الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دواعي الانسحاب الروسي الجزئي من سوريا

جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي

(Jassim Al-saffar)

2016 / 3 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


قرار سحب روسيا لجزء من قواتها الجوية، جاء مفاجئاَ لأغلب المراقبين الغربيين المهتمين بمجريات الحرب وافاق السلام في سوريا، الا انه لم يكن كذلك تماما بالنسبة للعارفين بتفاصيل السياسة الروسية. ففي الأيام الأولى لانطلاق الحملة الروسية في سوريا، وضعت القيادة الروسية سقفا زمنيا لعملياتها الحربية في سوريا، يصل في أفضل احواله الى ثلاثة أشهر وقد يمتد في أسوأ الاحوال الى ستة أشهر، وذهب بعض الصحفيين والخبراء السياسيين الى تسمية شهر اذار/مارس تاريخا لوقف المشاركة الروسية النشطة في الحرب والبدء بالانسحاب من سوريا.
وقد أوضحت روسيا منذ بداية تدخلها العسكري، أنها لن تكرر تجربة أفغانستان ولن تبقى طويلا في سوريا، وحددت مشاركتها بسلاحها الجوي المدعوم بأساطيلها البحرية وترسانتها الصاروخية فقط دون أي اشراك لقواتها البرية في عمليات عسكرية على الأرض، كما انها اوحت لحلفائها بان فترة بقاء الطيران الحربي الروسي في سوريا، بتركيبته وتنوعه تعتمد على طبيعة المهام الموكلة اليه وخصوصيات المواقع المعادية التي يجري تعيينها من قبل الخبراء العسكريين الروس وقيادة الجيش السوري.
وبعد مرور نصف عام على مشاركة السلاح الجوي الروسي في العمليات الحربية في سوريا، تمكن هذا السلاح من انجاز مهامه في تدمير كل الأهداف التي حددت له، حسب وزير الدفاع الروسي. ولم تعد من أسباب موجبة لبقاء هذه الطائرات رابضة بلا عمل في مطاراتها. كما ان سحبها، كما تؤكد ذلك شخصيات سياسية وعسكرية روسية، سوف لا يؤثر على زخم العمليات الحربية ضد داعش والنصرة وغيرها من المنظمات الإرهابية غير المشمولة بقرار الهدنة والتي لا تحتاج الا لإسناد جوي من قبل طائرات مقاتلة خفيفة ومروحيات تقوم بتمشيط مواقع العدو قبل مهاجمتها من قبل القوات البرية للجيش السوري وحلفائه ومطاردة فلول داعش.
وتجدر الإشارة الى ان خبراء القوات الجوية الروسية قاموا، طيلة فترة تواجدهم في سوريا، بتحديث وتطوير ما تملكه سوريا من سلاح طيران، كما انهم امدوا القوات الجوية السورية بقواعد ضخمة لصيانة طائراتهم الحربية، ملحقة بها مخازن ضخمة لقطع الغيار. هذا إضافة لما حصل عليه سلاح الجو السوري من تدريب وخبرة عالية على القتال. وفي نفس الوقت فقد حصلت سوريا على أنواع عديدة من الأسلحة الحديثة، مثل دبابات ت-90 التي لا تقوى على اعطابها عصابات الإرهاب بما تملكه من أسلحة مضادة.
وخلال مراسم جرت الثلاثاء 15 مارس/آذار في قاعدة حميميم الجوية بمناسبة إتمام مهمات العسكريين الروس في سوريا، بين نيقولاي بانكوف نائب وزير الدفاع الروسي الهدف من سحب جزء من سلاح الجو لروسي، قائلا: "لقد حققنا نتائج إيجابية معينة، وظهرت هناك فرصة واقعية لوضع حد للمواجهة ودوامة العنف المستمرة منذ سنوات. لكن من السابق لأوانه الحديث عن إلحاق الهزيمة بالإرهاب. وتكمن مهمة مجموعة الطائرات الروسية في مواصلة توجيه الغارات إلى مواقع الإرهابيين". وفقا لذلك يفهم الهدف من قرار سحب جزء من سلاح الجو الروسي على انه لتحقيق أغراض سياسية خاصة وان المبادرة الروسية بوقف مؤقت لإطلاق النار في سوريا أثمرت عن مصالحة على الارض، بضمانات روسية، بين نظام الرئيس بشار الأسد من جهة، وفصائل ومجموعات وشخصيات معارضة له من جهة أخرى.
إضافة الى بوادر السلم الأهلي التي مازالت في طورها الأول ونطاقها المحدود فان روسيا تأمل بتحقيق نجاح في مفاوضات جنيف بين النظام السوري وأطراف المعارضة على اختلاف مرجعياتها وأساليب عملها، وهي تأمل في تطوير افاق التعاون مع الولايات المتحدة الامريكية من اجل الضغط على معارضة الرياض لتحقيق تسوية عادلة يضمنها الطرفان الأمريكي والروسي. وقد سبق قرار سحب جزء من القوات الروسية الموجودة في سوريا، اتصال هاتفي بين الرئيس بوتن ونظيره الأمريكي براك أوباما، يوم الاثنين الماضي المصادف 14 اذار/مارس، اتفقا فيه على التعاون المشترك من اجل السلام في سوريا.
ومع سحب جزء مهم من السلاح الجوي الروسي في سوريا، فان روسيا ستترك في سوريا جزء لا بأس به من قواتها العاملة هناك. فحسب ما أعلنته الانترفاكس عن وزارة الدفاع الروسية، أن عدد العسكريين الباقين في سوريا يصل الى الالف، وان أكثر من نصفهم خبراء ومستشارين، واكد نفس الأرقام رئيس لجنة الامن والدفاع في مجلس الاتحاد الروسي فيكتور اوزيروف. وفي معرض اجابته على أسئلة الصحفيين عن مصير منظومة صواريخ س-400 المنشورة في القواعد الروسية في سوريا، أكد رئيس إدارة شؤون رئاسة الدولة الروسية سيرجي ايفانوف بقائها في سوريا وفقا لقرار الرئيس بوتن بسحب جزء من القوات الروسية والذي جاء في نصه، ان مطار حميميم والقاعدة العسكرية في طرطوس ستواصل عملها بنظامها الاعتيادي، مع توفير الحماية الكافية لهما من الأرض والجو والبحر.
وتجدر الإشارة الى ما صرح به
ان روسيا، بسحبها لجزء مهم من قواتها، تضع خيارها على نجاح العملية السلمية في سوريا، وتعتبر قرارها ذلك مبادرة طيبة في هذا الاتجاه. ولكن ماذا لو استغلت أطراف إقليمية الوضع القائم بعد سحب جزء فعال ومهم من السلاح الجوي الروسي، لتغيير معادلة الصراع في سوريا لصالح منظمات الإرهاب؟ وماذا لو لم تصمد الهدنة او تفشل مباحثات السلام الدولية في جنيف؟ وماذا لو ان أمريكا، كعادتها دائما، تنصلت عن وعودها لروسيا بالمشاركة الإيجابية والفعالة الى جانب روسيا لإحلال السلام في سوريا والقضاء على الإرهاب هناك؟ فأي خطأ روسي في حساب عوامل الحرب وافاق السلام من شأنها ان تضر بهيبة روسيا كدولة عظمى وبمستقبل الرئيس الروسي السياسي وطموحاته لتغيير النظام العالمي الموسوم بنظام القطب الواحد.
أجاب الرئيس الروسي على كل تلك الهواجس والتساؤلات بقوله مخاطبا العسكريين العائدين من سوريا، في 17 اذار/مارس: "تستطيع روسيا عند الحاجة أن تزيد خلال ساعات معدودة، مجموعة قواتها حتى يتناسب حجمها مع الوضع القائم". وأكد "أننا سنواصل دعمنا للحكومة الشرعية في سوريا"، موضحا أن روسيا توفر لسوريا الدعم العسكري والمالي. كما أشار الرئيس الروسي، إلى أن روسيا أبقت قوات كافية لتنفيذ مهامها في سوريا لدعم الجيش السوري والسلطات السورية في حربها على الارهاب. هذا علما بأن الرئيس بوتن لم يتنازل بعد عن صلاحياته التي منحها إياه المجلس الاتحادي الروسي، في 30 أيلول/سبتمبر، بأرسال قوات عسكرية الى سوريا.
وتبعا لذلك فان الحملة العسكرية الروسية قد حققت اهم أهدافها، بمنع سقوط دمشق بيد الجهاديين من منظمات الإرهاب، كما حصل للعاصمة الليبية طرابلس، واتاحة المزيد من الفرص للعملية السياسية والجهد الدبلوماسي للوصول الى تسوية مقبولة من جميع الأطراف بضمانات دولية، لا يمكن تحقيقها بالعمليات العسكرية وحدها. كما ان روسيا لم تأتي الى سوريا لفرض مشروع سوري لطرف واحد على كل الشعب السوري وبالضد من ارادته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي