الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المؤتمر التأسيسي صيغتان

سعد الله مزرعاني

2016 / 1 / 30
مواضيع وابحاث سياسية



يبلغ الوضع اللبناني، في نظامه «وصيغته»، مستوى غير مسبوق من التأزم. بعد الانقسام السياسي المتمادي، والحروب الأهلية المتلاحقة، والتبعية المتفاقمة للخارج، وصلنا إلى مرحلة الشلل والفشل شبه الكاملين مقرونين بأسوأ أنواع الانقسام المجتمعي (غير الاجتماعي بسبب إستناده إلى الموروث والعصبيات) على أسس طائفية عموماً ومذهبية على وجه الخصوص.

طُرحت وتُطرح، منذ مدة، عناوين للتعامل مع الأزمة. تحمل هذه العناوين، أحياناً، إسماً واحداً... لكن، مع ذلك، مضمونها ليس هو ذاته، إذا لم يكن، غالباً، متناقضا، ًبشكل تام، مع الآخر الذي يحمل الإسم نفسه.
ينطبق ذلك، في هذه المرحلة، على «المؤتمر التأسيسي». يتردد هذا العنوان من قبل قوى باتت تعتقد أن المستجدات والتوازنات، الداخلية خصوصاً (والخارجية عموماً)، لم تعد تتلاءم مع الصيغة الراهنة لتوزيع السلطة في لبنان. والتوزيع هذا يحكمه نظام المحاصصة الطائفي – المذهبي الذي اختارته التكتلات والمواقع السياسية والاقتصادية المتداخلة إطاراً لممارسة واقتسام واحتكار النفوذ والحكم والإدارة والمؤسات... بعض هذا الطرح يطالب، ولو على شيء من التمويه الإصلاحي، بتعديل التوازنات بين أطراف المحاصصة، دون المساس بجوهر مبدأ التحاصص نفسه ولا، طبعا بمنظومته التنفيذية المعتمدة (من أبرزها، مثلاً، قانون الإنتخاب...).
لا يعبر دعاة التغيير، من ضمن النظام التحاصصي القائم، عن رغبتهم في تعديل توازناته بالطريقة نفسها. من بين هؤلاء من يعترض على النصوص نفسها أو على بعض هذه النصوص. من ذلك ما يتصل بصلاحيات رئيس الجمهورية في مرحلة ما بعد إقرار اتفاق الطائف عام 1989. غالباً، ما تجري المقارنة، في هذا الصدد، مثلاً، بين ما هو مسموح به للوزير وممنوع على الرئيس في مسألة رد المشاريع والمهل الإلزامية المحدودة والمحددة لذلك...
ويدور صراع ضارٍ، منذ مدة طويلة، حول محتوى «المناصفة» وصيغ تطبيقها أو تفعيلها، يعتقد كثيرون أن «المناصفة» لم تطبق بشكل منصف. هي، فعلياً، كانت شكلية في مرحلة الإدارة السورية، واستمرت منتقصة في مرحلة ما بعد انتهاء تلك الإدارة في أوخر نيسان 2005.
في هذا السياق أيضاً، تشكل «المثالثة» (توزيع جديد بين السنَّة والشيعة وكل المسيحيين) عنواناً وهاجساً لا يغيب عن حسابات الأطراف في طلب المساواة، أو في إثارة المخاوف، أو في التطمين الشعاراتي الفارغ من المضمون بشكل عام. يعزز من مخاوف الفريق المتضرر من التحوُل نحو «المثالثة»، الاختلال الديموغرافي المتمادي لمصلحة عدد المسلمين على حساب عدد المسيحيين (ثلثان مقابل ثلث). تعزز منه أيضاً تموجات وتبدلات الوضع الإقليمي والدولي صعوداً أو هبوطاً في هذا الاتجاه أو ذاك، ومعهما، بالنتيجة منظومة الحمايات والولاءات الخارجية السابقة والتي كانت شديدة التأثير في رسم توازنات الخارطة السياسية اللبنانية. ثم أن تفاقم الصراع تحت العنوان المذهبي في المنطقة وفي لبنان، يجعل العنوان الطائفي، في أحيان كثيرة، هامشياً. يستفحل هذا الأمر عندما ينقسم، فيضعف، ممثلو المكوِّن المسيحي ويلتحقون بالقطبين السنِّي والشيعي وبمرجعيتهما الخارجية أو الإقليمية أو الدولية... يفسر هذا الواقع استعار التشديد على تطبيق «المناصفة» التي باتت، فعلياً، غير قابلة للتطبيق بسبب افتقار تطبيقها إلى القاعدة المادية الضرورية: المحلية أو الخارجية. هذا الأمر حوّل «المناصفة»إلى مِنَّة. وهي لن تطبق، في أحسن الحالات، إلا جزئياً. وسيكون ذلك مشروطاً، بثمن سياسي، لن يكون، بدوره أقل من الالتحاق والتبعية، كما هو حاصل الآن. بعض المحاولات التي يثابر أصحابها، من قبيل التذاكي ورفع المعنويات والكسب الشعبي، على إظهار العكس، لن تبدل في الوقائع ولن تخدم أو تخدع طويلاً!
منذ وقت مبكر اقترنت محاولات تعديل توازنات نظام المحاصصة، من داخله، بإدارة الظهر للبنود الإصلاحية المهمة في إتفاق «الطائف» والمكرسة في الدستور اللبناني بموجب القانون الدستوري رقم 18 لعام 1990. البعض ممن يدعي التمسّك بـ«الطائف» أو ممن يرجمه بألف لعنة، لم يكلف نفسه عناء الإطلاع على نصوصه، وعلى السياق الذي فرض هذا النصوص أصلاً: يجتمع هنا، على نحو كريه، التجاهل المغرض مع الجهل وقلة المسؤولية. من ذلك ما يتناول مسألة إلغاء الطائفية السياسية والمواد الدستورية التي تنظم بشكل حاسم ومحدد هذه المسألة. حصل تواطؤ مبكر ودائم بين أطراف المحاصصة الداخلية (والخارجية) جميعهم، على تجاهل النص الحاسم والواضح بشأن «إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الإختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية...» (المادة 95 من الدستور)، واقتصاره، بشكل مؤقت، على المواقع الأساسية في السلطة والإدارة. إن «المناصفة» هي، في النص وبشكل كامل الوضوح، مؤقتة ومحصورة بالمجلس النيابي الأول الذي انتخب بعد «الطائف» (عام 1992)، والذي كان عليه أن يشكل «الهيئة الوطنية» لإلغاء الطائفية السياسية لتتولى تنظيم عملية تحرير السلطة والإدارة من الطائفية السياسية: بإنشاء مجلس نيابي خارج القيد الطائفي، وبإستحداث «مجلس شيوخ» على أساس تمثيل طائفي وبصلاحيات محصورة حددها الدستور نفسه.
زاد في الأمر سوءاً، أن بعض البنود الإصلاحية قد كان يستحضر فقط لاستخدامه كفزَاعة للابتزاز أو التهويل. من ذلك موضوع إلغاء الطائفية نفسه الذي هو، حسب مقدمة الدستور، «هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية». غالباً ما جرى «إشهار» هذا البند بهدف طائفي، كما جرى الرد عليه، بالطريقة نفسها. في الحالتين، جرى التنكر للدستور ولنضالات فريق كبير من اللبنانيين كافح من أجل الإصلاح، أي من أجل إعتماد معالجة جدية للأزمة الكيانية التي تضرب لبنان ووحدته واستقراره وازدهاره وسيادته وحريته منذ إنشائه حتى اليوم.
استفاد المتحاصصون، وعلى نحو واسع ومتفاقم الآن، كما هو معروف، من غياب المشروع والموقع الوطني، بحيث احتكروا السياسة وتوزعوا، عموماً، لعبة السلطة والمعارضة أحياناً والشراكة غالباً، رغم التعارض الكبير فيما بينهم حول مسائل سياسية أساسية في علاقات ومواقف لبنان حيال صراعات المنطقة. هذا التعارض لم يتناول أبداً نظام المحاصصة والتبعية نفسه، وكان ثمة إحماع على حصر النزاع والتنافس في داخله ومن ضمن الحفاظ على أسسه ومرتكزاته.
غياب القوى المعارضة عن دورها وموقعها وتراجع بعضها إلى حدود الانهيار الشامل، جعل ما طرحته، أحياناً، بشأن «المؤتمر التأسيسي» مدموغاً بدمغة التعبير غير المباشر عن مواقف وتجاذبات طرفي الانقسام في البلاد. ضعف هذه القوى أفقدها القدرة على التأثير وعلى الاعتراض والاستقطاب، وبالتالي على حجز موقع مناسب وفاعل في المشهد السياسي اللبناني.
المخاطر كبيرة الآن: في صراعات المنطقة وفي لبنان. أثبتت صيغة المحاصصة وما يتكامل معها من خلل وانقسام داخلي من جهة، وتبعية من جهة ثانية، أنها باتت مهددة لوجود لبنان نفسه في هذه المرحلة المضطربة من تاريخ المنطقة.
لا بد من «مؤتمر تأسيسي» يكون بنده الأول فرض إحترام الدستور. أما البند الثاني فإطلاق دينامية تطوير سليمة متحررة من الفئويات والمصالح الصغيرة... حصول هذا المؤتمر، على النحو الإنقاذي المطلوب، مشروط بنهوض العمل الوطني من كبوته الطويلة وفق صيغ حيَّة ومتجددة شكلت بعض إرهاصاتها حركات شعبية ونقابية وشبابية واعدة تعاقبت في السنوات الخمس الأخيرة خصوصاً، فضلاً عن مساهمات ثمينة متوفرة في الترث النضالي الوطني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز


.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود




.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991


.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع




.. مشاهد مروعة للدمار الذي أحدثته الفيضانات من الخليج الى باكست