الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من مذكرات معلم / وريث حمل ثقيل

علي أحماد

2016 / 1 / 30
الادب والفن


كنت المعلم الوحيد بفرعية أيت ارسان، القرية الصغيرة الرابضة تحت جبل عار من الخضرة يظلل جانبا كبيرا منها كلما دنت الشمس من الغروب ويوفر منظرا رائعا على الصور و يكتم الأنفاس . احتاط السكان مني، وتعاملوا معي بحذر شديد واتخذوا مسافة من الحرص وغلب الصمم على علاقتي بهم ، وأبعدوني كما يبعد الكلب الأجرب لأني التحقت بالفرعية على خلفية فضيحة أخلاقية مست في العمق شرف القبيلة ... والشرف الرفيع يراق على جوانبه الدم...كان شابا وسيما ونزقا من إمغران ( سكورة/ ورزازات) مكنه أصله الأمازيغي أن ينسج علاقات طيبة ومتينة مع الأهالي ويتقرب من صبايا القرية . يستميل قلوبهن ويدغدغ مشاعرهن بالهدايا وأغاني الروايس التي تلهب الحواس وتذكي جذوة الصبابة...جمعت بينه وغادة حسناء علاقة حب جامحة في سرية تحدت أعراف القبيلة الموسومة بالعفة ظاهريا. حملت منه سفاحا بعد لقاءات حميمية ليلية ساخنة تحت جنح الظلام الذي يؤجج مشاعر الحب المسعور دون الإلتفات الى عواقب الأمور مع طيش الشباب وعنفوانه...أثمرت هذه العلاقة الآثمة جنينا تخبط في أحشاء الصبية وأزعج العاشقين وأخذ النوم من جفونهما وقض مضجعهما. لم يكن الأهالي غافلين ، ولكنهم ظلوا متربصين فهم لن يغضوا الطرف عن واقعة تخدش الحياء وتسيء الى سمعة بنات القرية فمهما اختلف أهل القرى يلتفون حول مآسيهم.....في الخفاء تدير نقله الى وجهة غير معلومة ، وقد كان ألح علي لأتبادل معه والحق أني كنت على استعداد لأفعل لو صارحني بفعلته . ولكنه كتم سره . عرفت قصته بالصدفة من مقدم فرعية إفنوان (ألقى الدرك القبض عليه وهو في طريق الهرب الى تازناخت وكاد يفلت من العقاب...كبلوا يديه بالأصفاد واقتادوه كمجرم الى القرية التي فر منها متسللا لإعادة تمثيل وقائع الجريمة البشعة بحضورها. كنت شاهد عيان – يسترسل المقدم في سرد الوقائع- ولكن ما حز في نفسي هو هول ما تعرض له من تعذيب وإهانة حاطة من الكرامة ..لقد أشبعوه ركلا ورفسا بالجزم العسكرية التي أدمت وجهه وكسرت أسنانه تحت أعين الأهالي . عرفتها وأنا أزور معلما من بلدتي يدرس بالقرية قبل قدوم صاحبنا. عند حلول الظلام والسكون تزوره هذه الشابة الفاتنة بشعرها الأسود وعيونها الكحلية الواسعة التي تزينها رموش كثيفة وبقدها الممشوق وطولها الفارع . كنت لا أخفي عجبي من جرأتها بقرية هادئة لا تظهر فيها المرأة إلا وهي محتشمة في لباس أسود يواري مفاتن الأنثى خصوصا على الغرباء! ولكن دهشتي زالت عندما علمت أن الشابة يتيمة تعيش مع زوجة الأب. والأب كثير السفر والغياب بحثا عن لقمة العيش. من محاسن الأقدار أن صديقي لم يطل به المقام بالقرية وإلا سقط في المحظور بعد أن كثر حوله الكلام..انتقل الى فرعية تتاخم حدود إقليم طاطا. كان انتقاله محط حديث السكان وتساؤلاتهم ولكنه يبرر موقفه بأنه صفع رجلا في إحدى حفلات أحواش لسبب فضل السكوت عنه. إنتهى الى علمنا أن الشاب حكم عليه بالبراءة من كل التهم الموجهة إليه..وقد كان يؤكد لصديق حميم أنه إذا رحل الى ورزازات لن يطول مقامه بالسجن فأهله من دار المخزن...وبقيت الحكاية وشما في ذاكرة القرية وتناقلتها الألسن عبر قرى تازناخت وترخي بظلالها القاتمة على العلاقة بين المعلم والقرية ودفعت مكرها ثمن إرث ثقيل وجاهدت لألمع صورتي وأمحو آثاره .

أيت ارسان/ تازناخت/ ورزازات 1990










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا