الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفدرالية في مواجهة التقسيم

راغب الركابي

2016 / 2 / 6
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية



هناك ثمة حاجة تدعونا للتفكير جدياً في موقفنا من قضيتي الفدرالية والتقسيم ، هذه الثنائية التي يجري الحديث عنهما هذه الأيام بكثرة ، ولابد من القول : إننا فيما نؤمن به لا تمارس السياسة من وحي المنفعة الذاتية وما تدره علينا من مكاسب ، لأن ذلك كان مرفوضاً عندنا في الماضي ومرفوضاً عندنا في الحاضر ، لأننا لا نستخدم السياسة لتمشية الأمور وتحقيق المنافع الذاتية ، بل إننا نستخدمها في خدمة قضايا الإنسان ، ولا نُبيح سراً إذا ما قلنا إن قضية العراق الواحد الموحد وأحدة من أهم إشتغالاتنا ، و موقفا في ذلك ا ينسجم تماماً مع رؤيتنا الشاملة العامة التي تتفق مع قيمنا في العدل والحرية والسلام ،و في نبذ الإنفصال والفئوية التي يُدعى لها من أطياف سياسية نفعية نعرفها ونعرف حركاتها في كل ما يُفرق وضد كل ما يجمع ، ولقد ثبت من خلال الكشف المجهري : إن هناك من بين السياسين الذين يتصدون للكلام في الإعلام ، من يتآمر ويُخادع في خطاباته وشعاراته لتحقيق غايات خبيثة ومريضة تصبُ في مصلحة الغير على حساب مصلحة أبناء الوطن ، وهؤلاء الخبثاء ينطلقون دائماً من نظرة ضيقة تقوم على التفرقة الطائفية والكراهية ، وهي نظرة نعرفها في لحن كلامهم ، و التي لا تسمح لهم بأن يكونوا جزء من الفاعل الوطني الإيجابي ، لذلك نراهم يتنقلون هنا وهناك في البلدان ، كما يتنقلون في المواقف بين هذا الطرف وذاك ، منافقين تدفعهم عصبياتهم العنصرية والطائفية والمذهبية السيئة ، فهم تارةً يكذبون علينا وتارة يكذبون على أنفسهم ، ويتجاهلون إنهم جزء من هذه الامراض والتي يخضعون لها خضوعاً تاماً ، وينشروها بين أعوان لهم حاقدين وكارهين للعمل الوطني الموحد ، لقد كانت رؤيتنا للعراق منذ البدء حتى من قبل هذه الأحاديث ، بأن- الفدرالية الإدارية - واللامركزية هي الحل الممكن والمنطقي ، وقد أعتمدنا في كتابتنا للدستور العراقي على هذه الرؤية وهذه الفكرة ، إذ لا تناقض عندنا بين الفدرالية الإدارية وبين الوحدة ، ودالتنا علىعدم التناقض بينهما تجربة وممارسة دول كبيرة ورائدة في العالم .
إن وحدة العراق ليست حلماً أو أُمنية نتمناها ، بل هي الواقع الذي يجب أن يكون و المخرج الذي إليه ينتهي كل هذا اللغط والهوس ، والمتمثل بتنطعات لفاقدي الشرعية والضمير والتي نسمعها كما قلنا كثيراً هذه الأيام ، ونحن من هذا المنطلق سنواصل جهدنا وتأكيدنا فيما نؤمن به على أن وطننا الواحد لا يقبل القسمة ولا التجزئة بحسب المقاسات الطائفية والقومية ، لأن وطننا قادر وبحسب طبيعته ليكون دائماً مع الجميع مسلمين ومسيحيين عربا وغير عرب ، وضمن معايير نظرية التعايش السلمي والقائلة بمبدأ الشراكة الفعلية في الحقوق الوطنية ، يكون بناءاً على ذلك الممكن الوحيد وضمن خصائص وطننا هو العيش في ظل الفدرالية الإدارية ،و التي يكون فيها الجميع شركاء في الوطن ، ومتساوين من جهة الحقوق قبل الواجبات .
إن إعتماد الوضوح والصراحة في ذلك يجعل من إمكانية التعايش في ظل الإختلاف ، هو الممكن الذي يخرجنا من هذا التطرف وهذا التوهان ، إن هناك بعض العناصر التي ترى في الإختلاف الثقافي الأساس لتمزيق الوطن ، والإختلاف الثقافي بحسب نظرتنا الإنسانية المجردة هو عنصر قوة جامعة وليس عنصر ضعف طارد ، ذلك إن هذا التنوع الثقافي تدعيم للهوية الوطنية الجامعة ، إن هناك وهماً في جعل هذا الإختلاف الركيزة في التقسيم وقد فشل في السابق بإعتباره وهماً وسيفشلفي المستقبل لذلك السبب ، كما إن العناصر المتطرفة والتي تستغل هذا لن تنجح بحكم قوة الوحدة نفسها ، إننا نؤمن إن من يصطنع ذلك سيكتشف إنه يُغرد خارجاً ، ويكتشف إن إرادة الشعب مع الوحدة ، وإن الوحدة هي مستقبله الذي لا يستغني عنه ، ولكي نجعل الأمور في نصابها الصحيح ندعوا لتفعيل - الفدرالية الإدارية - وفكرتنا هذه حين ندعوا لها نعلم إن هناك من يقف ضدها ويستخدم في ذلك وسائل وأدوات غير نزيهة ، لكنها تبقى هي الممكن الوحيد في ظل كل المعطيات الدولية والأقليمية التي نفهمها .
إننا في مطالبتنا بالفدرالية الإدارية إنما نحمي الوطن ووحدته من المغرضين وأنصاف الرجال المغلقين ، الذين يتبنون النظرة الداعشية تجاه الغير المختلف ، لهذا تكون الفدرالية في صورتها التي تقدمها الليبرالية الديمقراطية هي الرد على التعصب والدعوات الطائفية الفاشلة والطائشة ، وعندما ننادي بالمساواة في الحقوق الوطنية إنما نريد من ذلك تسليم الوطن لمن يستحقه بالفعل ، و لا فرق في ذلك عندنا بين هذا وذاك من أبناء الوطن . 
ولهذا قد أصدرنا منذ البدء فكرتنا عن الفدرالية الإدارية لتكون نظرية ، تستمد قوتها من واقعيتها وصحتها وقدرتها على ان تكون نافعة ومفيدة للجميع ، ومن هنا كنا حريصين أشد الحرص على ان تكون هي صاحبت الصوت والرأي الأول في هذا المجال ، لأنها هي النقيض الطبيعي للتعصب والتزاحم والنقيض الطبيعي للكراهية والعنصرية ، وهذا لا يلغي أبداً ما يؤمن بها الأخرون فالرقعة ممتدة حسب طبيعة الإيمان ودرجته ، وكما نؤصل دائماً لموضوعاتنا من وحي واقعنا أبداً لاننسى قدرة وقوة الشعوب الأخرى التي أستطاعت تغليب الإرادة الخيّرة في بناء وطنها الواحد مع إختلافها في الكثير من القضايا والشؤون .
إن الفدرالية التي ندعوا لها في ظل الوحدة هي المضاد الحيوي الذي يمنع هيمنة الفئات الدينية والطائفية المنغلقة ، وفي نفس الوقت إنما نؤوسس لواقع يحترم التعددية ويحترم الإختلاف ولا تناقض بين ذلك ، إن الفدرالية في ظل الوحدة هي تأصيل للحرية وللعدالة وللسلام الذي هو منتهى أهدافنا ، ولكي نبين الفكرة نقول : إننا ضد الإندماج القهري والوحدة الإكراهية ، وهذا يعني إننا نعطي للحرية الدور الأساس في تأسيس الفدرالية وفي تنظيمها ، والحرية التي نعنيها تكون في تحقيق التوازن والتساوي في الحقوق ودون إضطهاد لفئات أو أقليات أو طوائف ، وعندما يكون الأمر كذلك يتحقق المعنى الذي نقصده من الفدرالية والموقف من التقسيم .
كما إن الوحدة عندنا ليست بمعنى الأممية الراديكالية او الشمولية المصطنعة التي في ظلها يفقد الكثيرون شخصيتهم وثقافتهم وهويتهم ولغتهم ، هذا المعنى مرفوض عندنا ووفقاً لنظرتنا تلك والتي أشرنا إليها ، إن نغمة التقسيم لا تعني الحرية والأمن لمن يثطالب بها ، بل هي محاولات من الأغيار كما نفهم لتمزيق الجسد الواحد وهذا ما نرفضه ، ولكي لا نكرر الخطأ في الممارسة السياسية علينا عدم الإعتراف برجال الحكم السيئيين ، و الذين سمحوا في تنويع الفشل ، وفي تبديد ثروات الوطن ، وفي إشعال نار الفتنة والحروب ، ولن نتساهل مع المُدعين الذين ساهموا في زيادة حدة التوتر والتطرف والإرهاب ، وسنظل نؤمن بقدرة شبابنا وشاباتنا على التغيير وتجاوز هذه المرحلة ، بروح وثابة وصمود عال وهمة ، وإنهم سيفوتون على الأدعياء ما يخططون له ويرسمون .
نعم إننا مع الوحدة ، ولكن بفهم جديد يقوم على الفدرالية لأن بلدنا لا يتحمل الكثير من التشققات ، وننطلق في ذلك من فكرتنا الواقعية التي قلنا بها حتى قبل 2003 ، وكنا في ذلك نريد إنتاج واقع جديد لمجتمع تسود فيه قيم العدالة والحرية والسلام ، ونظرتنا لذلك ترتبط بما نؤمن به من معاني وقيم لن نتخلى عنها مهما تزاحمت الظروف والتقلبات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم


.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟




.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة


.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا




.. كلمة مشعان البراق عضو المكتب السياسي للحركة التقدمية الكويتي