الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أهم صفات الانسان

رمضان عيسى

2016 / 3 / 16
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


عند النظر الى الإنسان نجد أنه كائن طبيعي نما وترعرع وتطور وتأقلم مع الطبيعة التي هو نتاجها ، ولم يُستورد الى كوكب الأرض من خارجه . ولكن لا نستطيع أن نصفه بأنه كائن طبيعي بحت ، سلبي لا يستطيع أن يؤثر في الطبيعة بشكل أو بآخر ، لا ، بل ان الانسان خضع لطريق طويل من التطور الجسدي والدماغي بحيث أصبح يمتلك من الصفات الجسدية والاجتماعية والعقلية ما جعله متميزا بشكل فارق عن غيره من الكائنات الحية الساكنة على ظهر هذا الكوكب .
ولو حاولنا حصر الصفات التي يتميز بها الانسان لوجدنا أنها كثيرة ومتفرعة ونلمس آثارها في كل نواحي الحياة المادية والاجتماعية والفكرية والسياسية والفنية والدينية ، مثل :
الانسان كائن " مفكر " ، " عاقل " ، " ناطق " ، قارئ " ، صانع ، باني ، مُتحرر ، مُقيد ، متغير ، مُغير ، مُجدد ، مُتجدد ، برامجي ، مخترع ، مُطوِرْ ، مُتطورْ ، مُطَوَّرْ ، اجتماعي ، حزبي ، سياسي ، أخلاقي – صادق ، كاذب ، وفيْ - ، فطري ، جنسي ، عاطفي .متدين ، تاريخي ، فنان ، رسام ، نحات ، تشكيلي .
ولو تفحصنا المعاني القريبة والبعيدة لكل مفهوم أو صفة من هذه الصفات لوجدنا أن هناك مفاهيم تحمل في طياتها أكثر من صفة ، بينما نرى أن مفاهيم أُخرى تشمل جزءاً من نشاط الانسان العملي أو الفكري .
فمثلا ، مفهوم أن الانسان " حيوان مفكر " أي يفترض أنه يمتلك أداة التفكير ، وهو الدماغ ، ومنه تظهر صفات مثل " ناطق ، عاقل ، قارئ ، برامجي .
فالتفكير عملية مستمرة دائمة مع الانسان من صحوه الى نومه ،ولكن التفكير غير ممكن بدون اللغة ، الكلمات المعبرة عن موجودات الواقع ، غير ممكن بدون المقدرة على نطق الكلمات ، المقدرة على اخراج الكلمات المتمايزة من الحنجرة – مع العلم ان هذا الكائن عاش لفترات زمنية طويلة بدون " لغة " قبل أن يتطور ويصل الى الأنسنة ، أي المرحلة التي ممكن أن يقال عنه أنه كائن انساني ناطق ومفكر .
فحينما أصبح لدى الحنجرة المقدرة على إصدار أصوات متعددة مختلفة الرنين ، والتي تحولت تدريجيا أثناء نشاطه العملي الحياتي الى كلمات متعددة ، ومتعددة في دلالاتها ، ومعبرة عن المواقف الشعورية المتعددة ، هذه الكلمات هي التي فصلت الانسان عن عالم الحيوان الأعجم ، فاللغة هي التي جعلتنا بشرا .
فنرى أن النطق حالة يسبقها التفكير في اختيار الكلمات المناسبة للنطق ، ويحدث التفكير قبل وأثناء وبعد القراءة ، فحينما تقرأ يتنقل تفكيرك من صورة الى أخرى حسب ما تنقله لك الكلمات والجُمل التي تقرأها . كما يحدث التفكير حينما يشرع الانسان لعمل ما ، فهو يقوم بتصور خطة أو برنامج لما سينوي فعله .
ولو قلنا أن الانسان يتميز عن الحيوان بأنه كائن " حُر " وغير مُقيد وأن أفعاله تنبع من ذاته ، أو القول أنه كائن " مُتحرر" ، أي لديه النزوع لرفض القيود التي تعيق نشاطه ، وأن أفعاله لا تخضع كلها للضرورة ، فإننا نعني أن الحرية لا تعني الانفلات وتجاهل قوانين الطبيعة والمجتمع ، بل نعني أن حريته تكمن في استطاعته أن يتحاشى كوارث الطبيعة ويتحرر من ويلاتها التي تؤدي به الى الموت والفناء .
فمثلا نراه بإدراكه لقانون الجاذبية الأرضية لا يقفز من عِلوٍ شاهق ، لأن فيها هلاكك ، واذا تصادفت مع حيوان هائج ، فإنك تتحاشاه ، أو تتوجه الى طريق آخر . واذا عرفت أن التعرض للأشعة السينية بكثرة تسبب أوراما غير محمودة ، وتهلك الخلايا الحية ، فإنك لا تقترب من مصادر الاشعاع الغير مؤمَنة . فأحيانا يواجه الانسان قيوداً ومعيقات وضرورة لا يستطيع تجاوزها ، فنجده يتعايش مع وجودها ويحاول تحاشي أضرارها على وجوده وعمله . فالحرية هي وعي الضرورة .
لقد عبر " لينين " عن هذه الفكرة بوضوح حينما قال : " الضرورة عمياء طالما لم تُعرف ، ولكن إذا عرفت الضرورة ، إذا عُرف القانون ، وإذا أخضعنا فعله لمصالحنا ، فإننا أسياد الطبيعة " .وقال " إنجلز " : لا تكمن الحرية في الاستقلال الموهوم عن قوانين الطبيعة _ بل العمل – بصورة منهاجية على الفعل من اجل أهداف معينة .
وبهذا يكون الجهل بإمكانيات الإنسان والجهل بقوى الطبيعة هو أكبر القيود التي تواجه الإنسان لكي يكون سيدا للطبيعة .
وبالنظر الى أن الانسان كائن تاريخي ، أي أن باستطاعته تصور أحداث الماضي وتأريخها ، سواء بالكتابة أو بالرسم أو بالنحت ، والاستفادة منها بعدم تكرار الأحداث الضارة ، ويستطيع سرد الأحداث وكيفية سيرورتها من البداية حتى النهاية ، وتذكر ما هي العوامل النشطة ، وما هي تناقضاتها التي جعلت هذه الأحداث تظهر بهذه الأشكال دون غيرها ، وما هي النتائج التي تبعتها .
وصفة أن الانسان كائن اجتماعي ، فهي صفة لا ينفرد بها الانسان من بين الكائنات الحية ، حيث نجد أن الكثير من الحشرات أو الحيوانات تعيش كمجموعات ، مشكلة مجتمعا متعاونا سواء في الحصول على الغذاء ، أو في التصدي للأعداء .
ففي الوجود الاجتماعي يستطيع الكائن اشباع عواطفه الجنسية ونوازعه الفطرية والتآلف مع الآخرين من أفراد جماعته . فهو يتعلم تجارب الآخرين من خلال وجوده في مجتمع ، ويخضع لأوامر الكبار ويتعلم أخلاقهم ويلتزم بها ، وصفة الاجتماعية عند الانسان صفة معقدة وتتداخل مع كثير من الصفات الأكثر رقيا ، مثل صفة الاعتقادية والتحزب والمشاركة السياسية والجماهيرية الهادفة لتنظيم المجتمع وفقا للدستور .
أما صفة أن الانسان كائن ديني ، فمعروف أن الظاهرة الدينية هي ظاهرة عقلية مكتسبة اجتماعيا ، وليست فطرية على الاطلاق ، والا لوُلدت البشرية ولا تعرف إلا دينا واحدا .
لفهم هذه الظاهرة يجب فهم العوامل التي تتأثر بها هذه الظاهرة التي يتميز بها الانسان دون غيره من الكائنات الحية . ومن هذه العوامل : تصور البعد الزمني الذي يعطينا تصورا ما عن مستوى التطور الدماغي " العقلي " للإنسان ، وظروف البيئة المحيطة به وطريقته في الحصول على الغذاء ، ووسائله في الدفاع عن نفسه ضد الأعداء ، ومستوى التطور الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية المصاحبة لها .
وهذه العوامل هي التي تجعلنا نتصور ظاهرة التدين وتنوعها في اطار بعدها التاريخي ، زمانيا ومكانيا واجتماعيا .
إن الانسان لم يظهر على الأرض كامل المعرفة والفهم الذي هو عليه الآن ولا قبل عدة آلاف من السنين ، فعلم الانثروبولوجيا يعطينا تصوراً عن حالة القصور العقلي لدى الإنسان في مراحله الأولى عن إدراك مسببات الظواهر في الطبيعة ، كالبرق والمطر والفيضان والنور والظلام والولادة والموت والأحلام والقوة والمرض ، كل هذه الظواهر لم يكن لدى الإنسان من المدركات ما يساعده على معرفة ما يكمن خلف هذه الظواهر ، ويجعلها تظهر بهذا الشكل أو ذاك ، وهذا القصور جعله يُرجع هذه الظواهر الى قوى غيبية تَصوَر أن لديها القدرة على فعل هذا .
ولعبت الأحلام دورا كبيرا في بلورة تصور عن عالم آخر غير مجسد روحاني يسكن الأماكن التي من الصعب أن يصلها الانسان كالسماء والغابات والجبال الشاهقة ، وتصور أن هذه الكائنات الروحانية تملك صفات خارقة ، وقد تعددت هذه الآلهة بتعدد الظواهر التي يراها الانسان في حياته ، فهناك آلهة للمطر والبرق والفيضان والموت والولادة ، فهي تمنح القوة وتطرد الأعداء .
وقد برز في كل مجتمع أُناس متخصصون في العلاقة مع هذه الأرواح أو الآلهه ، فظهر السحر الذي أعطى من يمارسه مقدرة وهمية على تسخير هذه القوى الغيبية لفعل الخير أو الشر للغير . ولتحاشي أفعالها الشريرة ، وجلب خيراتها فقد مارس الانسان البدائي طقوسا تمثلت في القيام بعبادات وصلوات وحركات أو رقصات أو دعوات تصور أنها مقبولة من هذه الأرواح لكسب رضاها وجلب مساعدتها للانتصار على الأعداء .
فظاهرة التدين عند الانسان لم تكن نزوعا فطريا مضافا الى الدوافع الفطرية المتلازمة مع وجوده ككائن حي مثل دوافع الجوع والجنس والمحافظة على البقاء ، بل ارتبطت التصورات الدينية لدى الانسان مع تطوره الجسدي والدماغي وامتلاك القدرة على النطق والتعبير والتفكير .
لقد ظهر الدين بنسب متفاوتة وبأشكال متعددة في التجمعات البشرية ، وهذا التنوع في الأديان والطقوس الدينية يعود الى التنوع البيئي وطريقة كل مجتمع ووسائله في الحصول على الغذاء ، فمن يسكن شواطئ البحار ارتبطت آلهته بالبحار ، ومن يسكن بجانب الأنهار ارتبطت آلهته بالأنهار وفيضاناتها ، ومن يسكن الصحراء وعلى حواف الجبال والغابات فقد ارتبطت آلهتهم بالصخور وأشكالها القريبة من أشكال البشر أو الحيوانات أو تقديس الأشجار المرتبط تاريخها بتاريخ الأسلاف .
ومما ساعد على تكريس الظاهرة الدينية ما نراه على طول تاريخ البشرية من استغلال الدين لتبرير الفوارق الطبقية في المجتمع ، وتثبيت أنظمة حكم قبائلية وملكية وديكتاتورية .
وفي أيامنا هذه تسعى بعض الأحزاب لاستعمال الدين كوسيلة للوصول الى السلطة ، وذلك بتكريس الدعاية الدينية في أوساط الطبقات الشعبية الأُمية والفقيرة ، والتي لا تزيد عواطفها وطموحاتها عن الرؤى الدينية للحياة والموت .
وبقدر ما ينتشر التعليم بين الناس ، وبقدر ما تتطور العلوم ، وبقدر ما يتعرف الانسان على الكون وأسراره ، بقدر ما تتلاشى الظاهرة الدينية وتقل سيطرتها على تفكير الانسان .
أما صفة كون الانسان مُغير ، مُجدد ، فالتغيير لا يزيد عن نقل الأشياء من مكانها ، أو تغيير الشكل السابق ، وفي هذه الصفة نجد الانسان يشترك مع حيوانات وطيور تقوم بعمل تغييرات في الطبيعة ، فهي تبني لها بيوتا وتجددها دوريا بأشكال متعددة سواء على فروع الأشجار أو في شقوق الصخور أو بالحفر في الأرض ، ويتم هذا بدوافع غريزية للمحافظة على الحياة والتكاثر .
وكون الانسان صانع ، باني ، نرى أنه يشترك مع كائنات أخرى ، فكثير من الحيوانات تبني أو تحفر لها بيوتا ، وهناك انواع من القردة العليا تستخدم فروع الأشجار والحجارة للدفاع عن النفس ، أو لتكسير الثمار ذوات القشور الجافة كجوز الهند والبندق .
إلا أن صناعة الانسان تطورت بحكم تَشكُل يده وطواعيتها في تلبية أوامر الدماغ المفكر للإتيان بالفعل . فاليد هي أداة العمل ، وهي نتاج العمل وطواعيتها هي تكيف مع العمل ، أي تشكلت استجابة لحاجات العمل ، وهي الأداة الفعالة ليس للدفاع عن النفس ، بل لتغيير الأشياء وتكسيرها وثنيها والتقاطها وقذفها ، وهي التي نقلت الانسان الى درجة أعلى في صناعة مستلزماته المعيشية والبنائية كماً وكيفاً بما لا يقارن مع غيره من الكائنات الحية .
أما النظر الى الإنسان ككائن "مُطوَّرْ " ، فهي صفة تجعل من الانسان موضوعا للتغيير والتطوير من درجة أدنى الى درجة أرقى ، ولكن ليس بدوافع وقدرات وأهلية جسدية وعقلية ، بل بتدخل قوى خارجية ، غيبية ، وهو لا يملك القدرة على رفض ارادتها ، أو مواجهتها ، أو اقتراح تشكيلة اخرى ، وما لديه إلا الخضوع والاستسلام لها .
أما صفة أن الانسان كائن مُتغير ومُتجددْ ، أي لدية القابلية والأهلية الجسدية والنفسية أن يسري عليه التغيير والتجدد والتكيف مع ظروف الحياة المتجددة باستمرار ، فهذه صفة ملازمة لكل كائن حي ، فلكي يحافظ الكائن على حياته يجب أن يكيف نفسه مع الظروف الطبيعية المحيطة به ، وإلا هلك .
أما حينما نقول أن الانسان كائن "مُتطَوِر" ، فتعني أن الانسان هو كائن تطوُري ، أي هو مادة التطور جسديا وعقليا ، أي هو لديه القابلية للتطور ومر بطريق تطوري طويل ارتقى فيه من درجات دنيا الى درجات عليا ، سواء في شكل جسده ، أو في دماغه أو في مُكوناته الداخلية . وكونه كائن مُتطور ، أي ليست لديه موانع للتكيف مع ظروف الحياة ، وتطوير تصوراته عن العالم المحيط .
أما النظر الى أن الانسان كائن " مُطوِرْ " ، فنرى أنها أشمل المفاهيم التي تصف الانسان وتميزه عن غيره من الكائنات الحية . فالصفات الأخرى توضح جانبا من نشاط الانسان العقلي أو الجسدي ، أو جانبا من جوانب نشاطه المجتمعي .
فكون الانسان كائن " مُطوِرْ " ، فهو اذن مُفكر ومخطط وصانع ومُجدد ومُغير وباني واجتماعي ولديه القابلية للتعلم والتعليم . وكونه " مُطوِر " ، تعني عدم قبوله بالموجود ، بل يسعى دوما الى خلق وإبداع أشياء جديدة لم تكن موجودة سابقا بهذا الشكل ، أو بهذه النوعية ، ولما كانت الحياة متجددة ومتطورة باستمرار ، فإن الإنسان بهذه الميزة يثبت أن لديه القدرة والأهلية الجسدية والعقلية لمواكبة التطور بصورة متناسقة مع تطور الحياة كإنسان .
ومن مظاهره في أنه كائن " مُطوِر " ،، أنه لا يستسلم ولا يقنع بالموجودات والعلوم والمخترعات المعروفة ، بل لديه النزوع لإخضاع الأشياء والنُظم للصيرورة التطورية ماديا واجتماعيا وفكريا وسياسيا . فكم نحن بحاجة في المحيط العربي أن نكون مُطوِرين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام 


.. انفجارات وإصابات جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب




.. مسعفون في طولكرم: جنود الاحتلال هاجمونا ومنعونا من مساعدة ال


.. القيادة الوسطى الأمريكية: لم تقم الولايات المتحدة اليوم بشن




.. اعتصام في مدينة يوتبوري السويدية ضد شركة صناعات عسكرية نصرة