الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التمْر والقهوة السّادة للمحزونين على الطفلة التي قُتِلت بهكذا سهولة

جدعون ليفي

2016 / 2 / 11
مواضيع وابحاث سياسية



// ترجمة أمين خير الدين
رُقيّة أبو عيد، 13 سنة ابنة راعٍ للماشية، تركت المدرسة وهي طفلة، يقول والدها إنّها طفلة جميلة، ماهرة في حلب المواشي، خرجت السبت الماضي إلى مستوطنة عنتوت، تحمل سكّينا، فقتلها الحارس.
لن نعرف ما حدث يوم السبت الماضي، في الصباح، باكرا في غبش الخيمة، وبماذا فكرت رُقية حين حملت السكين واندفعت هائجة باتجاه البوابة الحديدية لمستوطنة عنتوت. كاميرات الحراسة في المستوطنة تنبئنا فقط بما جرى بعد وصولها، طيفها غير الواضح يلاحق طيفا غير واضح – الحارس - السكّين بيدها، وبضعة أمتار تفصل بينهما، واللحظة التي أطلق بها الحارس رصاصة واحدة مباشرة إلى قلبها، لتسقط ميّتة، لم يظهر في الصور التي سُمِح بنشرها، هل حقًّا لم يكن لديه خيار آخر، غير إطلاق النار بقصد القتل؟ حتّى أنه لم يظهر أنّها استطاعت الاقتراب منه والوصول إليه؟
لِمَ فعلت ذلك؟ هل تشاجرت مع أختها وخرجت لتنتحر كما تقول أُمّها؟ هل هذا نتيجة الحياة في ظلّ الاحتلال الذي دفعها إلى محاولة طعن الحارس عند بوابة المستوطنة كما يدّعي أبوها؟ ومع ذلك – هل هذا يغيّر شيئا؟ في النهاية لم تعد ابنة الـ 14 سنة، قتلها الحارس كما قُتِل العشرات قبلها، في الوقت الذي كان يجب أن يسيطر عليها، يوقِفها بطريقة أخرى أو، على الأقل، يطلق النار على أرجلها، طفلة مع سكّين، لكنها تظلّ طفلة.
سارع مقدّمو البرامج التلفزيونية، ومحررو الأخبار (في إسرائيل – المترجم) إلى تتويجها بكل صلافة تثير الاشمئزاز: "مخرّبة عمرها 13 سنة"، كلّهم آباء، يعرفون كيف تتصرف البنات بعمرها، ويعرفون أن حارسا مدرّبا يعرف كيف يوقف ابنة 13 سنة دون أن يقتلها، حتى لو كانت تلاحقه بسكين، لكن التساهل الجارف بقتل الفلسطينيين هو الذي دفع الحارس لقتلها بهكذا سهولة.
قُتِلت رُقية عند مدخل عنتوت، على بُعْد كيلومتر ونصف الكيلومتر من خيمة عائلتها حيث عاشت حياتها القصيرة، يقضي أبناء عائلتها أيام الحداد على موتها في القرية البعيدة "كرمل" جنوب جبل الخليل، موطن العائلة الأصلي، تتنقل العائلة مع الماشية بين عناتا وقرية كرمل، لكن رُقية أمضت مُعظم حياتها في عنتا.
في 13 شباط، بعد أسبوعين، كان من المفروض أن يكون يوم ميلادها الـ 14، من غير المؤكّد أنها كانت ستحتفل فيه بحياتها، حياة ابنة الرُعاة، الفقيرة، التي تركت المدرسة من الصف الرابع، وعمرها عشر سنوات، أربع سنوات دراسة، وكما يروي أبوها انها أمضت معظم وقتها في مساعدة أمّها في الخيمة، وحلب ماشية العائلة، طفلة لطيفة وتحلب الماشية جيّدا.
الطريق إلى قرية كرمل حادّة: ضباب كثيف على الطريق الصاعد إلى الخليل، عاصفة ثلجيّة على الطريق، قرية فلسطينيّة قديمة، على الأطراف الجنوبية لقضاء يطّا، بها بركة لمياه الأمطار، قديمة، رائعة، رُمِّمَت مؤخّرا، وأطلال بيوت قديمة، كان ينبغي أن تُصان، يجلس أصحاب العزاء في رحبة واسعة في مركز القرية، عشرات الرجال، مُكْفهري النظرات، معظمهم يلبس كوفيّات من أنواع مختلفة، يحاولون التغلّب على البرد بجمرات متوهجة، بمنقل مشَحّر، وبالمدافئ اللولبيّة. أحيانا يعلن مُعْلِن عن مجيء ضيف أو بعثة للتعزية، هذا محافظ الخليل كامل حميد، ممثلا للسلطة،أحيانا يذكر احدهم محاسن الميّتة، ويشيد بالمقاومة، يتعهد رئيس بلدية يطّا بتسمية شارع على اسمها، أحيان يُسْمع من مكبر الصوت مارشا عسكريا وطنيّا.
ضباب في الخارج، غبش في الداخل، تَمْر مجفف وقهوة سادة للمعزّين، حسب العادة، صور رُقية ترتفع على لوحات كبيرة، تزيّن الجدران المقصورة باللون الرمادي، الموقف رهيب، ملتقى رجال مفجوعين وناقمين، أياد ووجوه قاسية، ودخان سجائر رخيصة، لم يصدق الأولاد أننا إسرائيليون – يهود، نظرات الرجال تنبئ بالغضب، الأب الثاكل عيد أبو عيد رفض في البداية ان يكلِّمنا: "ماذا أقول لإسرائيليين قتلوا ابنتي؟"
عمره 45 سنة، متزوّج من اثنتين، وأب لـ 11 ولدا، منهم رقيّة المتوفاة، تغطّي رأسه كوفية موشّاة بالأسود والأبيض، معطف رثّ، نمت شعيرات ذقنه، وصوته متعب ومبحوح، يرعى الماشية، يكمل دخله من العمل الزراعي، وكحارس في مزرعة في عناتا.
عمل السبت الماضي حارسا ليليا في المزرعة، رأى ابنته، آخِر مرّة مساء يوم الجمعة، قبل خروجه للعمل، يوم السبت، قبل الثامنة صباحا بقليل، جاء احد أبنائه إلى المزرعة التي تبعد عن خيمتهم نحو كيلومتر ونصف، وسأله إن كان قد رأى رُقيّة، لأنها خرجت من الخيمة، وهم يظنون أنها جاءت إليه.
قالت أُمّ رقيّة لموقع والّلا: "عندما قمت لأخبز لهم، كانت رُقية نائمة، طلبت منها أن تنهض لتهتم بإخوتها، قامت وأخذت البطاطا لتحضِّر الفطور، وأنا ذهبت لأخبز، تشاجرتْ مع أختها، وبعد ذلك لم أجدها، ولم اعرف إلى أين ذهبت، ظننت أنها ذهبت إلى أبيها في الحقل". في تلك الساعة سمع أبوها صوت طلقة ناريّة واحدة، من ناحية المستوطنة، غير البعيدة عن المزرعة، حيث يعمل، فأسرع إلى هناك.
كانت ابنته ملقاة على الأرض تنزف، عرّف نفسه كأبيها، فأُدْخِل فورا إلى سيارة الشرطة، وحُجِز فيها لمدّة ساعة، وهو يرى ابنته تنزف من شبّاك السيارة، بعد ذلك نُقِل إلى محطّة الشرطة في معاليه أدوميم، للتحقيق معه طيلة الليلة، سألوه ما الذي دفع ابنته، وهل هو الذي أرسلها إلى موتها؟ أُطْلِق سراحه آخر الليل، سيارة، إسعاف إسرائيليّة أخلتها من المكان، وسيارة إسعاف فلسطينية نقلتها للتشريح في المستشفى الأهلي في الخليل، ودُفِنت بعد ظهر يوم الأحد في قرية كرمل.
الآن، يقول الأب: "إذا قررتْ أن تموت، هل أقول لا للموت؟" لا أريد أن تموت ابنتي، لكنني لا أستطيع أن أقول لها شيئا، ربما أرادت الموت نتيجة لما تراه حولها، هل هناك طفل لا يرى جرائم الاحتلال؟ هل هناك طفلة لم ترهم؟ إسرائيل مستمرة بجرائمها، وهذا يشعل الصغار".
قلتُ له، إنهم في إسرائيل يقولون إنها ذهبت لتنتحر بسبب شِجارها مع أختها، وأيضا أمّها تقول ذلك.
"يمكنهم أن يقولوا ما يشاؤون في إسرائيل"، يقول أبو عيد "هي لم تقل شيئا، لذلك لا أعرف ماذا أرادت، لم تقل أبدا إنها تريد أن تكون شهيدة، لا أجد تفسيرا لقرارها، إنها طفلة صغيرة، كان هناك حارسان، كان بإمكانهما إيقافها، وبإمكانهما السيطرة عليها، إنهما مدربان ومسلحان - كيف لم يتمكّنا من إيقاف طفلة عمرها 13 سنة؟".
يقول عمّها، خليل دعاجنة: "نحن مفجوعون على موتها، وأيضا فخورون بها، نحن نتوجع على كلّ الذين قُتِلوا، وعلى كل الذين يعانون من هذه الظروف. كأولئك الذين لديهم تصاريح عمل في إسرائيل، على ما يعانونه عند عبورهم يوميا على الحواجز- وأولئك الذين يرعون المواشي، كلهم يعانون، الشباب والشيوخ، إسرائيل تنكِّل بنا جميعا" ويضيف الأب: " الذين قتلوا ابنتي مجرمون، وكل الذين يقتلون الأطفال مجرمون".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صواريخ إسرائيلية -تفتت إلى أشلاء- أفراد عائلة فلسطينية كاملة


.. دوي انفجارات في إيران: -ضبابية- في التفاصيل.. لماذا؟




.. دعوات للتهدئة بين طهران وتل أبيب وتحذيرات من اتساع رقعة الصر


.. سفارة أمريكا في إسرائيل تمنع موظفيها وأسرهم من السفر خارج تل




.. قوات الاحتلال تعتدي على فلسطيني عند حاجز قلنديا