الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زكريا القاضي في -وا أقصاه-... أنشودة للبساطة...

حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)

2016 / 2 / 23
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


حسين محمود التلاوي

ربما كان اطلاعي على ديوان "وا أقصاه" للشاعر الأستاذ "زكريا القاضي" واحدة من المصادفات القدرية التي تواجه الإنسان فتغير مسار تفكيره في بعض الجوانب؛ سواءً كانت متعلقة بموضوع المصادفة تلك أو غير متعلقة. وليس في كلامي هذا أية مبالغة؛ لأن هذا الديوان أحيا في نفس المرء الأمل في أن يكون في الفضاء الأدبي العربي شعراء يستطيعون تناول الموضوعات "الثقيلة" بأسلوب بسيط سلس واضح وشاعري في الوقت نفسه؛ شاعري بالطريقة المفتقدة في هذا الفضاء العربي الذي لا يدري المرء متى ملأته الأقلام التي ترى في عسر فهم القارئ للنص نصرًا وتميزًا للشاعر...!!

ديوان متنوع؟!!
يتضمن الديوان مجموعة من القصائد التي تتناول موضوعات وتجارب مختلفة في طبيعتها، وهو ما قد يدفع البعض إلى أن يصف الديوان بأنه متنوع، لكن الديوان في تقديري ينزع إلى الوحدة العضوية رغم تعدد ما فيه من رؤى؛ ففي النهاية يظهر الشاعر في كل القصائد بجلاء ووضوح معبرًا عن رؤاه ومشاعره بكامل الحرية والانطلاق. كيف ذلك؟!
الاتساق هو سيد الموقف في هذه القصائد متنوعة المشارب؛ فالشاعر يدعم المشاعر الراقية في مختلف الجوانب والقضايا؛ فالشاعر ينادي بالوفاء، والحب الراقي، ومقاومة المحتل، والصمود في مواجهة الإغراءات مع التعبير عن ذلك كله بألفاظ بسيطة واضحة ومشاعر متدفقة حارة وغير مفتعلة أو متكلفة في آن.
وينقلنا هذا إلى أسلوب الشاعر في التعبير عن تلك التجارب؛ فكما قلنا يظهر الشاعر بوضوح في ثنايا قصيدته معبرًا عن رؤاه بدون أي ادعاء أو تلوين من خلال ألفاظ سلسة تزيد من وضوح الأفكار، وتأتي في ترتيب متدفق سلس بدوره يضاعف من حرارة المشاعر دون أية مبالغة أو افتعال أو انفعال زائد، وهو ما قد يكون انعكاسًا لبعض ملامح نفس الشاعر، التي كما قلنا تظهر بوضوح في قصائد الديوان.

القصيدة القصة
قلنا إن الديوان ينزع إلى الوحدة العضوية، وكذلك القصيدة ولكن القصيدة لا تأخذ هذا الاتجاه لمجرد فقط الالتزام بهذا النمط الشعري؛ حيث تأتي هذه الوحدة تلقائية؛ لأن القصيدة في الأساس عند الشاعر هي تعبير عن تجربة ذاتية ترتبط بواقع محيط بها وهو ما نلمسه في قصيدة "قاب بل أدنى" في مقطع "تطل النهاية نفسها"؛ حيث يوضح الشاعر أن قصة عشقه لم تفلت من مقصلة الفراق؛ فكانت النهاية نفسها التي انتهت إليها الكثير من القصص فيما سبق، وفي هذا منتهى العقلانية الشعورية — إن جاز التعبير — من الشاعر.
القصيدة إذن حكاية، أو رواية، ويمكن أن نطلق عليها مسمى "القصيدة القصة" أو "الحكاية الشعرية"؛ فالشاعر يروي حكاية بلغة شعرية بسيطة سلسة واضحة في غير ابتذال حارة في غير انفعال معبرة عن الحال الذاتي في إطار متصل بالواقع المحيط، ولا ينفصل عنه بل يسعى للارتباط به.

انتحال الشخصية!!
من المؤكد أن انتحال الشخصية جريمة يعاقب عليها القانون، ولكن في عالم الشعر، أعتقد أنه فعل يكافأ عليه الشاعر بالتحية والتقدير، وهو ما يستحقه بالفعل شاعرنا. كيف؟!
عبر الشاعر بمنتهى الدقة عن مشاعر الشخصيات التي أوردها في قصائده عن المسجد الأقصى والانتفاضة الفلسطينية بخاصة في قصيدة "سألف خصري بالذخيرة"؛ حيث لامس فيها القضية الفلسطينية بكل تعقيداتها من تدخلات دولية واستكانات عربية من خلال رؤية فرد واحد هو المواطن الفلسطيني الذي أجاد الشاعر تلبس شخصيته؛ لأنها في النهاية شخصية كل عربي حر شريف يرفض الاحتلال ويؤكد حق الفلسطينيين في المقاومة. هذه الثوابت الأساسية في ذهن الفلسطيني هي نفسها الثوابت الأساسية في ذهن الشاعر؛ لأنها ثوابت الحق والمنطق.
كذلك عبر الشاعر في قصيدة "قالت أم الطفل الإبراهيمي" عن نفسية المرأة الفلسطينية بعد استشهاد ولدها؛ وهو التعبير الذي جاء تدريجيًّا بالتعبير عن اللوعة، ثم تصاعد النبرة لتصل إلى التحدي بالإعلان عن رغبتها في التصدي للعدوان الذي اقتنص منها الطفل قبل أن يشب، وصادر على حقه في الحياة بأقصى درجات المصادرة.

شجن... أم صوفية؟!
يلف الديوان غلاف من الشجن؛ فالقصائد في أغلبها تتناول التجارب الضائعة، والقضية الفلسطينية بأبطالها المغدورين من طفل الحرم الإبراهيمي لأمه لوالد الشهداء الفلسطينيين الذي قرر أن يلتف بالذخيرة ليفجر نفسه في الأعداء، بعدما رأى الارتكان والارتهان في أعين القادة العرب.
لكن يتحول هذا الشجن في بعض الأحيان، عندما يضاف إليه عذوبة اللفظ وسلاسته، إلى شيء من الصوفية والتأمل في التجربة محور القصيدة، وهنا يمكن القول مجددًا إن الشاعر يظهر في قصائده حتى بفلسفته كذلك. ولكن الصوفية هذه تتحلى بالوضوح في إطار صوفي جديد، وهو "الصوفية الواضحة" بما يعزز فكرة البساطة؛ فالصوفية في النهاية يلفها الغموض في جزء كبير منها بالنسبة للعامة من الناس، فأن تكون الصوفية واضحة؛ فهذا درب جديد يتفرع منها.

الديوان بسيط وعميق في آن؛ بسيط في ألفاظه بحيث ينأى بنفسه عن السطحية والابتذال، عميق بمشاعره وأفكاره بحيث يتجاوز الانزلاق في فخ الانفعال والغموض. ولهذا يمكن القول إن الديوان في مجمله أنشودة للبساطة صوفية الطابع واضحة المعالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الوساطة القطرية في ملف غزة.. هل أصبحت غير مرحب بها؟ | المسائ


.. إسرائيل تستعد لإرسال قوات إلى مدينة رفح لاجتياحها




.. مصر.. شهادات جامعية للبيع عبر منصات التواصل • فرانس 24


.. بعد 200 يوم من الحرب.. إسرائيل تكثف ضرباتها على غزة وتستعد ل




.. المفوض العام للأونروا: أكثر من 160 من مقار الوكالة بقطاع غزة