الثالث وهو التسبيب وفيه تستخدم الجملة المركبة بتراكيب طويلة تتخلها كلمات مقيدة للمعنى أحياناً وأداة الربط بينها كلمات مثل (حيث ، بما ، بعد) لان الوظيفة الأساسية للجمل في الحيثيات والتسبيب هي حمل الحجة التي تبنى عليها عقيدة المحكمة عند إصدار الحكم وتتميز هذه الجمل بسمات ذكرها بعض الكتاب ومنهم احمد سعيد بيومي، أما القسم الرابع المتعلق بالمنطوق فان الجمل المستخدمة فيه جمل مستقلة عن بعضها وإن ارتبطت بواو العطف وتمتاز بالإيجاز والوضوح وتكون من تركيبين هما ( قررت أو حكمت وكذلك ألزمت أو إلزام) وبجمل قصير غير طويلة لذلك نرى إن اللغة وآدابها تحيط الحكم القضائي ولابد لمن يريد أن يتقن العمل عند إصدار الحكم القضائي أن يكون ملما بأدب الصياغة القضائية ولابد أن يميزها عن الصياغة القانونية لان صياغة الأحكام تكون مباشرة وحاسمة ولا وجود للاحتمالات أو التخمين فيها ومخصصة تجاه الواقعة محل العرض في الدعوى بينما الصياغة القانونية تتسم بالعبارات المرنة التي تستوعب الواقعة وقت صدور القانون أو التي ستحدث مستقبلاً ولا تختص بشخص عينه وإنما خطابها للجميع ، ومن الملاحظ إن بعض الكتاب في بلدان عربية وأجنبية تناولوا هذا الباب الذي يجمع بين اللغة والأدب والقانون والقضاء، إلا أن في العراق مازال هذا الموضوع غير مطروق ، ونأمل من أهل الاختصاص في اللغة والأدب العربي أن يلتفتوا إليه لإعداد الدراسات حول طبيعة تفرد القضاء العراقي بأسلوب صياغة أحكامه وتمييزه عن غيره من قضاء البلدان العربية، حتى تتوفر مؤشرات الاتجاه الذي يسير فيه القضاء عند تعامله مع اللغة في كتابة الأحكام القضائية والاطلاع على مدى مطابقة معايير استعمال أساليب اللغة العربية عند التدوين والتعامل مع المصطلحات الأجنبية والعربية لان القاضي عند كتابته يستعمل مصطلحات استقر العمل بها مثل ( الدعوى ، الخصومة ، المحل ، السبب ، الدفوع ...الخ) وهذه قد لا تكون واضحة لغير المختص ومطلوب شرح معناها لكن تستخدم بإيجاز في لغة الأحكام القضائية لأنها مصطلح يفهمه أهل الاختصاص والمصطلح كما عرفه البعض بأنه (الاصطلاح هو العرف الخاص، وهو عبارة عن اتفاق قوم على تسمية شيء باسم بعد نقله عن موضوعه الأول لمناسبة بينهما، كالعموم والخصوص، أو لمشاركتهما في أمر أو مشابهتهما في وصف أو غيرها) ويرى بعض المختصين إن لغة الحكم القضائي هي نمط خاص من أنماط اللغة العربية الفصحى المعاصرة ولها بنيتها التركيبية والدلالية وأحيانا يتعامل القاضي مع فنون الأدب مثل الشعر ويستعين به في تسبيب الحكم الذي يصدره، وفي احد الأحكام القضائية أورد القاضي بيتاً للشاعر العربي الذي يقول فيه (لَعَمْرُك لولا البَيْنُ لا يُقْطَعُ الهوى .... ولولا الهوى ما حَنَّ لِلبَيْنِ آلِفُ) وكان يوضح من خلاله معنى (البين) التي تدل على البعد والمسافة او يستخدم بعض أبيات من القصيدة الرحبية التي كتبت في علم الفرائض وغير ذلك من الأمثلة التي وردت في الأحكام القضائية.
وفي الختام أتمنى أن ينهض المجمع العلمي العراقي والجامعات والكليات والمعاهد المختصة والأساتذة من المختصين وبالتعاون مع السلطة القضائية في العراق بمهمة الاهتمام في لغة الأحكام القضائية عبر عقد الورش والندوات والدراسات لإظهار الأسلوب القضائي العراقي في كتابة الأحكام والمحررات القضائية لان الحكم القضائي وان كان أساسه القانون إلا أن كل ما فيه لغةٌ وأدب.
القاضي
سالم روضان الموسوي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيش الاحتلال يستهدف النازحين الذين يحاولون العودة لشمال قطاع


.. إسرائيل تواصل الاستعدادات لاقتحام رفح.. هل أصبحت خطة إجلاء ا




.. احتجوا على عقد مع إسرائيل.. اعتقالات تطال موظفين في غوغل


.. -فيتو- أميركي يترصد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة | #رادار




.. مؤتمر صحفي مشترك لوزيري خارجية الأردن ومالطا والمفوض العام ل