الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مالم يقله الرئيس الأمريكي ... للكوبيين ...؟؟

علي الأسدي

2016 / 3 / 25
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


مالم يقله الرئيس الأمريكي ... للكوبيين ...؟؟

علي الأسدي

تتوالى مواقف الرئيس أوباما السياسية المثيرة للجدل في الظهور تباعا في وتيرة لم تشهدها السنين السبعة الماضية من ولايتيه في القصر الأبيض. ففي تصريحات نادرة نشرتها الصحيفة الامريكية أتلانتيك ضمن حوار أجراه محررها مع الرئيس أوباما خلال فترة سابقة تطرق فيها لجملة من القضايا السياسية ، لكن الغريب فيها توجيهه انتقادات لاذعة لبعض قادة الدول الحليفة للولايات المتحدة بينها الرئيس الاسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون وقادة الدول الخليجية والعربية السعودية. وهي ظاهرة لم يعبر عنها في الغالب أي رئيس دولة أو مسئول رفيع المستوى الا بعد مغادرته منصبه أما أن يكشف عنها وهو ما يزال في المسئولية كما يفعل الرئيس أوباما فأمر محير حقا.

لكن الموضوع الأهم في رأي هذا المقال هي مبادرة الرئيس أوباما بالاعلان عن زيارته لدولة كوبا المدرجة أمريكيا على قائمة الدول الداعمة للارهاب. لقد جاء هذا القرار بعد مباحثات سرية طويلة دامت اكثر من سنتين استضافتها كندا وتوسط فيها بابا الفاتيكان البابا فرنسيس وتوجت بقراره باعادة العلاقات الدبلوماسية مع كوبا عام 2014 وبالفعل تم فتح السفارة الأمريكية في هافانا في عام 2015 وفتح السفارة الكوبية في واشنطن في اوغسطس - آب من نفس العام.

وللتذكير فأن الولايات المتحدة هي التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية بكوبا عام 1960 تبعتها بفرض حصار مالي واقتصادي شامل منع على اثره وصول الأدوية والمستلزمات الصحية والطبية والتكنولوجية والثقافية والفنية والسياحية تنفيذا لقرار اتخذ مسبقا بتجويع الشعب الكوبي. لم تكتفي بذلك بل نظمت عشرات المحاولات الفاشلة لاغتيال الرئيس الكوبي فيدل كاسترو لكنها نجحت باغتيال المناضل جي غيفارا رغم عدم اشغاله لأي منصب سياسي ، بل فقط لأفكاره الثورية ودوره السياسي الفعال في الثورة الكوبية والأممية .

كانت أكثر العمليات خطورة ودرامية هي محاولة غزو كوبا عبر البحر بما اطلق عليه حينها عملية " خليج الخنازير " التي نظمتها وقادتها السي آي أيه بمشاركة السفن والطائرات الحربية الأمريكية. بدأ بالتخطيط لعملية الغزو في السنة الأخيرة من ولاية الرئيس دوايت ايزنهاور واستكملت وبدء بتنفيذها في يوم 15 أبريل - نيسان 1961 في عهد الرئيس جون كندي. لكن يقظة السلطات الكوبية وقوة ايمانها بسلطتها الثورية وشعبها افشلت المحاولة. لقد كانت الاستخبارات الكوبية والسوفييتية على علم مسبق بالخطط الأمريكية لغزو الجزيرة ولهذا كانت قوات المقاومة الشعبية الكوبية على أهبة الاستعداد والجاهزية والقتال لافشال عملية الغزو. وبالفعل بعد أربعة أيام من بدء الغزو لم يتح للغزاة التقدم في البر الكوبي أكثر من ميلين حيث تم ردهم على أعقابهم فقتل من قتل وهرب آخرون هلعا باتجاه الزوارق التي انتشلتهم على عجل وغادرت الشواطئ الكوبية مخلفين وراءهم قتلاهم وجرحاهم بينما استسلم للقوات الشعبية الكوبية 1179 مرتزقا واسقاط اربعة طائرات واغراق ثلاثة سفن حربية أمريكية.

لقد كان درسا مهينا للولايات المتحدة من قبل شعب صغير لكنه مؤمن بقضيته الوطنية ومتفان في الدفاع عنها دون خوف أو تردد. الشعب الذي انتصر في الحرب انتصر أيضا في السلم ، فخلال السبعة والخمسين عاما الماضية خاض الشعب الكوبي كفاحا بطوليا لبناء اقتصاده معتمدا على الذات وعل دعم أصدقائه في العالم الاتحاد السوفييتي قبل تفكيكه ودول أمريكا اللاتينية وغيرها من شعوب العالم بعد ذلك. لقد فرضت كوبا احترامها على الدول الراسمالية اضطرتها للقبول بحقيقة دولة لا تخجل من كونها دولة اشتراكية وتحت قيادة حزب شيوعي في حقبة تخلت أكثرية الاحزاب الشيوعية في العالم ليس فقط عن أسمائها ، بل عن مبادئها الاشتراكية وتبنت الأفكار والمواقف الاصلاحية والرأسمالية.

تمت اعادة العلاقات الدبلوماسية بين كوبا وامريكا بعد قرار اتخذه الرئيس الأمريكي في عام 2014 بعد وساطة بابا الفاتيكان البابا فرنسيس. وكانت كندا قد استضافت المفاوضات السرية بين الدولتين التي بدأت عام 2013 بحثت خلالها كافة القضايا التي تهم البلدين. ولا يعرف من صاحب المبادرة الأول في عقد المباحثات ، هل هي مبادرة البابا باقتراح من أمريكا ، أم مبادرة منه كجزء من مهمته السلمية والانسانية ؟ وبصرف النظر عن من وراءها فانها في صالح الدولتين اذا لم يستثمرها الامريكيون في زعزعة استقرار الجزيرة الآمنة ونظامها القائم على أسس الاشتراكية بعد ان فشلت وسائل الغزو وسياسة التجويع التي استخدمتها أمريكا خلال السبعة والخمسين عاما الماضية.

وكانت المباحثات بين الدولتين قد أثمرت عن اطلاق سراح السجين الامريكي الن غروس في 3-12-2014 الذي كان يقضي حكما بالسجن لمدة خمس سنوات منذ عام 2009 هو وعدد من الكوبيين لقيامهم بمحاولة نصب شبكة للانترنيت على الاراضي الكوبية دون علم السلطات. بنفس الوقت أطلق سراح أمريكيين يقضون احكاما بالسجن منذ 20 عاما. كما تم اطلاق سراح ثلاثة كوبيين محكومين بتهمة التجسس في الولايات المتحدة منذ عام 2001.

تضمنت المباحثات 1- رفع اسم كوبا من قائمة الدول الداعمة للارهاب. 2- رفع الحضر عن سفر الأمريكيين الى كوبا. 3- رفع القيود المالية والمصرفية. 4- زيادة الاتصالات اللاسلكية بين الدولتين.5- رفع القيود التجارية والمقاطعة الاقتصادية وغيرها. وعلى اثر تلك المباحثات تم فتح السفارة الامريكية في هافانا في تموز - يوليو عام 2015 تبعتها كوبا بفتح سفارتها في واشنطن بعد شهر من ذلك التاريخ.

وكان الرئيس أوباما قد صرح أثناء زيارته لكوبا في النصف الثاني من شهر آذار- مارس الحالي والتي دامت ثلاثة ايام ان رفع اجراءات المقاطعة الاقتصادية الأمريكية عن كوبا كليا مرهون بموافقة الكونغرس الأمريكي وليس واضحا فيما اذا سيوافق الكونغرس على ذلك وخاصة وان مجموعة من أعضاء المجلس المنتمين للمحافظين الجدد قد انتقدت قرار الرئيس باعادة العلاقات الدبلوماسية مع كوبا. وفي اول رد فعل لقائد الثورة الكوبية فيدل كاسترو على اعادة العلاقات مع الولايات المتحدة عبر عن عدم ثقته بما ستتخذه من مواقف تجاه كوبا. وهناك كوبيون يشاركون كاسترو تلك المخاوف اذ يساورهم القلق من فتح السفارة الامريكية في هافانا وخاصة أولئك الذين عاصروا ثورة كاسترو عام 1959 وقضوا جل حياتهم في ظل الاشتراكية.

ويقول جون أندرسون المحرر في صحيفة نيويوركر الامريكية ومؤلف كتاب عن حياة المناضل الراحل جي غيفارا : ان الكوبيين قلقين عما سيحدث في حياتهم التي اعتادوها في ظل الاشتراكية ، فهم قلقون من تاثير الراسمالية التي قد تدمر قيمهم الاجتماعية وتعمل على تآكل القيم الاشتراكية. انهم يراقبون كيف ستؤثر العلاقات بالولايات المتحدة على المجتمع الكوبي فأكثرية الجيل الجديد من الكوبيين يتقبلون مظاهر الحياة الجديدة."

لكن التغيير الأهم لم يبدأ بعد ولابد من انتظار بعض الوقت حتى تتضح معالم السياسات الأمريكية تجاه كوبا ونظامها وقيادتها. ففي خلال زيارته لكوبا القى خطابا في المسرح الرئيسي في العاصمة هافانا طالب السلطات الكوبية بالانفتاح واتاحة الحرية للنشاط السياسي والديمقراطي وحرية الصحافة ووسائل الاعلام ومنظمات المجتمع المدني. لقد قوبلت دعوته هذه " بالاعجاب والتصفيق الحار من قبل الشباب الذي كان حاضرا الاجتماع " وهو مؤشر يدخل السرور ولاشك في نفوس راسمي السياسات الاستخباراتية والاعلامية المستقبلية تجاه الأجيال الجديدة من الكوبيين.

وكان الرئيس أوباما قد أوضح قبل ذلك سياساته تجاه كوبا في خطابه الذي وجهه للأمة الأمريكية في عام 2015 والذي جاء فيه : " ان الولايات المتحدة بفرضها اجراءات الحصار على كوبا خلال الخمسين عاما الماضية قد عزلت نفسها عن المجتمع الدولي وعليها الآن رفع تلك الاجراءات عن كوبا واتاحة المجال أمامها لتتطور وتزدهر. ويجب أن نستخدم كل الوسائل التي في حوزتنا للمساعدة في اجراء " التغييرات الايجابية " في كوبا. اليوم كوبا وكما كانت في عام 1961 تحكم من قبل كاسترو والحزب الشيوعي فلايمكننا والحال هذه الاستمرار على عمل الشيئ نفسه وتوقع نتائج مختلفة. ان ذلك لا يخدم مصالح أمريكا أو مصالح الشعب الكوبي بل يدفع بكوبا الى الهاوية. نحن نعرف من نتيجة خبرتنا ودروسنا الصعبة بانه من الأفضل تشجيع ودعم الاصلاح بدلا من تحويل كوبا الى دولة فاشلة. مع اجراءاتنا اليوم نوجه ندائنا الى 11 مليون كوبي بأننا ننهي قيودنا غير الضرورية على نشاطاتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فلا يمكن ان نسمح للمقاطعة التي نفرضها على الكوبيين ان تستمر لأننا بذلك نضيف المزيد من المعاناة ، بل علينا أن نقدم المساعدة. اننا اليوم نجدد قيادتنا في أمريكا اللاتينية وفي واقع الحال اننا بدأنا سياسة الانفتاح منذ عام 2009."

تتضح من الخطابين بعض التفاصيل عن دبلوماسية الولايات المتحدة الجديدة ليس فقط تجاه كوبا ، بل تجاه كل دول أمريكا اللاتينية. واذا كنا لا نخشى على كوبا من مخاطر تلك الدبلوماسية المشبوهة لأن كوبا أكثر من خبر دهاليز السياسة الأمريكية ولأنها بقيادة الحزب الشيوعي الكوبي الأكثر وعيا وخبرة بين الاحزاب الشيوعية الباقية على قيد الحياة في العالم ، لكننا نخشى على دول مثل البرازيل وبوليفيا والاكوادور وفنزويلا فهذه تخوض حاليا معركة وجود جدية.

فحركة تغيير الانظمة التي بدءتها الولايات المتحدة في أوربا الشرقية في الثمانينيات والتسعينيات وانتهت في جورجيا وأوكرانيا ولم تنتهي بعد في الشرق الأوسط تبدأ الآن في أمريكا اللاتينية. فالبرازيل عضو مهم في منظمة BRICS المنافسة للهيمنة المالية والاقتصادية الأمريكية ولن تهدأ الولايات المتحدة دون ازاحة الرئيسة البرازيلية اليسارية الحالية حيث يجري التحريض ضدها تحت اتهامات بتورطها بفساد مالي. وفي الوقت نفسه تتوجه الولايات المتحدة لزعزعة الاقتصاد الصيني وزيادة حدة التوتر في بحر الصين وتحريض اليابان وكوريا الجنوبية ضد الصين الشعبية. كما تبذل الجهود لدفع الخلافات القديمة الى السطح بين الصين والهند بنفس الوقت الذي تغذى الاحتجاجات الشعبية ضد حكومة الرئيس دوما في جنوب افريقيا.
علي الأسدي 25- 3 - 2016








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيارة تحاول دهس أحد المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب


.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in




.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي