الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منظمات المجتمع المدني مطالبة بتطبيق إصلاحات (2)

اسماعيل داود

2016 / 2 / 1
المجتمع المدني


(2) الديمقراطية التمثيلية والمنظمات القاعدية، هل من بديل؟

يصح القول بان اغلب منظمات المجتمع المدني في العراق تاسست وفقا لنموذج “الجمعيات القاعدية ذات العضوية”. حيث تقوم مجموعة من الافراد بتاسيس منظمة او جمعية وفقا لفكرة وهدف محدد، لتفتح بعد ذلك باب العضوية لافراد اخرين.
مجموع الاعضاء يشكل ما يسمى بالهيئة العامة او الجمعية العمومية، او اي اسم اخر، هذه الهيئة تنتخب مجموعة من الأعضاء يشكلون مجموعة توجيه وقيادة، قد تسمى (لجنة ادارية او مجلس دارة او تسمية مقاربة). كل هذا ياتي اتباعا لنموذج الديمقراطية التمثيلية “انتخاب ممثلين”. وحتى في المنظمات التي لاتتأسس على النموذج القاعدي، وهي قليلة جدا، فانها هي الاخرى تلتزم، بشكل او باخر، بالديمقراطية التمثيلية سواء في الهيكلية او في عملية اتخاذ القرار.

في المنظمات القاعدية، الفكرة في الاصل، هي ان تكون الهيئة العامة (الجسم الاوسع )مصدر السلطة وصاحبة القرار، وان دور مجلس الإدارة، هو ادارة شؤون الجمعية بحيث يكونوا مسؤولين تجاه الهيئة العامة. لكن وفي واقع الحال، فان مجلس الادارة، ذو المقام العال والسلطة، يحتكر في النهاية القرار والمكان، ويعطل دور الهيئة العامة. ويرسخ سلطته مع مرور الوقت جاعلا اجتماع الهيئة العامة نادراً وربما مستحيلاً.

وفي احيان كثيرة يجمع هذا المجلس المصغر سلطتي صناعة القرار والتنفيذ معاً. وشيء فشيء تتحول معظم مجالس الادارة او الهيئات الادارية الى مجموعة افراد مخلدين في مناصبهم، اغلبها لا يعملون بالشكل المطلوب وقسم منهم لا ينتج على الاطلاق! فمجالس الادارة من هذا النوع، تفضل الحكم واصدار القرار، والسفر والمنافع على العمل الشاق. هي غالبا ما تعتمد التصويت واقصاء المعارض بشكل او باخر!
ومن هنا تاتي الانشقاقات وتكوين جمعيات ومنظمات اخرى، وهذه بدورها غالبا ماتعمد نفس النموذج وتقع بنفس الاخطاء مولدة لمزيد من المنظمات!

اصبح من المستغرب ان نستمع لمُمثّل منظمة ينتقد احتكار حكومة او مجلس محافظة او برلمان، لسلطة القرار وللمعلومة بشكل عام، وحين تسأل عن دوره في منظمته، تجده (او تجدها) رئيس على مر السنين او مدير وصاحب قرار أوحد، وربما لاكثر من عقد من الزمان!

نموذج الديمقراطية التمثيلية الذي يعاني ما يعانيه من مصاعب على مستوى الحكم والحياة السياسية في العراق، هو نفسه المعتمد (ولو شكلاً) من عدد كبير من منظمات المجتمع المدني : نقابات، جمعيات، منظمات ، شبكات أو غيرها.
ديمقراطية تنحصر بيوم التصويت فقط، فمع اتمام عملية اختيار الممثلين لنا، تنتهي معها اهمية ارائنا لمدة اربع سنوات. بل ان عدد غير قليل من هذه المنظمات، ليس لها من الديمقراطية الا انتخابات جرت لمرة او مرتين على مدى تاريخها الذي قد يصل لعدد لاباس به من السنين، فما اهونها من ديمقراطية!

بصراحة اقول يتعذر فهم المطالبة بالديمقراطية الحقيقية والمشاركة، والفصل بين السلطات، حينما تأتي من منظمات تطبق “ديمقراطية اليوم الواحد” فمن اين لعاجز عن ادارة ومشاركة اراء عشرات من الاشخاص، ان يطالب الاخرين بتطبيق الديمقراطية على الملايين!

(3) الديمقراطية التشاركية، بديل ممكن لكنه بحاجة الى تطوير وتأصيل

ليس صحيح ان البدائل غير متوفرة، لكن المشكلة هي ان الاغلبية تفضل اتباع “قالب” “الديمقراطية التمثيلية” ، لانه الاسهل وربما لانه المتوقع من الجميع:
“تريد تفتح منظمة، تحتاج نظام داخلي، إذاً انسخ الموجود هنا او هناك، فقط لا تنسى تغيير أسم المنظمة!”

ليس المطلوب التخلي عن الانتظام في منظمات المجتمع المدني المختلفة، ولا عن ممارسة الديمقراطية بشكل عام، لان ذلك هو الفشل بعينه، بل المطلوب هو ايجاد بدائل سواء في طرق تطبيق الديمقراطية التمثيلية بشكل اكثر فاعلية او ايجاد بديل لها.

احد الخيارات البديلة و المهمة هو تطبيق نموذج “الديمقراطية التشاركية” وفيها تصبح عملية اتخاذ القرار مفتوحة للجميع ومبنية على “التوافق البناء”. وهو نموذج حاز على اهتمام كبير من عدد من المراقبين وتم تطبيقه في تجارب عديدة ومنها تجربة المنتديات الاجتماعية التي اعقبت نشوء حركة المنتدى الاجتماعي العالمي في البرازيل العام 2001.

والمقصود بتطبيق نموذج الديمقراطية التشاركية في هذه الحالة، ان تستمر مجموعة التاسيس ومن بعدها الاعضاء وهيئات المنظمة العامة او مجلس الادارة، بعقد اجتماعات مفتوحة، غرضها صناعة القرار، اعتمادا على الذكاء الجماعي والتجربة الجماعية واتاحة المعلومة للجميع. ليس هنالك مانع من مساهمة اعضاء جدد ماداموا معنيين بالامر ومشتركين بالفكرة والهدف الاساسي للمنظمة، حتى وان كان حضورهم واستمرارهم متذبذب.

لا أنكر ان هذا النوع من الديمقراطية هو “تمرين عصيب” في ممارسة الاستماع الى الاخر وفي تعلم تجاوز القناعات الذاتية او الذكاء الفردي. فمع هذا النوع من الديمقراطية، لاحاجة للتصويت او بالاحرى هيمنة الاغلبية! فالاهم من اتخاذ القرار معرفة لماذا نتخذ هذا القرار وهل هنالك اي بديل عنه؟ فقد تدور النقاشات لساعات او لايام لحين الوصول لقرار امثل.

في مثل هذه النقاشات يجب ان توفر المعلومات للجميع، وان نستمع للجميع : للشاب والخبير والانسان البسيط، وغيرهم في جلسة واحدة او جلسات متعددة، تحصل فيها نقاشات موضوعية وبينية بين كل الحضور. يقوم ميسر الجلسة بتوضيح الموضوع ونتائج النقاش لكل من يحضر حتى وان لم يواكب كل النقاش. ثم يبدأ بناء القرار من عصف واسع للافكار والاراء وباعتماد وتقبل الحجج العلمية والموضوعية وبالتالي التنازل لصالح الاكثر رجاحة منها.

فقط في حال تعذر الوصول لقرار بعد مرات متتالية من جلسات النقاش، يمكن طرح الموضوع للتصويت. لكن التصويت والانتخاب في هذا النموذج من الديمقراطية يجب ان يظل خيارا محدوداً جداً، فالبديل عنه هو ادارة جيدة لنقاشات موضوعية للقضايا المشتركة.

لا يجب ان يفوتنا ان هنالك حاجة لتاصيل هذا النوع من الديمقراطية “وتعريقها- اعطائها مضمون اجتماعي عراقي” حالها كحال الافكار التي ترد الينا من تجارب الاخرين، فلايخفى على لبيب باننا ما نزال في اطار استهلاك ماينتجه الاخرون من نماذج للحوكمة والديمقراطية! لكن تاصيل هذه التجربة عبر عملية مستمرة من الممارسة والتعلم، كفيل بان يجلعها اكثر قرب من واقعنا، واكثر استجابة له.

لاتوجد ضمانات او نتائج مؤكدة لتطبيق هذا النوع من الديمقراطية، فلكل تجربة ضروفها ونتائجها، لكن الامر الاكيد ان الديمقراطية التشاركية تتيح لعدد واسع من المعنيين من ممارسة ديمقراطية حقيقية، تجعلهم اكثر خبرة بمرور الزمن وتؤهلهم لادوار قيادية في مجتمعهم وتؤهلهم ايضا للمطالبة بديمقراطية اكثر فاعلية واكثر مشاركة على مستوى المجتمع المدني وعلى مستوى ادارة البلاد ككل.


(4) بناء جهاز تنفيذي و فصل سلطة صناعة القرار عن تنفيذه

ماسبق يخص بطبيعة الحال صناعة القرار، وهي افكار قابلة للنقاش والتطوير ولاتنفي وجود تجارب اخرى شهدها العراق خلال العقد الماضي، قد تكون نماذج جيدة وبدائل، للراغبين في التعلم والاستفادة.
اما في التنفيذ، فلابد للمنظمات من بناء جهاز تنفيذي محترف، أفراده مختلفين عن صناع القرار، لكنه وبنفس الوقت ليس منعزل عن اهداف ومبادئ المنظمة. فصل السلطات اساس لوجود اي تجربة ديمقراطية، تمثيلية كانت ام تشاركية.
ليس من المعيب ان يكون للمنظمة موظفين، وجهاز تنفيذي، على العكس، وجود جهاز تنفيذي متمرس ( يشمل الاداري، المحاسب، مسؤول التنظيم، وغيرهم) هو دليل تحول المنظمة الى مؤسسة ناجحة. يجب ان يتم الاهتمام باختيار عناصر وفقا لمعايير علمية، وان يتم منحهم فرصة لاداء عملهم بصورة مهنية.

لا يمنع وجود هذا الجهاز، ولا يقلل، من دور العمل الطوعي والمتطوعين، فهنالك انشطة وادوار تحتاج الى متطوعين. بنفس الوقت هنالك مهام في المنظمات تحتاج الى موظف محترف، اذا ارادت المنظمة ان تقوم بتنفيذ مشاريع بصوره مهنية تليق بها.

كذلك لا يمنع وجود موظفين وبالتالي رواتب، من التزام المنظمة بمبدا العمل غير الربحي، مادامت هذه الرواتب مقدمة في اطار شفاف ومقابل عمل وجهد تحتاجه المنظمة. ومدام التوظيف يتم بطرق معلنة ووفقا للكفاءة والخبرة.

هذا الجهاز التنفيذي هو القادر على تغذية منظومة الديمقرطية التشاركية، او اي منظومة ديمقراطية لصنع القرار، بمدخلات فنية وتقارير عن الموازنة والمشاريع وعن مسار عمل الجمعية او المنظمة او النقابة، لتقوم بدورها بمراقبة وتقييم الاداء، على امل يلتزام هذا الجهاز والمنظمة بشكل عام، باعتماد مبادئ الحكم الرشيد التي كانت موضوع للجزء الاول من هذا الموضوع.

(يتبع)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيش الاحتلال يستهدف النازحين الذين يحاولون العودة لشمال قطاع


.. إسرائيل تواصل الاستعدادات لاقتحام رفح.. هل أصبحت خطة إجلاء ا




.. احتجوا على عقد مع إسرائيل.. اعتقالات تطال موظفين في غوغل


.. -فيتو- أميركي يترصد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة | #رادار




.. مؤتمر صحفي مشترك لوزيري خارجية الأردن ومالطا والمفوض العام ل