الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تغيرت الأحزاب الإسلامية بعد صعودها إلى الحكم؟ ولماذا؟

رضا الهمادي

2016 / 3 / 17
السياسة والعلاقات الدولية



في البداية تجدر الإشارة إلى أنه يجب الحذر في تعريف الأحزاب الإسلامية و التفريق بين حركات إسلامية محظورة وجدت نفسها في السلطة بطريقة فجائية بعد ثورات الربيع العربي كحركة الإخوان المسلمين بمصر و حركة النهضة بتونس، ثم من جهة أخرى حركات إسلامية قامت بمراجعات عميقة لمواقفها و دخلت معترك السياسة و مارست المعارضة من داخل المؤسسة البرلمانية لسنوات قبل أن تبوأها الانتخابات الصدارة في إطار اللعبة الديمقراطية كحزب العدالة و التنمية المغربي. و هذا انعكس بشكل كبير على سلوك هذه الأحزاب الإسلامية، فالإخوان المسلمين بمصر جاءوا بمشروع مجتمعي مهلهل و غير واضح المعالم يقوم على أساس أن الإسلام هو الحل و أهملوا الحلول الاقتصادية، بل و حاولوا التحكم في مفاصل الدولة و أسلمتها و هو ما جر عليهم غضب المواطن الذي انتظر منهم حلولا لمشاكل البطالة و الفقر و التعليم و غيرها من الأسباب التي أوقدت نار الثورة بمصر.

بينما حزب العدالة و التنمية المغربي، رغم أن برنامجه الانتخابي متشبع بحمولة و مرجعية فكرية إسلامية، إلا أنه عرف جيدا أن حل المشاكل الاقتصادية للمغرب سيكون البوابة الوحيدة التي على أساسها سيتم إعادة انتخابه، فركز جيدا على برنامجه الاقتصادي و الاجتماعي و حاول أن يبتعد ما أمكن عن كل نقاش بين التيار المحافظ و الحداثي (مع استثناءات قليلة)

وقد ساهم وجود إمارة المؤمنين بالمغرب و اتفاق كافة مكونات المجتمع المغربي على تفرد إمارة المؤمنين بتسيير الحقل الديني بالمغرب على عزوف حزب العدالة و التنمية عن التدخل في الشأن الديني و تحول شيئا فشيئا من حزب بمرجعية إسلامية إلى حزب بمرجعية محافظة. و كمثال على ذلك من المستحيل الآن ان تتكرر حوادث كحادثة طرد مصطفى الرميد لصحفية القناة الثانية في 2001 من البرلمان بحجة أن لباسها غير محتشم أو أن يعترض نشطاء هذا الحزب على مهرجانات بحجج أخلاقية و دينية.

و قد شكل حزب النهضة بتونس مثالا يحتذى به بالمقارنة مع باقي الحركات الاسلامية في المنطقة، فرغم حداثة عهده بالسياسة إلا أنه أبان عن حنكة كبيرة و رغبة في التوافق مع باقي مكونات المجتمع التونسي حتى يضمنوا وصول تونس إلى بر الديمقراطية و قد تجلى هذا في سماحهم لمنصف المرزوقي بتولي منصب رئاسة الدولة ثم وصل هذا النضج ذروته حين صوتوا على دستور تونسي جد متقدم يتضمن الحق في حرية المعتقد.

لكن ما يعيبه الملاحظ و الدارس للحقل السياسي على هذه الأحزاب، هو التحول الكبير و الجذري الذي عرفه خطابها بعد صعودها للحكم.، تجدر الإشارة هنا أن الحركات الاسلامية لا تشكل استثناءا في تغير خطابها مع تغير موقعها من المعارضة إلى الأغلبية، فقد سبقها إلى هذا حزب الاتحاد الاشتراكي بالمغرب الذي تنكر لهويته اليسارية و خوصص كل المؤسسات العمومية. و هذا التغير في الخطاب مرتبط أساسا باصطدام هذه الأحزاب بالواقع و صعوبة تغييره و تنزيل شعاراتها البعيدة عن الواقع. و كمثال على هذا صعوبة مقاومة حزب العدالة و التنمية للفساد الذي كان شعارا لحملته الانتخابية و ذلك ببساطة لأنه لا يتوفر على استراتيجية واضحة المعالم لمحاربة الفساد من جهة ، ثم كذلك لعجزه عن مقارعة اللوبيات الكبرى من جهة أخرى (لا يمكن إطلاقا محاربة الفساد بشعارات بسيطة خالية من أي برنامج إجرائي، و لا يكمن إطلاقا ربح 2% من النمو باقتلاع الفساد من دابره كما قال لحسن الداودي في إحدى تصريحاته حين كان في المعارضة).

هناك أمثلة كثيرة لمثل هذه التقلبات الفجائية لمسؤولي هذا الحزب في مواضيع عدة كموقف بنكيران من حفل الولاء، و مواقف العديد من قياديي هذا الحزب من المهرجانات، ثم موقف الرميد من التظاهر السلمي غير المرخص . و هو ما يبين حالة التيه الذي يعرفها هذا الحزب في اختياراته الكبرى، و الشرخ الكبير بين قيادييه من جهة الذين أصبحوا براغماتيين و طبعوا مع بعض اللوبيات الاقتصادية، بل تحالفوا معها في بعض الاحيان ضدا على المواطنين. و بين قاعدته من جهة أخرى والتي مازالت فاناتيكية إسلامية لا زالت تركز على النقاشات )و الصراعات في بعض الاحيان( مع التيار الحداثي، و غالبا ما تكون هذه النقاشات حول مواضيع هامشية بعيدة عن المواضيع الأكثر إلحاحا كغلاء الأسعار و البطالة و الفقر و محاربة الفساد و توسيع هامش الحريات. و قد شكل تشبع قاعدة هذا الحزب بمنطق الجماعة الذي يتسّم بالانضباط و الذي يختلف عن منطق الحزب بانخراطها بتبرير اختيارات قياديي و وزراء الحزب البراغماتية رغم معارضتها لها.

تجدر الإشارة إلى أن هذا التبرير و الدفاع باستماتة عن مواقف القياديين هو ما جعل العديد من الفاعلين السياسيين المعارضين للتوجهات المحافظة للأحزاب و الحركات الإسلامية يتهمون أعضاءها بالتقية، و هو اتهام بعيد عن الواقع (خصوصا بحزبي العدالة و التنمية المغربي و النهضة التونسي). رغم وجود بعض الانزلاقات المحدودة التي قد تحدث من حين لآخر بحكم أن هذين الحزبين يضمان خليطا غير متجانس من الحركات الاسلامية و بحكم تسرب بعض العناصر إليها، و هو ما تتعرض له جميع الأحزاب و الحركات السياسية اليسارية و اليمينية منها.

رضا الهمادي
رئيس المرصد المغربي للسياسات العمومية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد بين إيران وإسرائيل .. ما هي الارتدادات في غزة؟ |#غرف


.. وزراء خارجية دول مجموعة الـ7 يدعون إلى خفض التصعيد في الشرق




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استشهاد طفل برصاص الاحتلال في طولكرم


.. شهداء بينهم قائد بسرايا القدس إثر اقتحام قوات الاحتلال شرق ط




.. دكتور أردني يبكي خلال حديثه عن واقع المصابين في قطاع غزة