الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة الشعوب العربية:هيمنة الاستبداد ومحاصرة الوعي

محمد بوجنال

2016 / 3 / 28
مواضيع وابحاث سياسية




من الواضح جدا، في عالمنا العربي، أن الثقافة السائدة هي ثقافة أشكال الدولة السلبية العربية ونخبها؛ ومع استحضار أحد أشكال نمط الإنتاج الرأسمالي الذي هو الشكل الإنتاجي الريعي نصل إلى نتيجة أنها لن تكون سوى ثقافة الاستبداد؛ وبلغة أخرى، فهي ثقافة استبداد أشكال الدولة السلبية العربية التي عملت وتعمل على نشر وتجذير ثقافة الخرافة والجمود والخضوع وبالتالي العداء الشبه المطلق للتطور والتغيير أو قل العداء للحياة. إنه نمط وجود سلبي جسدته وتجسده النخب الرجعية على مختلف المستويات: الاقتصادية والسياسية والاجتماعية؛ وفي ذلك تقوم بتوظيف مختلف المؤسسات الماكرة كالدستور والقوانين والتربية والتعليم والإعلام والصحف والفن والأسرة والمعتقدات والعادات والأخلاق وخاصة اللغة. فبهذه الأخيرة تتم الصياغات وتفهم المعتقدات وتبرر الأزمات ويشرعن لسوء التوزيع والاستغلال ومشروعية الحكام في وراثة كراسي الحكم. إنها ثقافة السيطرة على الشعوب والموارد الطبيعية باسم المعتقدات الدينية التي تم ويتم تفسيرها بدلالات مزيفة؛ إنها مهام النخب المتآمرة التي لا ينجو من أذاها أي شكل من أشكال أمكنة العالم العربي، فنكون بذلك أمام شعوب حددوا مستوى وجودها في كونه المستوى القطيعي الذي ليس من حقه، طبيعيا ودينيا، امتلاك حرية النظر والسمع والتفسير والفهم والمناقشة. فالعمليات تلك حددتها ثقافة الاستبداد في كونها امتلاكا لأشكال الدولة السلبية العربية ونخبها بقوة القانونين: الطبيعي (الطبيعي) والديني (الإلهي).
والسؤال هو: هل هكذا وضع ثقافي استبدادي للشعوب العربية سيمكنها من الخروج من دائرة القطيع إلى دائرة الشعوب التواقة إلى الاستقلال والحرية شرطا تحقيق النمو والتنمية وبالتالي تجاوز وضعية ومرحلة التخلف؟ فبطبيعة الحال، ليس من السهل التخلص من ثقافة الاستبداد والتخلف التي عمرت طويلا بمجتمعاتنا العربية بفعل علاقات إنتاجية تمكنت من ترسيخ ثقافة تلك مميزاتها والتي تقتضي التأسيس لثقافة نقيضة لها. فعلى هذا المستوى الأخير ، سنكون أمام الثقافة بمعناها الملتزم بقضايا تحرير هذه الشعوب من ثقافتها الاستبدادية والخرافية؛ إلا أن حصول ذلك يوجب توفير الشروط التي تمكن من التأسيس لها وبالتالي تجذيرها وسط مكوناتها كقوى عربية. وهذا يقتضي استدعاء القوى المؤهلة تاريخيا لتحمل هذه المسئولية؛ قوى سماها غرامشي بالمثقف العضوي أو الطليعي، وسماها آخرون بالانتلجنسيا العضوية؛ قوى تتحدد مهامها في تصريف البناء التدريجي للثقافة الملتزمة بقضايا الشعوب: من مستوى الحد الأدنى، إلى مستوى الحد الإرهاصي، إلى مستوى الحد النضالي، إلى مستوى الحد السياسي الذي يترجم حصوله أو تحققه بما يسمى ب"الثورة الثقافية"؛ لكن تحقيق المهمة تلك يتطلب التحديد الفعلي للقوى ذات القدرة على إنجاز تلك المهام، بل والتركيب بين بعضها كلما توفرت شروط ذلك: هل هي الإنتلجنسيا الثورية، أم الكتلة الثورية، أم القوى البروليتارية، أم كل هذا وفق ترتيب محكم في الزمن؟
ومن الناحية النظرية لا يمكن لأية ثقافة، كيفما كانت، مستبدة أم ملتزمة، أن يتم التأسيس لها دون الاستناد إلى مرجعية تحدد(بفتح الدال المشددة) وتفهم في ضوء طبيعة أحد أشكال نمط الإنتاج الذي هو، في منطقتنا، الشكل الريعي الذي منه تأخذ الثقافة استبدادها، ومنه وبه تحاصر نقيضتها. وعليه، فمرجعية أو الإطار الفلسفي للثقافة المستبدة لأشكال الدولة السلبية العربية ونخبتها نحددها في الفرضية التالية:"فضلنا بعضكم عن بعض". فالأرقى في سلم الهرم العربي هو وضع حددته وتحدده الذات الإلهية والتركيبة الطبيعية أو البيولوجية. إنها الفرضية الثقافية التي توجه الوضع التشريعي والتنظيمي والتربوي والتعليمي والحقوقي في المجتمعات العربية. إنها الفرضية التي وفقها تؤمن الثقافة العربية بمشروعية الحق الديني والطبيعي للأنظمة المستبدة ونخبها في امتلاك الموارد الطبيعية والممارسة السياسية أي مشروعية وشرعية أولوية الخاص على العام ليبقى هذا الأخير كاستثناء.
أما بصدد الثقافة الملتزمة فنحدد مرجعيتها في الفرضية التالية:" المساواة قانون الوجود" وبالتالي فالثقافة كالتزام ستكون بمثابة الثقافة المسئولة نضاليا وسياسيا على التأسيس للمساواة والحرية والعدالة لمكونات الشعوب العربية. وتحقيق ذلك يتطلب منها التوفر على برنامج عمل يتبنى آلية ومنهج الصراع المعقلن بعيدا عن كل الأشكال الحماسية والعاطفية. فالبناء الثوري للشعوب العربية يقتضي-إضافة إلى عوامل أخرى- الثقافة الملتزمة باعتبارها الآلية والقوة الكفيلة من تمكينها التدريجي من الحصول على الوعي بمعنى وجودها؛ أو قل أنه الوضع الكفيل بإخراجها من كهف الثقافة الاستبدادية معتمة قدراتها وعلاقاتها المبنية على فرضية المساواة كقانون للطبيعة وبالتالي اكتسابها المناعة التي ستصبح جزء لا يتجزأ منها. بل وإضافة إلى ذلك، فهي مطالبة، لتحقيق فعلية أكبر، من نهج أسلوب التحالفات مع ثقافات مختلف القوى الاجتماعية الحاملة لفكرة مناهضة الاستبداد والتسلط؛ وكذا البحث عن الاقتراب من مكونات الشعوب العربية وإشراكها؛ بل وتأسيس المؤسسات والتنظيمات وتنظيم اللقاءات والندوات باعتبار النهج ذاك أساسي لتمكين الشعوب تلك من التثقيف وبالتالي امتلاك الوعي وقدرة الدفاع عن حقوقها والإحاطة بواجباتها.
ولا بد هنا، لكي تكون النظرة أوضح، من استدعاء ثقافة العولمة باعتبارها الثقافة المهيمنة والداعمة للثقافة الاستبدادية لأشكال الدولة السلبية العربية. إنها الثقافة التي ستعقد وتصعب من مسئولية الثقافة الملتزمة بفعل حصارها المادي والمساهمة في تشويهها والتشهير بدونيتها. بهكذا هيمنة واستبداد، يتم توظيفها اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وأخلاقيا استجابة لحاجيات المنطق المتوحش للسوق المبني على ثقافة نشر الاستهلاك والفردانية والعنف وتشجيع، بمباركة أشكال الدولة السلبية العربية،نشر الثقافة الظلامية.
وعموما، في عالمنا العربي الراهن، نجد أنفسنا أمام ثقافتين متناقضتين؛ من جهة ، الثقافة بالمعنى الاستبدادي كظاهرة أفرزتها أشكال من أنماط الإنتاج الاستبدادي يتحدد راهنا في الشكل الريعي؛ ومن جهة أخرى، الثقافة الملتزمة باعتبارها ، على الرغم من محاصرتها، الإفراز الموضوعي لقوى التغيير. وعليه، فبناء الشعوب العربية، الذي يقتضي بناء البرامج المرحلية، لن يحصل إلا بتجاوز ثقافة الاستبداد حيث يحصل وعي واستقلال وبالتالي تحرير الشعوب العربية القادرة حينها على تحقيق التطور والنمو والتنمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احمد النشيط يصرح عن ا?ول راتب حصل عليه ????


.. تطور لافت.. الجيش الأوكراني يعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسي




.. أهم ردود الفعل الدولية حول -الرد الإسرائيلي- على الهجوم الإي


.. -حسبنا الله في كل من خذلنا-.. نازح فلسطين يقول إن الاحتلال ت




.. بالخريطة التفاعلية.. كل ما تريد معرفته عن قصف أصفهان وما حدث