الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة يوليو... افتراءات وما يشبه الردود...

حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)

2016 / 2 / 1
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


لما كانت ثورة 23 يوليو 1952 في مصر حدثًا تاريخيًّا ترك أثره في العديد من بقاع الأرض، فمن غير المستغرب أن ترى الافتراءات والاتهامات والانتقادات تنهال عليه من كل حدب وصوب؛ فهذا شأن كل الأحداث والشخصيات البارزة والرئيسية في التاريخ الإنساني. ولكن مع احترام أصحاب هذه الرؤى المعارضة لثورة يوليو، يتعين تقديم ما يمكن القول إنه تفنيد أو على الأقل ردود على تلك الافتراءات والاتهامات بما يساهم في وضع الأمور في نصابها الصحيح، أو على الأقل وضعها على الطريق المؤدي إلى نصابها الصحيح.
وفي السطور التالية، سوف نتناول مجموعة من الانتقادات التي وجهت إلى الثورة من تيارات مختلفة وربما متعارضة في منطلقاتها الأيديولوجية ما بين يسار وإسلام سياسي. ولكن يبقى أن هذا التناول في مجمله هو تناول محدود يهدف فقط إلى الرد السريع؛ لأن الردود على الانتقادات والافتراءات التي طالت ثورة يوليو يحتاج إلى مجلدات وبحوث؛ لأنه كما سبق أن قلنا: عظم الحدث يؤدي إلى كثرة المعادين...!!


مؤامرة على سياق تاريخي؟!
وقف الكثير من الشيوعيين المصريين موقفًا معاديًا من ثورة يوليو وذلك بسبب ما رأوه فيها من إيقاف لمسار تاريخي ينتهي بالحتمية إلى تأسيس المجتمع الخالي من الطبقات، وهذا المسار التاريخي هو تحقيق التحول الرأسمالي في الاقتصاد المصري بما يمهد إلى نمو طبقة البروليتاريا القادرة على حمل عبء الانطلاق نحو تأسيس المجتمع الخالي من الطبقات عبر ديكتاتورية البروليتاريا.
كان الشيوعيون المصريون يرون أن هذا هو المسار الذي يتعين على مصر أن تسلكه لكي تصل إلى الفكرة الطوباوية بالمجتمع المثالي النقي من مثالب الرأسمالية. ولكي يتحقق هذا السيناريو، ربط الشيوعيون أنفسهم بالطبقة البرجوازية باعتبارها — من وجهة نظرهم — الطبقة التي تضم رأس المال الوطني القادر على تحقيق التحول الرأسمالي.
ولكن الشيوعيون المصريون نسوا في هذا السياق أن هذه الطبقة البرجوازية وهذا الرأسمال الوطني كان رهينةً بالاستعمار والقصر؛ حيث كانت بريطانيا تقف حجر عثرة في طريق أية محاولات تطوير حقيقية في مصر. ووفقًا للمفكر الماركسي "سلامة كيلة" في كتابه "التطور المحتجز"، فإن البريطانيين — والقوى الاستعمارية بشكل عام — كانت تعمل على تطوير البنى الاقتصادية والاجتماعية في الدول المستعمَرة بما يخدم مصالح الرأسمالية العالمية فقط، ولكن دون أن يؤدي هذا التطوير إلى تحديث صناعي حقيقي يساهم في تحقيق التحول الرأسمالي المطلوب في تلك الدول.
رأى الشيوعيون أن ثورة يوليو جاءت ووقفت في طريق هذا التحول المتخيَّل نحو الصناعة، عندما فرضت رأسمالية الدولة في صيغة اشتراكية "قطعت مسار التحول"، بل إن البعض منهم ذهب لاعتبارها "مؤامرة" من قوى الاستعمار لوقف التحديث الصناعي المأمول والمرتجى. ولكنهم نسوا في أثناء اتباعهم الحرفي لـ"النصوص المقدسة" للماركسية — على حد تعبير "كيلة" مرة أخرى — أن الرأسمالية العالمية بشقيها الأمريكي الصاعد والأوروبي لم تكن لتضع جنيها واحدًا في الاقتصاد المصري يسمح بتحديث المنظومة الصناعية بما يقود إلى تحول رأسمالي جري يمكن أن يقود البلاد إلى طريق من اثنين؛ إما نشوء طبقة عمالية قادرة على قيادة التحول الشيوعي، أو نشوء اقتصاد رأسمالي قوي قادر على المنافسة الإقليمية بما يسحب البساط في الدول المجاورة من الأوروبيين والأمريكيين.
نسى الرفاق الشيوعيون المصريون هذه الحقيقة المبدئية، وزعموا أن ثورة يوليو قطعت الطريق، متعامين عن حقيقة أن الطريق كان مسدودًا من البداية...!!

الإخوان... سرقة الثورة؟!!
على الجانب الآخر من نهر السياسة في مصر، نجد الإخوان المسلمين يقفون زاعمين أن الضباط الأحرار سرقوا الثورة منهم، وأنهم أصحاب الثورة الحقيقيين في زعم تكرر بعد أكثر من 50 عامًا في ثورة يناير. وهذا الرأي مقدس بالنسبة للإخوان، ويمثل أحد مرتكزات التوعية السياسية لأنصارهم ومنسوبيهم لدرجة أنهم يصفون ما جرى في 1952 بأنه انقلاب، وهو وصف تجاوزته حتى بريطانيا نفسها...!!
ولكن تفنيد هذا الزعم لن يكون — في تقديري — بمناقشة ملابسات ثورة يوليو، ولكنه سوف يقفز عبر التاريخ ليصل إلى ثورة 25 يناير 2011، وما تلاها من حراك في 30 يونيو 2013 قاد إلى إقصاء الإخوان المسلمين من المشهد السياسي المصري، وهو الإقصاء الذي ساهم فيه الإخوان بقدر أكبر مما ساهم فيه معارضوهم.
ما جرى في 30 يونيو هو في النهاية أزمة سياسية تعرضت لها مصر، ولكن الإخوان المسلمين لم يستطيعوا أن يتعاملوا مع هذه الأزمة السياسية، بل قادوا البلاد — هم والمعسكر المعارض لهم — إلى شفا هوة سحيقة كادت البلاد أن تسقط فيها لولا أن تمكن أحد الطرفين، وهو في حالتنا هذه العسكر، من الإمساك بزمام الأمور، ووقف التدهور والتراجع، ولكن دون أن يرفع البلاد إلى القمة المنشودة من ثورة يناير.
إذا كان الإخوان المسلمون هم القوة الوحيدة الناشطة في الساحة السياسية في مصر، لكانت البلاد قد انكسرت وتلاشت بانهيارهم. ولكن لوجود قوة أخرى هي العسكر كانت موجودة وعلى درجة مكافئة أو أعلى من القوة بما منع انكسار البلاد.
هذا السيناريو الواقعي تحقق بعد أكثر من 60 عامًا على ثورة يوليو. فهل كان الإخوان المسلمون قادرين على الإمساك بزمام الأمور قبل 60 عامًا، بينما لم يستطيعوا الإمساك به بعد كل تلك الفترة التي من المفترض أنهم راكموا فيها الخبرات محليًّا ودوليًّا؟! كيف يمكن لأي إنسان عاقل أن يعتقد أن الإخوان المسلمين صنعوا ثورة، وكانوا يستطيعون إدارة البلاد في عام 1952 بينما فشلوا فشلًا ذريعًا أطاح بهم هم أنفسهم بعد 60 عامًا؟!
إذن، لا أرى داعيًا لأن يكرر الإخوان المسلمون هذه المزاعم اليوم بعد أن انكشفت سذاجتهم السياسية التي كادت تودي بالبلاد لا لشيء إلا لعجزهم عن التصدي لطرف حاول أن يغتصب منهم السلطة التي كانت قد بدأت قبضتهم تتراخى عليها بفعل ممارساتهم هم قبل أن تكون ممارسات الآخرين.

هل كرست الثورة الفساد؟!
يقال إن ثورة يوليو أدت إلى نشوء منظومة الفساد في الجهاز الإداري للدولة، وذلك بأن راكم موظفو الحكومة الثروات، وبالتالي سعوا إلى استثمارها. ولما كانت الحكومة لا تسمح بالمشروعات الخاصة، أدى ذلك إلى التحايل على القانون، والدخول في مغامرات استثمارية غير قانونية لاستغلال الفائض المالي المتراكم.
الرد هنا بسيط للغاية. لم تكن المشكلة الحقيقية في الثورة أيام الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر"، ولكنها كانت فيمن تلاه من قادة؛ حيث كان من المفترض في مرحلة الاستقرار أن تبدأ الدولة في استغلال الفائض المتراكم لدى المواطنين في السماح بتأسيس المشروعات الصغيرة الخاصة لاستغلال هذا الفائض تمامًا كما فعلت الدولة في الاتحاد السوفييتي السابق في إطار محاولاتها للنهوض بالطبقة العاملة التي قال عنها الزعيم السوفييتي "فلاديمير لينين" إنها "لم تعد موجودة كطبقة".
المشكلة كانت فيمن تلوا "عبد الناصر"؛ حيث سعوا إلى تكرار سيناريو "محمد علي" بإقامة دولة رأسمالية تسيطر فيها الدولة على مفاصل الاقتصاد مع السماح بمشاريع خاصة يمسك بمقاليد الأمور فيها أطراف مقربون من السلطة بما جعل البلاد تصل إلى مرحلة "العزبة السياسية" كما يمكن القول.

خلاصة القول في هذا الاستعراض السريع لأبرز الافتراءات التي طالت ثورة يوليو وتقديم ما يشبه مقترحات الردود عليها أن ثورة يوليو كانت حدثًا تاريخيًّا رئيسيًّا أدى إلى تغيرات واسعة النطاق على المستويين الإقليمي والدولي، ولا تزال إنجازاتها قائمة في المشهد العام المصري؛ فالشعب المصري الآن لا يأكل إلا من أموال المصانع التي تأسست أيام "ناصر" وتباع منذ عشرين عامًا، ولم تنته بعد رغم مرور أكثر من 60 عامًا على قيامها، وأكثر من 35 عامًا على وفاة زعيمها "جمال عبد الناصر". فهل سكت الذين عجزوا عن إقامة دولة لفترة لا تزيد عن السنة؟! وكذلك الذين ربطوا أنفسهم بعملاء الاستعمار في البلاد ظنًّا منهم أن الاستعمار سوف يفرش لهم الطريق بالورود لكي يخرجوه من البلاد؟! ليصمتوا إذن، وليتأملوا في الثورة كتجربة مكتملة؛ هذا إن كانت لهم ألباب يعقلون بها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري