الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكومة جامعي الغذاء أو اقتصاد الكفاف

قاسم علي فنجان

2016 / 2 / 14
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


يكاد يتفق جميع الانثربولوجيين على أن توفر صفات أو خصائص معينة في مجتمع ما تجعل منه مجتمعا"بدائيا", والكلمة ليست مقلقة ويجب أن لا نبدي امتعاضنا أو نفورنا منها إذا كانت سلوكيتنا أو أساليب حياتنا تقع ضمن هذه الكلمة, فهذه المفردة "بدائي" تطلق على كل مجتمع يعيش بغير الحاضر أو بغير زمنه ومتأخر عنه, فمثل هذا المجتمع لا يتأقلم مع مكتشفات العصر واختراعاته أو يسيء استخدامها, ولا يستطيع أن يتجاوز تقاليده وقيمه وأعرافه البالية, إي أنه متخلف عن الركب أذا جاز لنا أن نستعير هذه الجملة البدوية, أيضا هذه الكلمة "بدائي" توصف لحالة مجتمع يوحي بشكل ما بالطفولة قياسا إلى حالة النضج التي تعيشها المجتمعات الأخرى, فإذا ما جاء سائح أوروبي أو أمريكي أو كندي إلى مجتمع يسكن الصحراء "البدو" أو في غابات القارة الأمريكية أو سهول استراليا أو أفريقيا، فأنه حتما سيطلق على هذه المجتمعات لفظة "بدائي", فأساليب الحياة وتقسيمات العمل وأشكال الحكم وأنماط التفكير وبنى القرابة وردود الأفعال النفسية والسلوكية تكون بسيطة قياسا بحياة المجتمعات التكنولوجية المتقدمة, ولنا أن نتصور بعد هذا التعريف البسيط بالمجتمع البدائي العلاقة التي تربطنا به, وسنتصور بناء هذه العلاقة من خلال الاقتصاد فهو العمود الفقري الذي يقف عليه أي مجتمع ونستطيع أن نقيس عليه تطور المجتمعات, والاقتصاد في أحد تعاريفه هو دراسة النوع البشري في مجال العمل في الحياة اليومية, وبما أننا في أزمة اقتصادية سيئة, والتي يرجعها الكثير من اقتصاديي ومستشاري المجموعة الحاكمة إلى الانخفاض الحاد بأسعار النفط, رغم أن الكثير من البلدان النفطية -الواقف اقتصادها على النفط- تتعرض لنفس الوضع مع ذلك فأنها لم تمر أو لم تتأثر بنفس ما نحن فيه, والسبب في ذلك هو وجود "الدولة" التي تخطط, أما هنا فتوجد فقط مجموعة عصابات مسلحة تحكم ولها مستشارين من الداخل والخارج, وهمها الأول والأخير القتل, السرقة, النهب, التهجير وإدارة السيناريوهات المظلمة بشكل جيد بل ممتاز..
هذه الأزمة الاقتصادية المستمرة وما أنتجته وتنتجه من ولايات ومصائب جعلت المجتمع في وضع متخلف أو "بدائي" وبدأت ترتسم معالم جديدة لذلك المجتمع, فبعد أحداث 2003 ظهرت علامات انحطاط المجتمع وتخلفه بفعل عوامل عدة ومسببات عديدة، منها تلاشي الخدمات المقدمة من ماء صالح للشرب إلى كهرباء إلى مجاري الصرف الصحي...الخ، وتخلف التعليم والبطالة المليونية التي هي بازدياد مستمر والحروب المستمرة الطائفية والقومية التي أخذت منه الشيء الكثير وأفقدته كل أحاسيسه الإنسانية, شهد هذا المجتمع تراجعا حادا وواضحا في أفكاره المدنية التي كان قد تحصًل عليها في وقت ما من تاريخه, هذا التراجع انعكس سلبا على كامل سلوكياته وأساليب حياته, فانتشرت لديه عادات كانت قد اندثرت أو بالأصح قد نفضها هو عن نفسه في زمن نضجه, وأصبح هذا المجتمع لا يملك قانونا بالمعنى الحقوقي والقضائي الحديث للكلمة, بل ملك أعرافا عشائرية ودينية وقرابية من نوع معين تسير حياته, وأصبح قانون "المقابلة بالمثل" الذي هو أقدم عرف كان سائدا في المجتمعات البدائية هو الفيصل في حل جميع مشكلاته, وأضحت مراكز الشرطة مقار للفصل العشائري, وانتشرت المحاكم الشرعية واللجان "الدينية ", فلجنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمراقبة ومعاقبة "شاربي الخمر", ولجنة القصاص العادل للمرأة "الزانية", ولجان النصح والإرشاد والتوعية للمرأة "المتبرجة" وللشباب الذين يتبعون الموضة الخ من هذه الهراءات, من جهة أخرى صار لدى قبيلة أو طائفة أو قومية معينة الحق أن تزود المجتمع بالرئيس ويدعمون هذا الحق بخرافة معينه ينتجوها,
أيضا عادت قضية فصل النساء كدية عشائرية وهي من أكثر العادات المتخلفة والهمجية, وطقوس الأضحية هي الأخرى رجعت بشكل واضح وبقوة, وهي نحر أنواع معينة من الحيوانات في مناسبات محددة تقربا وأسترضأ للإلهة أو لإظهار التقدير والشكر للضيف, وبتنا نراها في أي مهرجان يقام أو مؤتمر يعقد (قمة بغداد, مؤتمر البرلمانات الإسلامية, افتتاح مشروع), وهؤلاء يمارسونها لأنهم مقتنعون بها أو لعلمهم أنها من أدوات سيطرتهم عل المجتمع, لكن ما يحزن حقا مشاهدة هذه الممارسة في المؤتمر الطارئ لاتحادات نقابات عمال العرب الذي عقد في بغداد, فعند قدوم الوفود العمالية, قامت قيادة الاتحاد العام لنقابات عمال العراق بذبح خروف تحت أقدام هذه الوفود إكراما لقدومهم, أو قد تكون فاتحة خير لانتصار عمال العراق والعرب على البورجوازية, لقد تسربت هذه العقلية البدائية حتى للقيادات العمالية التي من المفروض أن تكون الأكثر بعدا عن هذه الأفعال والممارسات الهمجية.
أن ما قلناه ورصدناه ليس سوى القليل من المشاهدات الكثيرة المؤلمة والمحزنة وسنتابع ذلك في مناسبات أخرى, مايهمنا هنا هو الفهم البدائي للجانب الأكثر أهمية من حياة المجتمعات الذي هو الاقتصاد, هذه الأهمية تتلاشى إذا ما عرفنا أن أي متحدث بهذه المجموعة الحاكمة من رئيس وزراء ووزير وبرلماني ومستشار اقتصادي، يتكلمون فقط عن مستوى الكفاف أو إنتاج الكفاف فتسمعهم يقولون "إذا ما أنتجنا ثلاثة ملايين برميل نفط بسعر كذا فأننا نستطيع توفير المعاشات التقاعدية والرواتب للعمال", لا يوجد هنا مفردات اقتصادية مثل النمو أو نسبة النمو, تنمية مشاريع القطاع الخاص, الاكتفاء الذاتي, السيطرة على المنتج الأجنبي, الدخل القومي..الخ, وهي مفهومات ابسط دولة بورجوازية, حتى هذه لم يستطيعوا أن يفكروا بها لأنها اكبر من عقليتهم البدائية التافهة, أن نظرة مقارنة بسيطة مع أي مجتمع بدائي تجعلنا في دهشة من أمرنا, وقد يكون خير مثال جماعة البوشمن البدائية التي تقطن صحارى كلهارى الجدباء "الجنوب الإفريقي" وأهم مشكلاتهم هي الحصول على الماء, وللتغلب على هذه المشكلة فأنهم يخزنون الماء في قشور بيض النعام ويدفنوه في الأرض للاستفادة منه في موسم الجفاف, الآن عندنا لا توجد سدود كافية لتخزين المياه والسدود المقامة مهددة بالانهيار, وعند ذهابك لمخازن وزارة التجارة فأنك ستجدها خاوية تماما, ترى من البدائي؟ لم يستطيعوا أن يوفروا أي شي سوى الأموال التي نهبوها على مر السنين, لكن على ماذا يقوم الاقتصاد العراقي اليوم؟ هل يقوم على تربية الحيوانات والرعي؟ طقوس الأضاحي اكبر من عدد الحيوانات الموجودة والأراضي أصبحت جدباء, هل يقوم على الصيد والقنص؟ ما الذي نصطاده فالأهوار جفت والبحيرات لم يصلها أحد, هل يقوم على القطاف؟ لا توجد غابات فاكهة والأشجار الموجودة ماتت أو قطعت, طبعا لم نذكر الزراعة لأنها مرحلة متقدمة ولأننا نعيش قبل اكتشافها, فلا يوجد أي منتج زراعي عراقي, لكن قد يقوم على شكل ابعد من ذلك, فجامعي الغذاء شكل انقرض تماما, لكن عندنا قد عاد إلى هذا الحد أو ذاك, فالرجوع إلى نباتات الفطر التي كما يقال بديل للحم كما نسمع عنها تذكرنا بنباتات "اليام"، وهي جذور بطاطا بدائية كانت القبائل البدائية تعيش عليها, أيضا عدنا إلى نباتات "الخباز أو التوله" وهي من النباتات الطبيعية, (لقد رأيت جمع من النسوة العاملات وهن يجمعن ذلك النبات في المصنع الذي اعمل به بعد تعطله عن العمل كباقي معامل وزارة الصناعة), وأصبحت العائلة هي الوحدة الاقتصادية المكتفية بذاتها, طبعا مع وجود تقسيم عمل بسيط داخل هذه العائلة, وتجمع العائلة في أماكن معينة ليست للعواطف الإنسانية وصلات الرحم كما يشاع بل لزيادة القوة في ضل غياب القانون, يجدر بنا أن لا ننسى التبذير وتبديد الثروات الذي يجري في مناسبات محددة (قمة بغداد, مؤتمر البرلمانات الإسلامية) وهو يذكرنا أيضا باحتفالات "البوتلاتش" التي كانت تقيمها القبائل البدائية باعتبارها عملية تلاؤم نفسي مع وضع فاسد جدا, وإذا ما قمنا بجرد بعض الأعمال التي يمارسها المجتمع فإنها ستكون كالأتي, (بطايق نفط, كلنس, كارت موبايل, عتيك, وصل بازه, تبديل طحين, شعر بنات, محفظات للجنسية ودفتر الجواز, مي شرب, جكاير, جرايد....الخ من قائمة سوق العمل العراقي)
لقد استطاعت هذه العصابات الحاكمة ونجحت إلى حد ما في إرجاع المجتمع إلى حالة بدائية جدا, وإذا ما أستمر هؤلاء في حكم المجتمع فلن يكون هناك أي مجتمع بالمعنى الحديث للكلمة, وسيكون من الصعب استمراره على هذا النمط من التفكير البدائي في ضل التقدم الهائل في كل مجالات الحياة, وسيكون عرضه للتفكك والانهيار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرد الإسرئيلي على إيران .. النووي في دائرة التصعيد |#غرفة_ا


.. المملكة الأردنية تؤكد على عدم السماح بتحويلها إلى ساحة حرب ب




.. استغاثة لعلاج طفلة مهددة بالشلل لإصابتها بشظية برأسها في غزة


.. إحدى المتضررات من تدمير الأجنة بعد قصف مركز للإخصاب: -إسرائي




.. 10 أفراد من عائلة كينيدي يعلنون تأييدهم لبايدن في الانتخابات