الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رابح لونيسي - بروفسور ومفكر جزائري - في حوار مفتوح مع القراء والقارئات حول: مستقبل الحركية الديمقراطية في العالمين العربي والإسلامي

رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)

2016 / 1 / 31
مقابلات و حوارات



من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا -173- سيكون مع الأستاذ د.رابح لونيسي - بروفسور ومفكر جزائري - حول:  مستقبل الحركية الديمقراطية في العالمين العربي والإسلامي.


كتب فرانسيس فوكوياما بعد نهاية الحرب الباردة منتشيا بالقول أن التاريخ في نهايته من ناحية الأفكار، وذلك بإنتصار نهائي للبيرالية بشقيها الديمقراطي وإقتصاد السوق، أو ما أسماها نائب الرئيس الأمريكي ألغور ب"الديمقراطية الرأسمالية"، وهي ما يطلق عليها آخرون ب"الديمقراطية الغربية"، ويسميها الماركسيون ب"الديمقراطية البرجوازية"، وفي الحقيقة أعاد لنا فوكوياما تقريبا نفس فكرة الفيلسوف الألماني هيغل في أواخر القرن 18 القائلة بأن إتجاه التاريخ يسير نحو ما أسماه ب"الحريات"، ويقسم الأمريكي صموئيل هننتغتون هذه الحركة التاريخية الديمقراطية إلى عدة موجات، فبدأت بأوربا الغربية وشمال القارة الأمريكية بفضل الثورتين الفرنسية عام1789 والأمريكية عام 1776، ثم عرف العالم موجات أخرى بعد الحرب العالمية الثانية، ووصلت أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية في نهاية ثمانيينات القرن الماضي، وسماها هننتغتون ب"الموجة الثالثة للديمقراطية"، ويرى هو وفوكوياما موجة أخرى ستمس العالمين العربي والإسلامي، وكذلك أفريقيا، وما سيسرع أكثر هذه الحركة التاريخية هو إنتشار التعليم وتوسع الطبقات المتوسطة وصعود جيل شباني يرفض إنغلاق الأباء ووصايتهم والإنتشار الواسع لشبكات الإتصال العالمية كالأنترنيت وشبكات التواصل الإجتماعي والفضائيات وغيرها.
تدفعنا هذه الطروحات إلى طرح عدة تساؤلات، فهل فكرة الديمقراطية هي ظاهرة غربية بإمتياز؟، وهل العالم الغير الغربي لم يعرف مظاهرها وبوادر لها حتى ولو لم تتطور؟ وهل من المحتم ربط الديمقراطية بالرأسمالية أم اننا بإمكاننا حل مشكلة تحقيق العدالة الإجتماعية إلى جانب الحريات الديمقراطية؟، فليس من العلمية أن نبقى في نقاشات الحرب الباردة لمن الأولوية أللعدالة الإجتماعية أم للحقوق السياسية والحريات؟، ومايدل على إستمرارية هذه الفكرة هو دفاع البعض عن النموذج الصيني وإعتبارهم نجاحاته الإقتصادية تعود إلى الأحادية التي تمكنت من ضبط الأمور مما جعل الإقتصاد يسير جيدا، لكن هل العدالة الإجتماعية متوفرة فعلا فيه؟، وهل تستفيد كل فئات المجتمع من هذا النمو الإقتصادي؟، ويطرح البعض بشكل غير مباشر فكرة "المستبد المستنير" مستندين على نجاح بعض النماذج الإقتصادية مؤقتا في نظرنا وبدعم أمريكي، لكن أين نجد هذا المستبد المستنير؟، ونعتقد أنه إن لم نربط الديمقراطية بالعدالة الإجتماعية، فمعناه إستحالة نجاح الديمقراطية وحرياتها في بلداننا العربية والإسلامية، فكم من مرة أنقلب الشعب على الديمقراطية بسبب ربطها بالرأسمالية؟، وهل ستعود الماركسية من جديد إنطلاقا من أطراف العالم الرأسمالي بسبب إستغلالية المركز الرأسمالي لها كما يقول سمير أمين، لكن مع تصحيح هفواتها، ومنها التخلص من الأحادية الحزبية أو ما سمي ب"ديكتاتورية البروليتاريا"؟.

نعتقد أن من أهم العوامل التي تعرقل عملية الإنتقال الديمقراطي في بلادنا العربية والإسلامية لحد اليوم هي بعض التيارات الأيديولوجية المنغلقة التي تستخدمها الأنظمة الإستبدادية ضد إنتشار الأفكار والقوى الديمقراطية في المجتمع، وفي الكثير من الأحيان تضخم هذه الأنظمة هذه التيارات الأيديولوجية المتطرفة كي تخيف بها القوى الديمقراطية، ثم تدفعها للإختيار بين الإستبداد أو هذه التيارات الأيديولوجية المتطرفة، وجعلها تفضل الإستبداد عليها، كما تلجأ الأنظمة الإستبدادية إلى تكريس وإستغلال الذهنية القبلية في المجتمع ودفعه إلى التصادم، كي تظهر هذه الأنظمة بأنها هي الضامنة للسلم والأمن، دون أن ننسى الإقتصاد الريعي وشراء ذمم المعارضة الديمقراطية وفصلها عن الشعب، مما يؤدي إلى فقدان ثقة المجتمع في الطبقة السياسية، فيستقيل من الإهتمامات السياسية، فيخلو الجو للمستبدين لملأ الفراغ.
لكن بمجرد ما يتم إضعاف أو القضاء على هذه العوامل سينجح الإنتقال الديمقراطي في هذه البلدان، لكن تتوقف نجاح عملية الإنتقال الديمقراطي على عدة عوامل، وعلى رأسها وجود دولة بمؤسسات قوية، تقود هي العملية مع إشراك كل قوى المجتمع بهدف التوصل إلى عقد إجتماعي فيما بينها يلتزم به الجميع، فمن الخطأ الفادح القيام بإنتخابات قبل هذا العقد كي لانترك أي مجال لبعض القوى بالإنقضاض على العملية الديمقراطية برمتها تحت ذريعة أن الفائز في الإنتخابات يهدد الديمقراطية أو عدم إحترام الفائز ذاته بالإنتخابات لكل المباديء الديمقراطية كاملة غير مفصولة، لكن أكبر خطر يهدد الإنتقال الديمقراطي إذا تم تحت ضغوط داخلية أوخارجية، خاصة إذا صاحبتها إضطرابات وعنف، فبإمكان أن يسود الإضطراب لمدة طويلة، كما يحدث اليوم في عدة بلدان عرفت ما سمي ب"الربيع العربي"، وبإمكان زوال الدولة من الخريطة العالمية بحكم الضغوط لزرع الفوضى الخلاقة كي تتفكك الدول، مما يسهل عملية إدماجها في "مشروع الدولة العالمية" التي تريد أن تبنيها البرجوازية العالمية أو ما يسميها جون زيغلر ب"اسياد العالم الجدد".
يجب مصاحبة عملية الإنتقالي الديمقراطي وجود عقد إجتماعي بين كل الأطراف المتناقضة في المجتمع التي يجب أن تقتنع بأن التناقضات في الأمم هي طبيعية وأن الآليات الديمقراطية بكل أبعادها هي مجرد أدوات لحل سلمي لمختلف تلك التناقضات.
كما لايمكن نجاح هذا الإنتقال دون التفكير الجدي لمصاحبتها وربطها بتحقيق العدالة الإجتماعية وخدمة المحرومين، ليس فقط كهدف لأن لامعنى لديمقراطية لا تخدم كل المجتمع، كما هي أيضا ضمانة لعدم إستغلال البؤس الإجتماعي من تيارات محددة للإنقلاب على الديمقراطية كما وقعت عدة مرات في التاريخ العالمي.
ولهذه الأسباب كلها علينا التفكير الجدي في نظام ديمقراطي بديل يخدم كل فئات المجتمع دون إستثناء، أي إقامة دولة في خدمة كل المواطنين، ومنها ضمان العدالة الإجتماعية إلى جانب الحريات الديمقراطية، أي بتعبير آخر نظام نقيض لما يسمى ب"الديمقراطية الغربية" الخادمة للبرجوازية، والتي بشرنا بها فوكوياما، كما يجب أيضا إيجاد أرضية صلبة للفكرة الديمقراطية وقيمها في المجتمع، وذلك بنقض الفكرة القائلة بأن الديمقراطية هي فكرة وظاهرة غربية بإمتياز، وأنها مبنية على تصورات فلسفية غربية، لأننا إن لم نقم بذلك سنجد معارضة قوية لها في بلداننا خاصة من بعض التيارات الدينية التي تمتلك أرضية أيديولوجية قوية بسبب إستخدامها للدين

قد عرف العالمين العربي والإسلامي بعض الأفكار والممارسات الديمقراطية عبر تاريخه سواء على شكل تنظيمات تقليدية مثل نظام الجماعة في البلاد المغاربية أو التشاور بين أعيان مكة في دار الندوة قبل الإسلام، ولو عمقنا البحث التاريخي، لوجدنا مظاهر عدة قريبة من الديمقراطية المباشرة التي عرفتها أثينا مثلا، ونجد نفس الأمر بعد إنتشار الإسلام، ومنها خطبة أبو بكر الصديق الشهيرة التي أستند عليها المصلح الديني بن باديس في الجزائر لإستخراج 13 مبدأ تدل على مدى التوافق بين القيم الديمقراطية الحديثة وتلك الخطبة، وذهب بن باديس إلى حد جعل الشعب هو السيد في إختيار كل قوانينه وغير مفروض عليه الإلتزام بما يسمى "الشريعة الإسلامية" التي هي في الحقيقة ليس لها أي قداسة دينية على عكس ما يدعيه الكثير، فماهي في الحقيقة إلا قوانين وضعية أبدعها مايسمى ب"فقهاء الدين"، وذلك إنطلاقا من تأويلاتهم للنصوص الدينية التي تحكمت فيها تأثيرات عدة، ومنها ظروفهم ودرجة تثاقفهم ومصالحهم الطبقية وغيرها، ولهذا نجد إختلافا كبيرا فيما بينهم في عدة قضايا.
كما ذهب البعض مثل الليبي الصادق النيهوم إلى الإثبات أن الجمعة في أصلها لم تكن بهذا الشكل، بل كانت يوما أسبوعيا لمراقبة ومحاسبة الحاكم، وينطلق من عدم معرفتنا وتسجيل خطب الجمعة لسيدنا محمد (ص) في الوقت الذي أصر فيه الصحابة على جمع وتتبع كل أقواله وأفعاله، ويمكن الإستدلال بمحاسبة رجل لعمر بن الخطاب أثناء الجمعة حول القميص الذي لبسه، أو معارضة المرأة له حول إجتهاده في الصداق في يوم جمعة، ويقول النيهوم أنه كان يشارك في إجتماع الجمعة المسلمين زغير المسلمين، لكن تم الإنحراف عن ذلك كله بعد وصول الأمويين إلى السلطة، وأبتدعوا فكرة كل من تكلم فصلاته باطلة، وذلك كوسيلة لترك السلطان وحده يتحدث ومنع الناس من محاسبة الحكام.
فبغض النظر عن صحة ما أورده الصادق نيهوم من عدمه، إلا أن هذه الفكرة بإمكانها أن تساهم اليوم في دعم الرقابة المباشرة في بلداننا، فلنتصور لو فرض على كل مسؤول محلي على الإتيان إلى مكان عام سواء كان المسجد او غيره ليحاسب كل أسبوع أو جمعة، فهل بإمكان أن يتجاوز حدوده أو لا يقوم بأعماله على أحسن ما يرام، وقس على ذلك على كل المسؤولين، فهي فكرة جديرة بأخذها بعين الإعتبار لتطوير الممارسات الديمقراطية في عالمنا الإسلامي ونقلها إلى بلدان أخرى.
أوردنا هذه الظواهر لإثبات فكرة مفادها أن الممارسات الديمقراطية ظاهرة موجودة في تاريخ كل الشعوب بأشكال متعددة، كما عرفت أيضا كل الشعوب ظاهرة الإستبداد، وبأن الإستبداد ليس ظاهرة خاصة بالشرق كما يقول أصحاب نظرية "الإستبداد الشرقي"، فحتى أوروبا والغرب عرف نفس الظاهرة في الماضي والحاضر، ومالنازية والفاشية ببعيدة عنا.
لكن هذا ليس معناه دعم النظرية القائلة بأن الديمقراطية المعاصرة هي غربية المنشأ، وبالتالي لايمكن نقلها لمجتمعاتنا متذرعين ببعض الخصوصيات التي أوردناها آنفا، لكن من حقنا أن نسأل هل نحن طورنا هذه الخصوصيات لدعم المسار الديمقراطي أم أستندنا عليها للإبقاء على الإستبداد سواء بشكله المباشر أو على روحه؟، ومايؤسف له عودة هؤلاء إلى بعض الأفكار الغربية ذاتها مثل أفكار روجي غارودي الذي يرى أن كل ما أنتجه الغرب هو أورو-مركزية يجب التخلص منها، وأن هناك تعدد ثقافي وحضاري إنساني، وبأنه بإمكاننا الإستلهام من قيم حضارات أخرى تم تهميشها من الغرب، طبعا نتفق معه في ذلك، بل هناك حكمة شهيرة عندنا وعادة ماتنسب إلى سيدنا محمد )ص( "الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذ بها"، وهو ما يعني عدم رفض كل ماهو أوروبي بدعوى أنه تغريب، بل نأخذ كل ماهو جيد سواء من الغرب او الحضارات الأخرى، بل نجد في عهد الإصلاحات الدينية وعصر النهظة في العالمين العربي والإسلامي الإستناد على النموذج الديمقراطي الأوروبي والحث على نقله إلى بلدان العالم الإسلامي مثل دعوات جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده الذي ساهم في وضع دستور ثورة عرابي في مصر في 1881، كما نجد خير الدين التونسي صاحب الإصلاحات في تونس بالإستناد على كتابه" أقوم المسالك لتقويم الممالك"، ودعم رجال الدين الثورة الدستورية في إيران في 1906، كما نجد دعوة بن باديس التي أشرنا إليها آنفا، بل حتى حسن البنا، فإنه كان معجبا بالنظام النيابي البريطاني.
لم أورد هذا إلا للرد على أعداء الديمقراطية اليوم من الكثير من الإسلامويين، مما يدل على مدى تراجعنا في هذا المجال، بل لازال البعض يتحدثون عن أهل الحل والعقد، وهو مايعطي شرعية مثلا في الجزائر لمجموعة من الجنرالات في إختيار الرئيس وصناعة السياسات، ونفس الأمر في السعودية أو مجلس الخبراء في إيران، وهذا كله يعد إستئلاء على إرادة الأمة والسيادة الشعبية.
إن أردنا التأسيس للديمقراطية في بلداننا فعلينا أن لانهمل عوامل هامة جدا أيضا، وهو الإنطلاق من الواقع السائد كمرحلة إنتقالية تجعل الجميع يرى في القيم الديمقراطية هي جزء من ثقافتهم سواء كانت دينية أو غيرها، فلنضع في أذهاننا أن الأسس الديمقراطية في الغرب لم تنطلق فقط من الفكر السياسي والممارسات الموجودة في الحضارة الاغريقية والرومانية كما يعتقد البعض، بل كثيرا ما نجد محاولات التأسيس لها إنطلاقا من الكتاب المقدس أي التوراة والأنجيل التي لاتختلف كثيرا عن القرآن في الكثير من التصورات، ولايمكن لنا نحن المسلمين أن نتجاهل ذلك إن أردنا تأصيل هذه الأفكار في مجتمعاتنا التي تتأثر كثيرا بالدين إلى حد اليوم، ومن هذه الأفكار والتصورات القرآنية يمكن ذكر الطبيعة السلطوية للإنسان حيث أخبرنا الله تعالى في كتابه الكريم، بأن إبليس أغوى آدم بالأكل من الشجرة الملعونة بعد إيهامه بأن ذلك سيعطيه خلدا وملكا لا يبلى، ولم يكن إنكشاف سوءاتهما بعد الأكل من الشجرة إلا ترميزا وإشارة إلى ظهور طبيعة الإنسان الحقيقية والمتسترة عند سعيه إلى السلطة والصراع حولها، وهي عادة ما تتصف بالدموية والهمجية في حالة هذا الصراع، وهو نفس ماتوصل إليه تقريبا الفيلسوف الأنجليزي هوبز عند وصفه طبيعة الإنسان بالقول "أن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان"، مما يتطلب التفكير الجدي في آليات تحد من الصراعات الدموية بين البشر، وبأن أوروبا قد إخترعت آليات الديمقراطية كحل سلمي لمختلف التناقضات والصراعات التي عرفتها مجتمعاتهم، ومنها مبدأ التداول السلمي على السلطة بواسطة الانتخاب الذي يعد حلا عمليا يجمع ويوفق بين مبدأي "حق الأمة في عزل السلطان" و"درء الفتنة"، كما يمكن لنا الإشارة في نفس مجال التأصيل إلى ثناء الله سبحانه وتعالى على ملكة سبأ إلا لأنها ديمقراطية، وهو ما يدحض فكرة الإسلامويين بتحريم تولية المرأة الحكم والرئاسة، ومن التصورات الممكن الإستناد إليها ايضا التصور القرآني بأن التعدد بكل أشكاله خاصة الثقافي هي اية من آيات الله، وكل من يسعى لفرض الأحادية، فهو يناقض الإرادة الإلهية، ويمكننا أيضا الإستناد على فكرة قداسة الحريات، وأنها مستمدة من تقديس الله، ومنها إعطاء الله للإنسان حرية الإختيار بين طريقي الجنة والنار الذي تعد من أكبر الأشياء في مصير الإنسان، ولهذا لايحق لأي كان أن يمنع الإنسان في التعبير عن رأيه أو حرية إختياراته، كما يمكن أن نسرد لهم كيف أن الله ترك أبليس حرا طليقا رغم معارضته له، ورفض تطبيق أوامره، فهناك الكثير من التصورات القرآنية يمكن لنا الإستناد عليها لتوطين القيم الديمقراطية في الأرض الإسلامية، بل نرى إستحالة النجاح في ذلك اليوم وفي هذه الظروف دون الإستناد على تصورات فلسفية قرآنية، وهذا ليست خاصية عندنا فقط، بل نجدها حتى لدى المفكرين المؤسسين للديمقراطية الغربية الحديثة كلوك وجفرسون وتوماس باين وغيرهم الذين أستندوا أيضا على قراءة فلسفية للكتاب المقدس في ذلك.

مادام ان عالمينا العربي والإسلامي لم يدخلا الحداثة بعد، ولازالت الروح التقليدية مسيطرة عليه، مما يجعل تختلط لديه الحزبية بالقبلية ومقومات الثقافة والدين والطائفية، وبتعبير آخر قد أتخذ البعض هذه العوامل إضافة إلى ضعف الثقافة الديمقراطية والقبول بالآخر كذريعة للإبقاء على الإستبداد، لكن لم يميز هؤلاء بين أمرين وهو ان الدولة القوية هي ضرورية للنظام الديمقراطي، كما أن الإستبداد ذاته هو الذي يغذي ذلك، كي يبقى في السلطة في إطار سياسة فرق تسد، ويطرح آخرون مسألة الأحزاب الدينية وإجتياحها كل إنتخابات تحدث في هذه البلاد، هذا صحيح بسبب توفر أرضية أيديولوجية مواتية لذلك، لكن هذا ليس معناه منعها، لأن ذلك سيعطي لها قوة أكثر، بل ما يجب القيام به هو صرامة الدولة في تطبيق القوانين ومنع صارم إستخدام الدين وكل رموزه في الخطاب السياسي، ولهذه الأسباب فإننا نحتاج إلى دولة بشكل آخر تأخذ هذه العوامل كلها بعين الإعتبار، بل يجب التخلص من النموذج اليعقوبي للدولة الذي أضر بنا كثيرا والتفكير في شكل آخر تحافظ على خصوصيات الجماعات والأفراد.
ويمكن أن نلخص ذلك كله بالقول أن مشكلتنا اليوم هي في كيفية تحقيقنا القطيعة مع العصر الخلدوني المبني على توظيف القبيلة والدين للوصول إلى السلطة، مما أدى إلى عدم إستقرار الدولة، وهو نفس المشكل الذي طرحه محمد عابد الجابري والمتمثلة في مشكلة الإنتقال من العقيدة إلى الأيديولوجية ومن القبيلة إلى الأحزاب والمجتمع المدني ومن الريع أو الغنيمة إلى الإقتصاد المنتج.

لكن رغم كل ما قلناه فإننا نعتقد أن ماوصلته الديمقراطية الغربية اليوم هو أحسن نظام موجود، لكن ليس معناه انه نظام كامل، فهذه الآليات مجرد آليات تنظيمية تحمل الكثير من النقائص يمكن تطويرها وجعلها أكثر فعالية وفي خدمة الأمة والشعب بدل ماتكون في خدمة طبقة أو تيار أيديولوجي أو فئة معينة على حساب الآخرين.
فمن عيوب هذه الديمقراطية هو خدمتها أكبر للطبقة البرجوازية، وتحتاج إلى نقد علمي لتطويرها، كما تطرح التطورات العلمية والتكنولوجية خاصة في مجال الإتصالات أمامنا نقاشا حول مستقبل الديمقراطية على الشاكلة الغربية، لأن هذه التطورات الجديدة تسمح بالتدخل المباشر لكل فرد في عمليات النقاش والتصويت، مما سيعطي قوة للشعب، ولعل هذه التقدم التكنولوجي سيضع امامنا مسألة التفكير في الديمقراطية المباشرة بدل التمثيلية .
ولا يخفى على أي أحد أن نشوء الديمقراطية المعاصرة في الغرب كان بهدف خدمة الطبقة البرجوازية وتحطيم طبقة النبلاء، ولهذا أقصيت من الممارسة السياسية في القرن 19م كل القوى التي تهدد مصالح البرجوازية، فمثلا لم يُسمح للعمال بحق التصويت في إنجلترا إلا في عام 1884 تحت ضغوط نقابات وتنظيمات عمالية وبعد تعهد هذه القوى بعدم المساس بالنظام الرأسمالي ومصالح الطبقات البرجوازية السائدة واحترام الحريات، والذي لا يعني في مفهوم الديمقراطية الغربية أنذاك إلا حرية الملكية والاستغلال والنشاط الاقتصادي دون حدود، وكان حق الانتخاب في بدايته للملاك فقط، ونعتقد أن بعض الأسس الفكرية للديمقراطية في الغرب في بداياتها مستوحاة من ديمقراطية أثينا القديمة التي ما هي "إلا سيطرة 40 ألف مواطن حر مقابل 110 ألف من العبيد، ويساندهم السوفسطائيون الذين يصنعون الرأي العام، فيظهرون التافة عظيما والعظيم تافها بواسطة قوة الخطابة والكلام"-حسب مقولة لغارودي-، فحتى التنازلات التي قدمت للجماهير في هذه الديمقراطيات خاصة في المجال الإجتماعي والإقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية كانت بسبب الخوف من إنتشار الشيوعية.
إن الارتباط الوثيق بين الديمقراطية والرأسمالية الاستغلالية في الغرب هو الذي جعل الماركسيون يعتبرون الدولة جهازا في يد الطبقة البرجوازية ضد البروليتاريا، كما لقيت الديمقراطية البرجوازية انتقادات من عدة مفكرين سياسيين كموسكا، وباريتو، وميسانز، وشمبيتر... وغيرهم، إلا أن الماركسيين حاولوا إعطاء البديل المتمثل في الديمقراطية الشعبية بمعنى دكتاتورية البروليتاريا عن طريق الحزب الشيوعي الذي يجسدها والسوفيتات التي هي مجالس تمثل العمال والفلاحين والجنود، لكن نظام الحزب الواحد أدى إلى نتائج وخيمة لم ينتبه إليها منظرو الماركسية في حينها، حيث سمح بظهور برجوازية بيروقراطية استغلت مناصبها في الحزب والإدارة، مثلما قمعت الحريات، فانهار الإبداع العلمي والفني والفكري، لأن الحرية ضرورة حيوية لكل نشاطات الإنسان، وقد حلل اليوناني كرونيليوس كاستورياديس هذه البرجوازية البيروقراطية وكيفيات ظهور بوادرها الأولى منذ خمسينيات القرن الماضي في البلاد الشيوعية.

وبناء على ذلك كله سنطرح نظاما بديلا مبنيا على إحترام الحريات الأساسية والربط الوثيق بين الديمقراطية والعدالة الإجتماعية الذي يجب أن لا ينفصمان عكس ما يحدث في الديمقراطيات الغربية اليوم .
وننطلق من مبدأ أساسي لأي نظام سياسي ناجح وفعال وهو أن التوازن والفصل بين كل السلطات والمؤسسات وتحديد صلاحياتها بدقة يعد عاملا رئيسيا في قيام دولة عادلة، فالدولة تشبه الكون أين كل طرف داخل الدولة والمجتمع يراقب الآخر ويدفعه إلى العمل الجدي ويمنعه من الطغيان، فلاتكون الدولة عادلة إلا إذا كانت على شاكلة النظام الكوني أين كل عنصر من عناصره وكواكبه تجذب بعضها بعضا، مما يحفظ توازنه وعدم إختلاله.
يعتقد الكثير أن أساس العملية الديمقراطية هي إنتخاب رئيس الدولة والنواب، ثم نفوض لهم الأمر في كل شيء، فنترك للرئيس المنتخب حقه الكامل في اختيار وزرائه ومساعديه، نعتقد أن عملية كهذه هي عملية انتخاب دكتاتور يقوم بمايريد في إطار صلاحياته، فالحل الأفضل في نظرنا هو انتخاب كل طاقم السلطة التنفيذية سواء على المستوى المركزي أو المحلي، ولهذا فعلى كل حزب سياسي أو تحالف أحزاب أو مواطنين تقديم قوائم حكومية مختلفة ينتخبها الشعب بالأغلبية المطلقة في دورين، فيكون الشعب قد اختار كل الطاقم الحكومي الذي يسير الحياة العامة لمدة معينة وببرنامج معين له أهداف محددة، وهو مايدفع الرئيس المرشح إلى إختيار الأحسن والأكفأ ضمن طاقمه الحكومي المرشح لكسب الأصوات، وبذلك نحل مشكلة الحكومات الإئتلافية التي عادة ما تقع تحت طائلة الصراعات الحزبية بين مختلف الوزراء، مما يفقدها الفعالية نوعا ما، لكن لاتتوقف المسألة عند ذلك، بل يجب إخضاع هذه السلطة التنفيذية المنتخبة عن مدى تطبيق برنامجها وتحقيق أهدافها في نهاية العهدة من طرف أجهزة خاصة، فالانتخاب عملية عقد بين الناخب والمنتخب، وإلا تعرض الطاقم المنتخب وحزبه لعقوبة صارمة مثل إقصائه نهائيا من ممارسة العمل السياسي لأنه نقض العقد، إلا إذا قدم أسبابا موضوعية لعجزه في تحقيق وعوده، وبهذا ستكون البرامج السياسية واقعية وعلمية بدل الديماغوجية والكذب والميكيافيلية التي تستعمل كأدوات للوصول إلى السلطة.
لكن المشكلة الأساسية تتمثل في كيفية ضماننا عدم تحول هذه السلطة التنفيذية التي انتخبناها إلى خادمة لمصالح أوليغارشية بدل خدمة الشعب، خاصة المحرومين الذين ليس لديهم وسائل لإيصال مطالبهم وأصواتهم؟ وماهي الوسائل التي تضمن لنا رقابة شعبية صارمة على أعمال السلطة التنفيذية وممارساتها؟ وكيف نوفق بين الحفاظ على فعالية السلطة التنفيذية وإبقائها في نفس الوقت في خدمة مصالح كل شرائح المجتمع دون استثناء بدل خدمة خدمة طبقة أو فئة أو شريحة معينة تحت غطاء القانون أو منطق ومصلحة الدولة وغيرها من الحجج والذرائع الواهية التي تستخدم للتغطية على ذلك.
لايمكن مراقبة كل الحكومة أو السلطة التنفيذية التي تنتخب مباشرة من طرف الشعب ببرلمان منتخب بالطرق السائدة اليوم، فهذه البرلمانات عادة مانجد فيها فئات إجتماعية دون أخرى، فبهذا الشكل لاتمثل كل مصالح الفئات الإجتماعية الموجودة في المجتمع، ولهذا فالحكومة يجب أن تكون تحت رقابة برلمان مشكل من ممثلي مختلف مكونات الأمة والشرائح الاجتماعية والمهنية كالأطباء والمهندسين والأساتذة ورجال الأعمال وغيرهم، بل وحتى البطالين إن وجدوا في المجتمع، ويتم الانتخاب على هؤلاء الممثلين مباشرة من طرف الذين يمثلونهم –حسب عددهم ونسبتهم في المجتمع-، وليس عن طريق المؤتمرات كما يحدث اليوم لممثلي مختلف النقابات التي تحول بعضها إلى متحالفة مع المال، بل أصبحت تلعب دور كبح العمال عن المطالبة بحقوقهم أو المتاجرة بهم لتحقيق امتيازات وراء أخرى، وبتعبير آخر تصبح الدوائر الإنتخابية ليست المقاطعات كما يقع اليوم، وليست قيادات النقابات السائدة الآن، بل كل شريحة إجتماعية تتحول إلى دائرة إنتخابية يتم بداخلها الإنتخاب الحر والنزيه على ممثليها.
وتتحقق بذلك الرقابة المباشرة من طرف ممثلي كل المجتمع دون استثناء أية شريحة منه على السلطة التنفيذية المنتخبة مثل أعضاء البرلمان، إلا أن قوة البرلمان تكمن في أنه يمثل كل الشعب أو المجتمع عكس الحكومة أو السلطة التنفيذية التي تمثل أغلبية مطلقة يمكن أن لا تتعدى في بعض الأحيان 51% من الشعب، مما يستدعي تقييد تصرفاتها بدقة، لأنه لا يمكن لـ 51% أن يفرض دكتاتورية على 49% المتبقين، ولهذا فإن للبرلمان رأيا قويا في القوانين التي تقترحها الحكومة، ولممثلي كل شريحة اجتماعية أو مهنية حق الفيتو ضد أي مشروع قانون مرتبط بها أو يمس مصالحها مباشرة، حتى ولو صادق عليه كل ممثلي الشرائح الاجتماعية الأخرى، وفي حالة تناقض مصلحة الدولة مع مصلحة شريحة معينة من المجتمع أو وقع تناقض بين مصالح عدة شرائح اجتماعية حول مشروع قانون معين، فيمكن التفاوض بين الأطراف المختلفة والتنازل فيما بينها برضى كل الأطراف المتنازعة حول مشروع القانون.
ولكي لا يتحول هؤلاء البرلمانيون إلى برجوازية تخدم مصالح خاصة، يمنع عليهم اكتساب أية امتيازات باستثناء الحصانة البرلمانية، مثلما يحدث اليوم في أغلب برلمانات العالم من خلال الأجور العالية، وأصبح الوصول إلى سدة البرلمان معناه اكتساب امتيازات بدل ربط مصالح عضو البرلمان بمصالح الشريحة الاجتماعية التي يمثلها مما يجعله أكثر استماتة في الدفاع عن مصالحها لأنه دفاعا أيضا عن مصالحه الخاصة.
طبعا هذه بعض المؤسسات التي يجب إعادة النظر فيها لضمان قيام دولة تكون في خدمة كل فئات المجتمع بدل خدمة طبقات معينة كما يحدث اليوم في الديمقراطيات الغربية، لكن هذا لايكفي دون تعزيز مجتمعا مدنيا حرا ومستقلا والسلطة الرابعة المتمثلة في الإعلام الذي يجب تحريره من نفوذ رجال المال والسلطة بميكانيزمات تقنية يكون على رأسها إنتخابهم لهيئة ممثلة لهم مع ضمان الحصانة لهم.
هذه مجرد خطوط وأفكار عامة لمشروع نظام ديمقراطي بديل يضمن بناء دولة تخدم كل فئات المجتمع، وتضمن الحريات الديمقراطية إلى جانب العدالة الإجتماعية، وقد فصلناها في العديد من كتبنا، وهي طبعا تحتاج إلى إجراءات تقنية كي توضع في حيز التنفيذ، كما تحتاج إلى نقاش وإثراء.

البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حاجة الديمقراطية إلى تحضير ثقافي وإقتصادي
محمد ( 2016 / 1 / 31 - 22:14 )
الأستاذ رابح لونيسي

هناك من يرى أن العالم لعربي غير مستعد فكريا وذهنيا للدخول في مرحلة ديمقراطية، ولهذا يجب المرور بمرحلة إستبدادية تمهد الظروف السياسية والإقتصادية والثقافية والإقتصادية تسمح بالإنتقال إلى مرحلة ديمقراطية، ذلك بعد مدة معينة، وانت حتى بناء الديمقراطية في أوروبا أستمرت لعقود من الزمن، وعادة هذا ماتستند عليه بعض الأنظمة في العالم العربي


2 - رد الى: محمد
رابح لونيسي ( 2016 / 2 / 1 - 19:50 )
شكرا على طرحك لما يشيعه البعض لتبرير رفض عملية الإنتقال الديمقراطي في العالم العربي، صحيح ان الديمقراطية تحتاج إلى شروط نجاحها، ومنها الثقافة والتخلص من الذهنيات القبلية وغيرها، وهي مصاعب تطرقت لها في المقالة الإتتاحية، لكن من أين نأتي بهذا المستبد المستنير الذي سيحضر مجتمعاتنا للإنتقال الديمقراطي؟، فالمستبد حتى ولو كان مستنيرا فإن الإنحراف سيقع لامحالة إذا لم يضع المؤسسات الديمقراطية التي ستراقبه وتحد من إنحرافاته، أما بشأن المدة التي أستمرتها الديمقراطية في الغرب، فليس حجة لتبرير عدم الإنتقال الديمقراطي عندنا، فهم كانوا بصدد بناء، لكن النموذج الآن موجود وجاهز واثبت فعاليته نسبيا، فما على على العالم العربي إلا نقله وتطبيقه مع الأخذ بعين الإعتبار خصوصياته الإجتماعية والثقافية والعمل على تطويره أحسن، وهذا هو ما قمت به في العديد من أعمالي.


3 - اقتراح طوباوي
ثابت بن قره النسطوري ( 2016 / 2 / 1 - 17:28 )
اولا،شكرا علي مساهمتك في تنوير الرأي العام علي علي تاريخ نشوء الديموقراطية و تطورها عبر العصور،بالأضافة الي قصورها في تحقيق العدالة الإجتماعية وأن الإنتخابات كانت مقصرة علي دافعي الضرائب( le vote censitaire)...الخ.لكن يبدو لي يا أستاذ أن اقتراحك طوباوي مثل مدينة أفلاطون الفاضلة أو جزيرة توماس مور التي لا يقطنها أحد.ذكرت في معرض تليلك الحريات الأساسية،هل هذا يعني هناك حريات غير أساسية؟أعتقد أن مبدأ الحرية لا يتجزأ!ما هي الأليات التي تمكننا من ربط الديموقراطية بالعدالة الإجتماعية ربطا مجكما لا تنفصم عراهما؟و هل من السهولة بمكان انتخاب كل الوزراء و الولاة و و غيرهم ممن يشكلون الجهاز التنفيذي للحكومة؟من يرشح هذا الطاقم ،الأحزاب السياسية أم الجمعيات المدنية؟كم هو عددهم؟ وما الذي يضمن نزاهة واستقامة هذا الجهاز التنفيي،حتي لا يتحول الي خدمة الأقلية الحاكمة،كما تسألت في مقالك؟
لقد غفلت القول عن الديموقراطية في البلدان الإسكندنافية التي تمزج بين النظامين الرأسمالي التنافسي المحفز للإنتاج و العداية الإجتماعية أي النظام الإشتراكي.أنا أظن أننا بحاجة اليوم الي تغيير النظام العسكري الإستبدادي الذي يجثم علي صدورنا منذ الإستقلال الي اليوم،ومن نبحث،سواء في تكييف الديموقراطية الغربية لترثنا الثقافي و الحضاري أن ننشء نموذجا آخر إن استطعنا الي ذلك سبيلا.
و في الأخير أثني علي جهودك المستمرة لتنوير شعبنا الغارق في الخطاب الديني المسيس و الذي يكاد أن يؤدي بنا الي الإفلاس بل الإنهيار التام.لأن الأمم تهتدي بالعلم و ليس بالدين.و شكرا


4 - رد الى: ثابت بن قره النسطوري
رابح لونيسي ( 2016 / 2 / 1 - 19:32 )
شكرا على دقة ملاحظاتك، لقد أكتفيت في هذه المقالة الإفتتاحية بلمحات فقط عن ما أسميه بالنظام البديل للإستبداد الذي فصلته في الكثير من كتبي، ومنها كتابي -النظام البديل للإستبداد-، لا أعرف لما ترى أنها طوباوية إن كان إنتخابنا سيكون على القائمة الكاملة للسلطة التنفيذية بدل الإنتخاب على رئيس أو شخص واحد، ثم يختار لنا من يشاء لتسيير الشؤون العامة، أما هذه القائمة المرشحة للإنتخابات ستكون مثل عملية ترشيح الرؤساء، فيمكن أن يكونوا مستقلين أو مرشحين من حزب أو مجموعة أحزاب، أما بشأن تحقيق العدالة الإجتماعية، فيجب أن ننطلق من فكرة ومبدأ منع تحويل الدولة وأجهزتها إلى خادمة لمصالح اللوبيات أو جماعات معينة، والذي يتم في غالب الأحيان بواسطة التشريع والقوانين، ولهذا عندما تكون كل شرائح المجتمع ممثلة في البرلمان، فبإمكان أي شريحة أو شرائح مجتمع إيقاف أي قانون ترى أنه لايخدمها ويناقض مصالحها، وستقوم بذلك سواء بالرفض بواسطة فيتو أو بالتفاوض بين مختلف الشرائح التي يمسها القانون، ثم هل من المعقول أن يتشكل برلمان مثلا من محامين وأطباء فقط على سبيل المثال، ولا نجد فيه مثلا البطال أو الفلاح او غيرها ممثلا فيه كما يحدث في الديمقراطيات الحالية؟، طبعا ما نطرحه هي مباديء وميكانيزمات تحتاج إلى نقاش أوسع، لكن وضعها حيز التنفيذ يحتاج إلى إجراءات تقنية لايمكن لنا التطرق إليها، اما بشأن بعض غفرازاته السلبية، فلكل نظام سياسي عيوبه وسلبياته، فمن الصعب جدا إيجاد نظام سياسي مثالين ولحد الآن تعد الديمقراطية بشكلها الحالي أحسن نظام سياسي، لكن بإمكان إثرائه وتطويره.


5 - تفكيك الموروثات برمتها
طه الوائلي الجزائـــري ( 2016 / 2 / 1 - 20:36 )
أجد لزاما علي بهذه العجـــــــالة ، أن أحييكم على رؤيتك لواقعياتنا المشهدية ، ونشدانك لبلسمته
الذي لا شك فيه أنه من الصعوبة بمكان ، ان نصل الى هذا المستوى من الحراك السياسي ، الديمقراطي ، الذي أشرت إليه ، ما لم نسع في جدية صادقة ، نمتلك من خلا لها شجاعة القلب ، في تفكيك الشموليات الإجتماعية والدينية ، التي نتسربل بها ، في قراءة نقدية للموروث الديني الذي يقف عقبة كأداء .. كل التحية والمودة


6 - رد الى: طه الوائلي الجزائـــري
رابح لونيسي ( 2016 / 2 / 2 - 12:03 )
شكرا على ملاحظاتك، صحيح لا يمكن أن ننفي أن جزء كبير من الموروث الديني له مسؤولية في تكريس الإستبداد، بل أكثر من هذا، فهناك تحالف بين الإستبداد وبعض التيارات الدينية التي تستخدم لإبعاد التيارات الديمقراطية من الساحة، بل عادة مايلجأ المستبد إلى تضخيم هذه التيارات الدينية لتخويف المجتمع والقوى الديمقراطية، ليضعها فيما بعد في وضع الإختيار بين الإستبداد القائم والإستبداد الديني، ولهذا يجب نقد الموروث الديني في جانبه الظلامي بذكاء دون أن نصدم المجتمع الذي أنتشر فيه هذا الخطاب الديني بقوة، ولهذا إمكانية الإستعانة بالجانب الآخر منه، أي هناك إما تأويل مستنير أو تأويل ظلامي لهذا الموروث، ومنها مثلا هذه التصورات الدينية التي ذكرتها في المقالة، ألا يمكن أن تكون سلاحا وأداة لنشر الثقافة الديمقراطية وتأصيلها وغرسها في المجتمع، مما يجعل الفرد يشعر بأنها قيما ليست غريبة عنه، فلا يجب علينا أن نرمي كل شيء بما فيه من سلبي وإيجابي، فلنكن براغماتيين في عملية البناء الديمقراطي لمجتمعاتنا، وذلك بتوظيف كل ما يمكن أن يكون في خدمة هذا البناء.


7 - أنانية الانسان
سودي ( 2016 / 2 / 1 - 23:08 )
أولا أتقدم بالشكر لك استاذ على كل المجهودات المبذولة من طرفكم والشكر للموقع لفتحه المجال ألنقاش متأكد جازما بأن بلدانن تزخر بفئة مثقفة مستنيرة أذا فتح لها المجال وأعطيت الفرصة تستطيع ان تجتهد وتصل الى اعطاء مجموعة من الحلول السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية تكون كفيلة باخرجنا من المستنقعات التي نحن نتخبط فيها لكن الظاهر أن أوطاننا كالجزائر مثلا ليست عاجزة عن انجاب هؤولاء بقدر ماهي عاجزة اليوم عن التخلص من بعض العناصر التي تجدها تقف وضد أي محاولة تنويرية او اصلاحية او تصحيحيةالعناصر التي تجدها تضع مصالحها الخاصة فوق كل اعتبار تجدهم يعارضون بشدة كل محاولة يكون الهدف منها خدمة المصلحة العليا لسنا مجبرين بأن نعيش ماعاشته أروبا من اللااستقرار حتى نعيش الديمقراطية نمتلك خبراء ومثقفين ومتخصصين واناس ذات نوايا صادقة من اجل التغيير نمتلك الافكار والوسائل لتغيير لكن ليس هناك رغبة صادقة من الجميع لتغيير والدليل الفئة الانانية الفئة والطبقة ذات المصالح الخاصة فماهي الطريقة المثلى لجعل هؤولاء يغيرون ذهنياتهم وينظرون للجزائر أنها فوق كل اعتبار.


8 - رد الى: سودي
رابح لونيسي ( 2016 / 2 / 2 - 12:22 )
الشكر موصول لك أيضا، صحيح هناك عرقلة كبيرة في بلداننا للمثقفين الذين يمتلكون البدائل، لأن الأنظمة الإستبدادية تخشى كثيرا من البدائل المطروحة، وهي تتهم دائما المعارضة بأنها لاتمتلك بديلا، نعتقد أن الآليات الديمقراطية هو الحل السلمي لمختلف التناقضات السائدة في المجتمع، صحيح مرت أوروبا بحروب وصراعات قبل أن تتوصل إلى هذا الحل السحري الذي كان وراء الإستقرار والأمن السائد فيها، والذي يسمح بتراكم البناء، لكن حتى المسلمين مروا بهذه الصراعات و الحروب منذ الفتنة الكبرى، لكن لم يصلوا إلى حد اليوم إلى إيجاد حل لها، ويبدو أن الميكانيزمات والآليات جاهزة وموجودة بفضل الإبداع الأوروبي، فما عليهم إلا بنقلها إلى بيئتهم، كما تنقل التكنولوجيا، لكن شريطة إيجاد الأرضية الملائمة كي تؤتي ثمارها، بل إمكانية تطويرها وإثرائها وتجنب نقائصها.


9 - استاذي المفكر القدير رابح لونيسي
بطرس نباتي ( 2016 / 2 / 2 - 07:52 )





استاذي المفكر القدير رابح لونيسي
اود ان اقدم شكري وتقديري لما أضفته من معلومات قيمة وردت في دعوتك هذه وأسمح لي ان اطرح ما أراه يخدم موضوعك القيم
في رأي موضوع الديموقراطية وكيفية تحقيقها بوسائل مستمدة من التاريخ الاسلامي او المسيحي او غيرها من الأديان لا يمكن ان تخدم أية عملية سياسية في ما دعوته العالم العربي والإسلامي ، لكون قبل الاسلام حتى المسيحية في الغرب دعت الى النظام الاحادي الشمولي والتي استندت على مقولات سواء في الإنجيل الذي دعى الى احترام الولاية وعدم التصدي لها مهما مارس للولاة من العنف وبولس الرسول يقول أَطِيعُوا أولياء الأمور منكم وهكذا زحفت هذه الاحادية في الحكم الى جميع الأديان وبضمنها الاسلامية والأنكى من ذلك دخلت هذه المباديء في الاسلام بتشريعات وقوانين وضعية أطلقوا عليها الفقهاء التشريع الاسلامي ،وطبعا هذا التشريع في نظرهم يتلاءم مع كافة الحالات وعلى جميع المجتمعات ويمكن بل من الواجب تطبيقه في كل العصور ومن يقول بغير ذلك إنما يخرق ويخالف شرع الله على الارض ويستحق الحد .
ما ذهبت اليه حول التطبيق الديموقراطي في العالمين الاسلامي والعربي أوافقك عليه من ناحية التحليل الفلسفي والذي ربطه بالعديد من المباديء العامة للديموقراطية وأود ان اطرح بعض الملاحظات وهي
ما أسميته العالم العربي لهو مصطلح شمولي يعتمد على مبدأ الأقلية والأكثرية وهذا المبدأ حسب تصوري يناقض عملية تطبيق الديموقراطية لكونه يهمش مجتمعات ذات القومية الاخرى غير العربية وإثنيات عديدة داخل ما أسميته العالم العربي ،وهذه التسمية العالم العربي لا وجود لها أساسا اذا ما نظرنا الى الواقع بنظرة ديموقراطية وحسب مبدأ الخيار وتحقيق الحريات .
وكذلك الحال الى المصطلح الاخر العالم الاسلامي ،بنظري لو أطلقنا مصطلح العالم المسيحي الا نكون قد ظلمنا من حيث المبدأ الديموقراطي بالأقلية المسلمة او غيرهم من اتباع الديانات الاخرى في تلك البلدان لذلك يعمد مفكرو الغرب بإطلاق مصطلحات اخرى مثل الاوروبي والغربي ودوّل اكثر غنا او فقرا اي حسب الطبيعة الجغرافية او الاقتصادية .
في كلامك عن العالمين كانك تصور لنا وحدة متجانسة من المجتمعات لها نفس الخصوصيات وتسود فيها ذات النظم وهذا ما أراه مناقضا لحالة معظم دول الشرق سواء ذات الأكثرية العربية او الاسلامية فلا يمكن مقارنة النظام السياسي في تركيا مع العراق رغم انه لا يوجد بينهما سوى خيط حدودي احمر على الخارطة فقط كما لا يمكن المساوات لا بالنظام السياسي ولا بطبيعة المجتمعات بين العراق ومصر ومصر والسعودية مثلا لكل من هذه المجتمعات طبيعة وتكوين تختلف عن مثيلاتها لذلك ارى ان أية دراسة من هذا النوع يجب ان نقتصر فقط على كل دولة بحد ذاتها تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات القومية والإثنية لتلك الدولة ومن احدى أسباب انهيار الاتحاد السوفيتي كان عدم الأخذ بعين الاعتبار للتباين في طبيعة المجتمعات والقوميات والإثنيات المنضوية في اتحاد هش لذلك سهل اختراقه لانه أصلا لم يكن مبنيا على أسس تأخذ خصوصيات كل جمهورية على حدى
واية قراءة اخرى في التطبيق الديموقراطي لو نهجت نفس النهج ولم تأخذ هذه الفكرة فكرة التخصص وجنحت نحو الشمولية وفرض نظم معينة سواء بالقوة او بطرق اخرى حتى وان كانت انتخابية برلمانية او رئاسية سوف يكون الفشل من نصيبها .
ربما سأحاول في رد اخر ان اظهر ما أراه ضروريا للتحول الديموقراطي في بلدي العراق الذي حاولت امريكا تطبيق ديموقراطيتها المستوردة كاية بضاعة اخرى وفشلت فشلا ذريعا لعدم تقييم المجتمع العراقي ولم تأخذ بالضروف الموضوعية والآنيّة في ما طبقته في هذا البلد وحسب تصوري لو اقتصرت الردود على كل بلد لإظهار كيفية التطبيق الديموقراطيه فيه لكانت الفائدة أعم واشمل في مثل هذه المناظرات
تقبلوا تحياتي


10 - رد الى: بطرس نباتي
رابح لونيسي ( 2016 / 2 / 2 - 11:38 )
شكرا على كل ملاحظاتك القيمة، وأنا في الحقيقة متفق تماما معك في أغلب ماطرحته، وقد تطرقت إليه في المقالة، فما قلته بشأن الإسلام أو المسيحية هو الإستناد على تصورات دينية بهدف إقناع الذين يرفضون القيم الديمقراطية بدعوى أنها قيما غربية، وهو ما نسميه بتأصيلها في بيئتنا، وإن لم نقم بذلك، يصعب علينا غرس الثقافة الديمقراطية في مجتمعاتنا التي يسيطر عليها الخطاب الديني الغير مستنير، يبدو أن الخطأ الذي ارتكب في بلداننا هو التراجع عن مشروع النهظة والإصلاح الديني الذي كان أساسه نقل قيم ومؤسسات ثبت نجاعتها وفعاليتها في أوروبا ثم غرسها في مجتمعاتنا، وتتحول إلى جزء من ثقافتنا، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بإعطائها شرعية بتأويل ديني مستنير كي يقبلها المجتمع، وإلا تبقى كأنها غريبة عنه، وهوما كان يفعله محمد عبده والأفغاني في المشرق وبن باديس في الجزائر والطاهر الحداد في تونس وغيرهم، وبتعبير آخر نزع سلاح الدين من أعداء الديمقراطية الذين يستخدمونه لتبرير الإستبداد، وقد أعطيت أمثلة عن مجموعة تصورات في المقالة الإفتتاحية يمكن الإستناد عليها لغرس الثقافة الديمقراطية عندنا، ونعتقد أن حتى المفكرين الأوروبيين الذين أسسوا للديمقراطية الحديثة في أوروبا، كانوا يستندون على تأويلات للكتاب المقدس وإستخراج تصورات منها تقنع بها المعارضين للقيم الديمقراطية بإسم الدين، أما بشان مصطلحات العالمين العربي والإسلامي، فأنا أوافقك تماما، لكن لم نجد مصطلحات أخرى يقع عليها الإتفاق التام، فاكتفيت بما هو متداول لحد اليوم، فكان بإمكاني إستخدام مصطلح -الشرق الأوسط-، لكن تجنبت ذلك لعدة إعتبارات ومنها شعوري كأنه مصطلح قد خرج من مخابر إستعمارية، ونعتقد أن ماطرحته عن الخصوصيات الإثنية والقومية والمظالم الموجودة في حق الكثير منها، فإن جزء من حلها مرتبط بنشر الثقافة الديمقراطية في مجتمعاتنا، كما يجب أيضا إعادة بناء الدول على أسس أخرى، تأخذ بعين الإعتبار كل هذه الخصوصيات، وقد لمحت إلى ذلك في المقالة، ونعتقد أن ماسأتنا هو نقلنا للنموذج اليعقوبي الفرنسي الأحادي الذي كان أحد العوامل الذي أنتج لنا كل هذه المشاكل بسبب الإقصاء الذي لحق بكل هؤلاء، ومن الطبيعي أن يكون لهم رد فعل، وقد عشنا هذه المشكلة في الجزائر بسبب الإقصاء الذي لحق بالبعد الأمازيغي الذي هو في أرضه من تيارات أيديولوجية مبنية على طمس هويات الشعوب الحقيقية، وفرض هويات مستوردة عليها .


11 - تحياتي الأستاذ رابح لونيسي
ماهر عدنان قنديل ( 2016 / 2 / 2 - 18:54 )
تحياتي الأستاذ رابح لونيسي، قراءت بتمعن شديد مقدمتك، وأعجبت كثيراً بطريقتك الإبيستمولوجية في شرح نشوء الديمقراطية، وتطوراتها عالمياً وعربياً وإسلامياً، وأليات عملها..
أود إضافة إشكالية لا يجب إغفالها إلى الإشكاليات التي ذكرتها الأستاذ لونيسي في عدم تطور الديمقراطية في منطقتنا وهي حداثة دولنا وجهلنا بأبسط مفاهيم -الدولة- التي من أبجديتها بناء المؤسسات والدفاع عن حقوق المجتمع والإنسان، والأسباب هنا تتحملها السياسة الدولية التي تم إتباعها من طرف بعض الدول سابقاً، والتي جعلت من بلداننا مجرد إقطاعيات تتبعها وأبعدت عن شعوبنا أي مصادر للتقدم..
لكن رجوعاً للديمقراطية نفسها بمختلف مسمياتها وتعريفاتها -مباشرة- كانت أو -برجوازية- أو -ديمقراطية ليبيرالية-..إلخ دعني أخالفك قليلاً في الفكرة العامة التي خرجت بها في مقدمتك بإعتبار أن الديمقراطية ليست كاملة لكنها تبدو الأقرب لذلك، وهي الفكرة التي إنطلق منها -فوكوياما- للخروج بنظريته الإستنتاجية -نهاية التاريخ-، وينطلق منها معظم المدافعين عن الديمقراطية.. حسب رأيي فإن الديمقراطية نفسها ليست مقدسة وما هي إلا حالة زمنية وقتية ستتلاشى وتضعف وتهون مع الزمن، فالديمقراطية حالياً تعتبر سيراُ للأمام في عجلة تاريخية تنازلية.. حيث الديمقراطية اليوم تحاول إعادة بناء أناركية تحت مسمى -ليبيرالية- عصرية بطريقة دينامية كما خرجت قديماً الطبقية والسلطوية والديكاتورية من بطن الاناركية في المجتمعات البدائية وخلقت ملكاً يحكم وسوفسطائي يشرح وجندي يحارب.. نحن في دينامية تاريخية تخلق كل حالة مضادها وتحييه وتعيده للواجهة.. وهذا ما قد يفسر بحب الإنسان نفسه وبطريقة لا شعورية للتغيير.. لا أود أن أظهر بهذا التدخل معادياً للديمقراطية والليبيرالية أعترف أنه عصرها خاصة في منطقتنا لكنني لا أود تقديسها من ناحية أخرى..

*كاتب وباحث سوري جزائري


12 - رد الى: ماهر عدنان قنديل
رابح لونيسي ( 2016 / 2 / 3 - 11:28 )
أشكرك على ملاحظاتك، أنا أوافقك على القول بوجود خلل عندنا في مفاهيم الدولة، فالكثير مثلا لايميزون بين الدولة والسلطة، فيعتبرون أي معارضة للسلطة معناه معاداة الدولة، بل حتى في التراث الثقافي العربي والإسلامي، فالدولة عادة ما ربطت بالأسرة الحاكمة، فنقول الدولة الأموية أو العباسية وغيره، وهو ما يؤثر سلبا في ذهنية الإنسان، فمصطلح الدولة في اللغة العربية هو عدم الثبات، أي الزوال، وذلك على عكس مصطلح state الذي يعني الثبات، وكي تتطور الدول والشعوب تحتاج إلى الإستقرار والإستمرارية الطويلة للدولة مما يسمح بتراكم البناء والتنمية، وكي تستمر الدولة لمدة طويلة نحتاج إلى نظام سياسي لا يقصي و لايهمش أي كان، وبتعبير آخر بناء نظام سياسي يكون في خدمة كل شرائح المجتمع وأطيافة، وهو ما أسميه بدولة-المجتمع كله، ويبدو أن النظام الديمقراطي هو أحد الأساليب لتحقيق ذلك، لكن يمكن أن ينقلب المجتمع على هذا النظام في حالة عدم ربطه بالعدالة الإجتماعية وخدمة كل الفئات المحرومة، وهذا هو ما حاولت معالجته بتطوير النظام الديمقراطي السائد اليوم، ومنها مثلا إنشاء برلمان على أساس تمثيل لكل شرائح المجتمع، والتي لها حق الفيتو في القوانين المتعلقة بها ،أما بشأن إعطاء قداسة للديمقراطية فهو طبعا له دور سلبي كبير دفع البعض من المتدينين إلى رفضها، ولهذا يجب التأكيد على أن الديمقراطية ليست دينا، يعطى لها القداسة، بل هي مجرد آليات لإيجاد حل سلمي لمختلف التناقضات السائدة في كل المجتمعات، والتي تحتاج إلى تطوير أكبر حسب تطورات المجتمع، أما بشأن ما تقوله أن الديمقراطية الغربية تسير إلى زرع الفوضى أو ما أسميته -الأناركية-، فهو صحيح في جزء منه، نعتقد أن حركة التاريخ تسير نحو إنشاء دولة عالمية تحت سيطرة برجوازية عالمية، أو ما أسماها جون زيغلر ب-أسياد العالم الجدد-، فكما كانت البرجوازيات الوطنية وراء إنشاء الدول القومية في أوروبا بهدف توسيع السوق وجعل أجهزتها في خدمة مصالحها الطبقية، فإن اليوم هناك برجوازية عالمية هي بصدد إنشاء دولة عالمية، تتحكم فيها وتكون في خدمتها، وهذا يتطلب زرع نوع من الفوضى في الدول القائمة اليوم، خاصة الأمني منها، مما يدفع الشعوب إلى الخضوع لسلطة عالمية تضمن لها الأمن سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.


13 - عيوب وهمية
عبد القادر أنيس ( 2016 / 2 / 2 - 19:10 )
جاء في المقالة الافتتاحية: -لكن رغم كل ما قلناه فإننا نعتقد أن ما وصلته الديمقراطية الغربية اليوم هو أحسن نظام موجود، لكن ليس معناه انه نظام كامل، فهذه الآليات مجرد آليات تنظيمية تحمل الكثير من النقائص يمكن تطويرها وجعلها أكثر فعالية وفي خدمة الأمة والشعب بدل ما تكون في خدمة طبقة أو تيار أيديولوجي أو فئة معينة على حساب الآخرين-... إلى أن تقول: -فمن عيوب هذه الديمقراطية هو خدمتها أكبر للطبقة البرجوازية-
أتفق معك في -أن ما وصلته الديمقراطية الغربية اليوم هو أحسن نظام موجود، لكن ليس معناه انه نظام كامل -. لكن من الإنصاف أن نضيف اللبرالية إلى هذه الديمقراطية. الفضل يعود إلى كليهما معا. فلا ديمقراطية بدون لبرالية والعكس صحيح.
ولكن عندي ملاحظة حول قولك: -فمن عيوب هذه الديمقراطية هو خدمتها أكبر للطبقة البرجوازية-. رأيي أن المشكل لا يكمن في عيوب مزعومة للديمقراطية كونها تخدم الطبقة البرجوازية. الديمقراطية في مجتمع لبرالي تخدم الطبقات والشرائع الاجتماعية الأكثر تنظيما واستعدادا للنضال. المجتمع عناك ليس جمعية خيرية للبر والإحسان. لاحظ مثلا أن مستوى الانخراط في النقابات العمالية في الغرب متدنٍّ جدا (حوالي 13 في المائة في فرنسا مثلا، ونفس القول حول المشاركة في التصويت)، وهذا في نظري يمكن تفسيره بأمرين: الأول رضا الناس عن حالهم أو أن وعيهم لم يترقَّ بعدُ إلى مستوى يجعلهم أكثر انخراطا في النضال السياسي والنقابي والاجتماعي سعيا إلى تحقيق مزيد من الحقوق. كلا الأمرين لا يخدشان في شرف هذه الديمقراطية. المهم أن الديمقراطية اللبرالية تتيح للجميع استغلال مجالات الحرية والديمقراطية وحريات التعبير والتنظيم والإعلام والإضراب ... لتعديل الكفة. العيب في من تخلى عن حقوقه.
لا وجود لحلول نهائية، كما روجت لها الأديان والأيديولوجيات القومية واليسارية موهمة الناس بأن الحل يكمن في القضاء النهائي على العدو (الكافر، الاستعمار، الآخر المختلف، الغني، البرجوازي...). عظمة الديمقراطية اللبرالية أنها اعترفت بالأنانيات وابتكرت أساليب سلمية لإدارتها وحققت المعجزات.
تحياتي


14 - رد الى: عبد القادر أنيس
رابح لونيسي ( 2016 / 2 / 3 - 11:59 )
شكرا على ملاحظاتك، لكن أعتقد أن ما أسميته بالديمقراطية اللبيرالية كان هدفها في البداية خدمة الطبقة البرجوازية، وإلا كيف نفسر إعطاء حق الإنتخاب في بداياتها للملاك فقط ودافعي الضرائب، وكذلك منع النقابات العمالية من النشاط في القرن 19، وما حصل من تطور يعود إلى ظهور الشيوعية التي أصبحت تهدد مصالح الطبقة البرجوازية السائدة، فأضطرت هذه الأخيرة إلى تقديم تنازلات سياسية وإجتماعية معتبرة، أما ضعف المشاركة السياسية التي عادة ما يعبر عنها بضعف نسب المشاركة في الإنتخابات العامة، والذي يمكن أن يعتبره البعض أنه رضى شعبي، فإننا نراه نوع من اليأس من أي تغيير، لأن الإنتخابات والترشيحات للمناصب العامة والمجالس المختلفة تدور ضمن نخبة واحدة غير متجددة، وتملك كلها مشاريع وبرامج متشابهة، وهذا ما يعني عندنا دخول هذه الديمقراطية البرجوازية التي تسميها باللبيرالية في مأزق، مما يتطلب التفكير في تجديدها وإثرائها وإدخال تعديلات عل آلياتها وتحويلها إلى خدمة كل الطبقات وشرائح المجتمع، وإن لم تقم بذلك، فبالإمكان الإنقلاب على الديمقراطية برمتها، كما وقع عدة مرات في التاريخ المعاصر تحت غطاء تحقيق العدالة الإجتماعية، لكن نعتقد أنه لاعدالة إجتماعية وخدمة المحرومين دون الحريات الديمقراطية، كما لاحريات ديمقراطية دون عدالة إجتماعية تخدم المحرومين، فهذه هي المعادلة التي سعينا لحلها بإيجاد آليات وميكانيزمات جديدة تضمن الإثنين، والتي فصلناها في العديد من مؤلفاتنا، ومنها كتابنا -النظام البديل للإستبداد- .


15 - أثبت العرش قبل أن تثبت النقش
نزار ڨ-;-َرَّبْ ( 2016 / 2 / 3 - 15:29 )

أولا مع إحترام دين الله لحرية الشعوب في إختيار هذا الدين بكل ما يتعلق به من منظومة عقدية تصورية ومنظومة قيمية شعائرية ومنظومة تشريعية قانونية، فإن الإسلام لا يقبل قطعا تزييف وعي الناس وتضليلهم عن دينهم وعن سائر الحقائق والذي يوظفه المستكبرون والمتمعشون. وعليه فقبل أن يُبحث في الضمانات التي تجنب الإنحراف بنظام بشري نحو الفشل أو الإستغلال والدكتاتورية، فإنه ينبغي تحجيم الوصاية التي يمارسها سدنة الكهنوت أو سفاسطة الثقفوت على عقول الناس وضمائرهم، ليعرف الناس قبل أن يختاروا وليمارسوا صلاحياتهم (على مقتضى ذلك الإختيار) بجميع تفصيلاتها في كنف المسؤولية.

ثانيا ليس معنى أن الفقهاء يستنبطون من القواعد الأصولية بما يختلفون أو يخطئون فيه أنهم كانوا يضعون من القوانين ما يوافق أهوائهم ومصالحهم، فالمنظومة الشرعية لا تدعي أن كل إجتهاداتها معصومة، بل فقط هي تنسجم مع ما ألزم الله به المسلم من مرجعية الإسلام في التصورات والقوانين والقيم والتقاليد.

وثالثا فدين الله ليس غامضا كما يقول الإمام الشهيد سيد قطب، ومنهجه للحياة ليس مائعا . . فهو محدد بشطر الشهادة الثاني : محمد رسول الله ، فهو محصور فيما بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم من النصوص في الأصول . . فإن كان هناك نص فالنص هو الحكم ، ولا اجتهاد مع النص . وإن لم يكن هناك نص فهنا يجئ دور الاجتهاد - وفق أصوله المقررة في منهج الله ذاته لا وفق الأهواء والرغبات - :
{ فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } [ النساء : 59 ]

والأصول المقررة للاجتهاد والاستنباط مقررة ومعروفة وليست غامضة ولا مائعة . . فليس لأحد أن يقول لشرع لم يشرعه الله : هذا شرع الله ، إلا أن تكون الحاكمية لله معلنة ، وأن يكون مصدر السلطات هو الله سبحانه لا الشعب ولا الحزب ولا أي من البشر ، وأن يرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله لمعرفة ما يريده الله ، ولا يكون هذا لكل من يريد أن يدعي سلطانا باسم الله . كذلك الذي عرفته أوربا ذات يوم باسم الثيوقراطية أو الحكم المقدس فليش شيء من هذا في الإسلام . وما يملك أحد أن ينطق باسم الله إلا رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإنما هناك نصوص معينة هي التي تحدد ما شرع الله . .

ورابعا فلقد طور المشتغلون القلائل بالفقه (برغم العوائق الكبرى في هذا العصر) أشكالا شورية ملزمة في للحكم لهذا العصر، بما يلجم كل الذين يبحثون في ملائمة الأنظمة البشرية المستوردة مع البيئة الثقافية للشعوب (حتى بتأصيل ممارسات الجاهلية الأولى، أي ما قبل الإسلام)، لتتقبلها هذه الشعوب لا إيمانا بإنبثاقها عن الإسلام! فإن كان صاحب الطرح نفسه مؤمنا بالتركيب والتلفيق لا بالإنبثاق، فكيف يطمع في إقناع الناس بإنبثاق هذه المنظومة البشرية عن الإسلام؟! يُحسب لهذا الطرح أن صاحبه يقدمه للحوار، بخلاف المتعالمين الفارغين الذين يجعجعون في أبراجهم العاجية. تحياتي.


16 - رد الى: نزار ڨ-;---;-----;---َرَّبْ
رابح لونيسي ( 2016 / 2 / 3 - 18:40 )
أشكرك على طرحك لهذه المسألة العويصة جدا في مجتمعاتنا، وأعتقد إن لم تحل هذه المسألة، سنبقى ندور في حلقة مفرغة لزمن طويل، وهذا ما يخدم كثيرا الأنظمة الإستبدادية في مجتمعاتنا بإستنادهم على سياسة فرق تسد وتخويف المجتمع والقوى الديمقراطية بكل توجهاتها بالتيارات الدينية المتطرفة، نحن ننطلق من فكرة أساسية، وهي أن النصوص الدينية تحتمل عدة تأويلات، وأن ما يسمى بالشريعة الإسلامية في تاريخنا، ليست لها أي قداسة، لأنها في الحقيقة قوانين وضعية، أنتجها الفقهاء إنطلاقا من عدة عوامل، ومنها تأويلاتهم للنصوص الدينية وظروف مجتمعاتهم وإنتمائهم الطبقي، وكذلك درجة تثاقفهم وتفتحهم على مختلف ثقافات الشعوب، ولهذا نجد إختلافات كبيرة فيما بينهم، أما قولك أنهم لاينطقون عن الهوى، ويستندون على الأصول، طبعا هم يعتقدون أن الهوى لايتحكم فيهم، لكن هذا ليس صحيح، وقد ذكرت لك البعض من العوامل المؤثرة فيهم من قبل، أما ماتسميه الأصول، فماهو إلا إجتهاد منهجي، يمكن إعادة النظر فيه، وفي الأخير كل شيء هو إجتهاد بشري، بل هناك إختلاف حتى فيما تراه أنه نصوصا قطعية، فمثلا يذهب البعض إلى فرض شروط وتوفر ظروف لتطبيق حد من الحدود، لكن في الأخير يستحيل توفير ذلك مثلا، بل هناك مثلا السوداني محمود محمد طه مؤسس -الإخوان الجمهوريين-، يذهب إلى حد الفصل بين الآيات المكية التي هي مباديء عامة، ويرى بأن الآيات المدنية التي وردت فيها آيات تشريعية، فهي ظرفية، وليست قطعية، ويستند في طرحه على تأويلات للنصوص الدينية، أوردت لك هذا المثال عمدا كي أثبت لك إلى أي حد يمكن أن نصل بهذه التأويلات، وأخترت محمود محمد طه كي لايقال أن هذه الفكرة جاءت من إنسان معاد للدين، لأن محمد طه معروف بتدينه الشديد وروحانيته وصوفيته وزهده، لدرجة أنه عندما أعدمه النميري كان يبتسم لشدة إيمانه ويقينه الديني، وأريد أن أنبهك بأنه إن دخلنا في نقاشات دينية، فلن نخرج منها إطلاقا بسبب تعدد التاويلات، فلنتصور كيف نسير دولة يغلب عليها هذه النقاشات في كل مسألة من المسائل، ولهذا يجب أن نحسم الأمر نهائيا بإبعاد الدين إطلاقا عن أي نقاش سياسي، وهو ماأسميه بالقطيعة مع العصر الخلدوني، وأعني به أن أبن خلدون يبرز لنا بوضوح عدم إستقرار الدولة، خاصة في بلادنا المغاربية، فكلما بدأت دولة في الإستقرار والشروع في عملية البناء، يأتي أناس آخرون يستندون على القبلية والدين لإسقاطها بدعوى أنها أنحرفت عن الدين والشريعة، فيعيدون البناء من جديد من الصفر، وهذه الظاهرة هي التي استند عليها فريدريك أنجلس لتفسير تخلف العالم الإسلامي بما أسماه -الدائرة المغلقة-، وذلك في دراسة له عام 1894 في مجلة die new zeit ، ويعني أن هناك حركية تاريخية في المجتمعات الشرقية، لكنها تدور في دائرة مغلقة، أي بناء دولة ثم إسقاطها وإعادة البناء من جديد، ثم تتكرر العملية مرة أخرى، وتتكرر كل فترة محددة، وهذه الفترة يسودها الحروب والصراعات التي تتخذ طابعا دينيا،وبقينا بذلك ندور في هذه الدائرة دون تقدم إلى الأمام، ولهذا يجب علينا الحسم في ذلك كما قلت، لكن إبعاد الدين عن النقاشات السياسية، ليس معناه إبعاد المواطن الذي يعتقد أنه بالإمكان وضع برنامج سياسي وإقتصادي إنطلاقا من تأويلاته للدين من حقوقه السياسية، أنا لا أذهب هذا المنحى، فكل مواطن يجب أن يتمتع بكامل حقوق المواطنة، ومنها حق الممارسة السياسية، لكن شريطة أن لا يربط ما يقدمه من حلول وبرامج بأي غطاء ديني، بل لايشير إطلاقا إلى الدين ولا إلى رموزه، حتى ولو بنى برنامجه على تأويل للدين، أي يمنع عليه تماما إستغلال الدين ورموزه في العمل السياسي، فكما هي مسألة خاصة للفرد، فهي أيضا مسألة خاصة لأي تنظيم سياسي، وبهذا الشكل سنتقدم إلى الأمام دون صدام على أساس مرجعيات، بل ستتحكم البرغماتية ومصلحة كل المجتمع في ذلك، فلا نمنع أي كان من ممارسة السياسة شريطة الإلتزام بكل مباديء الديمقراطية، ومنها منع إستخدام الدين في السياسة، فقد عرفنا تجارب للأحزاب المسيحية الديمقراطية في أوروبا وحزب العدالة والتنمية في تركيا التي تلعب دورا إيجابيا في الممارسة الديمقراطية في بلدانها.


17 - بعض أمثلة اللبس التي شعبت على الناس
نزار ڨ-;-رب ( 2016 / 2 / 3 - 18:08 )


إن كثيراً من الذين ينتمون إلى الفكر الإسلامي، من المتأثرين بالطرح الذي ينسبه أصحابه للسلف، طرحوا لنا الواقع التاريخي لدولة الإسلام؛ وحسبوا أن هذه الصورة التاريخية التي وقعت في عهد الخلافة الراشدة وما بعدها تمثل صورة الإلزام. وفرق بين أن يكون العمل مشروعاً وبين أن يكون ملزماً في صورته الشكلية التي خضعت لظرف الزمان والمكان، فإذا تراضت الأمة على خيار التعددية السياسية لتحول دون الاستبداد بالرأي حتى لا يأتي من يتفرعن ويقول :«ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد» ويظن أن الحقيقة المطلقة هي التي تخرج من وعائه، وإذا تراضت على مبدأ التداول السلمي للسلطة وحددت فترة الحاكم الزمنية بقيد زمني، فالمسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً.. وفي هذا العصر وبالظروف المستجدة فيه والإمكانات المتاحة يستحيل إستحالة أن يستبدل المسلمون بالتداول على السلطة وتقييد السلطات وفصلها خيارا آخر، إلا إن وهبتهم المستجدات خيارا أكثر تطورا. وحينما قام عبد الرحمن بن عوف يعرض شروط الأمة على المرشحيْن عثمان وعلي رضي اللّه عنهما، قال عثمان: أقبل شرط الأمة بأن يعمل بالكتاب والسنة وسيرة الشيخين. أما علي كرّم الله وجهه فقال: أعمل بالكتاب والسنة، أما الشيخان فاجتهد كما اجتهدا، فأمضت الأمة لمن قبل بشرطها. فنحن لا نرى حرجاً من خلال هذه التجربة التي نعيش في واقعنا المعاصر من القول بمبدأ التعددية السياسية، التي هي اختلاف البرامج والمشاريع في إطار مرجعية واحدة نحتكم إليها وفي إطار الولاء لدولة الإسلام دون ولاء خارجي. وإذا كان القرآن قد ذم التحزّب كما يدندن أدعياء السلفية، فإنما يعني بذلك ذم التعصب الذي يقوم على الانتماء الجاهلي والإتباع بالهوى، ولم يذم أصلاً أن يتجمع الناس على قضية اجتهادية وعلى نصرة الإسلام. وكما أصبح اليوم معلوما فإنّ المذاهب هي أحزاب في الفقه والأحزاب هي مذاهب في السياسة، ولهذا إذا كان الإسلام أقر مذهب لا إكراه في الدين فيما يتصل بالعقيدة التي مبناها على الكفر والإيمان وهي المعبر لدخول الجنة أو النار، فما يكون في باب السياسة والاقتصاد والاجتماع هو من باب أولى.

وكما هو الشأن دائماً مع العلامة محمد الغزالي رحمه الله، فإنه لم يكن ليتوقف عند مجرد المصطلحات والتسميات في أمر الديمقراطية، وإنما كان ينفذ دائماً إلى جوهرها، ويعقد الموازنة بينه وبين التوجيهات الإسلامية.

وإذا كانت التعريفات الأشهر للديمقراطية هي التي تثير الإشكالات لدى القارئ المسلم وتستحضر لديه مفهوم (الحاكمية) الذي صاغه العالم الكبير المودودي ونظر له وأشاع استخدامه الإمام الشّهيد سيّد قطب، ذلك المفهوم الموهم بأن هناك تعارضاً ما بين الإسلام والديمقراطية فيما يتصل بأمر التشريع، إلا أن التعريفات الأدق للديمقراطية، وهي التعريفات الأحدث، لا تثير ذلك الإشكال، لأنها لا تنحو ذلك النحو الذي يثيره تعريف أبراهام لنكولن القائل بأن الديمقراطية هي ( حكم الشعب بالشعب للشعب )، وإنما تتحدث عن آليات الحكم والتأثير في القرار السياسي.

فالديمقراطية بهذا الاعتبار هي كما يعرفها المفكر السياسي النمساوي جوزيف شمبيستر: - النظام السياسي الذي يتيح فرصاً دستورية منتظمة لتغيير الفئة الحاكمة. وكذلك تهيئ تنظيمات اجتماعية تسمح بأن يكون للسواد الأعظم من السكان تأثير في القرارات الهامة، وذلك عن طريق الاختيار بين المتنافسين على المراكز السياسية -.

ومثل هذا المعنى هو الذي يركز عليه الفكر السياسي للشيخ محمد الغزالي ويحاول أن يؤصله من وجهة نظر إسلامية ويبلوره بحسبانه قناعة راسخة في الضمير الإسلامي. هذا وإن كنّا لا نرجو بديلا بمصطلح الشّورى ولا نعدل به، إلاّ أن المراد من هذا التّفصيل معالجة الإستعداء المتشنج لبعض المشاريع الديمقراطية دون النظر في المضمون، أو التسرّع بالطّعن في النوايا والأشخاص بدون علم في حق من إستخدم مصطلح الدّيمقراطيّة، مع عدم إقرارنا له.


18 - رد الى: نزار ڨ-;---;--رب
رابح لونيسي ( 2016 / 2 / 4 - 10:58 )
أشكرك على فضحك للذين يستغلون الدين، مما أضر بالدين ذاته، ولإبرازك بأنه لا تناقض بين الممارسات الإسلامية الحقة والديمقراطية من خلال الأمثلة التي أتيت بها من التاريخ الإسلامي، أما الباقي من تعليقك، فلا داعي لتكرار ما سبق، أن قلته في ردي على تعليقك الأول، وشكرا لك مرة أخرى على تدخلاتك القيمة.


19 - تلك الحلوة وخيبة الامل
سلام فضيل ( 2016 / 2 / 3 - 18:31 )
تلك الحلوه وخيبة الامل
السيد رابح لونيسي ذات مساء حيث نخطوا راحت قوات بطش نظام المندوب السامي تطاردنا وعند البقرات جوار بيت احتمينا انا وحسين اُيت واياهن تنادمنا الرئيس الجزائري الاسبق احمد ابن بله.ان الجزائراخذت سريعا تنمو من بعدما الحرب العالميه الثانيه والاستقلال واكتشاف البترول حتى صارت من الدول الناميه لما فيها من موارد طبيعيه وغيرها ولتداخلها بهذا القدر اوذاك مع العالم المتقدم من خلال حاجة ادارتها والمندوب السامي تلك السيئة كانت وتشكل الاحزاب من اليسارالقريب من فكرة الليبراليه ومانحوها وتخفيض سعة نظام النخبه وصفة ضبط المندوب تلك التي فرض الاداره من خلال فئة المنحطة
وتوسع بنيتها التحتيه اي الجزائر سريعا من بعدما الاستقلال وعبور مرحلة انحطاط المندوب السامي التي كانت ومن ثم اخذت تنحو لنظام الدكتاتوريه والتفرد(المتحفظة,المحتشمة) واحمد ابن بلا وحسين اياة والحلوة عنابه من ضحايا سطوة قمعها صاروا؟
وراحت تتعثر اي الجزائر واخذت تنحو جهة النظام الديني التكفيري كي تجدد ثوبها اي تلك السيئة والى مانحو وبدايه التسعينات راحت تنحدر الى البدائية وفرض النظام الديني التكفيري وسخرية تذاكي القول عن التحول الى النظام الديمقراطي بنظام العسكر والديني التكفري(وهو ليست الدين) بتلك تبيض اعادة ذاتها؟ الذي لحظة
فوزهم بدايه التسعينات القرن العشرين اول مابعد الحرب البارده قالوا هذي اول واخر انتخابات اذ الديمقراطيه كفرا والحاد والحكم السلفي اذ وكيل الله المختار منه اي الله وكل ماتفعله وتقوله هو من الله ذاتها منهج نظام الكنيسه القرون الوسطى والخامس التاسع عشر ماقبل الثوره الفرنسيه التي جل فكر الجزائر منها وحيث مرحلة وليست ديني وخبرة اعداد مناطق الصراع وفرض التحول الى النظام الديني التكفيري من خلال سائد عالم حضارتنا اليوم من خلال العالم الفاشل والمحميات وخيبة الامل واعداد مناطق الصراع بذات التي كانت مبنى القرن التاسع عشر الديني التكفيري التي من خلال الكتلتين انذاك ومن خلال المحميات ومن خلال مصر وابو حامد والوهابيه التكفيريه بتلك القرون الوسطى والحروب الاهليه في اوروبا ماقبل اتفاقية ويستفاليه 1856 وامريكا 1863 مانحو وبدايه التسعينات القرن العشرين وتداخل ما بعد الحرب البارده وراحت اي الجزائر سريعا تنحدرالى تلك وحشيه القرون الوسطى بدوامة وتخبط لعشرة سنوات صعبتا كانت ومازالت فيها كثيرا من الوهن(ادوارد كندي-ك-حكاية حياتي وهنتنغتون-ك-اعادة رسمخارطة العالم(صدام الحضارات) و-ك- حروب الاشباح) ومثلها عرض العراق بذات الوقت مانحو وبدايه التسعينات نموذج عرض مبهجتا جدا كثيرا غاية في الانحطاط والتردي ونظام وحشي دكتاتوري الذي كان التسعينات.
والسؤال لماذا لم تتمكن الجزائر الذي كان فيها نظام فيه بعض مرونه وشيء من تقبل الاخرولم تتمكن من عبور مرحلة القرون الوسطى التي عرتها انحدار العودة الى النظام الديني التكفيري الذي يكفر الديمقراطيه والتداول وكل من يختلف معه بالرأي؟
لماذا سمحت السلطه انذاك مانحو مانحو وبدايه التسعينات القرن العشرين بعرض الانحدار الى مجاهل التاريخ تلك التي مرت على العالم المتقدم والفاشل وعبرها كل العالم
والجزائرمثلها مثل التي من بعدها والان انحدار مصر وليبيا وسوريا واليمن مثلها مثل افغانستان وباكستان...والسؤال لماذا الانظمة الدكتاتوريه في الشرق الاوسط واسوئها النظام الوحشي في العراق كان الثمانينات التسعينات وكلها لم تتمكن بل لم ترغب من التوصل لشيء من نظام المواطنه وهي تملك سطوة السلطه وسعة الامكانيات وتركتها اي الحالة الوضع حتى صارت نموذجها القرون الوسطى الديني التكفيري والعرقي والطائفي وانحطاط التقسيم والافقار وسعة الانجاب والتشرد وفتاوي التكفير بنشرات الاخبار؟ والعالم من حولها اي الجزائروبلدان الشرق الاوسط راح بعيدا يخطووهي تتخبط بانحطاطها؟


20 - رد الى: سلام فضيل
رابح لونيسي ( 2016 / 2 / 4 - 11:09 )
أنا ايضا أتأسف معك على ماوصلت إليه أوطاننا من خراب على يد الجماعات الإرهابية المتسترة بالدين، وعندما تتحدث عن مشاريع تنموية عرفتها بعض الدول، لكنها اليوم عادت إلى الوراء، فإنه يجب التنبيه أن البعض من هذه الأنظمة لها مسؤولية في إنتاج الإرهاب الذي دمر هذه الأوطان، فهي أيضا كانت تتلاعب بالدين، وأعطت المدرسة ووسائل الإعلام وأماكن العبادة لبعض الأيديولوجيين الدينيين الذين غرسوا الكراهية وعدم إحترام الآخر في ذهن أبنائنا، وكل ذلك بهدف إرضاء أطراف محددة، فلم تكن لهم شجاعة مصطفى كمال آتاتورك الذي كان حاسما في المسألة، ولهذا أنتجت المدرسة الأتاتوركية أحزابا ذات مرجعية دينية، لكنها ديمقراطية مثل حزب العدالة والتنمية، لكن أنتجت المدرسة عندنا أحزابا دينية منغلقة ترفض الديمقراطية، فهل أنتجت تركيا إرهابيين بإسم الدين، كما أنتجتها مدارسنا وأنظمتنا؟، فقد تواطأت هذه الأنظمة مع هذه التيارات الدينية لقمع وتشويه القوى الديمقراطية الحقيقية، كما أنها بدل ماتنقل دولها إلى نظام ديمقراطي يتعايش فيها الجميع، فإنها تمادت في إستبدادها، لتعطي ذريعة لقوى امبريالية أختفت وراء قناع نشر الديمقراطية لتحقيق أهدافها الإستراتيجية والإقتصادية، ولهذا قلت في بداية المقالة الإفتتاحية بأن الإنتقال الديمقراطي، يجب أن يتم في حالة دولة قوية، ويستحيل أن ينجح هذا الإنتقال إن جاء تحت ضغوط خارجية أو بعد تمرد داخلي، الذي عادة ما يؤدي إلى الفوضى، كما وقع في عدة بلدان بعد وقوع ماسمي ب-الربيع العربي-، الذي حولته التيارات الدينية المتطرقة إلى خريف.


21 - المعتصم بحبل الله غير معصوم ولكنه على التي هي أقوم
نزار ڨ-;-َرَّبْ ( 2016 / 2 / 3 - 22:06 )
لا يكفي أن يتوهم أحد أنه يحسن صنعا لنعتبره متدينا، وتكفي الأمثلة العجيبة من الخوارج

إبن خلدون لم يقل أن سبب الفتن هو الدين، بل على العكس فإن سبب تنامي العصبية هو تضائل تأثيره على الضمائر.
لا يمكن أن نخشى من عاقبة إتباع ما شرعه لنا الله بذريعة الفتنة الفقهية إن أخلصنا له ديننا، فنحن لا ندعي ولا يمكن أن نعرف ما يصلحنا أكثر من الله.


https://m.facebook.com/photo.php?fbid=975286585887263&id=100002177925084&set=a.920191288063460.1073741830.100002177925084&source=56&ref=bookmarks


22 - رد الى: نزار ڨ-;---;--َرَّبْ
رابح لونيسي ( 2016 / 2 / 4 - 10:54 )
هناك فرق شاسع بين -الدين- و-إستغلال الدين-، صحيح لم يقل ابن خلدون ذلك، ولم يقله أي كان، ولا يستطيع قوله، فنحن عدنا إلى التفسير الخلدوني لنشأة دول وسقوطها المتسارع في بلادنا، مما زرع الفوضى وعدم الإستقرار، والذي كان وراء عدم تراكم البناء والتنمية وإنفاق أموال ضخمة في المجال الأمني، وقد كان ل-إستغلال الدين- دورا كبيرا في ذلك، ولم نقل -الدين- في ذاته، ولهذا نرى ضرورة إقامة نظام ديمقراطي كآليات لحل سلمي لمختلف التناقضات السائدة في المجتمع، لكن ضرورة مرافقة ذلك بالحسم في إبعاد الدين عن الإستغلال والتوظيف السياسوي، كي لا تتكرر هذه الظاهرة التي أشار إليها بن خلدون في قيام وسقوط الدول في مجتمعاتنا، فيسود بذلك الإستقرار وإستمرارية الدولة الذي هو شرط ضروري لعملية تراكم البناء والتنمية.


23 - تحياتي الأستاذ رابح لونيسي
ماهر عدنان قنديل ( 2016 / 2 / 4 - 06:14 )
تحياتي مرة أخرى الأستاذ رابح لونيسي، فيما يخص أنظمة الحكم التي يبحث عنها عالمنا.. هناك نظرية أراها جديرة بالدراسة والبحث ألا وهي ما عرف حينها بالنظرية العالمية الثالثة التي أطلقها معمر القذافي من خلال كتابه الأخضر فهي مزيج من الإشتراكية الإجتماعية والديمقراطية الشعبية المباشرة (التي تشبه دور المجتمع المدني في الغرب) التي يسلم من خلالها القائد الحكم للجماهير الشعبية ويكون تقسيم الثروة على الشعب بالتساوي دون إحتكار.. طبعاً أنا لا أتكلم عن الطريقة التي نفذت بها هذه النظرية من طرف القذافي (حيث طبقت في بعض بنودها ولم تطبق بحذافيرها في بنود أخرى) بل عن النظرية في حد ذاتها فهي تجيب على بعض الأسئلة التي طرحتها الأستاذ لونيسي في مقدمتك عن أسلوب الحكم الأنسب الواجب إتباعه..

من ناحية فيما يخص الليبيرالية الإقتصادية والسوق الحر أظن أن خضوع الإشتراكيون لليبيرالية الإقتصادية والسوق الحر وتقبلهم بالملكية الخاصة شكل ضربة موجعة لهم حيث أصبح كل ما يفعله الإشتراكيون اليوم في الدول الرأسمالية يدور في فلك الرأسمالية المتوحشة ولا أرى فرقاً كبيراً بين الليبيرالية الإشتراكية الجماعية المعتمدة على العدالة الإجتماعية في تحديد الثروات والنيوليبيرالية الفردانية التي لا تعتمد على العدالة الإجتماعية في تحديد السوق الحر.. يسير كلاهما في نفس الفلك، أظن أن غول الرأسمالية أكل الجميع ولم تبقى إلا المسميات الرنانة..

أما فيما يخص فكرة -إجتماع الجمعة- التي جاءت في المقدمة أو يوم أخر أنا أتفق تماماً مع هذه الفكرة الجديرة بالتطبيق حيث ستقرب المسؤول من الجمهور وتعزز الرقابة المباشرة.. أما فيما يخص الإستبداد الشرقي لا أظن بأي شكل من الأشكال أن الإستبداد شرقياً خاصة أن الشرق عرف الديمقراطية قبل الغرب وما -أثينا- إلا دليلاً على ذلك ولكنها لم تنجح بسبب الصراع مع إسبرطة العسكرية والنظام الطبقي الموجود.. ولذلك أنا كنت ذكرت في تعليقي السابق أن الديمقراطية زائلة لا محالة لأننا في حركة تاريخية دينامية لا تتوقف.. ومن يقول أن الديمقراطية غربية يخطئ حيث أنها وجدت في الشرق وقبله في كل المجتمعات البدائية..

أما فيما يخص إنتقال الماركسية إلى الدول الغربية التي تتبنى الرأسمالية اظن أن ذلك ممكنناً خاصة أننا في عصر ما أسماه ماركس -الكوسموبوليتية- (الشركات الإحتكارية الخارقة للقارات) من خلال ديالكتيك نفي النفي وهو العصر الذي تنبأ ماركس أنه سيكون الأخير قبل شيوع الشيوعية في أرجاء العالم.. طبعاُ أظن أن ذلك يكون عبر إنتشار الشيوعية الإجتماعية ما سيؤدي لتهذيب وسائل الإنتاج في الرأسمالية الإقتصادية لتتحول إلى ملكية مشتركة

*كاتب وباحث سوري جزائري


24 - رد الى: ماهر عدنان قنديل
رابح لونيسي ( 2016 / 2 / 4 - 10:37 )
شكرا لك مرة أخرى على تدخلاتك القيمة، فقد طرحت عدة مسائل، ومنها ما سماه القذافي بالنظرية العالمية الثالثة، والتي فشل في تطبيقها، بل بالعكس أدت إلى دكتاتورية بدل الديمقراطية، فهذا يطرح أمامنا مشكلة العلاقة بين النظرية والتطبيق، ولماذا تكون النظرية وردية وجميلة، لكن عند التطبيق، يتم الإنحراف، بل تؤدي إلى عكس ماتبتغيه، فنحن من دعاة إنشاء علم بأتم معنى الكلمة في هذا المجال، يبحث في هذه العلاقة بين النظرية والتطبيق، وقد سبق ماوتسي تونغ إلى تناول هذه المسألة منذ عقود، لا يمكمن أن نتطرق إلى هذه المسألة الآن، لكن نعتقد أن أحد الأسباب تعود إلى تغييب الحريات والنقاش الحر، وعادة مايكون وراءها صاحب النظرية ذاته أو متبنيها، فهؤلاء من شدة إيمانهم بها، يحولونها إلى نوع من الدين أو الدوغمائية، ويعتقدون أن أي إنتقاد لها هو بهدف الحيلولة دون تطبيقها، فهذا هو المشكل الذي نقع فيه دائما، ولهذا ضرورة غرس ثقافة متفتحة على الآخر والقبول بإنتقاداته الذي يعد شرطا من شروط نجاح أي مشروع، أما بشأن نظرية القذافي، فقد وقع هو نفسه في هذا المطب الذي ذكرناه، فهو لم يسمح بإنتقادها لتجاوز نقاط ضعفها، ثم تطويرها إلى الأحسن، هذا ما نحذر منه دائما لكل الأفكار والنظريات، ومنها فكرة الديمقراطية ذاتها، فيجب علينا أن نؤمن بتفاعل الأفكار من خلال تناقضاتها، فالأفكار عادة ما تلد من الوضع الإجتماعي والإقتصادي السائد، ثم يتم التفاعل فيما بينها لنصل إلى افكار أفضل وأحسن من الأفكار السائدة، ولايتم ذلك إلا بالحريات والتفتح على الآخرين مهما أختلفنا معهم، بل إمكانية الإستفادة منهم.
أما فيما يخص إنخراط الإشتراكيين في النظام الراسمالي، فهو في الحقيقة يعود إلى قدرة الرأسمالية العالمية على إيجاد آليات التكيف والإستمرارية، فمن أكبر الآثار الإجتماعية للرأسمالية في أوروبا في القرن 19م هو الإستغلال الرأسمالي البشع الذي كان سببا في ظهور حركات إجتماعية وبروز الأفكار الإشتراكية التي بدأت طوباوية على يد سان سيمون وفورييه وغيرهما، لتتخذ فيما بعد شكلا راديكاليا على يد كل من كارل مارس وفردريك أنجلس اللذان أصبحا يتحدثان عن إشتراكية علمية، تعمل من أجل تقويض أركان النظام الرأسمالي، وأنتشرت بقوة هذه الأفكار في صفوف الطبقة الشغيلة والكادحين مدعمة بتزايد التناقض الطبقي الحاد بين الطبقة البرجوازية والبروليتاريا، لكن يبدو أن طبقة البرجوازية عرفت كيف تواجه ذلك بأسلوب ذكي وبآليات أنقذت النظام الرأسمالي من السقوط، بل وأكثر من ذلك أعطت رفاهية حتى للبروليتاري والكادح، وقوضت في المهد الطرح الماركسي القائل بأن الرأسمالية ستظهر في البلد الأكثر تقدما في المجال الصناعي أي أنجلترا، فما هي هذه الآليات التي أنقذت النظام الرأسمالي من الغضب الإجتماعي، ونجحت في إزدياد الرفاهية الإقتصادية للإنسان الغربي بمافيه الطبقة الكادحة مقابل إسقاط المعسكر الإشتراكي وتقويض أيديولوجيته الماركسية فيما بعد ؟ فللرأسمالية قدرة فائقة على التكيف وخلق آليات الإستمرارية والتوسع، وهناك عدة عوامل وراء إستمراريتها، ويأتي على رأسها لجوء البلدان الرأسمالية إلى إستعمار البلدان المتخلفة، ولم يكن الهدف من الإستعمار هو فقط البحث عن المواد الأولية ومناطق للإستثمار والأيدي العاملة الرخيصة والأسواق لتصريف منتجاتها، بل كان الإستعمار وسيلة لتحسين الظروف المعيشية المزرية للطبقات الكادحة في أوروبا والحد من الغضب الإجتماعي الذي سيؤدي حتما إلى ثورات إجتماعية ضد النظام الرأسمالي ولصالح الأفكار الإشتراكية الجديدة، فقد حول الإستعمار البلدان المستعمرة إلى أكبر خادمة ومنقذة للإقتصاد الرأسمالي العالمي من خلال عدة آليات وأساليب، وتتمثل في:نهب ثروات المستعمرات وتحقيق أرباحا ضخمة جدا من خلال الإستثمار في الصناعات الإستخراجية ودفع أجور زهيدة جدا لعمال المستعمرات مقارنة بالعمال الأوروبيينن وايضا التبادل غير المتكافيء من جراء التقسيم الدولي للعمل، فقد قام الإستعمار بالتقسيم الدولي للعمل، حيث فرض على البلدان المستعمرة إستخراج المواد الأولية وإنتاج المحاصيل الزراعية النقدية مقابل تحويل البدان الإستعمارية لهذه المواد إلى سلع أو مواد مصنعة، وهذا ما أدى إلى مايسمى بالتبادل الغير متكافيء، وقد أختلفت النظريات المفسرة لهذا التبادل الغير متكافيء بين العالم الثالث والعالم المتقدم، إلا أنها تكاد تجمع على أن سببها الرئيسي هو هذا التقسيم الدولي للعمل وربط الإستعمار لإقتصاديات البلدان المستعمرة بالغرب الرأسمالي، فالعامل الإستعماري هو العامل الرئيسي الذي كان وراء تحسين المستوى المعيشي لكل سكان البلدان الإستعمارية بما فيها الطبقة المحرومة منهم الذين كانوا يهددون النظام الراسمالي الغربي، فبفضل الإستعمار تمكن الرأسمالي من نقل نهبه وإستغلاله لعمال بلده إلى نهب وإستغلال ثروات وعرق عمل الشعوب المستعمرة، ثم يعيد توزيع جزء من منتوج العمل الإجتماعي الكلي للمستعمرات على طبقات العمال في الغرب على شكل خدمات إجتماعية وأجور عالية، وبتعبير بسيط كان الرأسمالي الغربي يوزع جزءا مما نهبه من المستعمرات على البروليتاري والمحروم في البلاد الإستعمارية، وعادة ما كان يتم ذلك تحت ضغط النقابات العمالية، وقد حافظ هذا التوزيع على نوع من الإستقرار والتوازن الإجتماعي في هذه البلدان، لكن السؤال المطروح هو كيف أستطاعت هذه البلدان الرأسمالية الكبرى الحفاظ على هذه الرفاهية رغم خروجها من البلدان المستعمرة فيما بعد ؟ .فقد استعمل الغرب الرأسمالي عدة آليات لإبقاء نهبه وإستغلاله للعالم المتخلف، ومنها تنصيب القوى الإستعمارية في العديد من مستعمراتها التي أستقلت حديثا أنظمة موالية لها وفي خدمتها، كما نشرت النمط الإستهلاكي الغربي بنشر الثقافة الغربية بواسطة وسائل الإعلام التي يسيطر عليها، مما يؤدي إلى إيقاء أسواق العالم الثالث مفتوحة أمام إنتاج الغرب الرأسمالي، مما يشجع على نمو قوى الإنتاج وإستمرارية الإنتاج في الدوران وتحقيق الرأسمالي لأرباح كبيرة جدان فبناء على ذلك كله نرى ضرورة دخول بلداننا في نظام ديمقراطي حقيقي مع ما نسميه ب-فك الإرتباط التام مع الراسمالية العالمية-، وهو ما يسمح بمحاصرة المركز الرأسمالي من أطرافه، لكن هذا لايمكن أن يتم على يد دول محدودة لوحدها، بل بالعودة إلى تنسيق عالم ثالثي، وممكن إعادة إحياء مشروع باندونغ من جديد .
أما فيما يخص مصطلح الإستبداد الشرقي، فهذا ماقلته في المقالة الإفتتاحية، فكل المجتمعات عرفت مظاهر وبوادر ديمقراطية جنينية، كما عرف الغرب أيضا مظاهرا للإستبداد أيضا، فالإستبداد أو الديمقراطية ليست خاصة بشعوب دون أخرى.


25 - من لا يصلح كله لا يصلح جزئه
nassim abdelkader ( 2016 / 2 / 4 - 21:38 )
اعتقد انه لا يمكن الاعتماد على الد اعداء الديمقراطية الايديولوجية (الاسلام) في ترسيخ الديمقراطية : ماذا تقول عن -من يبتغي غير الاسلام فلن يقبل منه -وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ[المائدة:44] - ,,,, -
اضن ان حصر الدين في مكانه الطبيعي -السجد- هو الخطوة الكبرى لبناء الديمقراطية
تحياتي للبروفيسور لونيسي


26 - رد الى: nassim abdelkader
رابح لونيسي ( 2016 / 2 / 5 - 10:51 )
شكرا على طرحك هذه المسألة، فماقلته أمر مفروغ منه، وقد تطرقت إليه في العديد من كتاباتي، وفي تعاليق في هذا الحوار، فكل من يحاول فرض أيديولوجيته وقناعاته على المجتمع بالقوة سواء كان في السلطة أو خارج السلطة، فهو ليس فقط عدو للديمقراطية، بل هو عدو للمجتمع كله، وما يقوم به هي جريمة، يعاقب عليها القانون الذي ينفذ بإسم المجتمع، فالنظام الديمقراطي مفتوح للجميع، مهما كانت معتقداتك أو ثقافتك أو قناعاتك، لكن بشرط إحترام مخالفيك، فهو مجتمع المواطنة، وليس مجتمع المؤمنين أو غير المؤمنين، فكما المجتمع يعاقب المجرم، فإنه أيضا يجب عليه معاقبة كل من يستخدم العنف والقوة لفرض معتقداته وقناعاته على المجتمع، لأن ذلك معناه ضرب إستقرار هذا المجتمع، فبعودتنا إلى بن خلدون الذي فسر لنا عدم إستمرارية الدولة لمدة طويلة في مجتمعاتنا، خاصة المغاربية منها، حيث يبين أن الدولة لاتستمر إلا لمدة قصيرة، فبعد كل فترة محدودة، تسقط دولة، وتقام أخرى مكانها، لتعيد البناء من الصفر، مما أوقعنا في دائرة مغلقة، وقد كان وراء ذلك -حسب بن خلدون- القبلية والعنف المصاحب لإستغلال الدين، ولهذا يجب القطيعة مع هذا العصر الخلدوني، وذلك بالحسم النهائي في مسألة إستغلال الدين لأهداف سلطوية، لكن هذا ليس معناه إقصاء مواطنين يلتزمون بالمبادي الديمقراطية من الممارسة السياسية، إلا لأنهم يعتبرون أن مرجعيتهم الدينية يمكن أن يستمدوا منها برنامج سياسي وإقتصادي، لكن هذه الممارسة له شرط أساسي ورئيسي، وهو عدم الإشارة أو الترميز لا من قريب أو بعيد إلى الدين، أي المنع الكلي والتام لإستغلال الدين في العمل السياسي، ونعتقد أن طرحنا هذا، هو الذي سيسمح لنا ببناء مجتمع ديمقراطي يحتضن الجميع .


27 - التناقضات داخل المجتمع
دبورة ( 2016 / 2 / 4 - 23:20 )
استاذى الفاضل شكرا لمحاولتك الجميلة لتاصيل الدمقراطية فى عالمنا العربي ولكن ألا تعتقد أنك عندما تقول ان التناقضات هى أمر طبيعي داخل المجتمع تكون قد وافقت البرجوازية .وكبلت كل حركة ثورية داخل المجتمع للإطاحة بالاستغلال ..اوليست التناقضات أتت من فعل البشر وستزول أيضا بفعل البشر؟ وشكرا


28 - رد الى: دبورة
رابح لونيسي ( 2016 / 2 / 5 - 10:16 )
شكرا على ملاحظتك الدقيقة في تركيزي على كلمة -التناقضات الطبيعية-، فهي في الحقيقة لم تأت صدفة، بل لها أهدافا رئيسية، فصحيح ما تقوله أن البرجوازية تعتبر التناقضات الطبقية أنها طبيعية، وذلك لتبرير الإستغلال الطبقي، لكن لايجب أن ننسى أن أيضا الأنظمة الإستبدادية والأحادية هي التي تحمي هذه -البرجوازية- في مجتمعاتنا، سواء كانت هذه -البرجوازية- نتاج ملكية أو نتاج بيروقراطية، أو ما نسمية ب-برجوازية بيروقراطية- استغلت النفوذ السلطوي لتصبح مالكة حتى هي، ووقع هذا كله في الكثير من بلداننا بإسم -الحزب الواحد- الذين قالوا أنه في خدمة المحرومين، لكن في الحقيقة يستحيل تحقيق ذلك، دون أن نضع نظاما سياسيا يجمع في نفس الوقت، ويربط بين الديمقراطية والعدالة والإجتماعية، فلاديمقراطية دون خدمة المحرومين، ولاخدمة للمحرومين دون ديمقراطية وحريات، فلتعلم بأن الأنظمة الإستبدادية هي التي ترفض أي إشارة أو حديث عن التناقضات السائدة في المجتمع، وعندما أشير إلى التناقضات، فأقصد كل التناقضات سواء كانت رئيسية أم ثانوية أو تناقضات نتجت عن التناقضات الطبقية، يجب أن ننطلق من الواقع، وماهو سائد وموجود، فلا يمكن لنا إقناع كل المجتمع بضرورة الحل الديمقراطي، إلا إذا اقنعناه، بأن التناقضات الأيديولوجية والسياسية والثقافية ومختلف الصراعات السياسية وغيرها موجودة في المجتمع، ولحل هذه التناقضات، نجد أمامنا طريقين لاثالث لهما، أولهما العنف والإقصاء والتهميش والعمل من أجل تحويل المجتمع كله على نفس معتقدات وثقافة وقناعات السلطة المستبدة، فهو ما يعني الحرب الدائمة وعدم الإستقرار ومنع مواطنين من حقوق المواطنة الكاملة، أما الطريق الثاني فهو الحل الديمقراطي الذي هو الحل السلمي لمختلف التناقضات السائدة في المجتمع، وما ينبثق عنها من حقوق المواطنة الكاملة غير المنقوصة، ومنها خاصة الحقوق الثقافية المطروحة بقوة في بلداننا، وكذلك الحريات الكاملة في التنظيم والتعبير وإحترام الآخر والتداول السلمي على السلطة بواسطة الإنتخابات وغيرها من المباديء الديمقراطية، ولهذا السبب ترفض الأنظمة الإستبدادية الحديث عن التناقضات، لأن تركيز الحديث عنها، سيؤدي حتما إلى طرح سؤال: ماهو الحل لهذه التناقضات، وهو ما يؤدي إلى طرح المطالب الديمقراطية كحل لإنهاء الصراعات العنيفة داخل المجتمع، وكل من يرفض هذا الحل السلمي لمختلف التناقضات معناه يدعو إلى العنف وعدم الإستقرار الذي يعد سببا رئيسيا لتخلفنا، لأنه يمنع تراكم البناء والتنمية.
أما الحديث أن التناقضات الطبقية ليست طبيعية، فأنا متفق معك في ذلك، لكن نحن اليوم أمام واقع يجب تصحيحه، طبعا أنا في هذه المقالة الإفتتاحية، قمت بتلميح فقط، وحاولت أن أجد نظام تمثيلي لكل شرائح المجتمع دون إستثناء كأسلوب لحل المسألة الإجتماعية، لكن طرحت في العديد من كتبي أيضا مسألة تنظيم إقتصادي وإجتماعي بديل، ومنها مسألة الملكية، وفك الإرتباط بالرأسمالية العالمية وغيرها من القضايا التي يجب أن تتماشى مع هذا التنظيم السياسي الديمقراطي البديل الذي طرحناه.


29 - تحياتي الأستاذ رابح لونيسي
ماهر عدنان قنديل ( 2016 / 2 / 5 - 10:03 )
تحياتي الأستاذ رابح لونيسي، أنا أوافقك تماماُ أن هناك مشكلة حقيقية في العلاقة بين النظرية والتطبيق.. وقد يرجع ذلك إلى النزعة الفردانية والأنانية في الإنسان نفسه أو كما جاء في المقدمة عن -هوبز-: (الإنسان ذئب لأخيه الإنسان) أظن أن أي نظرية لا يحولها على أرض الواقع صاحبها لوحده في غالب الأحيان بل عندما تؤمن بأهدافها الجماعة (لأسباب شخصية أنانية كذلك) وتساعده على ذلك.. وليس دائماً ما تطبق النظرية من طرف صاحبها بل تطبق في الكثير من الأحيان من طرف جماعة امنت ببنودها لأسباب إجتماعية أو إقتصادية أو سياسية قد يكون ذلك حتى بعد ممات صاحب النظرية نفسه بأعوام أو قرون.. لذلك يموت أصحاب النظريات ولا تموت النظريات أبداً..

أما عن عوامل إستمرارية الدول الرأسمالية من خلال خلقها لأليات تساعدها على التكيف مع ظروفها الإجتماعية من خلال إستعمار الدول الأخرى لإرضاء طبقة البروليتاريا عندها، أنا أوافقك تماماً في ذلك وأظن أنها لو تفعل ذلك لما إستطاعت الرأسمالية الإستمرار خاصة أن رفاهية الدول الرأسمالية كانت في مهدها في ذلك الوقت، ولو لا بحثها عن أسواق لصرف منتجاتها وعن الأيدي العاملة الرخيصة في الخارج لتخدم بروليتاريتها في الداخل وتحقق لهم قليلاً من الرفاهية لإنكسرت في البداية كما تنبأ ماركس.. حيث بدأت بالرأسمالية التجارية في القرن السادس عشر بداية لعدم الإستقرار المجتمعي بخلقها مجتمعات مناطقية ورفع مستوى المعيشة فيها.. لكن مع الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر وإنتشارها وسهولة التنقل أصبحت تشبه الغول (مع زيادة في أعداد الطبقة العاملة بطريقة جنونية والنزوح نحو المدن والتمركز في الأماكن الصناعية وإرتفاع الطلبات على المنتوجات من طرف البروليتاريا وزيادة الصناعات والسلع..إلخ) الذي كان سيبدأ بأكل الدول الرأسمالية نفسها لولا توسعاتها الخارجية .. ونشرها النمط الإستهلاكي الغربي كان أحد أهم العوامل لإستمرارها بعد خروجها أتفق مع ذلك كذلك..

أما عن مؤتمر باندونغ ما هي أليات إعادة إحيائه؟ خاصة إذا علمنا أن الكثير من الأعضاء في الحركة دخلوا في تحالفات إقتصادية أو سياسية أخرى.. والكثير من الدول داخله لم يعد يجمعها الكثير خاصة مع الإنقسامات الإثنية والسياسية الموجودة حاليا بل زادت الإنشقاقات بإنشاء البعض منها تحالفات ضد البعض الأخر.. ولم تعد دول العالم الثالث بذلك الإتحاد الذي كانت عليه من قبل خاصة أن دول العالم الثالث نفسها أصبحت تشكل درجات، هناك دول تقترب من النمو الفعلي وهناك دول بعيدة جداً عنها.. طبعاُ هي فكرة إحياء باندونغ جميلة لكن تطبيقها على الأرض والإتحاد بين دول العالم الثالث يبدو صعباً على الأقل في الوقت الحالي,, لكن في إتجاه أخر هناك مع يسمى بال-بريكس- وهو تحالف الدول الصاعدة بسرعة جنونية إقتصادياً كالصين والهند والبرازيل مع وجود قوى كلاسيكية كروسيا يبدو أنه سينافس المؤسسات الإقتصادية الدولية الغربية كصندوق النقد ومنظمة التجارة الدولية .. ومن الناحية العسكرية والسياسية هناك ما يسمى -بمنظمة شانغهاي للتعاون- والتي يبدو أنها تتجه إلى تشكيل -حلف وارسو- جديد يقف في وجه طموحات -الناتو- بل وينافسه في مناطق نفوذه خاصة مع إرتفاع الأصوات التي تدعو منظمة شانغهاي لمحاربة تنظيم داعش في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.. وأظن أن الهند ستشكل الطفرة في تقديري التي ستغير ميزان القوى العالمية مستقبلاً بحيث سيصبح حلف شانغهاي إن إستطاع إستقطاب الهند هو الأقوى عالمياً وهذا ما يخيف أمريكا.. بهذه التطورات الحاصلة أظن أن دول ما يسمى بالعالم الثالث لم يعد أمامها (على الأقل عسكريا وإقتصادياً) إلا الإختيار بين هذين المعسكرين كمرحلة أولى لأن التحالف فيما بينها أصبح يبدو طوباوياً نوعاُ ما خاصة مع تشكل درجة إقتصادية أخرى بعد البريكس وهي دول ما يسمى -قطط الزباد الإفريقي) المتشكلة من الدول الصاعدة بنمو اقل قليلاً من دول البريكس ولكنه أعلى بكثير من دول العالم الغنية وهي (إندونيسيا وتركيا ومصر وكولومبيا وفيتنام وجنوب إفريقيا).. هناك هناك أيضاً دول -البينايفم- المتشكلة من نيجيريا (ألدورادو العولمية المستقبلي وصين إفريقا). وإثيوبيا والمكسيك وبنغلادش وفيتنام وإندونيسيا.. أو دول -الماينت- (المكسيك، إندونيسيا ونيجيريا وتركيا)..

هناك كذلك ما يسمى بدول الغاز العظمى -الطاقة العظمى الجديدة- التي ستخلف البترول بداية من 2017 حسب بعض الإحصائيات، وحسب بنود الإتفاق النووي بين إيران وأمريكا لتحول روسيا والجزائر وإيران وقطر إلى قوى عظمى عالمية جديدة تتحكم في كل مفاصل الغاز العالمي..

أمام هذه التطورات أظن أن العالم الثالث سيتجه إلى التقسيم الإقتصادي التحالفي، وسيتجه إلى التنافس في المستقبل لذلك لم يعد ما يجمع بين دول العالم الكثير لا إقتصادياً ولا إيديولوجياً.. بل أظن أن بعض مناطق العالم الثالث تشكل حالة تنافسية لمناطق الدول الغنية الكلاسيكية القديمة..

*كاتب وباحث سوري جزائري



30 - رد الى: ماهر عدنان قنديل
رابح لونيسي ( 2016 / 2 / 5 - 16:37 )
أشكرك على تذكيرنا بكل هذه التحولات الدولية ومختلف التكتلات التي هي بصدد التشكل، فعندما طرحت فكرة باندونغ في ردي السابق على تعليقك، فإني طرحت الفكرة فقط، لكن مع الأخذ بعين الإعتبار مختلف التطورات والمستجدات العالمية، فكما نعلم فإن باندونغ لم ينجح في أهدافه، ثم عندما ظهرت حركة عدم الإنحياز، كان هدفها الحقيقي الذي لم يصرح به علانية هو إستفادة دول العالم الثالث من الحرب الباردة والصراع بين المعسكرين، لكن فقدت هذه الحركة أساليب عملها ووهجها بسقوط المعسكر الشيوعي الذي كان يحمي نوعا ما هذه الدول بشكل غير مباشر، وبتعبير آخر كان يستحيل على قوة الإستفراد بهذه الدول الضعيفة أثناء الحرب الباردة، لكن اليوم خلا الجو للمركز الرأسمالي، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، لتفعل ماتريد دون أن تجد من يقف في وجهها، فقد حاولت حركة عدم الإنحياز في بداية التسعينيات التحول إلى نوع من تكتل إقتصادي عالم ثالثي لحماية مصالح دوله، لكنه فشل، وأنتهت الحركة نهائيا، وهو ما عمق أكثر إستغلال المركز الرأسمالي لأطرافه، لكن بإمكان تدارك ذلك مستقبلا، وذلك بمواجهة التحديات الاقتصادية باللجوء إلى التكامل الاقتصادي بين مختلف دول عالم الجنوب، ثم استغلال الإمكانيات البشرية والطبيعية والمالية المتوفرة لدينا، والتي هي مشتتة اليوم بين مختلف هذه الدول، فتصبح كل دولة بحاجة إلى الإمكانيات الفائضة لدى الدول الأخرى، بدل اللجوء إلى المركز الرأسمالي عند الحاجة، مثلما تفعل اليوم بلدان عالم الجنوب، أي خلق نوع من تكامل إقتصادي جنوب-جنوب.
وفي حالة نشوء هذه المجموعة الاقتصادية الكبيرة، ثم فك ارتباطها بالمركز الرأسمالي الغربي، سيجد هذا الأخير نفسه محاصر لضيق أسواقه، فيرضخ لتقليل الإنتاج، مثلما يضطر إلى بيع منتجاته بأسعار معقولة، فيتم الانتقال من التبادل اللامتكافئ إلى تبادل متكافئ وتعاون متبادل المصالح بدل الاستغلال.
لكن هذه المسائل كلها تحتاج إلى إستراتيجية وتفكير عميقين لتجنب أي اصطدام عنيف بالغرب الرأسمالي، الذي سيعمل على إجهاض أية محاولة تهدد مصالحه، وتعيد النظر في النظام العالمي الحالي الذي وضعته القوى الاستعمارية في غياب شعوب العالم الثالث.
وبإقامة تعاون جنوب –جنوب وفك الارتباط بالرأسمالية العالمية، مثلما ذكرنا سابقا، نكون قد تخلصنا من الاستغلال الرأسمالي الغربي لعالم الجنوب، وأقمنا بذور نظام عالمي جديد خال من الاستغلال ومبنى على التعاون والإحترام .
لكن تحقيق ذلك كله يتطلب تحرير الدول في عالم الجنوب من سيطرة البرجوازيات التابعة والمرتبطة في مصالحها بالمركز الرأسمالي، وهذا هو الهدف مما طرحته في مختلف كتاباتي، ومنها هذا البديل الديمقراطي الذي أعطيت بعض ملامحه في هذه المقالة الإفتتاحية، حيث سيكون البرلمان السيد تمثيلي لكل شرائح المجتمع بسلطة قوية لحد إستخدامها الفيتو على كل قانون أو سياسات تمس بمصالح هذه الشرائح، وهو ما يعني في الأخير توجيه كل شيء لخدمة مصالحها الطبقية والمرتبطة بمناقضة الرأسمالية وأي إرتباط بها، وهو ما يجعل حتى البرجوازيات التابعة، ستضطر إلى التحول إلى برجوازيات تدور حول الذات، وتخدم الإقتصاد الوطني بدل خدمة مصالح إقتصاديات المركز الراسمالي، وكلما تحقق هذا النظام في دولة من الدول، ستضطر إلى الإلتحاق بهذا التكتل الإقتصادي العالم ثالثي الكبير الذي أشرنا إليه آنفا.


31 - التراث الديني العائق الأول لتحقيق الديمقراطية
amer nasser ( 2016 / 2 / 5 - 19:01 )
أرى ان عوائق تحقيق الديرمقراطية تكمن في التراث الديني الذي يحول دون بناء مواطنة تضمن الحقوق والواجبات والمساواة أمام القانون في الحياة وكل الحريات التي تضمن إنسانية الإنسان.فعندما تتنازل للإسلاميين في مقالك بأن النظام الديمقراطي لا يتنافى مع التاريخ والثقافة الإسلامية ،عندما تستشهد بالرسول والصحابة وكل أعداء حقوق الإنسان من جسن البنا الى ابن باديس .تكون قد وضعت نفسك في مفارقة وتناقض مع الديمقراطية .نحن بحاجة الى فكر جريء يخلصنا من هذا التراث الجاثم على مجتمعاتنا ويخلصنا من كل تلفيق بين الدين والديقراطية .فلن تنتصر الديمقراطية إلا بتطهير هذه المجتمعات من الفكر الديني الذي يسلب إنسانية الإنسان وأتحدى أي إنسان يدعي بأن الأديان تقر بالحريات والحقوق ولذلك تأسست الديمقراطية في ا,روبا بعد هزيمة الكنيسة ولن تجد حقوقا في الديمقراطية الليبرالية في امريكا مستوحاة من الدين.وأخيرا أقول أن عدو الديمقراطية الأول هو الدين لأنه عدو الحريات والحقوق التي تؤسس للإنسانية.
تحياتي أستاذ رابح لونيسي واصل جهدك من أجل التنوير


32 - رد الى: amer nasser
رابح لونيسي ( 2016 / 2 / 6 - 14:34 )
شكرا على تعليقك وإثارتك لهذه المسألة، وقد سبق أن تطرقنا إليها في ردودنا على تعليقات سابقة، يجب أن نوضح في البداية أننا لسنا في حرب لنتنازل أو نأخذ من هذا أو ذاك، فهدفنا هو كيفية تحقيق نظام ديمقراطي وإجتماعي في مجتمعاتنا، فلم نتنازل لأي كان، بل ما قلناه هو أن كل المجتمعات دون إستثناء عرفت مظاهر جنينية للديمقراطية في تاريخها، وأن هذه المظاهر ليست خاصة بالغرب، كما أن كل المجتمعات، عرفت لمئات السنين مظاهر إستبدادية بأشكال مختلفة، بما فيها الغرب الذي وصل اليوم إلى نظام ديمقراطي، لكنه ناقص، فهو في الحقيقة نوع من ديكتاتورية الطبقة البرجوازية بأسلوب ناعم، بل حتى المكاسب الإجتماعية التي عرفتها هذه المجتمعات، وتنازل بها الطبقات البرجوازية الحاكمة للعمال والطبقات المحرومة كانت مجرد تنازلات تكتيكية لإجهاض أي ثورة إجتماعية مستقبلية، وقد نبه البعض اليوم على بحث البعض من هذه الطبقات البرجوازية والرأسمالية في الغرب عن تبريرات للحد من الحريات، مادام لايوجد أي بديل سياسي وإجتماعي يهدد مصالحها بعد إنهيار المعسكر الشيوعي.
لايمكن لنا إطلاق الأحكام المطلقة، بأن كل الموروث الديني عدو للديمقراطية، وأننا يجب رميه كله، لقد عرفت أوروبا أنظمة إستبدادية بشعة في التاريخ المعاصر لاعلاقة لها بالدين إطلاقا مثل الفاشية والنازية، ثم لم تقم الديمقراطيات في الغرب على أساس العداء العنيف للدين، بإستثناء فرنسا، فلنسجل هذه الملاحظة جيدا، فالدول التي عرفت إنتشارا للبروتستناتية، تم فيها إنتقالا سلسا إلى الديمقراطية دون أن تطرح نقاشا حول المسألة الدينية مثل أنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية، وذلك على عكس البلدان والدول التي يغلب عليها الأرثوذكسية والكاثوليكية مثل فرنسا مثلا، أين قامت ثورتها في 1789 ضد النبلاء والكنيسة بسبب تحالف الكنيسة مع طبقة النبلاء والحكم الملكي المقدس، وكانت تبرر سلوكاتهم الإستعلالية والتمييزية دينيا، لكن رغم ذلك لم تتمكن فرنسا ذاتها أن تعلن وتسن قوانين العلمانية صراحة إلا في 1906، أوردت ذلك، كي أبين مسألة هامة جدا وقعت في الغرب، فلم تكن المسألة هو ضرب الدين لذاته، بقدر ماكانت تحرير الإنسان من سيطرة رجال الدين بفعل الإصلاحات الدينية التي قادها لوثر وكالفن وغيرهم، مما جعل بإمكانية أي مسيحي أن يقرأ الكتاب المقدس ويؤوله حسب فهمه، ولا ينتظر رجل الدين في ذلك، ولهذا تحرر هؤلاء من رجال الدين، ودخلوا في نظام ديمقراطي دون أن تثير المسألة الدينية أي عراقيل وعوائق، فما نريد قوله، هو ليس معاداة الدين في مجتمعاتنا، بل تحرير الإنسان من سيطرة رجال الدين، وكما كتبته في إحدى مقالتي، فإننا نحتاج إلى -بروتستانتية إسلامية-، وهذا لن يتم إلا بتطبيق أول أمر قرآني، وهو -إقرأ- بمفهومه الحقيقي، فبالتعليم العميق، يكتسب الإنسان روحا نقدية، ويصبح لا حاجة له إلى رجل الدين كي يفتي له، فيستغله من خلال ذلك، فيتحرر الإنسان نهائيا من رجل الدين الذي سيضعف تأثيره في المجتمع، فلا يتمكن أي كان من إستخدام الدين لتبرير الإستبداد والإستغلال وإقصاء مواطنين من حقوق المواطنة الكاملة، أي يصبح الدين فعلا مسألة شخصية، ليس فقط في مسألة العبادات، بل حتى في تأويلاته وفهمه دون أي تدخل من أي كان، وبتعبير آخر سيتحرر الإنسان من تأويلات رجال الدين للنصوص الدينية، لأن أغلبهم يأولون ذلك لخدمة مصالحهم الطبقية، فعندما يتحرر الإنسان عنهم، سيحدد هذا الأخير ممارساته وتأويلاته للدين إنطلاقا من مصالحه الطبقية هو، وليس مصالح بعض رجال الدين الذين يستغفلونه.
أن المعضلة التي نعاني منها هو كيف نواجه الإستبداد السياسي بإسم شعارات متعددة دون الوقوع في إستبداد آخر تحت غطاء ديني، وهو أبشع بكثير، لأنه سهل تبريره، فهل سنقوم بذلك بمحاربة كل الموروث الديني دون إستثناء، مما سيعطي قوة للمستبد بإسم الدين، ويضعف الفكر الديمقراطي وكل الديمقراطيين وتصويرهم لعامة الناس أنهم يحاربون الدين، أم سنوظف التراث الديني، ونستخرج منه الحزء العقلاني والمستنير منه، والذي بإمكاننا إستخدامه لتأصيل الديمقراطية وقيمها في مجتمعاتنا، وننطلق في ذلك كله من فكرة تعدد التأويلات للنصوص الدينية، ولا وجود لحقيقة مطلقة، فكل شيء نسبي، وإنطلاقا أيضا من إقناع الذين يعتقدون أن بإمكانهم إستخراج برامج حزبية من نصوص دينية، بأن النظام الديمقراطي لايقصيهم شريطة إحترامهم لكل آلياتها ومبادئها التي لا تتلخص فقط في الإنتخابات كما يعتقد البعض، ومنها قبولهم بشرط أساسي ويتمثل في عدم توظيف الدين في خطابهم وعملهم السياسي لامن قريب ولا من بعيد، وبأننا كلنا بإمكاننا توظيفه بما فيها للدعوة إلى العلمانية المتطرفة، لأن النصوص الدينية تحمل تأويلات عدة، ومن ثم يقتنع الجميع بالتخلص من هذا الصراع القاتل داخل المجتمع، والذي توظفه الأنظمة الإستبدادية الحالية بضرب هذا بذاك للإبقاء على الوضع كما هو بحكم أنه الحكم بين هذين الطرفين، وبتعبير آخر العمل بالحوار والنقاش على تشكيل ما أسماها محمد عابد الجابري ب-الكتلة التاريخية- لمواجهة الأنظمة الإستبدادية- بعد إتفاق الجميع على أن النظام الديمقراطي الحقيقي يعيش في ظله المتدين وغير المتدين، ويضمن الحريات للجميع شريطة إحترام الآخر والإلتزام بمبادئه كاملة.
يجب علينا قراءة ظاهرة النهظة والإصلاح الديني التي عرفتها مجتمعاتنا المعاصرة بداية بمحمد عبده والأفغاني بتمعن، فقد تمكن هؤلاء الإصلاحيين تحقيق خطوة جبارة نحو الحريات الديمقراطية، وقد ذكرت جوانب منها في المقالة الإفتتاحية، فالكثير من اللبيراليين في مصر كلطفي السيد وزغلول وغيرهم مثلا كانوا نتاج غصلاحات محمد عبده، ولو أستمرت تلك الإصلاحات، لكنا قد خطونا خطوات جبارة، لكنها تراجعت لعدة أسباب، ليس هنا مجال بحثها، لكنها ظاهرة تتكرر دائما في تاريخنا، فكل محاولة إصلاح وتطور للأمام تفشل بعد مدة، فتعود الافكار الظلامية والمتطرفة من جديد، اعتقد أن هذه الظاهرة تحتاج إلى بحث علمي معمق لمعرفة أسبابهان كي نتجنب عدم تكرارها.
لم أقل إطلاقا في مقالتي الإفتتاحية ولا في كتاباتي وجود ديمقراطية في التاريخ الإسلامي، بل هناك مظاهر جنينية، بل أطرح دائما سؤالا جوهريا، وهو كيف للمسلمين الذين يقرأون في القرآن الكريم أن آدم قد طرد من الجنة بسبب أكله للشجرة معتقدا أنه سيكون له بذلك الملك الذي لايبلى، ولم ينتبهوا إلى هذه الآية التي تقول أن مشكلة السلطة هي أكبر مشكلة للإنسان الذي يجب عليه حلها، لكنهم لم يفكروا في ذلك، بل برروا الإستبداد، وليس فقط ذلك، بل برروا وجود نظاما إستبداديا كسرويا، نقله وأستورده الأمويون من بلاد فارس، ولم يقل لهم أي كان آنذاك أنه إستيراد لسلوكات ومؤسسات غير مسلمين، فلنقم اليوم بإستيراد الآليات الديمقراطية التي تتماشى مصالح الشعوب، كما أستورد الأمويون بالأمس نظام بلاد فارس الكسروي الإستبدادين والذي كان ضد مصالح المسلمين.
فالتخلص من الفكر الديني المتطرف يحتاج إلى معارك على عدة جبهات فكرية وإقتصادية وسياسية، ويتمثل في جانبها الفكريي بضرب الجانب المظلم والتأويل الإنحطاطي للنصوص الدينية، وبالعمل في الجانب الإقتصادي من أجل فك الإرتباط بالرأسمالية العالمية التي هي أحد اسباب تخلفنا، والعمل على الصعيد السياسي بإقامة نظام ديمقراطي، وذلك بإيجاد آليات، لا تقصي أي كان، بما فيهم الذين يعتقدون بأنه بالإمكان إستخراج برامج سياسية وإقتصادية من نصوص دينية، لكن شريطة عدم إستغلالهم الدين في عملهم السياسي، فبذلك نتطور تدريجيا وبمرور الزمن، لأن أي إقصاء، سيعطي لهم ذريعة نشر هذه الفكرة، وهذا السلاح الفتاك الذي يستخدمونه، وينشرونه بدعم من الأنظمة الإستبدادية، وهي إشاعتهم أكذوبة أن الديمقراطيين يحاربون الشعب في دينه.


33 - االاسلام والديكتاتورية تحالف ازلي
tamara Ahmad ( 2016 / 2 / 6 - 07:31 )
تحية طيبة استاذ رابح مازال المواطن العربي الى اليوم يهرب الى اوروبا لطلب اللجو هربا من حروب داعش في سوريا والعراق وسقوط ديكتاتوريا تهم سواء في تونس ومصر

الديكتاتوريات في الدول العربية لاتعرف الديمقراطية لنعترف اولا بهذه الحقيقة ولهذا مازال المواطن العربي يهرب لاوروبا حتى الشاب العربي يتزوج بمراة بعمر والدت مقيمة في الغرب للحصول على اقامة وجنسية اوربة
رجال الدين دوما هم المحكمون في الحكم في الدول العربي والاسلام دين الديكتاتوري والعنف والقتل والنتيجة انشباب الجاليات المسلمة ي فرنسا وبلجيكا وكوبنهاكن وبرلين يقومون بعمليات ارهابية وقتل ابناء لوطن الذي اعطاهم اامة واحتضنه بالكرامة
زسؤالي لماذا يحثد المسلمون على ابناء الغربرغم الامتيازات التي ناضلوا للوصول الى اوربا وحصلوا عليها
اليك مني كل التقدير


34 - رد الى: tamara Ahmad
رابح لونيسي ( 2016 / 2 / 6 - 14:39 )
شكرا على إشارتك إلى هذه المفارقة، حيث يهرب الكثير من الإستبداد والإستغلال في بلدانهم إلى مايرونه رفاهية وعدلا وحريات في الغرب، لكن البعض من هؤلاء يسعون لفرض بعض طروحاتهم على المجتمع الغربي، ويقومون بممارسات غير حضارية، بل إرهابية كما تقول، طبعا لا أحد له الجرأة أن يقول أن ما يعيشه الغرب اليوم بسبب بعض هؤلاء المهاجرين هي ظاهرة عرفتها حتى الحضارة الإسلامية في أوج قوتها، وكانت أحد أسباب إنهيارها، وعرفت الحضارة الصينية نفس الظاهرة، فلنعط مثالا من تاريخ الحضارة الإسلامية في بلادنا المغاربية، فعندما كانت في أوجها، بدأت ما يسمى ب-الهجرات الهلالية-، والتي هي محدودة العدد، وكان سبب هجراتها إلى بلادنا هو البحث عن القوت و الأمن لا أكثر و لاأقل، لكن رغم قلة ومحدودية عدد هؤلاء المهاجرين، إلا أنهم حطموا كل الحضارة التي أقامها أجدادنا آنذاك بسبب سلوكاتهم وممارساتهم الغير حضارية، والتي تحدث عنها أبن خلدون، ولازالت بلداننا المغاربية إلى حد اليوم تعاني من ذلك، ونفس الظاهرة عرفتها الصين من هجرات الشعوب المجاورة لها بحثا عن الرفاهية، مما دفع الصينيين إلى إقامة جدار الصين العظيم للحد منها، ويبدو أنه نفس الظاهرة تتكرر اليوم في الغرب، فقد كان للأسف لبعض مهاجرينا دورا سلبيا في هذه البلاد رغم إستقبالها لهم، وهو ما أعطى فرصة للمتطرفين في أوروبا، وكذلك للحركة الصهيونية التي تستغل ذلك لعرقلة نشاطات المتنورين من العرب والمسلمين لخدمة قضايانا العادلة ومصالح دولنا داخل هذه الدول، كما تفعل اللوبيات الصهيونية التي تخدم إسرائيل.
طبعا أنا لا أذهب هذا المنحى الإختزالي، بأن الإرهاب وداعش أنشأتها القوى الغربية لخدمة مصالحها الإستراتيجية، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية بهدف ضرب إستقرار بلداننا لخدمة الهدف الصهيوني في ضرب النظام الإقليمي العربي، ولإقلاق الأمن الإستراتيجي لشمال المتوسط وأوروبا التي تراها امريكا منافسة لها على الزعامة العالمية، لكن لا ننفي إطلاقا عدم وجود يد غربية، خاصة الأمريكية في ذلك، لكن السؤال الذي يجب أن نطرحه فعلا هو : من الذي سمح لهذه القوى بإنشاء هذه الجماعات؟، أعتقد أنها وجدت أرضية أيديولوجية سهلت لهم تحقيق ذلك، لهذا يجب أن نضع في أذهاننا أنه لمواجهة هذا الفكر الإرهابي المتطرف، نحتاج إلى ضرب أسسه الأيديولوجية، وذلك في المدرسة والإعلام ودور العبادة، لكن هذا لايكفي، فالغرب أيضا له جزء من المسؤولية في ذلك، فالكثير من هذه الممارسات المتطرفة هي نتيجة أيضا للإستغلال الرأسمالي وللعولمة الرأسمالية لبلداننا الناتج عن ربط الإستعمار لإقتصادياتنا بالإقتصاد الرأسمالي الغربي، وهو ما يجعل البعض من هؤلاء المتطرفين، ينظرون إلى رفاهية الغرب كنتيجة لإستغلالنا وإستعمارنا، وهذا هو ما يدفعنا إلى الحديث عن ضرورة فك الإرتباط بهذه الرأسمالية كأسلوب أيضا لمحاربة هذا التطرف، وقد تطرقت إلى ذلك في ردود على تعليقات سابقة، فالمركز الرأسمالي في الغرب، يتحمل جزء من المسؤولية في ذلك، فعليه أن يساهم في تصحيح هذه الإختلالات الإقتصادية والإجتماعية الذي كان وراءها في فترات تاريخية، ولازالت مستمرة إلى حد اليوم.


35 - يصدق قول المسلم المتدين أن الديمقراطية كفر
amer nasser ( 2016 / 2 / 6 - 15:04 )
لم يكن فيرباخ ولا ماركس ولا نيتشه ولا فرويد أبناء المجتمع الكاثوليكي .كل واحد عمل على تطهير العقل الألماني من التراث الديني . أما المجتمع البريطاني والأمريكي فساعدتهما الضربة القاضية التي تلقتها الكاثوليكية على يد البروتستانتية الأنكلوكانية
كل العذر معك يا أستاذ لأنك لن تتمكن من مهاجمة الدين في هذه المجتمعات المتوحشة عالمها على بلحاج مكفر الديقراطيين. فهذه الشعوب لم تصل بعد إلى الانسانية حيث التربة الخصبة للديمقراطية.


36 - رد الى: amer nasser
رابح لونيسي ( 2016 / 2 / 6 - 18:16 )
يجب أن نميز بين الدين وإستغلال الدين وتوظيفه، وهل تعتقد أن شعوبنا ستصبح ديمقراطية بمهاجمة الدين؟، وهو ما يعني في الأخير مساسا بعواطف الناس ومعتقداتهم، مما يفقد المتدينين التفكير العقلي، ولن يكن رد فعلهم إلا التطرف أكثر، وهو مايدعم في الأخير النظام الإستبدادي الذي سيستغلونهم ضدك وضد كل القوى الديمقراطية، وهذا ما هو واقع للأسف في مجتمعاتنا بسبب تصرفات أقلية محسوبة على هذه القوى الديمقراطية، لكنها في الحقيقة تساهم في تشويهها وإضعافها أكثر من خدمتها، أن معركة الديمقراطية ليست مع الأديان ومعتقدات الشعوب، بل معركتها هي ضد الإستبداد بكل أشكاله، فالديمقراطية تفرض على الجميع إحترام الآخر بغض النظر عن معتقداته أو قناعاته أو ثقافته وغيرها، فمن مهام الديمقراطيين في مجتمعاتنا اليوم هو التفكير في إيجاد نظام سياسي، وبتعبير آخر إيجاد صيغة أو وصفة مثلى، لا تنتقص من حقوق المواطنة الكاملة لأي كان في المجتمع، فمقاربتك لاتخدم بناء مجتمع ونظام ديمقراطي، لأن الديمقراطية أصلا، لاتحارب الأديان، بل يمكن أن نجد الكثير جدا من الديمقراطيين أو العلمانيين، لكنهم متدينين، ويعتبرون ذلك مسألة شخصية، وحتى العلمانية لاتحارب الأديان، بل تحميها من الإستغلال والتوظيف السياسوي، وتحمي الجميع مهما كانت معتقداتهم أو دينهم، وتقف الدولة موقفا محايدا من كل الأديان والمعتقدات، وتضعها كلها على نفس المسافة، فمعركة الديمقراطيين هي ضد أعداءها من كل الأطراف سواء كانت بإسم الدين أو أي إسم أو غطاء آخر، فليكن موقف الديمقراطي ضد إستغلال الدين وضرورة إبعاده من كل النقاشات السياسية، لكن هذا لايخص فقط الذي يستغل الدين لتخدير الشعوب، بل يخص أيضا الذي يسخر منها، لأنه لايحترم الآخر، ويدفع بسلوكه إلى ردود فعل متطرفة في المجتمع، وأركز على فعل -يسخر-، كي لايفهم أن ماقلناه هو دعوة منا للمساس بحرية تناول الأديان وكل مايتعلق بها في النقاشات الفكرية والأكاديمية، يجب العمل من أجل غرس الذهنية والثقافة الديمقراطية في مجتمعاتنا، وذلك كله بهدف عزل المتطرفين، وهم موجودون أيضا في المجتمعات الديمقراطية، لكن دون أي تأثير يذكر لهم، لأن المجتمع ذاته، يحمي الديمقراطية والحريات ضد هؤلاء، وهذا مايجب الوصول إليه في مجتمعاتنا.


37 - تحياتي الأستاذ رابح لونيسي
ماهر عدنان قنديل ( 2016 / 2 / 6 - 21:46 )
تحياتي مرة رابعة الأستاذ رابح لونيسي، لاحظت في مقدمتك الأستاذ لونيسي أنك تدعو لتجاوز حوارات الحرب الباردة ونقاشات من الأولى الحريات أم العدالة الإجتماعية.. أنا أوافقك في ذلك تماماً.. حالياً لاحظنا تطبيق بعض الدول خاصة الإسكندينافية وفي بعض الدول الأخرى كفرنسا مثلاً النظام -الديمقراطي الإجتماعي- من خلال المحاولة في المزج بين العدالة الإقتصادية من خلال الإقتصاد المختلط المرتكز على نظرية -كينز- الذي يدخل الدولة في المنافسة الإقتصادية لتحديد نوعاً ما عدالة في توزيع الثروات.. ومن ناحية أخرى في الجانب الإجتماعي محاولة تطبيق العدالة الإجتماعية والتضامن الإجتماعي والمساواة التي لا تقتصر على القانون فقط بل بتحقيق كل مظاهر العدالة من مساواة في التنمية والسياسات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية من خلال توفير الفرص للجميع.. كل هذا مع الحفاظ على الحريات والليبيرالية السياسية..


38 - رد الى: ماهر عدنان قنديل
رابح لونيسي ( 2016 / 2 / 7 - 15:39 )
شكرا جزيلا على إشارتك لهذا النموذج في البلدان الإسكندنافية، أعتقد أن سياسيي هذه البلدان، قد أعادوا للسياسة مفهومها النبيل الذي ساد أثينا في القديم، والتي تعني في أصلها تسيير فعال لشؤون المدينة من أجل سعادة الإنسان، فهذه الدول أعتمدت البرغماتية التي تأخذ بكل ماهو فعال ومفيد للإنسان، وتجاوزت كل إنغلاق أيديولوجي، فلم تر أي مانع في الأخذ بالأحسن في كل الأنظمة وإبعاد كل ما هو سلبي فيها، فلهذا تمكنوا من من إيجاد ميكانيزمات لإقتصاد فعال، لكن في خدمة كل أعضاء المجتمع، وليس لخدمة طبقة معينة، لكن للأسف، فقلما نتوجه إلى هذه النماذج للإستفادة منها، فكل نظرتنا موجهة إلى فرنسا وأمريكا وبريطانيا، كما سمعنا البعض يتحدثون مؤخرا عن النموذج الصيني، ويدافعون عنه إلا لتبرير الأحادية كشرط لتحقيق النمو الإقتصادي، ويدخلون إلتباسات خطيرة بين الأحادية والدكتاتورية من جهة وبين الإنضباط والعمل من جهة أخرى، وكأن الأنظمة الديمقراطية لا يسودها إنضباط وعمل متناسين أن القانون هو الذي يحدد كل العلاقات، بما فيها قوانين العمل التي تطبق بصرامة فيها.
قد حاولت في العديد من أعمالي طرح صيغة تنظيمية توفق بين الإقتصاد التنافسي من جهة والإبقاء على الملكية جماعية في يد العمال، ويستفيدون بشكل كامل من مجهودهم وعملهم، فأقترحت تنظيما جديدا للمؤسسة الإقتصادية التي تمول من بنوك أو حتى من رجال مال، ويكون نوع من شراكة بين العمال من جهة والممولين من جهة أخرى، وتستند على تقاسم الأرباح بنسب محددة بين كل الأطراف، فإن ربحت المؤسسة تقسم الأرباح بين العمال، كما يأخذ الممولون جزء منها، وبهذا الشكل تكون المنافسة بين مختلف المؤسسات والشركات العمومية بكل حرية، وبنفس الشكل التنافسي بين الملاك في النظام الرأسمالي، لكن الفرق إستفادة المالك من الأرباح في النظام الرأسمالي، ويكتفي بإعطاء أجور حديدية للعمال، وغالبا ماتكون ضئيلة بفعل تهديدهم بالجيش الإحتياطي للعمال، وهو ما أعتبره إستعباد، وبأن الفرق بين الأجير والعبد هو أن العبد يوفر له سيده كل مايراه ضروريا لتجديد طاقة عمله، أما الأجير في النظام الرأسمالي، فإن المالك يعطيه أجرا، ويتصرف فيه بشكل، يسمح له بتجديد طاقته للعمل، لكن في التنظييم الإقتصادي الذي طرحته بوضوح، خاصة في كتابي -النظام البديل للإستبداد-، فقد قلت بإستفادة العامل بكل مجهودات عمله، أي يأخذ الأرباح حسب عمله وإنتاجه، لأن المؤسسة ملكيته، لكن بعد ما يدفع الظرائب وجزء منها لتجديد الآلات، وجزء آخر لتمويل إنشاء شركات إقتصادية أخرى، طبعا لايمكن لنا تفصيل ذلك كله في تعليقنا هذا، فقد أشرت فقط إلى بعض ملامح الفكرة .
لكن للأسف فإن مجتمعاتنا لاتهتم بما يطرح من أفكار، لأنها مجتمعات طفولية، فهي في أغلبيتها تنتخب على كل من يرفع شعارات -الإسلام هو الحل- أو شعار -الدولة الإسلامية-، ولاتعلم أنها مجرد شعارات فارغة دون أي مضمون سياسي وإقتصادي وإجتماعي، فأغلب مايطرحونه أصحاب هذه الشعارات هو إقتصاد البازار، الذي يخدم المستوردين لسلع ومنتجات الشركات الرأسمالية في الغرب، ثم إعادة تسويقها بواسطة شبكات طفيلية، مما يدمر الإقتصاديات الوطنية، فيخلق جيش من البطالين مقابل خدمة هؤلاء المستوردين للشركات الرأسمالية العالمية، ويربطون بذلك دولنا أكثر بالمركز الرأسمالي الغربي الذي يدعون أنهم ضده، لكن هم أكبر خدامه، كما يطرحون أيضا مسائل لا علاقة لها بتحسين حياة المواطن، ويركزون اكثر على القضايا التي تخص الحياة الشخصية للمواطن، مستهفدفة الحد من حرياته وتقييدها، فضاعت في خضم ذلك كله الأفكار الإقتصادية البناءة لتحرير شعوبنا وفك الإرتباط بالمركز الرأسمالي، الذي يعد أحد أسباب مأساتنا الإقتصادية والإجتماعية، بل يعد أيضا أحد الأسباب الغير مباشرة لإنتشار الفكر الظلامي والإرهاب والتطرف الديني في مجتمعاتنا.


39 - قول على قول على قول 1
عبد القادر أنيس ( 2016 / 2 / 7 - 11:09 )
في ردك، سيدي، رقم 36، على ملاحظة السيد عامر ناصر، أجد ألغاما كثيرة، بحاجة إلى تفكيك، وأرجو أن يتسع صدرها لإلحاحي على مناقشتها:
في قولك: (يجب أن نميز بين الدين وإستغلال الدين وتوظيفه)، فهل الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، مثلا، هي من قبيل استغلال الدين وتوظيفه، خاصة إذا علمنا أن هذا التطبيق يمس حتما بأسس التعايش الإنسانية والمواطنة والديمقراطية والحريات والمساواة بين المواطنين المختلفين جنسا ودينا ومذهبا؟ هل يجب أن نقف ضد دعاة تطبيق الشريعة وحينها سيكون من السهل عليهم أن يثبتوا للعامة أن وقوفنا هذا الموقف هو ضد الدين؟ اقرأ معي إذن قول القرضاوي: (إن هذا المسلم الذي يقبل العلمانية أو يدعو إليها -وإن لم يكن ملحدا يجحد وجود الله تعالى وينكر الوحي والدار الآخرة - قد تنتهي به علمانيته إلى الكفر البواح، والعياذ بالله، إذا أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة مثل تحريم الربا أو الزنا أو شرب الخمر أو فريضة الزكاة أو إقامة الحدود أو غير ذلك من القطعيات التي أجمعت عليها الأمة وثبتت بالتواتر اليقيني الذي لا ريب فيه. بل إن العلماني الذي يرفض -مبدأ- تحكيم الشريعة من الأساس ليس له من الإسلام إلا اسمه، وهو مرتد عن الإسلام بيقين). (من كتابه: الإسلام والعلمانية وجها لوجه).
وطبعا لا يصح أن نقول بأن القرضاوي لا يعرف ما هو الإسلام.
وفي تساؤلك: (وهل تعتقد أن شعوبنا ستصبح ديمقراطية بمهاجمة الدين؟). المشكل هنا أن الدين هو الذي يهاجم الديمقراطية وليس العكس. الديمقراطية تقتضي المواطنة التي تعني تساوي جميع المواطنين مهما اختلفوا دينا وجنسا ومذهبا، بينما الدين يفرق بين الناس على أسس دينية (مسلم وغير مسلم) وجنسية (بين المرأة والرجل) ومذهبية، بين المسلم السني والشيعي مثلا، بل وينفي كل حق للملحد، بل تكفر الفرق الإسلامية بعضها بعضا بناء على نصوص دينية واضحة (الفرقة الناجية) . الديمقراطية تقتضي المساواة بين المواطنين فهل الدين يقبل؟ الديمقراطية تقتضي أن يتمتع الإنسان بحريات كثيرة لا يقبلها الدين: حرية المعتقد، حرية التعبير بما يخالف معلوم الدين بالضرورة، حرية الإبداع، حرية البحث والشك وتقديم فرضيات تناقض العلم..... الخ.
وفي قولك: (وهو ما يعني في الأخير مساسا بعواطف الناس ومعتقداتهم، مما يفقد المتدينين التفكير العقلي، ولن يكن رد فعلهم إلا التطرف أكثر)،
لو راعينا عواطف الناس لما تحركنا. بوسعي أن أعدد لك الكثير من مستلزمات المواطنة يكون المطالبة بتحقيق مساسا بعواطف الناس: في الجزائر مثلا، مُسَّتْ عواطف الناس عندما خرجت المرأة للتعليم ثم للعمل، ثم كلفت بمسؤوليات، مثل القضاء وغيره (لا يفلح قومٌ تولت أمورَهم امرأة)، بل حتى المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات: في الزواج، في الطلاق، في الميراث، في الأهلية، بل حتى في الخروج والتعليم والسفور وعدم التحجب مساس بعواطف الناس. بل حتى تفسير ظاهرة الجفاف في أيامنا علميا يعده الناس مساسا بعواطفهم عندما تقول لهم بأن الجفاف لا علاقة له بغضب الله، وأن هناك قوانين طبيعية صارمة يجب فهمها وتوظيفها. في البويرة مؤخرا، وقبلها في أماكن كثيرة من الجزائر، شعر الناس بأن عواطفهم الدينية مست لأن هناك ملهى في ناحيتهم أو مطعما أو متجر يقدم الخمور. والقائمة تطول..
في قولك: (وهو ما يدعم في الأخير النظام الإستبدادي الذي سيستغلهم ضدك وضد كل القوى الديمقراطية، وهذا ما هو واقع للأسف في مجتمعاتنا بسبب تصرفات أقلية محسوبة على هذه القوى الديمقراطية، لكنها في الحقيقة تساهم في تشويهها وإضعافها أكثر من خدمتها).
النظام الاستبدادي، يا سيدي، لا يتدعم بنقد الدين، بل بالعكس، يتدعم بالسكوت وترك الجماهير نهشا للجهالة والتبعية العمياء للدين ولرجاله، وعندما أتحدث عن الجماهير فأنا أقصد على الأقل النخب المتعلمة خاصة طلبة الجامعات وأساتذتها الذين انساقوا زرافات ووحدانا وراء الإسلاميين أعداء الديمقراطية. لاحظ سيدي أن الناس عندنا انتخبوا سنة 1991 وبالأغلبية على حزب يكفر الديمقراطية والحريات، مع أن الأحزاب المنافسة لم تكن تنتقد الدين. الناس انتخبوا الأصولية لأن النخب المتعلمة الواجب عليها تحذيرهم صمتت ولم تكشف لهم زيف الحلول الدينية أو هي أصلا عاجزة عن فهم حقيقة الأمر، وهي في حاجة إلى التنوير قبل العامة.
يتبع لطفا


40 - رد الى: عبد القادر أنيس
رابح لونيسي ( 2016 / 2 / 8 - 13:05 )
شكرا على العودة إلى هذا الموضوع وإستفاضتك في إعطاء أمثلة عديدة عن إستغلال الدين لأهداف سياسوية، ولطرحك مسألة تكفير هؤلاء لمعارضيهم، وبسبب هذه الإستفاضة التي جاءت في تعليقين39و41، وأنا اشكرك عليها، لأنك سهلت علي المهمة كثيرا، وأستسمحك أن أجيب على تعليقيك بتعليق واحد فقط، كما أحيلك على ردودي على عدة تعليقات تطرقت إلى نفس المسألة، لكن أعتقد أن هناك سوء تفاهم فيما بيننا في المفاهيم، فأنا متفق معك في كل ماطرحته، وعندما أقول منع إستغلال الدين وتوظيفه هو إشارة إلى كل ما يتعلق بالدين ورموزه سواء من قريب أو بعيد، فكل ما أتيت به من أمثلة هو إستغلال فاضح للدين، إضافة إلى طرحك مسألة التكفير التي يمارسها هؤلاء ضد معارضيهم، بل يدخلون إلتباسات عمدا في المفاهيم، ولهذا طرحت في مقالتي الإفتتاحية علاقة نجاح الديمقراطية بالدولة القوية التي يجب أن تكون صارمة في تنفيذ القوانين، ومنها ضرورة إستصدار قوانين تعاقب بشدة إستغلال الدين في العمل السياسي، وكذلك معاقبة كل تكفيري أو عنصري أو كل إنسان يقوم بالتمييز بين المواطنين على أي أساس كان، ولست بحاجة لتذكيرك بالقاعدة الأساسية في الأنظمة الديمقراطية، وهي معاقبة القانون لكل من يمس بالحريات الشخصية والجماعية، فأنت تعلم جيدا أننا نتعرض كلنا إلى التشويه والتكفير من هؤلاء، فهؤلاء كفروا أغلب المجتمع الجزائري في التسعينيات، إلا لأنه رفض القبول والرضوخ لممارساتهم وتأويلاتهم الدينية الإنحطاطية والمتخلفة، أشرت في رد على أحد تعليقات ناصر عامر رقم 32 بالقول أن العمل يجب أن ينصب على تحرير الإنسان من سيطرة وتأثير رجال الدين، وكذلك بفتح حريات النقاش الفكرية والأكاديمية، فبذلك يتم عزل هؤلاء وإبقائهم كأقلية متطرفة في المجتمع، فمثلا طرحت مسألة مايسمونها ب-الشريعة الإسلامية-، فأي دعوة إلى تطبيق ذلك معناه توظيف وإستغلال للدين وإعطاء قداسة دينية لمطالب سياسية، وقد أشرت في مقالتي الإفتتاحية إلى أن الشريعة هي مجرد قوانين وضعية من صنع ما يسمونهم ب-الفقهاء- مستندين على تأويلاتهم للنصوص الدينية، والتي تتحكم فيها عدة عوامل، لكن ما أحذر منه هو إستخدام الأساليب الإستفزازية الطفولية الغير مجدية وغير العقلانية عند مواجهة طروحات هذه التيارات، فيجب أن يسود النقاش معهم على أساس الطرح العقلاني ويستهدف تنوير المجتمع وتحريره من هؤلاء، فأنت تعلم أن أي نقاش بين طرفين كما وقع مثلا بين القرضاوي وفؤاد زكريا في مصر هو نقاش عقيم، لأن الحضور لم يأت بعقله، بل أتى بعاطفته كمناصر، ولهذا يجب العمل على تنوير فكري وغرس روح النقد في كل الأماكن الممكنة، طبعا المسألة معقدة جدا بسبب الدعم الذي يلقونه المتطرفين الدينيين من الأنظمة الإستبدادية، لأنهم يخدمونهم بشكل أو بآخر، لكن لاتكفي المجابهة الفكرية لهؤلاء المتطرفين، بل نحتاج أيضا إلى مجابهة إقتصادية وإجتماعية ونفسية، لأن أيضا العولمة الرأسمالية تتحمل جزء من المسؤولية في إنتاج هذا التطرف.


41 - قول على قول على قول 2
عبد القادر أنيس ( 2016 / 2 / 7 - 11:09 )
قولك بـ: (أن معركة الديمقراطية ليست مع الأديان ومعتقدات الشعوب، بل معركتها هي ضد الإستبداد بكل أشكاله، فالديمقراطية تفرض على الجميع إحترام الآخر بغض النظر عن معتقداته أو قناعاته أو ثقافته وغيرها)
بل العكس تماما هو الصحيح. معركة الديمقراطية هي اليوم مع الأديان ومعتقدات الشعوب لأنها جزءا لا يتجرأ ترسانة الاستبداد. طبعا على من يخوض هذه المعركة أن يختار الطرق والظروف المناسبة، فما يقال في الجامعات يختلف عما يقال في محل الحلاقة، لكنه مجبر على خوضها بما يتاح له. الدين يُسَخَّر، اليوم، بنصوصه الصحيحة والمفبركة لتشكيك الناس بالعلم وبمنجزات الحداثة الإنسانية، فهل يجب أن نكشف الزيف الكامن في النصوص أم نتوخى الحذر ونقول للناس بأن هذا ليس من الدين وأن الدين بريء، وأن المشكل في رجال الدين الذين يسيئون فهمه لتتواصل هذه الحلقة المفرغة إلى الأبد.
في قولك: (فمن مهام الديمقراطيين في مجتمعاتنا اليوم هو التفكير في إيجاد نظام سياسي، وبتعبير آخر إيجاد صيغة أو وصفة مثلى، لا تنتقص من حقوق المواطنة الكاملة لأي كان في المجتمع)
وهذا صحيح مائة بالمائة، ولكنه لن يتم إلا بتحييد الدين وجعله مسألة خاصة بين الفرد ومعبوده.
قولك: (فمقاربتك لا تخدم بناء مجتمع ونظام ديمقراطي، لأن الديمقراطية أصلا، لا تحارب الأديان، بل يمكن أن نجد الكثير جدا من الديمقراطيين أو العلمانيين، لكنهم متدينين).
هؤلاء الديمقراطيون والعلمانيون هم في نظر رجال الدين، بل في نظر الدين، كما قال القرضاوي، كفار. فما العمل؟ هل نواصل التراشق بالآيات والأحاديث ونصارع فس ساحة رجال الدين التي هم أشطر من يلعب فيها، أم نضرب في العمق، في عمق الأسس الدينية التي يستند إليها القرضاوي وأمثاله ونبين للناس تناقضاتها وخرافاتها، بل وهمجيتها.
قولك: (وحتى العلمانية لا تحارب الأديان)،
صحيح، ولكن في حالة ما إذا توقفت الأديان عن محاربة العلمانية وقبلت بشروط العيش المشترك الحديثة، لكن ما العمل إذا أصرت الأديان على محاربة العلمانية عندنا ووجدت، كما هو الواقع، في نصوص الدين مبتغاها؟
في قولك: (وتقف الدولة موقفا محايدا من كل الأديان والمعتقدات، وتضعها كلها على نفس المسافة)،
هذا يكون صحيح في حالة واحدة فقط، عندما تقبل الأديان ومؤسساتها بالدولة الديمقراطية العلمانية وتتوقف عن التدخل في شؤون الناس وتتركهم أحرارا في ممارسة أو عدم ممارسة معتقداتهم. ما العمل في الحالة العكسية؟ ما هو واجب الدولة الديمقراطية إذا حرص رجال الدين على تأدية أدوارهم الرجعية وتحريض أتباعهم ضد الحريات والأحرار وبث الشكوك في الحلول العصرية، وتأييد الإرهاب؟
تحياتي


42 - رد الى: عبد القادر أنيس
رابح لونيسي ( 2016 / 2 / 7 - 17:47 )
شكرا على العودة إلى هذا الموضوع وإستفاضتك في إعطاء أمثلة عديدة عن إستغلال الدين لأهداف سياسوية، ولطرحك مسألة تكفير هؤلاء لمعارضيهم، وبسبب هذه الإستفاضة التي جاءت في تعليقين39و41، وأنا اشكرك عليها، لأنك سهلت علي المهمة كثيرا، وأستسمحك أن أجيب على تعليقيك بتعليق واحد فقط، كما أحيلك على ردودي على عدة تعليقات تطرقت إلى نفس المسألة، لكن أعتقد أن هناك سوء تفاهم فيما بيننا في المفاهيم، فأنا متفق معك في كل ماطرحته، وعندما أقول منع إستغلال الدين وتوظيفه هو إشارة إلى كل ما يتعلق بالدين ورموزه سواء من قريب أو بعيد، فكل ما أتيت به من أمثلة هو إستغلال فاضح للدين، إضافة إلى طرحك مسألة التكفير التي يمارسها هؤلاء ضد معارضيهم، بل يدخلون إلتباسات عمدا في المفاهيم، ولهذا طرحت في مقالتي الإفتتاحية علاقة نجاح الديمقراطية بالدولة القوية التي يجب أن تكون صارمة في تنفيذ القوانين، ومنها ضرورة إستصدار قوانين تعاقب بشدة إستغلال الدين في العمل السياسي، وكذلك معاقبة كل تكفيري أو عنصري أو كل إنسان يقوم بالتمييز بين المواطنين على أي أساس كان، ولست بحاجة لتذكيرك بالقاعدة الأساسية في الأنظمة الديمقراطية، وهي معاقبة القانون لكل من يمس بالحريات الشخصية والجماعية، فأنت تعلم جيدا أننا نتعرض كلنا إلى التشويه والتكفير من هؤلاء، فهؤلاء كفروا أغلب المجتمع الجزائري في التسعينيات، إلا لأنه رفض القبول والرضوخ لممارساتهم وتأويلاتهم الدينية الإنحطاطية والمتخلفة، أشرت في رد على أحد تعليقات ناصر عامر رقم 32 بالقول أن العمل يجب أن ينصب على تحرير الإنسان من سيطرة وتأثير رجال الدين، وكذلك بفتح حريات النقاش الفكرية والأكاديمية، فبذلك يتم عزل هؤلاء وإبقائهم كأقلية متطرفة في المجتمع، فمثلا طرحت مسألة مايسمونها ب-الشريعة الإسلامية-، فأي دعوة إلى تطبيق ذلك معناه توظيف وإستغلال للدين وإعطاء قداسة دينية لمطالب سياسية، وقد أشرت في مقالتي الإفتتاحية إلى أن الشريعة هي مجرد قوانين وضعية من صنع ما يسمونهم ب-الفقهاء- مستندين على تأويلاتهم للنصوص الدينية، والتي تتحكم فيها عدة عوامل، لكن ما أحذر منه هو إستخدام الأساليب الإستفزازية الطفولية الغير مجدية وغير العقلانية عند مواجهة طروحات هذه التيارات، فيجب أن يسود النقاش معهم على أساس الطرح العقلاني ويستهدف تنوير المجتمع وتحريره من هؤلاء، فأنت تعلم أن أي نقاش بين طرفين كما وقع مثلا بين القرضاوي وفؤاد زكريا في مصر هو نقاش عقيم، لأن الحضور لم يأت بعقله، بل أتى بعاطفته كمناصر، ولهذا يجب العمل على تنوير فكري وغرس روح النقد في كل الأماكن الممكنة، طبعا المسألة معقدة جدا بسبب الدعم الذي يلقونه المتطرفين الدينيين من الأنظمة الإستبدادية، لأنهم يخدمونهم بشكل أو بآخر، لكن لاتكفي المجابهة الفكرية لهؤلاء المتطرفين، بل نحتاج أيضا إلى مجابهة إقتصادية وإجتماعية ونفسية، لأن أيضا العولمة الرأسمالية تتحمل جزء من المسؤولية في إنتاج هذا التطرف.


43 - عندما يعجز الأساتذة والمتعلمون عن فهم دورهم التاري
salah amine ( 2016 / 2 / 7 - 18:11 )
عندما يعجز الأساتذة والمتعلمون عن فهم دورهم التاريخي في تثقيف الشعوب على أسس عصرية وديموقراطية، وعلى أسس التفكير العلمي الصحيح، فلا فائدة تُرجى من هذه الفئة التي تعيش على حساب جهل شعوبها المنغمسة في أحضان فكر ديني خرافي..


44 - رد الى: salah amine
رابح لونيسي ( 2016 / 2 / 7 - 20:55 )
شكرا لك على طرحك هذا المشكل الكبير الذي تعيشه مجتمعاتنا، فرغم إنتشار التعليم بشكل واسع، لكن أنتشر معه في نفس الوقت مانسميه ب-الجهل المركب والمقدس-بواسطة الأدوات الأيديولوجية التي سيطرت عليها الأنظمة المستبدة، فقتلت كل روح نقدية لدى المتعلمين، فلاتستغرب إن قلت لك أن أكبر خطر يهدد الأمة، ليس الأمية، بل هو -الجهل المركب والمقدس- الذي يغرس في المدرسة وبواسطة وسائل الإعلام، فالكثير من المتعلمين يقرأون، لكن لا يمتلكون روح النقد، فيصدقون كل مايقال لهم، خاصة إن كان مغلفا بالدين، مما يعطي تلك المقولات الزائفة والكاذبة نوعا من القداسة، فمقاومة ذلك معقد جدا على عكس مواجهتها عند الأمي الذي لايعرف القراءة، لأن القيام بذلك مع بعض المتعلمين يحتاج إلى عدة عمليات صعبة جدا، ويأتي على رأسها منها تحرير هذا الفرد المتعلم ذاته، مما تلقاه على يد الأدوات الأيديولوجية للإستبداد من أكاذيب مغطاة بالدين.
صحيح من المفروض أن يكون المثقف ضمير المجتمع والمدافع عنه، لكن ماذا سيفعل هذا المثقف إذا لاحظ بأن جزء كبير من هذا المجتمع قد أنتشرت في صفوفه أفكارا مميتة يستغلها المستبد والإستغلالي للحفاظ على مصالحهما نتيجة إنعدام الروح النقدية بسبب هذه الألة الأيديولوجية التي أشرنا إليها آنفا؟، فهل سيساير المثقف عواطف المجتمع، كي يرضى عنه أم يصارحه ويصدحه بالحقيقة؟، فمن السهل جدا مسايرة الأغلبية أو إرضاء السلطة، لكن لايفعل هذا إلا ذوي الأطماع السياسيوية، وهو ما نطلق عليه صفة -المثقف السياسوي-، لكن المثقف يجب أن ينأى بنفسه عن ذلك، وينبه ويواجه الأفكار المميتة في مجتمعه مهما كان الثمن، فلولا المواقف البطولية والنقدية الشجاعة للمثقف التنويري في أوروبا، لما عرفت هذه الأخيرة التقدم والتحرر رغم معاناة هؤلاء المثقفين من السلطة والمجتمع التي سيطرت عليه الأفكار الكنسية الظلامية.
فالمثف التنويري يصطدم مع السلطة وفي نفس الوقت مع المجتمع الذي خدرته بشكل غير مباشر الأدوات الإيديولوجية للسلطة والقائمين عليها، والذين هم أيضا يعتبرون أنفسهم مثقفين، لكنهم مثقفين سياسويين يتملقون للسلطة أحيانا، ويخدرون المجتمع أحيانا أخرى بدغدغة عواطفه تحت غطاءات شتى، ونطلق عليهم -سدنة العصر-، لأنهم يتحكمون في عقول الكثير اليوم كما كان يتحكم فيها سدنة المعابد في الماضي، ويوجهونها ضد الأنبياء والمرسلين، ويمتلك دائما هؤلاء السدنة تهما جاهزة ضد الأنبياء والرسل كما هي جاهزة اليوم عند سدنة العصر ضد المثقفين التنويريين النقديين كالتكفير والتخوين وغيرها من التهم التي للأسف تنطلي عن الكثير، لأنهم أخضعوا لسيطرة أيديولوجية من قبل، خاصة على يد المدرسة التي عادة ما يحولها المستبد إلى أداة لترويج أيديولوجية الخضوع وغرس عوائق معرفية في ذهن الإنسان عندما كان طفلا.
فالمعركة اليوم من أجل دفع حركة مجتمعاتنا إلى الأمام، يجب أن تتم على الصعيد الثقافي والفكري والعلمي بتفكيك وفضح الطروحات المخدرة والأفكار المميتة التي يروجها ما أسميهم ب-سدنة العصر- الذين يقومون بنفس مهمة سدنة المعابد في الماضي.


45 - تحياتي الأستاذ رابح لونيسي
ماهر عدنان قنديل ( 2016 / 2 / 9 - 13:23 )
تحياتي الأستاذ رابح لونيسي، أتفق مع الأفكار المقترحة من طرفك عن المزج بين الإقتصاد التنافسي وبين إبقاء الملكية جماعية في يد العمال وأراها جديرة بالتطبيق.. بحيث سيسمح ذلك للعامل بالإستفادة المباشرة من إستثماراته.. على كل أحييك الأستاذ رابح لونيسي على هذه التدخلات القيمة والمفيدة..

تحياتي

*كاتب وباحث سوري جزائري


46 - رد الى: ماهر عدنان قنديل
رابح لونيسي ( 2016 / 2 / 9 - 17:16 )
شكرا جزيلا لك على تدخلاتك وتعليقاتك المتنوعة والقيمة جدأ، والتي أثرت الموضوع كثيرا، أما هذه الفكرة المطروحة، فإنها تحتاج إلى إثراء ونقاش أوسع حول سلبياتها وإيجابياتها، تحياتي الأستاذ ماهر عدنان قنديل


47 - كيف يجمع بروفيسور رابح لوونيسى بين الثلاثة
Khadidja Sohbi ( 2016 / 2 / 10 - 05:31 )

أهل الفكر فى واد و أصحاب النفوذ فى واد والشعوب فى واد كيف يجمع بروفيسور رابح لوونيسى بين الثلاثة


48 - رد الى: Khadidja Sohbi
رابح لونيسي ( 2016 / 2 / 10 - 21:20 )
شكرا على طرحك لهذا الإشكالية، التي يمكن أن تعبر عنها بشكل أكثر علمية، وتتلخص في علاقة المجتمع بالدولة من جهة وعلاقة المثقف بالسلطة والمجتمع من جهة أخرى، ففي ما يخص العلاقة بين الدولة والمجتمع، فصحيح هناك قطيعة بينهما في مجتمعاتنا، لكن النظام البديل الذي طرحته هو إعادة هذه العلاقة والترابط، ولايتم ذلك إلا بالنظام الديمقراطي الحقيقي، أين ستنبثق السلطة القائمة من المجتمع، وتكون من إختيار المواطنين، لكن في النظام الديمقراطي البرجوازي نجد نقائص عدة، ومنها تحويل أجهزة الدولة إلى خادمة لمصالح الطبقة البرجوازية بدل خدمة المجتمع كله وتحقيق العدالة الإجتماعية، وهو ما يتطلب إيجاد نظام بديل، تتحول فيه الدولة غلى خادمة لكل شرائح المجتمع، فتكون دولة لكل المواطنين مهما كان لونهم أو دينهم او ثقافتهم أو لغتهم وغيرها، وقد طرحنا في نظامنا البديل حل لتمثيل كل شرائح المجتمع في البرلمان دون أي إقصاء لأي كان، ولممثلي كل شريحة حق الفيتو في كل قانون صادر لا يخدم مصالحهم.
أما عن علاقة المثقف والمفكر بالدولة والمجتمع، فيجب أن تعلم أن المثقف التنويري في مجتمعاتنا يصطدم بالسلطة والمجتمع في نفس الوقت، ويتعرض للتشويه والإسكات على يد السلطة الإستبدادية والإستغلالية، ويساعدها بعض التيارات الدينية في ذلك في الكثير من الأحيان، ففي كتابي -النظام البديل لٌلإستبداد- طرحت مشكلة علاقة العلم ومراكز البحوث في صناعة قرارات الدولة، ومساعدة حتى الأحزاب في صياغة برامجها على أسس علمية وواقعية، فقد كتبت مقالات عدة، أتحدث فيها عن الدولة الديمقراطية والإجتماعية والعلمية، لأن الدول يجب أن تسير على أسس علمية بواسطة دور فعال للمؤسسات البحثية وألإستراتيجية في صناعة قرارات الدولة وإيجاد حلول لمختلف المشاكل التي تلاقيها.


49 - #عمر النظام الإشتراكي ماعمر وآل للسقوط
Ayman Tatanji ( 2016 / 2 / 10 - 05:34 )

#عمر النظام الإشتراكي ماعمر وآل للسقوط
#عمر النظام الرأس مالي أكثر من نصف قرن...وهاهو يترنح .....لكنه يحاول جاهدا تجنب السقوط...لكن إلى متى؟؟!


50 - رد الى: Ayman Tatanji
رابح لونيسي ( 2016 / 2 / 10 - 21:21 )
شكرا على تسجيلك لهذه الملاحظات، لقد أجبت على ماطرحته في تعليقات سابقة، فكل نظام سياسي يحمل سلبيات وإيجابيات، فلاوجود لأي نظام سياسي أو إقتصادي كامل، فأثناء الحرب الباردة دار النقاش الأيديولوجي حول مسألة لمن الأولوية أللحقوق السياسية أم للحقوق الإجتماعية، فكان نقاشا خاطئا في نظرنا، فلهذا ركزت الأنظمة الإشتراكية على العدالة الإجتماعية في الوقت الذي أهملت فيه الحريات السياسية والمؤسسات الديمقراطية، وكان ذلك أحد أسباب فشل الدول الإشتراكية التي أهملت التعددية والحريات ومؤسسات الرقابة، فأنتجت طبقة برجوازية جديدةن سماها اليوناني كاستروياديس ب- البرجوازية البروقراطية-، وقد تتبع بوادرها منذ بدايات الخمسينيات، أما الأنظمة الرأسمالية فهي نوعان، أنظمة رأسمالية مرافقة بدكتاتورية، وقد وقع ذلك في بلدان العالم الثالث، وإلى جانبها أنظمة رأسمالية، لكنها سمحت بالحريات الديمقراطية، لكنها في الأخير هي دكتاتورية الطبقة البرجوازية، إلا أنها أتخذت شكلا ناعما، وساعدها على التكيف والإستمرارية وإسكات الطبقات المحرومة عوامل عديدة ومنها: إستخدام التراكم المالي الذي كان يأتيها من البلدان المستعمرة، حتى ولو أستقلت هذه الأخيرة إلا أنها بقيت مرتبطة بالمركز الرأسمالي، ولهذا عرفت دول هذه الأنظمة رفاهية مقابل صعوبة توفير ذلك في الدول الإشتراكية التي لم تكن تستغل شعوبا أخرى لصالح شعوبها، بل بالعكس كانت دول مثل الإتحاد السوفياتي تساعد دول في العالم الثالث، وهو ما أضر بها إقتصاديا فيما بعد، لكن نحن طرحنا نظاما آخر يمكن تسميته بنظام إشتراكي تكون فيه المؤسسات الإقتصادية في يد العمال، لكنها تسير بنظام إقتصادي تنافسي مثل النظام الراسمالي، أي مزج بين النظامين، ويمكن لك العودة حول ملامح فقط لهذا النظام إلى ردنا على تعليق الأستاذ ماهر عدنان قنديل رقم38، لكن نعتقد أن الإشتراكية ستعود مع تفاقم الإستغلال الراسمالي، خاصة في الأطراف، لكنها ستصحح الأخطاء السابقة، ومنها الإعتماد هذه المرة على الحريات الديمقراطية بدل الأحادية الحزبية في السابق، وقد بدأت هذه العودة في بعض دول أمريكا اللاتينية، نعتقد أن المركز الرأسمالي سيحاصر من دول الأطراف الرأسمالي، التي ستصبح إشتراكية بعد سنوات، وتفك إرتباطها بهذا المركز الرأسمالي.

اخر الافلام

.. المحكمة العليا تنظر في حصانة ترامب الرئاسية في مواجهة التهم


.. مطالب دولية لإسرائيل بتقديم توضيحات بشأن المقابر الجماعية ال




.. تصعيد كبير ونوعي في العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل|


.. الولايات المتحدة تدعو إسرائيل لتقديم معلومات بشأن المقابر ال




.. صحيفة الإندبندنت: تحذيرات من استخدام إسرائيل للرصيف العائم س