الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مئة ..وتستمر الإبادة

عطا درغام

2016 / 2 / 27
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


وضمن إصدارات المئوية الأولي للإبادة الأرمنية، وبمناسبة ذكري مرور مائة عام علي إبادة الأتراك العثمانيين للأرمن صدر كتاب ( مئة..وتستمر الإبادة ) من تأليف ناجي نعمان عن مؤسسة ناجي نعمان للثقافة بالمجان..يتصدر الكتاب إهداء إلي شعب أرمينيا جاء فيه :
إلي أرمينيا
منبع دجلة والفرات
وجنة عدن ، ومستقر سفينة نوح
وإلي الشعب الأرمني
سليل المنورَين تداوس وبرتلماوس وغريغريس
وحامل بطولة ڤ-;-رتان في سهل أڤ-;-ارير
وفكر مسروب وكريكور ومخيتار
وإيمان الطوباوي إغناطيوس مالويان
من أجل شهادته للمسيحية
واستشهاده في سبيلها
كما في سبيل الحرية والكرامة
ويقسّم الكتاب إلي المدخل ، مقدمة، وثلاثة أبواب. وفي المقدمة يشرح الكاتب كيف لفظت المجازر حممها علي الأرمن وكيف استمرت فصولاً وتطورت من سييء إلي أسوأ..!
ويقول الكاتب إن ما حصل في حق الأرمن في الربع الأول من القرن العشرين، ولم يعترف به بعد أبناء مرتكبيه وأحفادهم ، ولم يُحاسبوا عليه ويعوَضوا عنه غدا أنموذجاً سيئاً احتذاه طُغاة وجزارو العقود التالية.
وفي هذا السياق يتساءل ،كيف لتركي اليوم ، أو لليهودي المُقيم علي أرض فلسطين أن يعيش في صفاء وراحة ضمير ، وهو يعلم أن جده وربما أباه قد قتل أرمنياً أو فلسطينياً ، وأنه يسكن في أملاك أرمني أو فلسطيني ، وأن اليتيم الأرمني أو الفلسطيني لا يستطيع استعادة كرامته عبر نيل الاعتراف بما جري له ، ويجري ولا يستطيع استعادة حقوقه في أرضه وممتلكاته..؟
ويضيفً ، متسائلاً أين جراءة الأتراك ؟ أفلا يُدركون أن الاعتراف والاعتذار والتعويض نعمة لهم، وأنهم سيربحون مما قد يُقدمون عليه أكثر مما سيربحون ؟ لقد ترك أجدادهم الشرق بعد أربعة قرون ونيف من الحكم وهو أكثر جهلاً وتخلفا ، وطّبعوه بالقسوة والرشوة ، وعمَدوه بالمجازر.أفلا يودون والحال تلك ، دمغ الإنسانية المعاصرة ببصمة تُزيل وصمة الماضي ، وتُعيد إليهم اعتبارهم؟.
الأرمن شعب شاهد وشهيد
ويوضح الكاتب في الباب الأول ( الأرمن شاهد وشهيد) أنه لا يهدف في هذا الباب من الكتاب إلي سرد تاريخ الأمة بالتفصيل ، بل إلي إطلاع القارئ علي أبرز مراحل تاريخ شعب ارتبط اسمه بالشهادة لله وبالتعلق بالوطن وبالحرية إلي حد الاستشهاد في سبيل الله والوطن والحرية.
هذا ، وقد يتكرر بعض المقاطع نقلاً عن مقدمة الكتاب ، ذلك أن هذا البعض الوارد إنما يندرج أيضا في هذا الباب.ويرتكز هذا الباب علي ما أورده المؤلف عن الأرمن في مجلده "المجموعات العرقية والمذهبية في العالم العربي (من ضمن موسوعة العالم العربي المعاصر ، دار نعمان للثقافة ، الفصل الرابع 1990) ، وفي كتابه " المسيحيون ، خميرة المشرق وخمرته "( دار نعمان للثقافة، نيسان 2010).
ويستعرض جغرافية أرمينية ، ويعرج علي التعريف بتاريخ أرمينيا الموغل في القدم منذ بداية القرن الحادي والعشرين قبل ميلاد المسيح – عليه السلام- حتي وقوعها تحت حكم العثمانيين الأتراك إلي أن تفككت السلطنة العثمانية ، وغدت الرجل المريض الذي تتحين القوي الاستعمارية الفرصة للانقضاض عليه واقتسام مملكته .
وظهرت القضية الأرمنية إلي الوجود بعد أن أرسل الأرمن وفداً يمثلهم في مؤتمر برلين سنة 1878 ، و وما إن شعر العثمانيون بتحرك الأحزاب الأرمنية حتي بدأت سلسلة المجازر وهكذا من أيلول 1894 وصيف 1896 ، أسفر عنها ذبح نحو ثلاثمائة ألف أرمني إلي أن وقعت المذبحة الكبري التي بدأت في الرابع والعشرين من أبريل سنة 1915 وراح ضحيتها قرابة المليون ونصف أرمني.
وفي الثالث والعشرين من أغسطس سنة 1990 ، استقلت أرمينيا عن الاتحاد السوفيتي واستعادت أرمينيا كيانها ووجودها ، ولم ينسَ الأرمن قضيتهم الأساسية المتمثلة في الاحتلال التركي لمعظم أراضي وطنهم ، وبما لحق بهم من قتل وتهجير علي يد الأتراك .
وأثمرت جهود الأرمن تحركات دولية للاعتراف بحصول المجازر ، وقام رئيس تركيا رجب طيب أردوغان في الثالث والعشرين من أبريل 2014 وكان ما زال رئيس وزراء بلاده بتقديم تعازيه إلي أحفاد الضحايا الذين قتلتهم قوات الإمبراطورية العثمانية في العام 1915 في بيان صادر في تسع لغات من بينها الأرمنية ، لكنه وضع الضحايا من الجهتين ( أي الأرمن والأتراك ) في سلة واحدة ، فوازي بين من أُبيد وهو أعزل ومن بات في الحرب وبيده سلاح.
ويقول الكاتب : " تبقي الحقيقة الثابتة الوحيدة متمثلةً في أن السيد إردوغان- خليفة أتاتورك في حكم تركيا للفترة الزمنية الأطول ، وأول رئيس جمهورية منتخب من الشعب- ما زال عليه أن يعترف بالإبادة الأرمنية صراحةً ويعتذر عنها ، ويعوض عليها كيما يدخل التاريخ ومن أبوابه .فهلّا يقدم ، أم ينتظر خلفاءه ليفعلوا !؟".
شهادات في شهدائه
في الباب الثاني ، ينتخب الكاتب أقوالاً في الإبادة الأرمنية ( 1915-1916 ) وفي الإبادات بعامة، وذلك ابتداء بما وقع من إشارات مهيّئة للإبادة وأعمال شنيعة ومُجيزات ممهدة وانتهاءً بما وقع بُعيد الإبادة من أُبيدات جاءت كترددات للزلزلة الكبري وكاستمرار لنتائج التراخي الدولي في محاسبة مقترفي الجرائم في حق الإنسانية.
ويستعرض الكاتب بعضاً من أقوال في موضوع الإبادة ، وقد جاءت الأقوال بأقلام شهود عيان علي الإبادة ، وباحثين كتبوا في المسألة . وكذا ، أُخذت من خطابات كبار رجال الدولة والسياسيين والأدباء والفنانين عبر العالم ، ومن رسائل هؤلاء وبياناتهم وتعليقاتهم.
ويُشير الكاتب إلي أنه استبعد أقوال الأرمن تحقيقا لمزيد من الموضوعية فيه، كما لم يُدخل إليه نصوص القرارات والبيانات الصادرة عن جهات رسمية وغير رسمية في تأييد القضية الأرمنية ، وحجته في ذلك ضبط حجم الكتاب ولعدم تكرار ما هو موجود في مراجع أخري.
اعتمد الكتاب في هذا الباب علي مراجع ذكرها في موقع الاستشهاد مباشرة وبعض المواقع الإليكترونية الأكثر مصداقية- علي حد قوله - ولا سيما جهة المعلومات العامة، وخصوصا الويكيبيديا. كما اتبع في الأقوال الترتيب حسب تسلسل أسماء شهرة أصحابها الألفبائي.
ونُورد بعض من هذه الشهادات والأقوال والرسائل التي وردت في الكتاب ، وتُعد أبرزها ما ورد عن مصطفي كمال أتاتورك في حديث له حول الحكم السابق ل" تركيا الفتاة" نُشر في 1 أغسطس 1926 في " ذه لسن أنجلس الأمريكية ويقول فيه : " إن أفرادا بقايا حزب "تركيا الفتاة ، وكان من المفترض أن يُحاسبوا علي حياة الملايين من رعايانا المسيحيين الذين طُردوا من منازلهم وذُبحوا ، كانوا أعداء القانون الجمهوري.
وتأتي شهادة المؤرخ المصري الدكتور محمد رفعت الإمام ، وفي رصيده أعمال منشورة تتمحور حول الإبادات بعامة ، والإبادة الأرمنية بخاصة فيقول : " يكمن أساس هذه المأساة في تبني الاتحاديين المتعصبين قومية متطرفة ، وليس في خيانة الأرمن كما ادعت السلطات العثمانية ، والحقيقة أن التخلص من الأرمن وقضيتهم سيُجنب الحكومة العثمانية التدخلات الأوربية المستمرة ، وسيُزيل العقبة الرئيسية بين الأتراك والشعوب التركية الأخرى في ما وراء القوقاز وبحر قزوين ، ويمهد السبيل لملكية جديدة أمام أبطال الطورانية"
وفي سياق آخر يؤكد الدكتور الإمام إلي أن ما جري في ڤ-;-ان عام 1915 " لم يكن ثورة بل مجرد عملية دفاعية لمواجهة الحصار العثماني . وأما بطولتهم في جبل موسي ( موسي داغ ) فموصوفة ، وهم تحصنوا بالهضاب واتخذوا موقعاً إستراتيجياً ونظموا دفاعاً بطوليا ، وتمكنت السفن الفرنسية والبريطانية في البحر المتوسط من نقل أكثر من أربعة آلاف من أرمن موسي داغ إلي بورسعيد بمصر".
ويقول أنور باشا أحد الضالعين في عمليات الإبادة الأرمنية سنة 1915 : " علي الإمبراطورية العثمانية أن تُنظَّف من الأرمن واللبنانيين، لقد قضينا علي السابقين بالسيف ، وسأقضي علي اللاحقين بالجوع".
ومن هذا القبيل يتباهي أنور باشا بمآثره فيقول : " لقد ذبحت الأرمن ، أعداء الشعب التركي من دون خسارة أي جندي تركي".
وُيورد الكتاب شهادات بعض الصحف التي تناولت قضية الإبادة الأرمنية ، وتأتي جريدة الأهرام المصرية التي أثارت هذه القضية علي رأس هذه الصحف ، فقد أثارت قضية الإبادة الأرمنية في عددها الصادر في 12 مارس سنة 1919 ، علي خلفية المطالبة بإنشاء دولة خاصة بالأرمن ، فقالت : " إن الألمان وتلاميذهم الاتحاديين لم ينظروا إلي حل مسألة الأرمن علي هذا الوجه ، بل كانت خطتهم محو العنصر الأرمني . وقد اتضح ذلك من عملهم وأقوال الشهود العدول. وفيما يتعلق بعملية تهجير الأرمن إلي ولاية حلب العربية ، علّقت الأهرام بقولها : " أما الجهة التي قاموا بنقلهم إليها ، فهي ولاية حلب العربية ، لكنهم كانوا يفنونهم في الطريق لأن الغرض الصحيح لم يكن الابتعاد بل الإفناء..." .
ويقول أورهان ﯦ-;-امق أول أديب تركي يحصل علي جائزة نوبل للأدب في عام 2006 :" ثلاثون ألف كردي ومليون أرمني قُتلوا في تركيا . في ماعدا أنا ، لا أحد تقريباً يجرؤ علي ذكر هذه الوقائع" .
وتأتي فتوى الشيخ سليم البشري التي تستنكر مذابح أضنة سنة 1909 ، نقتطف منها " وبعد ، فقد اطلعنا في الصحف المحلية علي أخبار مُحزنة وإشاعات سيئة عن مسلمي بعض ولايات الأناضول من الممالك العثمانية ، وهي أن بعضهم يعتدون علي بعض المسيحيين فيقتلونهم بغياً وعدواناً ، فكنّا لا نصدق ما وقع إلينا من هذه الإشاعات ، ورجونا أن تكون باطلة لأن الإسلام ينهي عن كل عدوان ، ويحرّم البغي وسفك الدماء والإضرار بالناس كافةً والمسيحي واليهودي في ذلك سواء" .
وكذا ، تأتي رسالة الشريف الحسين بن علي التي يدعو فيها إلي تقديم يد العون والمساعدة للأرمن ،نقتطف منها :" وإن المرغوب بتحريره المحافظة علي كل من تخلف بأطرافكم وجهاتكم من الطائفة الأرمنية تساعدوهم علي كل أمورهم ، وتحافظون عليهم كما تحافظون علي أنفسكم وأموالكم وأبنائكم ، وتسهلون كل ما يحتاجون إليه في ظعنهم وإقامتهم فإنهم أهل ذمة المسلمين، والذي قال فيهم صلوات الله عليه وسلامه : من أخذ عليهم عقال بعير كنت خصمه يوم القيامة ، وهذا من أهم ما نكلّفكم به وننتظره من شيمكم وهممكم ، والله يتولانا وإياكم بتوفيقه،".
ويُدلي ونستون تشرشل برأيه فيقول في القضية الأرمنية ضمن الجزء الخامس من " الأزمة العالمية": "بدأت الحكومة التركية في العام 1915 ، وأنهت بلا رحمة عملاً شائناً ، عنيت المجزرة ضد أرمن آسيا الصغرى والترحيل العام في حقهم ..ولا ريبَ البتة في أن هذه الجريمة قد خُطط لها ونُفذ لأسباب سياسية ".
ويُعد ما كتبه المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي الأبرز عن الإبادة الأرمنية ؛ إذ خصّص الأرمن بكتاب صدر في العام 1915 ويحمل عنوان " الفظاعات ضد الأرمن : اغتيال أمة" فيقول : " إن قتل الرعايا الأرمن في الإمبراطورية العثمانية في العام 1896 ..كان فعل هاو من دون فاعلية كبيرة إذا ما قيس بمحاولة الإبادة التي نجحت إلي حد بعيد خلال الحرب العالمية الأولي ، في العام 1915... لقد نُفذت الإبادة بغطاء من الشرعية من قبل حكومة كانت تنشط بدم بارد . لم يكُ الأمر بتاتاً سلسلة مجازر ارتكبها أفراد علي نحو عفوي" .
ومما أورده فؤاد حسن حافظ عن الإبادة الأرمنية : " استخدم العثمانيون نهج الجهاد طمعاً بضم المناطق الإسلامية التي هي روسيا ، وأكثر ما طبقته ضد الرعايا العثمانيين وأولهم الأرمن" .
وفي رسالة للرئيس الأمريكي تيودور روزفلت: " مثّلت المجازر في حق الأرمن جريمة الحرب الأكبر ،والتخلف في التحرك ضد تركيا هو بمثابة تغاض عما سبق.. والتخلف في التعامل راديكالياً مع الفظاعة التركية يعني أن الكلام علي ضمان السلام المقبل في العالم هو هراء عبثي".
وجدير بالذكر أن هناك برقيات كثيرة لمحمد طلعت باشا وزير الداخلية وأحد الباشوات الثلاثة الذين قاموا بعملية الإبادة ونُورد واحدة منها : " علمنا أن بعض مراسلي الصحف الذين يتجولون في منطقتكم قد حصلوا علي صور فوتوغرافية وأوراق تمثّل وقائع مفجعة ، وقد سلّموها القنصل الأميركي في مدينتكم . اعتقلوا واقتلوا الأشخاص الخطرين الذين هم من مثل هؤلاء".
ولا يمكن أن نغفل أهم شهادة وردت في الكتاب ، حيث شهد فائز الغصين الإبادة الأرمنية ، وأورده في كتابه " المذابح في أرمينية " ، وجعل الغصين أن من أبرز همومه تبرئة الإسلام كدين وعقيدة ونصوص مقدسة من إبادة الجنس الأرمني، وقد كتب بتاريخ الثالث من يوليو 1916 الآتي" كيف يحق لرجال الحكومة التركية في هذا الزمان قتل أمة برمتها ، رجالاً ونساءً ، شيوخاً وشباناً وأطفالاً، وقد دفعوا جميع ما رسمته الحكومة العثمانية عليهم من رسم الميري وأعشار . وتمتع وبدل نقدي وعسكري وغيرها ، ولم يعصوا في أمر؟ .
فلو فرضنا مُحالاً أن رجال الأرمن جديرون بأن يُقتلوا ، فما ذنب النساء والأطفال، وما هو جزاء من قتلهم بغير ذنب، وما جزاء من أحرق النفوس البريئة؟ .إنني أجد اليوم أن الأمة الإسلامية مضطرة للمدافعة عن نفسها ؛ لأنه إذا لم يوضح لأوربا حقيقة الأمر لعد الأوربيون هذا الفعل نقطةً سوداء في تاريخ الإسلام لا يمحوها الدهر".
ونجد رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج يُعبر عن ندمه علي ما لم يقم به في شأن القضية الأرمنية ، وقد كتب في عام 1939 ضمن مذكراته حول مؤتمر الصلح الذي عُقد في باريس خلال العام 1919 : " صمم عبد الحميد وأتباع تركيا الفتاة في ولاية أرمينيا علي اختصار المسألة الأرمنية بإبادة العرق بأكمله وبترحيله ، بعدما نظروا إلي الأرمن ككافرين وخونة. وقد نجحوا في مهمتهم الهمجية تلك، وأيما نجاح . فقد أٌزيل الأرمن من السهول ووجد الناجون أنفسهم في الجبال الصعبة التي أمنت للاجئين المطاردين من قبل الهمجية التركية ملجأً مكشوفاً ومؤقتاً ، وهرب كثيرون إلي سوريا أيضا. ولئن كان السوريون العرب تحت الحكم التركي ، ومحمديين أتقياء ؛ فإنهم لم يكونوا قتلةً ورفضوا الاشتراك في قتل الكافرين العُزل الذين وثقوا بتعاليم نبي الإنسانية ".
ويذكر مورغنتاو سفير الولايات المتحدة في القسطنطينية خلال الفترة من العامين 1913 و1916 تفاصيلاً دقيقة حول الإبادة الأرمنية في كتابه المهم"اغتيال امة" واصفاً تركيا بمكان رعب، وقد نُشرت أحاديثه مع القادة العثمانيين ومراجعته للإبادة الأرمنية فيما بعد في عام 1918، تحت عنوان" قصة السفير مرغنتو".
ونقتطف مما كتبه في مذكراته حول القضية الأرمنية فيقول:" كانت السرقة والدمار معها، هدف الترحيل الحقيقي ولم يكن الترحيل يمثل سوي طريقة جديدة للإبادة. فعندما أعطت السلطات التركية الأمر بعمليات الترحيل أصدرت حُكم الموت علي عرق بأكمله.. وكانت تلك السلطات تفهم الأمر علي ما هو عليه ، ولا تُخفيه في أحاديثها معنا ".
وورد في مذكرات مرغنتاو تقرير عن حديث أجراه مع طلعت باشا بتاريخ الثامن من أغسطس 1915 ، وفيه يقول بعدما ألح علي طلعت باشا في السؤال عن الأرمن ومصيرهم قال له المذكور إن ثلاثة أرباع الأرمن قد أُبيدوا ، ولم يبقَ منهم نفر واحد في بتلبس وڤ-;-ان وأرضروم ، مُضيفاً أن الأتراك يُعاملون الأرمن كما يُعامل الأمريكيون السود ( يقصد الهنود الحمر).
وتأتي شهادة مصطفي باشا ياملكي الشهير ب" النمرود"، رئيس المحكمة العسكرية ( بين عامي 1919و1920) التي حاكمت طلعت باشا وأنور باشا وجمال باشا وسواهم لدورهم في المجازر التي اُرتكبت في حق الأرمن فيقول :" ارتكب مواطنونا جرائم غير مسموع بها ، تعود إلي جميع الطرق المُتخيلة من الاستبداد والترحيل المنظم والمجازر ، وصب الوقود علي الأطفال وإحراقهم ، واغتصاب النساء والفتيات أمام أهلهم وآبائهم والاستيلاء علي الممتلكات الشخصية والأراضي، وسوق الناس إلي بلاد مابين النهرين ومعاملتهم علي نحو لا إنساني في الطريق..وضعوا آلاف الأشخاص البريئين في مراكب أُغرقت في البحر..وضعوا الأرمن في الظروف الأسوأ احتمالاً مما لم تعرفه أمة من قبل في تاريخها".
يُعد ناظم بك الطبيب التركي وأحد أبرز العاملين علي إبادة الأرمن ، قال في 15 فبراير 1915: " أكرر لن نترك أرمينياً واحداً في تركيا ! علينا ان نقتل اسم "أرمني"!.. قد يتساءل بعضكم : " هل يُعقل أن نكون بمثل هذه الهمجية ؟ أو أي أذي قد يأتي من الأولاد أو الأطفال والمسنين والمرضي حتي نقتلهم؟ وستقولون : " من هو المُذنب ، علي المُذنب أن يُعاقب.. من الوحشية أن نقتل الناس الأبرياء ، وهذا عكس الحضارة ، والدكتور ناظم متطرف وهو لا يستخدم المنطق ". " أرجو حضراتكم ألا تُظهروا في قلوبكم علامات الضعف والرقة هذه. إنه مرض سييء – نحن في حرب ، وما الحرب ؟ أو ليست وحشية ،والوحشية من ضمن قوانين الطبيعة".
كتبت غريس هيلي نب مُرسلة مسيحية أمريكية ، شهدت ما شهدته من مجازر في حق الأرمن ، ولا سيما منطقة خربوط ،ووضعت كتابين في هذا الموضوع. تذكر نب في الكتاب الأول ، كيف قُتل الرُضع ، وأُلقي بهم في البحيرة أو كيف أُلقي بهم في البحيرة أحياء، وكيف خطف الأكراد العرائس والفتيات ، وكيف أن بعض الأكراد علل ما يجري للأرمن بأن الروس سرقوا قطعانهم في أرضروم ! .
وتوضح في كتاب ثان لها مرتبط بمدينة ڤ-;-ان وصمودها ، كيف أن الأتراك قتلوا مبعوثين إليهم حاملين الرايات البيضاء ، وكيف أن سبُردُن وكيل القنصل الإيطالي بعث رسالة إلي الوالي جودت يُفيده فيها أن لا استسلام ممكناً في ڤ-;-ان ، طالما أن الحملة العسكرية علي المنطقة تأخذ طابع المجازر! .
باقة ورد وقرنفل جني لبنان والعالم
وفي هذا الباب ، ينقل لنا الكاتب مشاعر كوكبة من الإعلاميين والباحثين والأدباء والأكاديميين ممن تأثروا بما حدث للأرمن من إبادة وقتل وتشريد علي يد الأتراك العثمانيين ، وهي مُهداة إلي الشعب الأرمني في أرمينيا والشتات . والقصد منها الإسهام في مسيرة ارتقاء الشعوب دائماً.هي باقة مرفوعة في مناسبة مئوية ال"مدز يغرن" التسمية التي درج الأرمن علي إطلاقها لدي إشارتهم إلي المجازر التي تعرضوا لها وإلي نكبتهم الكبري ،وذلك قبل أن ينشأ مصطلح الإبادة ويُستخدم.
ومن هذه الباقات نختار للشاعر اللبناني ريمون عزار باقة شعرية بعنوان ( يغرسون الأرز )
هم من التاريخ أحرار، ومجد وانفتاح
صولة للحق ،شعب مبدع هدي كفاح
لم يخونوا ذمة ، لم يغدروا ، كانوا الصلاح
أرمن للسلم عهد ، وإذا ضيموا السلاح
لم يسيئوا ، فلماذا ذبحُهُم قبل الصباح
ولماذا تطفئون الشمس والخير المباح
خجل التاريخ من آثامكم ،ناح الأقاح
لم يبادوا ، حبة الحنطة تنمو في البطاح
ويعود النبت قوماً في الدني طلق الجناح
يخصبون الأرض زرعاً يانعاً في كل ساح
يغرسون الأرز في الأرز، ولا تقوي الرياح
عز لبنان بهم في وطن لا يستباح
ويقول الأديب البحريني إبراهيم راشد الدوسري: " ستظل ذاكرة التاريخ الإنساني ملطخة بدماء الأطفال والنساء وكبار السن والرجال الشرفاء من أحرار الأرمن الذين تمت إبادتهم الجماعية من قبل الجيش العثماني في أثناء الحرب العالمية الأولي".
ويُعبر الأديب اللبناني إسكندر داغر عن إعجابه بعراقة وصمود الشعب الأرمني : " لقد أدهشني الشعب الأرمني الذي قهر الموت ومجد الحياة ".
ويقول الشاعر اللبناني أنطون رعد:" مئة عام ودم الأتراك لعنة حمراء تطارد الأتراك من دون هوادة وكابوس يفرش مضاجعهم بالأشواك ، ويزرع ضمائرهم بالعقارب والأفاعي !".
وحول نفس المعني يقول الباحث والأكاديمي اللبناني سُهيل مطر :" مأساتكم ، هي مأساتي ، أنا اللبناني ؛ ووجعي كوجعكم وأكثر .ومذابح الأرواح أوجع من مذابح الأجساد، وكم نُذبح نحن يومياً. لقد وحدّتنا المأساة ، فهل نتوحد في الوعي وبناء الوطن الواحد؟.
ويسخر الشاعر المغربي من الموقف التركي إزاء تجاهل الاعتراف بالإبادة الأرمنية :" إن دولة تركيا الحديثة التي أقرّت الديمقراطية في بلدها ما تزال تخجل من ماضيها وترفض المصالحة مع ذاتها ، محاولةً طمس معالم تلك المذبحة التي مرّ عليها قرن من الزمن، بكل ما أُوتيت من قوة. فهل تتحقق العدالة يوماً لهؤلاء الشهداء الأبطال؟".
ويتساءل المؤرخ اللبناني عصام خليفة في ذكري مرور مئة عام علي هذه المأساة :" هل يُمكن ان نُراهن علي حصول تحولات في موقف الجميع تضع حداً لتفاعل هذه الكارثة الإنسانية الكبري.
ويوجه الشاعر اللبناني مُنيف موسي رسالة إلي أرمينية يُحيّي فيها ذكري شهدائها :" وفي المئوية الأولي لذكري مذابحك الكبري الفظيعة يا أرمينية ، نُحيّي أرواح شهدائك الأبطال القديسين ، ونصلي لهم ونشدد عزائم شعبك المغوار. فحقه في الحياة شرعة طبيعية ووجوده قانوني، وإن إبادته لهي محو شعب عظيم في الحضارة والتاريخ ! ".
ويدعو الشاعر اللبناني ميشال جحا أردوغان أن يحدد مساره قائلاً:
حدد مسارك "أردوغــان" من قبل ان يعلو الدخان !!
ناصرتنا في قُدســـــــــنا كالسيف يبرق عـنفوان !!
أغلي مكان في "النفوس" لك ابتديــــــــــنا في حنان
فغدوت منا !! ما بــدا !! حافظ علي هذا الــمكان !!
دع غربهم في غــــــيّه وامدد لنا أيـــــدي الأمان
ليعمّ تركيا الهــــــــــنا ومعاً يُسالمـــــــنا الزمان
وتشدو لنا الشاعرة اللبنانية ندي نعمة بجاني بقصيدة رائعة عن أرمينيا بعنوان ( أرمينيا في وجدان التاريخ ، نقتطف منها:
أرمينيا .. موطن الأم
يا ضالة القلوب
عقود عشرة قد عبرت
ما بين ماض أليم وحاضر عريق
نستحضر كل يوم ذكراها
سيرة موطن جريح
وعزة قوم ذبيح
موطن به تتباهي الأوطان
ويتساءل الشاعر اللبناني نعيم تلحوق عن سبب عدم نسيان الأرمن للإبادة التي جرت بحقه : " أفهم ، لماذا لا ينسي الشعب الأرمني هذه المجزرة الشنيعة ، وأُدرك لماذا يتعاطف العالم بأسره معهم، ليس تعظيماً للقتل ولفكرة الإبادة ، بل لأن الاستنكار والاستهجان ليس سوي استنكار لوعينا الجمعي الذي يأتي ضمن مفهوم حق الشعوب وحريتها في العيش بشرف وكرامة في أوطانها وعلي أراضيها..".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما التصريحات الجديدة في إسرائيل على الانفجارات في إيران؟


.. رد إسرائيلي على الهجوم الإيراني.. لحفظ ماء الوجه فقط؟




.. ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت فيه إسرائيل


.. بوتين يتحدى الناتو فوق سقف العالم | #وثائقيات_سكاي




.. بلينكن يؤكد أن الولايات المتحدة لم تشارك في أي عملية هجومية