الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة والديمقراطية والشعب

فلاح أمين الرهيمي

2016 / 2 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


الدولة والديمقراطية والشعب
في بداية نشوء الدولة والديمقراطية وحكم الشعب لم يكن هنالك توافق وانسجام في العلاقة بين الشعب والدولة والديمقراطية لم تكن مستقرة بعد حصولها على السلطة وذلك لعدم التوافق التام للواقع المتناقض على الساحة السياسية بين الشعب والدولة، لأن الدولة مجموعة كائنات سياسية بينما الشعب مجموعة من الطوائف والأديان والقوميات تمثل مجتمعات مختلفة أخلاقياً وعقائدياً والتقاليد والعادات والعرف وقد وجدت قبل وجود الدولة منذ زمن بعيد وبقيت راسخة مع تقدم الزمن، وبما أن الدولة تمارس حكم سياسي يشمل جميع هذه النخب والفئات والطوائف والملل المختلفة التي تسكن ضمن الرقعة الجغرافية التي تحكمها الدولة.
فإن الدولة تحكم الشعب بواسطة عقد رضائي بين الطرفين (الشعب والدولة) أطلق عليه (الدستور) الذي لا يفرق بين الطوائف المختلفة وهنا تمثل الديمقراطية الجانب الروحي الذي فرضت فيه الدولة على الشعب الاعتراف بما لها وعليها من حقوق وواجبات وقد أطلق عليه علماء الاجتماع مصطلح (القيم). ومن أجل أن تؤدي الديمقراطية دورها الإيجابي بنجاح في المجتمع فإنها ترسخ أسس المساواة واحترام الرأي الآخر والعدالة الاجتماعية، إلا أن الشعوب لم تنعم ولم تصل إليه من إطلاق الحريات الشخصية والانطلاق من التخلف والظلم والاضطهاد إلا بعد أن أطلقت العنان للأفكار التقدمية المتحررة والمتنورة، فقد كانت البداية على يد الفيلسوف الانكليزي (توماس هوبز) حيث كان يقول : (إن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان) فيما يتصارع البشر بينهم في الحياة كل منهم يبحث عن تحقيق مصالحه الشخصية المتضاربة مع مصالح الآخرين، ولتجنب تلك الفوضى القاتلة كان على الفيلسوف الانكليزي (توماس هوبز) أن يطرح فكرته الداعية إلى التنازل المقصود من الإنسان إلى الملك وحده لأن الملك وحده الذي يملك السلطة فيستطيع أن يحقق الأمان والعدل للإنسان واستمرت هذه الفكرة حتى قيام الثورة الفرنسية ومن ثم حدث تطور تاريخي كبير على يد الفيلسوف الفرنسي (جان جاك روسو) الذي انتقد الفيلسوف الانكليزي (هوبز) وفكرته وجاء برأي بديل جديد حيث قال : (إن الإنسان طيب بطبيعته لكن المجتمع هو ما يفسده ولذلك يجب إصلاح المجتمع وديمقراطيته) ونتيجة لهذا الصراع الفكري من أجل الإنسان وحقوقه وحريته تعالت دعوات وأفكار متعددة من أجل تغليب الحريات الشخصية على السلطات الدكتاتورية التي يتبعها الحكام الطغاة. وتبلورت لدى المفكر الفرنسي الكبير (مونتسكيو) فكرة جريئة وجديدة ومتحررة كانت الأهم والأشمل والأعمق وهي فصل السلطات الثلاث بعضها عن بعض (التشريعية والتنفيذية والقضائية) فبرزت وتبلورت أهمية وأولوية حماية الفرد وحريته مما حقق الحماية للإنسان من استغلال السلطة ودكتاتوريتها بغير وجه حق، وبعد التطور الفكري في إيجاد السبل المناسبة الصحيحة لحرية وحماية الإنسان من الظلم والاستغلال والاضطهاد انقسم المفكرون السياسيون إلى فريقين أساسيين فريق اليمين الذي يعبر عن مصالح الرأسماليين والبورجوازيين والداعي إلى الحرية الاقتصادية وإبراز الهوية الوطنية والدفاع عنها باعتبارها تمثل البلد وتدافع عن مصالحه ومن جهة أخرى ظهر فريق مضاد للفريق الأول هو فريق اليسار الداعي إلى العدالة الاجتماعية والوقوف ضد جشع وجنوح الرأسمالية والتأكيد وترسيخ نزعة الروح الإنسانية في الإنسان بدل النزعة الشوفينية والطائفية والقومية المتعصبة، ونتيجة لصراع الفريقين برز مفهوم (المجتمع المدني) الذي أصبح يتكون من منظومة ومناهج واسعة من الاتحادات العمالية والمنظمات الجماهيرية غير الحكومية والمجموعات الإنسانية القائمة على الأديان السماوية والمؤسسات التي تدعو لحقوق الإنسان واحترام حريته، وقد أصبح هذا التجمع قوياً وواسعاً ينافس الأحزاب ويتفوق عليها وقد أصبح العديد من زعماء هذه المنظمات (منظمات المجتمع المدني) يمثلون شبكات عالمية ووطنية بعد أن شاع وانتشر نشاطها في جميع أنحاء المعمورة واضطلع (ألمجتمع المدني) ومنظماته بمهمة الوساطة بين الدولة والمجتمع وبعد تطورها ونشاطها وتوسعها أنشئت فكرة الديمقراطية الصحيحة في الحكم وأصبحت حرية الإنسان مصونه واتسعت أفكار وترسخت احترام حرية الرأي والرأي الآخر وقاعدة الحوار الفكري الشفاف والهادئ وأسس صندوق للاقتراع في الخصومات السياسية واختلاف الرأي بين المجموعات المختلفة الأفكار هو الحكم بين المتنازعين سياسياً وأصبحت الدساتير والقوانين من وضع البشر حسب مصلحة المجتمع وسيادته وسعادته واستقراره وراحته، ولم يكن القانون عمل أفكار مقدسة لا يحق للإنسان الشك بها والتدخل فيها وإبداء الرأي نحوها واعتراضها كما كان يفرضها ويفسرها الحكام الدكتاتوريون. وأصبح الدستور والقانون يخضع إلى قاعدة التطور والتغيير في المجتمع من حيث الزمان والمكان ومصلحة الشعب ولكنه يفرض طاعته وتنفيذه واحترامه من قبل جميع أبناء الشعب بمختلف طوائفه وقومياته وفئاته وأجندته المختلفة والمتنوعة.
ثم برزت ظاهرة العلمانية التي هي فصل الدين عن الدولة لأن الدولة التي تتكون من السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية تحكم الشعب، وهذا الشعب ليس موحداً عبر التاريخ وإنما متكون من مذاهب وأطياف واثنيات مختلفة ومتنوعة، من خلال هذا الاختلاف يجب على الدولة أن تكون محايدة مذهبياً وطائفياً واثنياً، كما يجب عليها أن تفصل بين مختلف المكونات الاجتماعية ومن خلال هذا التنوع والاختلاف يجب على الدولة أن لا تكون منحازة إلى طائفة أو مذهب أو قومية أو فئة وإنما تكون مهمتها وواجبها تطبيق قواعد التعايش السلمي والتآخي والمحبة والاحترام بين مختلف اثنيات ومكونات المجتمع الذي يعيش في الرقعة الجغرافية التي تحكمها الدولة. وخوفاً من انحياز الدولة المذهبية والطائفية والقومية إلى أحد مذاهب وطوائف وقومية المجتمع على حساب الطوائف والمذاهب والقومية الأخرى وما يفرز ذلك الانحياز من حساسية وكراهية وصراع وتنازع في المجتمع، كان الحل التاريخي الناجح الذي يرضي جميع أبناء المجتمع هو علمانية الدولة بمعنى حيادها وفصلها عن المذاهب والطوائف والقوميات وعند ذلك تصبح الدولة مطاعة ومحترمة ومحبوبة من جميع أبناء المجتمع.

فلاح أمين الرهيمي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط


.. جيش الاحتلال يعلن إصابة 4 جنود خلال اشتباكات مع مقاومين في ط




.. بيان للحشد الشعبي العراقي: انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو