الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات فلسفية -1-

شادي كسحو

2016 / 2 / 4
الادب والفن


1 - عن هذه التأملات:
لا أتخلى عن الشذرة طريقاً أو منعرجاً للتعبير عن نفسي. لا أبادل بها جنساً أدبياً أخر، لا أضيف إليها ولا أنقص منها.
الشذرة هي عشقي القديم والجديد في آن معاً. أكتبها إليكم، مطلقا فيها العنان لعيّني لكي تشاهدا، ولأفكاري لكي تسرح، ولانشغالاتي واهتماماتي لكي تعرب وتملي عن نفسها، لذلك حتى لو بدت هذه الشذرات في كثير منها متناقضة، متنافرة، مضطربة ومتضادة، فإنها على الأقل متحررة من سطوة المكرور ومن ابتذال الإحالة الساذجة والمجانية.
لست هنا بصدد تبرير هذه التأملات، فعندي إن الحاجة إلى الكتابة، إطلاق سراحها، والزج بها في آتون الوجود، ليست ضرورة يمليها الواجب، أو حالة يفرضها المزاج؛ بل هي رغبة خالصة لا تستمد وجودها إلا من ذاتها، فالعين وجدت لترى، والأذن لتسمع، والقلم ليسطر ويكتب.

2- أصل الحقائق الدينية وفصلها
في ذاتها، كل حقيقة ما هي إلا تجربة خاصة في الوجود، أو ما هي إلا حالة عارضة أو إجابة مؤقتة، لا تلبث أن تنّحل أو تتداعى تحت وقع حقائق أخرى، أكثر إلحاحاً أو أكثر عمقاً أو أكثر راهنية. لكن الإنسان وكما عودنا على الدوام يتدخل في هذه اللعبة، مانحاً بعض الحقائق شكلاً ورونقاً متعالياً وميتافيزيقياً، إذ ذاك تتحول الحقائق إلى مُعتقدات ومن ثم إلى مُطلقات، فتفقد بعدها الإنساني، لتأخذ مكانها في الزمن وتتخذ أشكالاً كما الأصنام، ويكون الطريق نحو التعفن والسقوط قد ُأنجز، وهنا تكون الحقائق الدينية على أهبة الولادة.
ما السقوط؟ ما التعفن؟ ما الانقراض؟ سوى الركون إلى مجموعة من الحقائق المطلقة الناجزة، حيث كل شيء واضح ومعروف، ولا أحد يشعر بالدهشة أو ينتابه أدنى شعور بالشك.
ما من أمة أو عقل استكان إلى مثل هذه الحقائق، إلا وتم رميه إلى مزبلة التاريخ، تم رميه لأنه فضل الراحة على القلق، وفضل البلادة على الدهشة، وفضل المراوحة في المكان على الحركة والفعل.

3- العمى الذاتي أو نقد العقل الهووي:
حين يصبح الوجود في طريقه إلى الأفول والانقراض، فإنه يعوض تلك الخسارة بأن يضمن ويخترع لنفسه قيمة أو كذبة ذات طابع ميتافيزيقي، قد تكون دينية أو قومية أو عرقية، ليصبح الوجود بعد ذلك تمريناً تعسفياً يتخذ طابعاً ايديولوجياً. تتحول المعرفة آن ذاك، وكل أسئلة الانتماء المتعلقة بها، إلى منهج في التبرير، تبرير الهوية والطائفة والملة وما شابه ذلك، وتنشغل بمشكلات زائفة من قبيل الأصالة والمعاصرة أونقد الخطاب الديني أوإعادة إحياء التراث وفق مقتضيات العصر، هنا لا يعود الانشغال بالمعرفة متاحاً، فنحن لم نعد نفكر، بل ننشغل بتبرير المعرفة أو نقدها، إننا لم نعد نتحرك وإنما نراوح في المكان.
لكن وجه الخطورة في مثل هذه الحالة هو أن تفوق مثل هذه التوجهات والخيارات لا يعود إلى الصدفة. بل يرتكز إلى الديكتاتورية الخاصة لما هو ذاتي، فما ندعوه هوية خاصة أو انتماءً متفرداً، أو وجوداً مكرماً تكريماً ميتافيزيقياً، ليس إلا شكلاً من أشكال الانغلاق الأجوف، إنه ليس إلا تصلباً في نفي ما هو عالمي وبعيد على حساب ما هو خاص وقريب، هكذا تسقط أسئلة الوجود وكل أسئلة المعرفة، تحت مطرقة الخاص والخصوصي، ويكون المسار نحو، "العمى الذاتي" قد اكتمل، العمى الذي لا يكتفي بتحديد ما هو قابل للمعرفة؛ بل وما هو ليس كذلك، وما ينبغي إقصاؤه أيضا.
هذا أمر لايبدو أن مثقفي الفكر العربي قد انتبهوا إليه. بمعنى أنهم لم يطرحوا السؤال الأكثر إلحاحاً على أنفسهم؟ وهو: إلى أي حد يمكن لنقد العقل العربي أو نقد العقل الإسلامي – أو تبريرهما - أن يصبح نقداً جذرياً للعقل الانساني في حد ذاته؟.
إنني أشير هنا، بأن الصيغة الوحيدة المقبولة اليوم لتجديد الفكر والخروج من بهائمية العمى الذاتي لن تمتلك أدواتها، إلا إذا أفلحت في تحسس الأسئلة الكونية للانسانية الحالية، بدلاً من إضاعة الوقت في تفسير أو نقد أو تبرير نصوص تأسيسية لم تعد تقول لنا شيئاً.
نعم...لم يعد ثمة أمل في تنوير خصوصي يخص هذا الشعب أو تلك القومية أو ذاك العقل، ذلك أن كل الحكايات التي قصصناها على الذات لم يتكشف زيفها فحسب، بل تبين أنها حكايات فاقدة للصلاحية أصلاً، طالما أنها تقع خارج الأسئلة التي تطرحها البشرية على نفسها.


4- تهافت السؤال الديني
تقع الحقائق الدينية قبل السؤال لا بعده، ومعنى ذلك أن هذه الحقائق لاتستمد ماهيتها من أسئلة موجهة إلى الوجود وحوله، بل تستمد نسغها من بنك الأجوبة الجاهزة ذو المصدر الإلهي أو السماوي الذي يشكل مصدرا لمدخراتها الدائمة في صياغة أسئلتها ورؤيتها للعالم، هاهنا بالضبط لايعود للتساؤل الديني أي معنى، ما دام أنه لا ينفتح على الوجود وإنما يؤكد فقط الحقائق التي سبقته، إن حركته دائما إلى الخلف، مادام أنه يدور في ذات الحلقة التي خرج منها، وهكذا يتدحرج السؤال إلى عتبة التأكيد الساذج محولا الحقائق الدينية التي ينافح عنها ليس فقط إلى مجرد بنك من الأجوبة الناجزة، بل إلى مجرد أجوبة فارغة بلا ذات تسأل.

5- سيوران كاتب مختلف
يميز الألمان بين نوعين من الكتب: الكتب التي تقرأ بيد واحدة، والكتب التي تقرأ بكلتا اليدين.
منذ اللحظة الأولى لتصفح كتب سيوران عرفت أنه ليس من الكتاب الذين يقرؤون بيد واحدة. فنصوص مثل مختصر التفكك، وغواية الوجود، والخالق السيء، ومن مساوىء أن يكون الانسان قد ولد، إنما كُتبت خصيصاً لتأزيم الفكر وخلخلة مسلماته، إنه ينتمي إلى تلك الكتابة التي تمتدح الأنانية لا التضحية، وتمجد الانتحار على الاستمرار الساذج في الحياة، وتضع متعة الهدم والتفكيك مقابل متعة البناء والتركيب، لتبدو كأنها نشيد للعزلة وليس للاحتفال بالجمهور، إنها تهكم متعمّد من العقل الوثوقي والعقلاني وامتداح مطول للجنون والهذيان، لذلك فهي كثيراً ماتبدو، كتابة لاذعة متهكمة، تسخر من كل الأكاذيب الكبرى التي أنتجها العقل البشري.



يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-


.. المغربية نسرين الراضي:مهرجان مالمو إضافة للسينما العربية وفخ




.. بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ


.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني




.. بعد فيديو البصق.. شمس الكويتية ممنوعة من الغناء في العراق