الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملامح وخصال وأفكار المرتشي

الحايل عبد الفتاح

2016 / 2 / 27
المجتمع المدني


الرباط بتاريخ 26 02 2016

ملامح وخصال وأفكار المرتشي

المرتـشي شـــخـــص كـــغيره من الـــنـاس. يــــأكل ويشرب ويلبس كباقي الناس من حوله. قد يؤمن بالله ويصلي ويصوم ويزكي ويتصدق، وقـد يـقـوم في بعض الأحـيان ببعض الخدمات الداخلة أو الخارجـتة عن مهامه بدون مقابل. وقد يكون من حملة الشواهد العالية أو حتى من الأميين الذين لا يميزون بين الألف والعصى.
إلى هذا الحد ينتهي شبه المرتشي بالآخرين من بني البشر. بعدها يظهر بملامحه وخصاله وطريقة تفكيره بعيدا كل البعد عن باقي الناس، ومختلف عن غيره من الناس بأفكار ومواقفه الخاصة به. ويكرس إحساسه هذا اعتقاده أنه مختلف عن الآخرين بعلمه ودرايته بمواقع الظلم والتحقير...
نعم، المرتشي رجل غريب الأطوار والأدوار والتصرفات. كيف ولماذا ؟
أول ما يقتنع به المرتشي هو أن أجره المحدد لا يرقى إلى ضخامة وكبر الخدمات والوظائف التي يضطلع بها ويتكلف بها...وأن أجره لا يكفي احتياجاته اليومية والشهرية... فالحيف الذي يعتقد وقوعه عليه ماديا هو مصدر محرك فكره الإرتشائي...فالمال هو الهذف الأول والنهائي الذي يضعه نصب عينيه. والمال هو المركز الأساسي في كل تفكيره وإحساسه. مقتنع بأن المال هو الحل الوحيد لكل المشاكل التي يتخبط فيها هو أو التي يعتقد أنه تمشكل حياته وسبب تعاستع وشقوته...مقتنع جد اقتناع أنه بدون مال لن يعيش كغيره من الناس...
إنه إنسان بئيس في عمق نظره لذاته هو نفسه. يسكنه تحقير عميق لشخصه. هذا الإحساس بالتحقير والإستصغار رافقه منذ زمن بعيد أو قريب وكان سببه من حوله ممن يوزعون الحقوق. والضعف الذي يسكنه حقيقة أو تخيلا يوحي له بأنه لن يشافى ولن يجد توازنه حتى يتمكن من إثبات ذاته بقواه ومقدراته هو وتصرفاته هو ونيل نصيبه. والرشوة هي الوسيلة التي بها هو قادر على رفع الظلم عن شخصه وعن غيره ممن يعيلهم ويتكفل بهم...
يفسر العالم وما يحيط به تفسيرا خارجا عن منطق الأحرار والواثقين من قدراتهم العاطفية والعقلية. وإحساسه بالعجز أمام المواقف اليومية الحياتية يوحي له بأنه موضوع ضعف جسدي أونفسي أوعقلي أو هي مجتمعة أو متفرقة. ولكي يجد توازنه ويقوم أفكاره في الإتجاه الصحيح الذي يعتقده فهو يلجأ للرشوة كوسيلة تحرر وإثبات الذات وأساس للثقة في تصرفاته ومقدراته...
يتظاهر بشتى الخطابات والألفاظ والتصرفات الموحية لشخص ضحيته ( الراشي ) بأنه يبدل مجهودا كبيرا حين أدائه لخدمة رغم أنها هي تصرفات وخدمات من ضمن اختصاصاته ومن أجلها يتقاضى أجره المحدد...
يختلط في عقله ونفسيه ما هو واجب وما هو خدمة تطوعية. والغريب تركيبته الآدمية أنه يميز تمييزا واضحا بين ما هو واجب والتزام قانوني ومهني وبين ما هو خدمات تطوعية...
لكنه في الغالب يجد الشرح المناسب لارتشائه ليجعل من الواجب والإلتزام خدمة تطوعية، ومن تصرفاته وخدماته التطوعية واجبا والتزاما...
يعيش ضغوطات جسدية ونفسية وعقلية لا يتصورها من لم يدرس شخصه ولم يتمعن في تصرفاته واحتياجاته...فالمرتشي يخيل له أن الناس من حوله لا يفهمونه ولا يقدرونه حق قدره...ولكي يحقق فهم الناس وتقديره لخدماته وقدراته فهو يستأجرها ليشعره الآخرون بأنه مهم ويبدل مجهودا كبيرا من أجلهم ولمصالحهم...
وهو فوق ذلك مقتنع بأنه يسدي خدمة أو وظيفة بدونه لن تتحقق ولن ترتب العالم بعدله المطلق كما يراه هو...ويزداد اقتناعه بهذا الشكل والمضمون خاصة حين يكون هو سيد الموقف والمتحكم في عقدة الخدمة التي يشرف عليها...يختلط في ذهنه العالم والأنا، كالطفل الذي لا يميز بين الأنا والعالم الخارجي...
يحس بالظلم هنا وهناك. فهو من تم يتموقع موقع الضحية داخل المجتمع. مقتنع بأن العالم بأسره والمجتمع الذي يراه أو يسمع عنه، هنا وهناك، يسير ويدار في الغلط وفي اتجاه الظلم والإستبداد...ويجد في الأحداث المتدفقة عليه عبر الصحف والكتابات والأحداث من حوله دليلا زائد على ما هو مقتنع به في قرارة نفسيته وعقليته...
وحين يتسلم المبلغ التفق عليه أو المبلغ الجزافي الممنوح له مقابل خدمته أو وظيفته، يحس وكأنه نال حضه ونصيبه من كعكة اجتماعية واقتصادية حرم منها من طرف من يدير موقعه ودواليب وظيفته. يشعر وكأنه انتصر على الظلم والطغيان والإستبداد الرائج من حوله. ضميره وفكره حينها يستعيدان له ثقة في جوارحه ومقدراته وكفاءاته الضائعة...يتهيأ له حينها بأنه نال حقه المغصوب من طرف أناس أو الزملاء أو من طرف النظام المستبد والقائم من حوله...
وفوق ذلك، يعلم المرتشي أنه يقوم بعمل منبود نظاميا وممنوع ومعاقب عليه قانونا، وسيئ ورديئ اجتماعيا. ورغم ذلك فهو يتموقع في الخطر والمغامرة موقع الصياد خارج موسم الصيد أو موقع الذي يفكر في جرم قبل ارتكابه...لماذا ؟ لأنه يعلم أن تصرفه الخدمة التي يسديها لغيره تدخل في مضمون تصرفه الإعتيادي القانوني ومن اختصاصه وفي قائمة وظيفته...لكن ليخفي ما وراء هذا الإقتناع يخلق التباسا لدى الملاحظ لتحركه وتصرفه...وحتى لو أن غيره اطلع على نواياه وضبطه قبل تسلم الرشوة فهو لن يكون سوى قائما بواجبه والتزامه...ومتناسقا مع النص القانوني الذي يعطيه حيزا من الحرية والتصرف الوظيفي...
وما هو أغرب من ذلك أن المرتشي يخلط بين وظيفته وواجبه. فهو يعتقد أن الوظيفة التي وكلت له هي ملك له لا تفويضا من الناس من حوله...فهو يخلط بين ذاته ووظيفته إلى حد أن كل من يريد نهيه أو توجيهه أو طلب منه الحد من ارتشائه فهو عدو لدود يحارب بكل الوسائل...
من جهة أخرى، فالمرتشي يدري مقامه في الهرم الإداري والوظيفي، ويحيط علما بالسلطة التقديرية التي منحها له القانون أو غيره من الكسلاء وضعفاء النفوس والعقول...فبدون تدخله في هذا الإتجاه أو ذاك ستكون النتيجة كما يرغب فيها هو لا كما يقررها القانون والمنطق والديمقراطية...فإن هو ضبط فسيوحي للآخرين بأنه يقوم بالواجب والقانوني بدون مقابل، وإن لم يضبط فهو طليق حر يستعمل هذه السلطة التقديرية الممنوحة له لتسلم مقابلا للحيز الوظيفي الذي يشغله ويتشبت به...
باختصار شديد جدا، ومساهمة منا في محاربة الرشوة والمرتشين، أعتقد أن المرتشي شخص حقير، بئيس، مستصغر لشخصه ووظيفته وأناني فوق ما هو عادي...وفي آخر المطاف هو شخص مريض نفسيا وعقليا ولا يدري مرضه النفسي والعقلي. هذا إذا تغاضينا عن الفلسفة الدينية التي تجعل منه إنسانا سيدخل نار جهنم خالدين فيها أبدا.
( أما في موضوع المرشي فسنخصص له مقاما ومقالا آخر إن سمحت الظروف بذلك)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا: طالبي اللجوء ا?لى سيرحلون إلى رواندا مهما حدث


.. أهالي الأسرى لدى حماس يتظاهرون في القدس من أجل سرعة إطلاق سر




.. هل تبدأ دول أوروبية ترحيل جميع طالبي اللجوء إلى رواندا؟ | ا


.. مراسلة الجزيرة ترصد إغلاق أهالي الأسرى شارعا قبالة مقر رئيس




.. إعلام إسرائيلي السماح بدخول وفدين من الأمم المتحدة والصليب ا