الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا أنا الوحيدة السجينة, سأحارب حتى أجعلكن خلف القضبان معي!

سمر محسن

2016 / 2 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في مجتمعات الكبت والقمع يكثر نموذج معين من النساء رأيته أينما ذهبت وهو:
نموذج المرأة التي تم قص أجنحتها رغماً عنها والتي تحاول وبشدة قص أجنحة غيرها من النساء اللواتي رفضن الإنصياع، حيث تحاول مستميتة وأحياناً أكثر من الرجل نفسه في أن تجعل الجميع مثلها كي لا يستمر شعورها بالنقص والحرمان.
تجد إحداهن وهي ترتدي الحجاب بعد أن تم غصبها عليه من قبل أهلها أو زوجها تنتقد وتذم بشراسة كل من لا ترتديه وتصمها بالعهر وبأن لها عذاب شديد في الآخرة، لا لكونها مقتنعة فعلاً بما تقوله ولكن لكون إنتقادها لغيرها ومحاولة تغييرهن أسهل عليها من محاولة تغييرها لنفسها ومقاومتها لما فُرِض عليها.
لازلتُ أذكر تلك المرة التي كنتُ فيها خارجة من مكتبي في عملي السابق في العراق وبالصدفة جاءت عيني وقتها على موظفة معي إسمها (ي) تنظر بسرحان وتأمل وأعين ملؤها الحسرة والتمني إلى موظفة أخرى كانت تمشي أمامها وهي ترتدي البنطال والملابس المتحررة، كانت تتأملها دون أن تعلم إني رأيتها ووقفتُ بدوري أتأملها، وما إن رأتني حتى إرتبكت ودخلت مكتبها بسرعة, (ي) هذهِ ترتدي العباءة والحجاب وكفوف يد وجوارب ولا يظهر منها سوى وجهها (حسب الشرع) ورغم كوني شاهدتها أكثر من مرة تكاد تتعثر على درجات السلم بعباءتها حين يكون لديها كتاب رسمي مستعجل بحاجة لتوقيع المدير مما يجعلها بحاجة إلى الإسراع بخطواتها, ولكنها كانت دوماً تتباهى بهذه العباءة وبعلو ديانتها وتمسكها بكلام المرجعية حتى إن موبايلها ممتلىء باللطميات الحسينية والآيات القرآنية وقد إعتدنا على سماع هذه اللطميات في ممرات العمل حين كانت تمر وهي تمسك موبايلها وتشغلهن عمداً كي ترينا مدى (تشيعها) هذا إضافة إلى قيامها بأغلاق مكتبها وقت الصلاة إلى أن تكمل صلاتها!
هذه الموظفة كانت من أكثر النساء اللواتي حاربنني وأطلقت عليّ وعلى غيري من المتحررات الكثير والكثير من الإشاعات التي تمس الشرف, لا لشيء غير إننا لا نرتدي الحجاب وعباءة الرأس ونضع القليل من المكياج.

اليوم كنتُ ذاهبة إلى محل قريب من محل سكني كي أشتري بعض الأشياء, وما إن وصلتُ المحل حتى أسرني تغريد بلبل صغير موضوع في قفص معلّق على الحائط بجوار الباب, وقد كان المحل مكتظ بالزبائن مما أتاح لي بعض الوقت لتأمل هذا الكائن البديع, صوتهُ عذبٌ للغاية ويخال المرء وهو يسمعه أنه سيسمع بعد قليل صوت الشلالات الطبيعية وحفيف الأشجار الخضراء ويشعر بلسعة الشمس المختلطة بنسمة هواء باردة تداعب وجنتيه وهي تهب في تلك الغابة الخيالية التي يتصورها فقط لكونه يسمع سحر صوت هذا الطائر!
ولكن ما هي إلا ثواني حتى أثار إنتباهي إنه يتحرك حركات سريعة وعصبية ويحاول الطيران داخل قفصه الصغير دون أن يجد المساحة الكافية لفرد جناحيه حتى, لم أستطع منع نفسي من الإشفاق عليه وتلاشت بسرعة صورة غابات الأمازون وشعورها المنعش وحل محلها شعور بالغصة والغضب من صاحب المحل وقد ظلم وجرد هذا الكائن من حريته فقط كي يُمتِع أذنيه بصوته.
تذكرتُ وقتها (ي) ونظرتها الحزينة إلى الموظفة الأخرى.
حيث أن هناك تشابه قوي بين الحالتين, حالة (ي) المجبرة على الزي الإسلامي من زوجها وحالة العصفور المسجون, التشابه هذا هو (القفص).
نعم, القفص الذي جرد العصفور المسكين من أغلى ما يملك وهو حريته هو نفسه الذي جرد المرأة من حريتها, ولكن مع فارق مهم للغاية وهو إن هذا الطير مهما طال حبسه سنين في قفصه ومهما زينّا قفصه ووضعنا فيه الألعاب ولونّاه بأزهى الألوان فما أن يجد الفرصة سانحة لتحرره سيقتنصها ويطير بعيداً دون أن يلتفت وراءه فهو أذكى من أن نضحك عليه, بينما هؤلاء النسوة قد إندمج القفص مع عقولهن ولم يعدن قادرات حتى على رؤية القضبان فهن باقيات في نفس المكان تحديداً حيث يريدهن سجانهن ولا يجرؤن على التغيير وذلك لكونه أقنعهن أن قفصهن هو الأفضل لهن وإن هذه هي رغبة الخالق وإن قمن بعصيانه ومحاولة التحرر سينلن العقاب الرباني والحرق إلى أبد الأبدين, بعضهن لم تنطلي عليها الحيلة ولكنها تضطر إلى مجاراة التيار كي لا تكسرها الأمواج العاتية, وبعضهن صدقن وتبنين الفكرة وبتن يحاربن من يجدنها ترى القضبان وتلمسها وتتساءل لماذا؟
لماذا يجب عليّ أنا أن أغطي نفسي كي لا أثير شهوة الرجل؟
لماذا لا يسيطر هو على شهوته؟
هل من المنطق إن نطلب من رجل غني أن لا يقوم بإظهار ثروته والتمتع بها من خلال شراء بيت جميل وسيارة فخمة وغيرها من مظاهر الرفاهية بل على العكس عليه أن يحتفظ بماله في الخزنة فقط ويحافظ على إرتداء ثياب رثة والسكن بمنزل قديم مهترئ , وذلك فقط كي لا يقوم بإغراء ضعاف النفوس بسرقته وبالتالي سيدخل في خطيئتهم ويحاسبه الله لكونه كان السبب في قيامهم بهذه الخطيئة ,,, أترون هذا تفكيراً منطقياً وعادلاً ؟
إنه لأمر محزن للغاية أن نشاهد نظرة الحسرة والتمني داخل عيون هؤلاء النسوة السجينات وهن يرين غيرهن من المتحررات ويحدثن أنفسهن لو إن قفصنا لم يكن فريضة, آه لو لم يكن, لكنا وكنا وكنا.
أعزائي أنا لا أدعو إلى التعري فأنا أعرف إن هذا أول ما سيتهمني به القارئ المعارض, فنحن شعوب نعشق التطرف ولا نعرف غيره, فإما يمين وإما يسار, لا نكلف أنفسنا أبداً بالبحث عن حلول وسطى ولا نحاول مطلقاً قراءة ما بين السطور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك




.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر


.. 90-Al-Baqarah




.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا