الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليعقوبى : الفاطمية عنوان للكرامة الإنسانية ولعراق جديد

محمود جابر

2016 / 3 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


في صباح يوم الأحد 13مارس /آذار 2016 وقف سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبى وسط حشود المعزين الذين حضروا من كل فج إحياء لذكرى استشهاد الصديقة الطاهرة المطهرة السيدة الزهراء عليهما السلام. ابناء العراق وضيوفه الذين حلوا على ساحة الزهراء في ذكراها وقفوا ينتظرون فى شوق ولهفة حديث سماحة اليعقوبى الذي تميز دون عن غيره من الكثيرين بتربيته الصالحة لجيل من الشباب منذ أن تولى مسئولية ما يعرف بـ " التيار الصدري " أو أبناء " المولى المقدس"، والذي استطاع من خلال العمل مع الطبقات الاجتماعية من كل ابناء العراق وخاصة طلاب الجامعات والشباب النابه أن يحولهم من طاقة سلبية إلى طاقة إيجابية فعالة فى المجتمع المثخن بجراح الاستلاب بكل أنواعه – الخارجي والداخلي والمذهبي والمناطق – المرجع قدم لأبنائه وطلابه ومقلديه ولكل الذين يهتمون بسماعه خطابا ودرسا على غير العادة – كعادته دائما- ممكن يقفون يتكلمون فى مراسم العزاء متحدثين عن صاحب الذكرى وعن تاريخه وجهاده فى سبيل الله وهى خطابات اظن أن المستمع بات متشبع منها لأنه يسمعها على الدوام ... وقد أصاب سماحته بفعله الطيب حين تحدث عن الإنسان مبتدأ حديثه بآيات سورة الإسراء وقول الله تعالى ( ولقد كرمنا بنى آدم).
والتكريم هنا – كما قال سماحته – تكريم فى الخَلق والخُلق، وتكريم بلطف الله الذي أرس الرسل وكلف الأوصياء باستكمال الرسالات والتي هى فى جوهرها تربية وتذكية الإنسان .
بيد أن الإنسان فى المعرفة الإسلامية هو أكثر قيمة من الإنسان فى المفاهيم الغربية المادية ، فموضوع الإنسان من القضايا الهامة نظرا لان المدنية الحديثة أقامت بناءها الفكري على نظرية الإنسية humanisme وهي فلسفة ظهرت في عصر النهضة كرد فعل على الأديان القديمة و خاصة المسيحية في القرون الوسطى التي أفرغت ذاتية الإنسان من كل معانيها ليصبح ذاتا لغيره عاجزا دون إرادة و قربانا يقدم للآلهة ، وهذه المنزلة الدونية للإنسان التي خصته بها الأديان القديمة والفلسفات وفى المقابل نقول ما هي نظرة الإسلام للإنسان " .
تبرز أهمية هذا السؤال ليس فقط من حيث الإشكال بل من حيث معطيات المعرفة التي تقوم على التساؤل حول القضايا و الإشكاليات و أراء و مواقف بقية الأديان من الإنسان في مقابل الإسلام. وهذا ما يفترض إطلاعا واسعا على النظريات و الأطروحات الأخرى و استفادة معمقة من مناهجها وقد ندرك ذلك على سبيل المثال من خلال تحليله وتعامله مع ما ورد في القران من آيات في هذا الموضوع.
فلتحليل الإشكالية المطروحة – نظرة الإسلام إلى الإنسان- على دراسة فلسفة الخلقة عند الأديان القديمة و الإسلام مؤكدا أن لغة الأديان هي لغة رمزية، معتبرا ذلك عاملا من عوامل خلودها و بقائها وقد استعملت قصة الخلق في القرآن بدورها هذه اللغة تجسدت ملامحها في الآيات التالية:
- (إني جاعل في الأرض خليفة) البقرة: 30. ميزة الإنسان انه خليفة الله وهي ميزة تبرز أن مكانة الإنسان في الإسلام تفوق المكانة التي منحتها له الإنسية الأوروبية.
-(من صلصال كالفخار) ــ (من حمإ مسنون) ــ (وخلق الإنسان من طين): هذه المواضع الثلاث التي تحدثت في القرآن عن مصدر الخلق تبرز أن الله خلق الإنسان الذي هو خليفته من الأرض أو بالتحديد من تراب الأرض المتعفن و ليس من أفضل مادة و أفضل عنصر ولعل ذلك ما يجسد لغة الرمز في قصة الخلق وإذا كان الرمز دالا عن مدلول غائب بلغة الألسنية الحديثة فان مصدر الخلق هنا يجعل الإنسان بين قطبين متناقضين هما الطين / منحط والروح / سمو .
وهو ما اورده سماحته حين ذكر رواية الإمام الصادق عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (إن الله عز وجل ركّب في الملائكة عقلاً بلا شهوة، وركّب في البهائم شهوة بلا عقل، وركب في بني آدم كلتيهما، فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فهو شر من البهائم).
هنا ندرك أن الإنسان في الإسلام مخلوق يتجاذبه بعدان فهو من ناحية يتجه نحو الرسوب و من ناحية أخرى يتجه نحو السمو وقد يفضي بنا الأمر هنا لنتساءل إلى أي منحى ينحو الإنسان ذو البعدين؟ إلى الأعلى أم إلى الأسفل إلى السمو أم إلى الانحطاط؟ وفي ذلك نلمس صراعا بين اتجاهين متناقضين تكون الإرادة هي الفاعل المحدد لمسار هذا الصراع.
فهذا المسار وهذا جزء استنباطى من حديث سماحة المرجع هو من جعل بعض الأحزاب الدينية ورموزها السياسية الحاكمة تنتهج سياسة الفساد والدجل واللصوصية دون وازع من ضمير أو دين !!
إن الأفضلية ليست فى المذهب أو فى الطائفة فالله تعالى كرم الإنسان باعتباره إنسانا، وقد تجلى هذا التكريم في كل أبعاد الإنسان، فجعل جسده [فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ] (التين:4) وفي الحديث الشريف عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (صورة الآدميين وهي أكرم الصور على الله).
وزوده بالعقل وأدوات العلم والمعرفة ليبني الحياة ويعمّرها ويطوّرها وينمّيها بينما المخلوقات الأخرى في دورة حياة ثابتة وسلوك واحد من لدن خلقها إلى قيام يوم الساعة.
وجعل ما في الأرض في خدمة الإنسان [وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ] (الجاثية:13) وعلّمه كيف يتمتع بالطيبات ويتفنن في صنعها والاستفادة منها.
- (علم ادم الأسماء كلها) ــ (فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا انك العليم الحكيم): رمزية هذه المعاني تفضي للقول ان الإنسان بهذه الصورة له ميزة أخرى تفضيلية وهي العلم و المعرفة، فالملائكة لا تعلم و لكن الإنسان كان يعلم أي انه متفوق عليها بذلك .
- (اسجدوا لأدم): دلالة أخرى على عظمة الإنسان رغم أن الملائكة من نور و الإنسان من طين وهذا ما يعني ان الملائكة و الشيطان أفضل من الإنسان على مستوى "العنصر" و متفوقان عليه لكنه يتفوق عليهما ب"العلم" وهذه المقارنة تجعلنا نجزم ان " قيمة الكائن و أصالته هما بمقدار عمله و معرفته وليس بعنصره " .
فخصوصية هذه الأفضلية تختزل بين جوانبها ردا على كل الأطروحات التي تمجد عنصرا أو عرقا عن آخر.
على ضوء هذه القاعدة التي تحدد الأبعاد المكونة للإنسان و مكانته في القرآن والمتمثلة في بداية خلق الإنسان ندرك جملة من الخلاصات الهامة تتمثل في أن الناس كلهم إخوة و ليسوا متساوين فحسب وهو تجاوز لمقولة المساواة كاصطلاح "حقوقي" إلى مقولة "الأخوة" كتعبير عن الطبيعة المشتركة بين الناس جميعهم إضافة إلى أفضلية الإنسان بالعلم ومسؤوليته في الإسلام عن مصيره و أداء رسالة الله في هذا العالم معتبرا أن الصراع بين الله و الشيطان ليس صراعا في الطبيعة بل هو صراع داخل الإنسان.
في هذا المقام التأويلي لقصة الخلق نتجاوز أيضا ماهية الأنسية الأوروبية التي رأت تناقضا بين قطبي اللاهوت و الأنسية وأقرت أنه لا تحقيق للثانية إلا بتجاوز الأولى. مؤكدين أن القرآن أكثر أصالة وعلمية فى النظر إلى الإنسان من نظرية الانسنة ، حيث أن القرآن منح الإنسان - معرفيا - أبعادا متكاملة .
هنا يقول سماحة المرجع بوضوح إن دور الديني / المثقف هو الذي تكون له القدرة على الاختيار بين ما هو مفروض من الأخر و بين ما هو موروث من الذات وذلك عبر آليات محددة تتمثل في استقراء العناصر و المواد الموجودة في ثقافة المجتمع ودينه واكتشاف عناصرها الدافعة و الواعية من اجل الإبداع والتجديد .
نخلص من ذلك للقول أن ماهية الإنسان هي ماهية نسبية ترتبط بعاملي المكان و الزمان وهي رؤية تجعل من هذا المفهوم مفهوما حركيا متطورا في حالة صيرورة علتها البحث عن الكمال من أجل تجسيد أنسية في أرقى تجلياتها .
فالعولمة الأمريكية المفروضة علينا بفعل آلة الحرب الأمريكية، وقولنا بعالمية الإسلام يفرض علينا دراسة متأنية للنص القرآني في البيئات الاجتماعية المختلفة ، فلا شك في أن موقع النص القرآني يختلف ما بين إيران الإسلامية وتركيا العلمانية ، وبين أقلية مسلمي الألبان في الصرب . وبين الأقلية المسلمة في الفلبين والهند . ففى إحياء منظومة البحوث الإنسانية وفقا للنص القرآنى وللتطور المعلوماتى الجديد سنحتاج إلى أساليب أخرى للمحاجاة ، دفاعا عن الإنسان فى الشريعة الإسلامية . ويتطلب ذلك منا تجديد أساليبنا في البرهان والإلمام بمبادىء هندسة الحوار . سيطرح المتغير المعلوماتى العديد من القضايا التي تتطلب تحليلا معرفيا ، ومعظم هذه القضايا مستجدة غير مسبوقة ، يصعب إن نعثر بشأنها في التراث الماضي على ما يمكن لنا إن نقتبس عليه ، وهو ما يستوجب استحداث أدوات جديدة للقياس ، وتتجاوز تلك القائمة على التحليل اللغوي المباشر ، باستخدام طرق الإثبات العلمي ، والسند الاحصائى والتاريخي والرمزي . لقد أصبح للقناع واثبات البرهان فرعه المتخصص في تكنولوجيا المعلومات.
هل يكفى هذا لحث أهل المنطق لدينا على دخول هذا المجال الجديد ؟ وهذا يرتبط ارتباطا وثيقا باجتماع علم المعرفة ، الذي يتناول علاقة الارتباط بين ثقافة المجتمع والظروف السائدة والنماذج المعرفية العليا التي يمكن لها إن يولدها . وكذلك العلاقة ما بين المعتقد الديني ونظام القيم. ومناهج التفكير السائدة في المجتمع ، ودور نظام المعتقدات في عمليات انتشار الثقافة . وانحلالها داخل المجتمعات .وخذا بدوره يتداخل مع علم نفس المعرفة كفرع – حديث – من فروع علم النص ؛ فبينما يدرس علم النفس السلوكي العلاقة بين المؤثرات الخارجية وسلوك الأفراد ، يدرس علم النفس المعرفي أثر البني المعرفية ، الكامنة داخل المخ ، في سلوك الأفراد ورؤاهم الاجتماعية ، ونظرتهم إلى أنفسهم والى العالم ، وخير مقولة تعبر عن هذا المفهوم – بصورة تقريبية – " أعرف الحق تعرف أهله " .
وعودة إلى علم النفس المعرفي والقرآن ، فان هناك العديد من المعاني القرآنية تدرك وتستشعر ، ولا يمكن وصفها على وجه الدقة ، من خلال الكلمات ، وعلم النفس المعرفي يمكن إن يحدد لنا من أين تنبثق هذه المعاني من متن النص القرآني .
كما يساهم علم النفس المعرفي في إماطة اللثام عن الكيفية التي يتلقى بها الإنسان المسلم نصه القرآنى ، وكيف ينمو لديه هذا الشعور النفسي بتقديس الرموز الدينية وتبجيل القيم السامية المتعالية ، وفى المقابل كيف يرفض القيم المتدنية ورموزها، وما الذي يبقى من النص القرآنى في ذاكرة الإنسان بعد تكرار الإنصات له ، وعلاقة خلفيته العلمية بمدى استيعابه لمضمون النص .
ونحن هنا ننطلق من إيماننا العميق بأن القرآن يحتوى هذه المعارف وأكثر ، فالآفاق القرآنية آفاقا غير متناهية كما عبر عن ذلك خاتم الأنبياء بقوله :"ظاهره أنيق، وباطنه عميق، له تخوم، وعلى تخومه تخوم،لا تحصى عجابئه ، ولا تبلى غرائبه" . وقد عبر عنه سيد الأوصياء (عليه السلام) بقوله :" .. سراجا لا يخبو توقده، وبحرا لا يدرك قعره – إلى إن قال – " وبحر لا ينزفه المستنزفون، وعيون لا ينضبها الماتحون ، ومناهل لا يغيضها الواردون " .

وختاما :

إن خطاب سماحة المرجع الديني هو خطاب جديد من حيث الموضوع والطريقة والمحتوى خطاب يبحث فى الإنسان وعلومه وفى الإصلاح وطريقته فليس هناك إصلاح بلا طريقة مثلى او منهج متبع وإن فساد الفاسدون الذين وثق بهم الشعب العراقى خاصة والشعوب العربية والإسلامية جاءت من انهم لا ينتهجون منهج القرآن ويسيرون على غير هدى وعلى طريق غير معبد ياخذون من هذه المدرسة ومن تلك وهم عازفون بالكلية عن دراسة شرائع الإسلام ومنهج آل البيت الصحيح والذى تعتبر الفلسفة الفاطمية كمدخل لمعرفة طرق العترة فى التربية والإصلاح السياسي مدخلا صحيح .....
لهذا فإن الإصلاح المعرفي والسياسي والاجتماعي أصبح مستوجب فى العراق وغير العراق وفقا لهذا المنظور .
والانتخابات المبكرة التى طرحها سماحته حلا سلميا للخروج من الازمة العراقية ولكن أرى أن اغلبية الدعوة فى البرلمان لن توافق على هذا الطرح، وعليه فإن سرايا السلام وجماهير العراق فى الجنوب سوف تحاول دخول المنطقة الخضراء بالقوة، وهنا سوف يحدث صداما حتميا على الاقل بين تلك الجماهير والسرايا من جهة وبين قوة الحشد التى يتزعمها المهندس الطامح فى السلطة ولكن ما يحدد خيار اللحظة الأخيرة اين يقف الجيش العراق على رغم من ضعفه .

ملحوظة : المقال جاء بناء على رغبة العديد من ابناء سماحة المرجع الذين احمل لهم كل ود واحترام وحب وتقدير ولا استطيع ان ارفض لهم أمرا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار