الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(الهمج الرعاع) في العراق يحولون حياة النخب السياسية والدينية إلحاكمة إلى جحيم

حسين كركوش

2016 / 2 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


شاهد العراقيون جميعا كيف طرد طلاب جامعة المثنى ممثل الإسلام السياسي ، وزير التعليم العالي ، حسين الشهرستاني. ثم شرعوا ينشدون (موطني).
وقبل يوم واحد من حادث جامعة المثنى حول العراقيون السياسي الشيخ جلال الدين الصغير إلى نكتة يتندرون بها ، بعد موعظته التي نصح فيها العراقيين بعدم تناول النستلة (الشكولاتة) بعد الآن ، بسبب تردي الوضع الاقتصادي.
طلاب جامعة المثنى ، والناشطون الآخرون في ساحات التظاهر وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ، ينتمون جميعا للفئة العمرية الأصغر سنا في المجتمع العراقي ، إذ تترواح أعمارهم بين 18 إلى 22 سنة. هذا يعني أنهم كانوا في رياض الأطفال عندما وصلت الأحزاب السياسية الدينية إلى السلطة.
وبمعنى أخر له علاقة بموعظة السياسي الشيخ جلال الدين الصغير عن النستلة ، أنهم نشأوا وكبروا ، ليس في فترة الحصار عندما كانت أمنية العراقي أن يبقى على قيد الحياة ، أنما في حقبة النستلة ، أي حقبة الانفتاح الاقتصادي.

هذه الحقبة ، من 2003 وحتى الآن ،أقترنت بميزتين.
الأولى هي سيطرة الأحزاب السياسية الدينية ، دون أن ينازعها أحد ، خصوصا في المناطق الشيعية ، على الدولة ، بكل ما تملك من إغراءات ، وعلى الشارع كخزان بشري يدعم الدولة.
الثانية مهمة جدا وخطيرة هي ، أن هذه الأحزاب وصلت للسلطة وفي رقبة كل واحد منها قنبلتان ، الأولى موقوتة والثانية سريعة الانفجار
القنبلة الأولى الموقوتة وضعتها في أعناقهم الولايات المتحدة ، و أسمتها الديمقراطية و ثبتتها في الدستور ، بكل ما تتضمنه الديمقراطية من حريات التظاهر والإعلام والرأي ... الخ.
القنبلة الثانية السريعة الانفجار وضعتها الأحزاب الدينية نفسها ، وأسمتها الطائفية.
ولكي تتغلب على عزلتها الجماهيرية و تفوز بالحكم وتبقى فيه فأن الأحزاب السياسية الدينية استعجلت تفجير القنبلة الثانية ، أي الطائفية ، حتى قبل وصولها للحكم ، وكانت تعتقد أنها اشد قوة من القنبلة الديمقراطية.
يقول بهاء الأعرجي ، وهو أحد المغمورين الذين لمعت أسمائهم وتصدرت المشهد السياسي بعد 2003 :( نحن القيادات والاحزاب السياسية عندما جئنا للعراق (عام 2003) جئنا قيادات بدون قاعدة فبدأنا نتكلم بالطائفية حتى نجمع لنا قاعدة وسوينا قاعدة طائفية. بالضبط هاذا الصار.)
ومنذ سنة 2003 والسنوات التي تلتها ظلت هذه الأحزاب ، التي لا قواعد لها كما يقول الأعرجي ، تعيد تفجير قنبلتها الطائفية.

فيما يخص قنبلة الديمقراطية ، فجرتها الولايات المتحدة داخل العراق ، هي أيضا ، منذ عام 2003. لكن قوة انفجارها وصداه وتأثيره ما كان وقتذاك يصل لجميع العراقيين ، لسببين. أولهما يعود لشدة انفجار القنبلة الطائفية الذي غطى على جميع الأصوات. والسبب الآخر هو أن العراقيين ما كانوا قد تخلصوا بعد من آثار الحصار الرهيبة (لم يتذوقوا بعد طعم النستلة) ، وما كانوا قد تمكنوا تماما من كسر حاجز الخوف الرهيب الذي فرضته فاشية صدام حسين.
وبينما فسدت القنبلة الطائفية أو تكاد تفسد (بدليل أن الذين فجروها بدأوا يتبرأون منها) فأن قنبلة الديمقراطية ما تزال تتفجر ، بقوة وبحيوية أكثر وأكثر وبقبول واسع داخل المجتمع العراقي ، بما في ذلك داخل جماهير جماعات الإسلام السياسي. فمن الخطأ القاتل اعتبار هذه الجماهير كتلة واحدة موحدة صلدة ومتجانسة تعمل وفق برنامج واحد وتسعى لتحقيق هدف واحد موحد.
ولعل ما قاله السياسي جلال الصغير في موعظته عن النستلة شاهد جيد.
الصغير قال في موعظته ما يلي ، وبالحرف الواحد : (مشكلة اجيالنا ان الجيل الجاي ما يعرف كل الشي عن الشي اللي جرى سابقا ، ما عاشو هاي الازمة. فتحوا عيونهم دفعة الملايين موجودة والسوك متحرك بطرق متعددة.)
(ملايين) الدولارات التي يتحدث عنها الصغير غير موجودة. أو بالأحرى وُجدت لكن الطبقة السياسية الحاكمة سرقتها. والالاف المسحوقون من جماهير التيار الصدري الذين تظاهروا أمس طالبوا باسترجاع تلك الملايين المسروقة ، وفندوا ما قاله الشيخ الصغير.

ولهذا ، فأن ما ردده الصغير إن أبناء الجيل العراقي الجديد (فتحوا عيونهم دفعة الملايين موجودة) يؤكد عزلة القيادات السياسية الدينية عن الجماهير ، بما في ذلك بل قبل ذلك الشيعة الذي يؤكد هولاء القادة أنهم يدافعون عنهم، ويكشف عن الهوة التي تفصل بين خطابهم السياسي وبين الواقع اليومي لملايين العراقيين ، ليس فقط على المستوى الاقتصادي ، و أنما على المستويات كلها.
الوفرة المالية الاسطورية التي حصلت في العراق بعد عام 2003 ، أو (الملايين) بلغة الصغير ، لم تتوزع على العراقيين بشكل عادل. بل هي لم توزع عليهم ، أصلا.
الملايين استولت عليها أقلية تنتمي للأحزاب الدينية الحاكمة التي يعتبر الصغير واحد من قياداتها البارزين. أما أكثرية الشعب فظلت محرومة.
لكن السياسي الشيخ الصغير لا يرى ، ولا يستطيع أن يرى ، هذه الأكثرية لأنه يعيش على قمة الهرم ، بعيدا عن هموم القاعدة. و هذه الحقيقة لا تتغير حتى لو أرتدى الصغير البزة العسكرية وظهر في الإعلام مفترشا التراب وهو على جبهة القتال ضد داعش.
ولأن الصغير يعيش في برجه العاجي وفي عزلته ويتواجد في قمة الهرم فأنه يجهل ما يريده الذين يسكنون القاع ، على كل المستويات ، وليس في الميدان الاقتصادي المعاشي فقط.
و نخبويته أو عزلته الجماهيرية (وأنا لا أتحدث عنه كشخص وإنما كجزء من الطبقة السياسية الحاكمة) جعلته يعتقد جازما أن أفكاره هي الصحيحة ، وما تقوله أكثرية الناس مجرد هراء.

فعندما اندلعت تظاهرات آب التي ما تزال مستمرة ألقى الصغير موعظة شن خلالها هجوما شرسا ضد المشاركين في التظاهرات ، و اضطر أن يزيف الحقائق.
قال الصغير في موعظته: ( وتأتي الأقدار لكي يتحدث بعض الصعاليك عن ان المتدينين والدين سرقهم وعبث بهم. اليست علمانيتكم التي أوجدت كل هذا الدمار.)
حشر العلمانية هنا وتحميلها الخراب الحاصل ليس سوى نكتة باردة.
لكن الساخن والمهم جدا جدا في كلامه هو ، حديثه عن (الأقدار).
هنا مكمن المرارة والألم عند الشيخ الصغير. ( الأقدار) يعني بها الصغير خروج الأمور عن سيطرته ، ليس هو كشخص وكخطيب منبر وسياسي ، إنما خروجها عن (ولي الأمر) بكل ما تعني هذه المفردة ، ووضعها بيد الشعب. الصغير أراد أن يقول: آه، لو ظلت الأمور بيدي أو بيد الحكومة لمسحتُ بكم الأرض.
ولأن الصغير يدرك أن (المقادير) الديمقراطية السائدة في العراق الآن تمنعه ( كشيخ ديني وكسياسي ) أن يبطش ، فأنه لجأ إلى الكذب وتزييف الحقائق لكي يحرض ضد المتظاهرين. فالعراقيون ، وغير العراقيين الذين كانوا يسمعون هتافات المتظاهرين يعرفون جيدا بأن ما من متظاهر واحد قال: ان (المتدينين والدين سرقوهم وعبثوا بهم.)
أطلاقا ، لم يقل متظاهر هذا الكلام.
المتظاهرون قالوا : باسم الدين باكونا الحرامية. وهذه الحقيقة عينها التي تتردد على ألسن ملايين العراقيين.
وعندما احتفل الملايين من العراقيين قبل شهرين في احتفالات رأس السنة هاجمهم الشيخ الصغير.
وعندما احتفل عراقيون بما يسمى عيد الحب هاجمهم الشيخ الصغير.
كأن الشيخ الصغير مكلف بمنع أي تفكير أو أي فعل يشذ عن ثقافة القطيع التي يريد لها أن تسود وأن تترسخ.

لكن هذه مهمات ما عاد بمقدور الشيخ الصغير و لا أي جهة سياسية أن يؤديها بنجاح. وإذا حاول أن يفعل فستحرقه نار الديمقراطية وتجعله أضحوكة للجميع ، على صفحات التواصل الاجتماعي أولا ، ثم في جميع الوسائل الديمقراطية التي توفرت أمام العراقيين.
وهذا ما حصل للصغير و للذين انبروا للدفاع عنه في المجلس الأعلى.
المجلس (على لسان الناطق الرسمي بأسمه وعلى لسان قياديين فيه) رد على من انتقدوا الشيخ الصغير فأسماهم (همج رعاع اتباع كل ناعق) و (أولاد سفاح لا يعرفون أبائهم).
وكما نرى لا يوجد جديد في هذه الاتهامات سوى تكرار حرفي لما قاله نظام صدام حسين ضد الذين ثاروا بوجهه (غوغاء استوردناهم من الهند مع الجاموس).
إنه إصرار على إعادة إنتاج الديكتاتورية والقمع الصداميين.

لكن هناك فرق بين العراقيين عندما كانوا (يتحسرون) على النستلة ، وعندما كانوا يخافون في حقبة صدام حتى من الحائط لأن له أذنان تسمعان ، وبين العراقيين الآن الذين تذوقوا أنواع النستلة ، و تذوقوا معها ، بل قبلها طعم الديمقراطية التي هدمت الف حائط وحائط في العراق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية واعجاب
فاعل خير ( 2016 / 2 / 27 - 18:02 )
عاشت ايدك على هذا المقال سيدي الكاتب المحترم

اخر الافلام

.. قصف مستمر على مناطق عدة في قطاع غزة وسط تلويح إسرائيلي بعملي


.. عقب نشر القسام فيديو لمحتجز إسرائيلي.. غضب ومظاهرات أمام منز




.. الخارجية الأمريكية: اطلعنا على التقارير بشأن اكتشاف مقبرة جم


.. مكافأة قدرها 10 ملايين دولار عرضتها واشنطن على رأس 4 هاكرز إ




.. لمنع وقوع -حوادث مأساوية-.. ولاية أميركية تقرّ تسليح المعلمي