الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق في غرفة الإنعاش والعبادي يروي نكات عن التكنوقراط

حسين كركوش

2016 / 2 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


إعلان رئيس الوزراء حيدر العبادي عن نيته بتطعيم وزارته بشخصيات من التكنوقراط ليس سوى تضييع للوقت ، مثل امرأة عاقر تشغل نفسها بشراء ملابس لوليد تعرف جيدا أنه لن يولد.

أولا/ التكنوقراط خبراء في اختصاصاتهم وليسوا رجال سياسة ، أي هم مستقلون بعيدون عن الانتماءات الحزبية ، و الولاءات السياسية الضيقة. وهم يعتمدون في اتخاذ قراراتهم على معطيات محددة ويقدمون وصفاتهم لعلاج أمراض البلاد وفق اجتهاداتهم المهنية الخاصة ، وليس مسايرة لما يريده الرأي العام أو المواطنون أو الشعب ، وقد تكون قراراتهم و وصاياهم في أحيان كثيرة بالضد من مطالب الشعب.
فكيف سيعمل التكنوقراط في تشكيلة وزارية يقودها العبادي ، وهو قائد كبير في حزب سياسي ، وليس سياسيا مستقلا ؟

ثانيا/ نحن نعرف أن العبادي وصل إلى الحكم بمؤامرة دُبرت بليل ، والذين أوصلوه إنما أوصلوه مقيدا بألف قيد. وهذه القيود منعت العبادي من أن يحقق حتى هذه اللحظة إصلاح جذري حقيقي ، ولا حتى أي إصلاح مهما كان ، رغم تأييد شعبي عارم. فكيف سيكون بمقدور العبادي أن ينفذ ما سيوصي به الوزراء التكنوقراط ، وهو لا يخطو خطوة واحدة دون أن يلتفت لقيادة حزبه ، ودون أن يفكر بردود أفعال الذين اختاروه.

ثالثا/ الحكم الحالي في العراق شاذ وليس حكما طبيعيا سويا مثلما يوجد في دول العالم. الحكم في العراق يقوم على محاصصات مختلفة ، و تشل أداءه تدخلات خارجية متعددة ، وتكتنفه تعقيدات متشابكة ، و تعيق عمله جماعات ضغط مافيوية جبارة لا مثيل لفسادها في تاريخ العراق ، و تتدخل بشؤونه جهات داخلية ، منها مدنية غير حكومية و أخرى عسكرية شبه نظامية قراراتها ، أحيانا ، أقوى من قرارات الحكومة نفسها.
فهل بمقدور التكنوقراط تجاوز هذه السدود والعمل بحرية ؟

رابعا/ الأدارة التكنوقراطية ، في كل مكان وزمان ، لا تملك عصا سحرية تهتز فتتغير الأمور رأسا على عقب. فمثلا ، بعد حدوث (الانهيار الكبير Great Depression ) الذي عاشته الولايات المتحدة عام 1929 أضحت التكنوقراطية والتكنوقراط على شفاه الجميع وكأنها الحل السحري لتلك الكارثة الاقتصادية السوداء. لكن ذاك الهوس التكنوقراطي سرعان ما خمد ، بعد أن عجز من تقديم أي حلول. ولولا تدخل الدولة و الإجراءات الاقتصادية الجذرية التي أجراها الرئيس المنتخب وقتذاك فرانكلين روزفلت لما تحسنت أوضاع البلاد.
و العراق ليس استثناءا. إذ ليس بمجرد اختيار وزراء من التكنوقراط يغادر العراق الاقتصاد الريعي ، و تصل الكهرباء إلى أبعد قرية عراقية ، ويتم القضاء على المحاصصة ويُجتث الفساد.

خامسا/ مهما كان الوزير التكنوقراط عبقريا ومخلصا ونزيها فأنه لا يستطيع أن يؤدي مهامه ألا في ظل حكومة منسجمة وفي دولة قوانين ومؤسسات ، مثلما حدث ، مثلا ، في اليونان عندما تم اختيار المصرفي و الاقتصادي المعروف وخبير النقد الدولي ، لوكاس باباديموس ، رئيسا للوزراء في نوفمبر 2011 ، و مثلما حدث في إيطاليا سنة 2011 عندما تم اختيار الاقتصادي البروفسور المستقل ، ماريو مونتي ، رئيسا للوزراء خلفا لبيرلسكوني وشكل حكومة أعضائها من التكنوقراط لانتشال البلاد من الأزمة الخانقة التي كانت تمر فيها. فهل أن حكومة العبادي يتوفر فيها هذا الانسجام ، وهل توجد في العراق حاليا دولة مؤسسات وقوانين ، أم جماعات متصارعة ، لا تفكر إلا باستخدام السلاح كوسيلة لحل المشاكل بينها ؟

سادسا/ التكنوقراط جراحون ماهرون في صالة عمليات مهمتهم ، ليس التخدير ، إنما الكي و البتر والقطع والاستئصال. و هذا يعني أن وزير ما من التكنوقراط قد يتخذ ، معتمدا على الحسابات الرياضية الدقيقة وحدها (وربما تكون حسابات صحيحة وصائبة) ، قرارات تثير غضب وهيجان الأكثرية الساحقة من المواطنين ، وقد تتعارض مع مصالح الأكثرية من الشعب وحتى مع الممارسة الديمقراطية ، لكنه لا يبالي. ولهذا السبب يتم الاستعانة بالتكنوقراط في اوقات الأزمات.
فهل هذا ممكن الحدوث في عراق اليوم المتخم بالمشاكل الكبرى ؟

لنأخذ الحالات التالية لنرى كيف سيتعامل معها الوزراء التنكوقراط في حال تم اختيارهم.
ولنبدأ بالبطاقة التموينية لأنها المسألة الأكثر خطورة في العراق.
البطاقة التموينية وحدها (دعك عن الدعم للمشتقات النفطية والترهل في الجهاز الوظيفي الحكومي) تكسر ظهر خزينة الدولة ، فقد خصص لها في ميزانية عام 2016 وحدها مبلغ قدره ملياران وثمانمائة مليون دولار ، لكن هناك ملايين العراقيين سيتضررون أو قد يموتون جوعا بإلغائها.
صندوق النقد الدولي يحث الحكومة العراقية بل يطالبها ، حتى يستطيع منحها القروض ، بإلغاء البطاقة التموينية ورفع الدعم عن المشتقات النفطية.
لكن صندوق النقد الدولي يفكر بذهنية التكنوقراط (الخبراء) ، الذين لا يهمهم من قريب أو بعيد نجاح التحولات الديمقراطية ، ولا يعبأون بمقدار ذرة بتحقيق العدالة الاجتماعية. صندوق النقد الدولي ، أو (خبراء) الصندوق كما يصفهم عالم الاجتماع الفرنسي البارز ، بيير بورديو ( 1930-2002 ) ، هم " طغاة يفرضون قوانين السوق دون نقاش ، ومهمتهم هي التوضيح وليس التفاوض."
حسنا ، لو أن الوزير التكنوقراط الجديد توصل إلى نتيجة تقضي بإلغاء البطاقة التموينية. كيف سيكون رد فعل الشعب الذي تطحنه الأزمات طحنا، وتنخره نخرا بطالة الشباب ؟ يقينا ، سيرفض. ومعه كل الحق إذا رفض.
وحتى لو لم يلغ الوزير التكنوقراط الجديد البطاقة التموينية ، وأراد فقط إعادة تقنينها ، بتحوير وتقليل وتعديل مفرداتها فأن الشعب سيطالب (وهو على حق تماما) بأن تترافق مع هذا القرار، (حتى تتحقق العدالة) قرارات أخرى ، منها :
إلغاء (جميع) امتيازات كبار المسؤولين ، وفي مقدمتهم رؤساء المؤسسات الثلاث ، والوزراء وأعضاء البرلمان والمدراء العامون وكبار قادة الجيش ، الحاليون والسابقون.
وإلغاء الأمتيازات يجب أن يتمثل بإخراجهم كلهم من المنطقة الخضراء، وتقليص رواتبهم إلى الحد الذي كانوا يتقاضونه قبل وصولهم لمناصبهم ، وإلغاء أفراد حمايتهم نهائيا والاكتفاء بمرافق واحد لكل منهم ، مثلما كان الأمر مع الزعيم قاسم ، والتحقق من شرعية ثرواتهم التي يملكونها الآن وثروات أقاربهم ، على طريقة ، من أين لك هذا. وتتزامن هذه الإجراءات مع إجبار قادة الأحزاب والكتل السياسية على إخلاء ممتلكات الدولة أو تلك العائدة لمسؤولي النظام السابق ، في العاصمة والمحافظات.
فهل سيجرأ الوزراء التكنوقراط من تحقيق ذلك ؟ أم أن رؤوسهم ستُقطع عند أول سيطرة وهمية وتوضع في حاويات القمامة حتى قبل أن يفكروا بتنفيذ إجراءاتهم ؟

هل سيجرأ وزير من التكنوقراط أن يفتح ملفات المكاتب الاقتصادية للأحزاب الحاكمة ، و المصارف الأهلية ، و عمليات تبييض الأموال ، وعمليات تهريب النفط ، وتهريب العملة ، وعمليات الاستيراد المنفلتة من كل عقال ، حتى أُغرق السوق العراقي بكل نفايات العالم ؟

هل بمقدور وزراء التكنوقراط أن يستدعوا النائب في البرلمان السيد مشعان الجبوري ليحققوا معه حول اعترافه عن استلام رشوة بملايين الدولارات ، وعن معلوماته بان جميع رجال الطبقة السياسية ، كلهم دون استثناء ، مرتشون وفاسدون ، وأن يطالبوه بتقديم ما يملك من أدلة في جلسات علنية ومفتوحة أمام القضاء ؟ وإذا استجاب السيد مشعان لطلبهم ، هل يوافق الآخرون على الامتثال أمام القضاء ؟ وإذا لم يوافقوا فهل بإمكان الوزير التكنوقراط أن يجلبهم بمذكرات قضائية ؟

هل بإمكان وزير دفاع جديد من التكنوقراط أن يعيد فتح ملفات سقوط الموصل ويستدعي القائد العام السابق للقوات المسلحة للتحقيق معه ؟

هل بمقدور وزير داخلية من التكنوقراط أن يحقق في موضوع المليشيات التي تعمل خارج القانون ، وأن يفتح موضوع الاغتيالات والاختطافات التي تحدث في البلاد ؟

بالطبع ، هذه الأسئلة وكثير كثير مثلها لها جواب واحد.
الجواب هو ، كلا.

المعضلة في العراق لا تكمن في (أدارة) الدولة والحكومة ، وإنما تكمن في عدم وضوح (فلسفة) الدولة ونظامها السياسي وخططها الاقتصادية.
ولن يستطيع التكنوقراط ، حتى لو كانت عقولهم عصارة لعقول عباقرة العالم كلهم ، حل المعضلة إذا ظلت الأمور الحالية كما هي.

و قبل أن ننهي هذه السطور ، من المفيد أن نتذكر أسماء رئيس البنك المركزي السابق ، سنان الشبيبي ، ورئيسي هيئة النزاهة ، راضي الراضي و موسى فرج ، وأفراد طاقم مفوضية الانتخابات الأولى التي أشرفت على أول عملية للانتخابات في البلاد. هولاء كلهم من التكنوقراط المستقلين ، لكنهم أبعدوا عن وظائفهم قسرا من قبل الطبقة السياسية الحالية.

فأذا كانت هذه الطبقة السياسية قد ضاقت ذرعا من وجود مستقلين ليسوا أكثر من أصابع اليد وهم ، على أي حال موظفون بسطاء ، فهل تغيرت هذه الطبقة حتى أصبحت ترضى أن تتنازل عن (حصصها) و أن ينيب عنها التكنوقراط في أدارة الدولة !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نواب في الحزب الحاكم في بريطانيا يطالبون بتصنيف الحرس الثوري


.. التصعيد الإقليمي.. العلاقات الأميركية الإيرانية | #التاسعة




.. هل تكون الحرب المقبلة بين موسكو وواشنطن بيولوجية؟ | #التاسعة


.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة علما الشعب جنوبي لبنان




.. المتحدث باسم البنتاغون: لا نريد التصعيد ونبقي تركيزنا على حم