الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد الشافعي, الحلقة: (7 / 29): دعوى شمول الشريعة الجزء 5

انور سلطان

2016 / 3 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نقد الشافعي, الحلقة: (7 / 29): دعوى شمول الشريعة الجزء 5

لا مشرع إلا الله

مقولة لا مشرع إلا الله, أو الحاكمية كما أُطلق عليها حديثا, لم يؤصل لها الشافعي، ولكنه اكتفى بالقول بشمول الشريعة. فطالما أن الشريعة شاملة فلا يحتاج الناس إلى تشريع وضعي, ولا يحق لهم أن يشرعوا.

إن مقولة شمول الشريعة هي الوجه الآخر المكمل لمقولة لا مشرع إلا الله. والأخيرة استدعت الأولى، وكلاهما استدعى التشريع نيابة عن الله. ولأن هناك تحريم صريح للتشريع باسم الله، التفوا على التحريم بالقول أن الأمر ليس إلا استدلال على أحكام الله المنزلة أصلا، فالله أنزل شريعة شاملة نصا أو دلالة.

استدلوا بقوله تعالى (إن الحكم إلا لله)، وهو جزء من عدة آيات، على تحريم التشريع، بحمل كلمة "حكم" على معنى التشريع. وعلى هذا التحريف سيكون معنى الآية: إن التشريع إلا لله.

بينما كلمة "حكم" في القران جاءت بمعنى الفصل في خلاف أو خصومه. وجاءت بمعنى القضاء والقدر وهو معنى يعود لمعنى الفصل. والخلاف بين الناس إما في أمر الدين، أو في أمر من أمور الدنيا.

أولا: الحكم في أمور الدنيا

جاءت كلمة الحكم بمعنى الفصل في أمور الدنيا في عدة آيات منها:
الآية الأولى:
(ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكوا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يظلهم ظلالا بعيدا) (النساء: 60).
هذه الآية في المنافقين, والآية التي قبلها تأمر بطاعة الله ورسوله وأولى الأمر الذين ولاهم الرسول لإن طاعتهم من طاعة الرسول الذي ولاهم, وتأمر برد التنازع إلى الرسول.

الآية الثانية:
(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) (النساء: 65).
هذه الآية جعلت تحكيم الرسول والرضى بحكمه دليلا على صدق الإيمان. فمن يؤمن من المسلمين في المدينة حينها بأن النبي نبي فعلا من عند الله فسوف يحتكم إليه ويرضى بحكمه.

الآيتان أعلاه (60) و (65) من سورة النساء جزء من نص عام مكون من عدة آيات يتحدث عن المنافقين الذين لا يرتضون التحاكم إلى الرسول.

الآية الثالثة:
(وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون) (النور: 48).

الآية الرابعة:
(إنما قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون) (النور: 51).

الآيتان أعلاه (48) و (51) من سورة النور جزء من نص مكون من عدة آيات يتحدث عن المنافقين أيضا.
هذه النصوص تعكس الواقع السياسي حينها, فهو واقع ما قبل الدولة, وبالتالي استطاع جماعة رفض التحاكم إلى النبي حينها.

استطراد مهم:
النصان من سورة النساء والنور يتحدثان عن المنافقين الرافضين للتحاكم إلى الرسول وليسوا فقط رافضين بل كارهين للتحاكم إلى الرسول, ويتحاكمون إلى غيره, وإن اضطر أحدهم للتحاكم إلى الرسول لا يرضى بحكمه إلا مكرها. ومع هذا لم يخرجهم القران والرسول من الإسلام, وأرجع حسابهم إلى الله يوم القيامة, ولذلك لم يعاقبهم النبي أو يشن حربا بحجة رفضهم لشرع الله وعدم التحاكم إليه.

وإذا كان كره المنافقين لحكم الرسول وهو حي بينهم وعدم تحاكمهم إليه لم يخرجهم من الإسلام ولم يبح دماءهم وأموالهم هل يحق لأحد بعد ذلك أن يكفر من لم يطبق ما يسمى بالشريعة الإسلامية, وأغلبها فتاوى لرجال دين فرضوا أنفسهم كرجال دين بتحريف الدين, فضلا عن أن يهدر دمه ويستحل باقي حقوقه؟

الآية الخامسة:
(وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين) (الأنبياء: 78).
فالحكم هنا بمعنى القضاء في خصومة دنيوية.

ثانيا: الحكم في أمور الدين

جاء كلمة الحكم بمعنى الفصل في أمور الدين في عدة آيات منها:

الآية الأولى:
(كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) (البقرة: 213).

أي ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه من أمر الدين. والحكم النهائي في الآخرة.

الآية الثانية:
ويدخل في هذا المعنى قول يوسف لصاحبي السجن وهو يدعوهم إلى الإيمان: (ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم واباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) (يوسف: 40).

إن معنى الآية واضح من السياق، ومن طبيعة الحوار. فهذه الآية جزء من حوار بين يوسف وصاحبي السجن. يستنكر فيه يوسف عبادة غير الله، بدون برهان، ويوضح أن أمر الدين حكمه لله، وأن الله حكم وأمر بأن لا يُعبد سواه. إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه، وليس أمر ألا تشرعوا لدنياكم بوضع أعراف أو قوانين، وإلا كانت نصيحة يوسف أمرا بعصيان الملك، وعدم الخضوع للتشريع العام. وقد أصبح يوسف من رجال الدولة، يعبد ربه، ويخضع للشريعة العامة الدنيوية من أعراف وقوانين كغيره، ولو كان التشريع الوضعي كفرا واتباعه لا يجوز لما وسع يوسف البقاء في مصر.

وكما أمر الله بعبادته وحده، أمر بإقامة العدل، وهذا يكفي أمر المعاملات كلها. ولم يأمر بتتبع العلامات الدالة على حكمه المجهول لاكتشافه.

هذا يوسف يخاطب صاحبي السجن في أمر الدين والعبادة. ولا يخاطبهم في أمر الدنيا وما فيها من تشريع، فالتشريع الدنيوي حكمه معروف، إن كان عادلا فهو المطلوب، وان كان ظالما فهو المنهي عنه، وهذا هو أمر الله في شؤون الدنيا. فالله يأمر بالعدل، وينهي عن الظلم في التشريع أو القضاء أو المعاملة. وما التشريع العادل إلا تقرير لمعاملة عادلة.

لو كانت الآية تعني تحريم وضع أحكام دنيوية لكانت الأعراف باطلة تلقائيا بمجرد نزول الآية، وكان على الرسول وأصحابه التوقف إلى إن يتم تأكيد تلك الأعراف أو إلغائها.

الآية الثالثة:
(وقالت اليهود ليست النصارى على شئ وقالت النصارى ليست اليهود على شئ وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) (البقرة: 113).

الآية الرابعة:
(قل إني على بينة من ربي وكذبتهم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين. قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بين وبينكم والله أعلم بالظالمين) (الأنعام: 57 – 58).
هذا رد على استعجال المشركين للعذاب، فأمر القران النبي أن يقول لهم أن الأمر بيد الله يفصل ويحكم بيننا متى ما أراد، وهو خير الفاصلين. ولو أن عندي ما تستعجلون به بمجرد الدعاء لقضي الأمر بيني وبينكم. لقد استعجلوا الفصل النهائي والفصل النهائي سيكون عذابا لكفرهم.

ثالثا: الحكم بمعنى القضاء والقدر
جاءت كلمة حكم بمعنى القضاء والقدر في قول يعقوب لبنيه ناصحا: (قال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شئ إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فاليتوكل المتوكلون) (يوسف: 67).

فلا يحدث شئ خارج عن إرادة ومشيئة الله. فما أراده وقدره سيكون فله الحكم وحده.

خلاصة المسألة
الذين سبكوا مصطلح الحاكمية أخذوه من جزء من آية وهو (إن الحكم إلا لله) وحذفوا بقية الآية قاطعين هذا الجزء عن سياقه اللغوي حتى يتمكنوا من تطويعه ليدل على المعنى المراد وهو إن التشريع إلا لله, وإذا وضعت جملة (إن التشريع إلا لله) مكان (إن الحكم إلا لله) في أي مكان وردت فيه لفسد المعنى.
مقولة (لا مشرع إلا الله) حق أريدبه باطل. والحق أنه لا مشرع في أمر الدين إلا الله، والباطل تحريم التشريع الدنيوي من جهة، وإباحته لفئة معينة من جهة أخرى، بذريعة قدرتها على اكتشاف أحكام الله. وهذا ليس باطل فقط، بل أبطل الباطل. وتعد لكل الحدود والمحرمات. حرموا الحلال على غيرهم. وأباحوا لأنفسهم الحرام وهو التشريع باسم الله.
إن أمر الدنيا موكول إلى الإنسان على أساس العدل والمصلحة حسب الظروف القائمة، ولا أدل على ذلك من الأمر بإقامة العدل. وكما أباح الدين للناس التشريع وهو الأصل، حرم عليهم نسبة تشريعهم إلى الله، أو وضع تشريع ديني، سواء نسبوه إلى الله أم لا. كما فعل أهل الكتاب، ومشركي العرب.
حرم الإسلام خروج التشريع عن المبادئ الكلية من جهة، وإضفاء الصفة الدينية على تشريع الإنسان من جهة أخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح