الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فجل ونعنع

أماني محمد ناصر

2005 / 11 / 22
كتابات ساخرة


لا تصدق في أغلب الأحيان توقعاتنا أو أحلامنا، بل تأتي في أغلب الأحيان هزيلة أو هزلية...
كنتُ جالسة في غرفتي أنتظر بفارغ الصبر هاتفاً من شخص مهم ... كلفتُ أنا وزميلتي باستقباله والتشاور معه فيما يخص بعض الموضوعات الهامة ...
لم أكن قد التقيته بعد ... بعكس زميلتي تلك التي التقت به مرات عدة وعلى فترات متباعدة ...
كان الموعد في أحد المطاعم المرموقة ... بحيث حالما يصل الضيف ... أتصل بزميلتي ثم نلتقي نحن الثلاثة في المكان المذكور ...
بدأتُ بتهيئة نفسي ... ورحتُ أتساءل : ماذا ألبس ... هو مسؤول مرموق ويجب أن أبدو أمامه بالشكل المرموق ... لا متكلفة ولا متواضعة ...
لبستُ ثيابي ... وانتظرتُ بقلب خافق من شدة الخوف ... فهذه المرة الأولى التي ألتقي فيها مسؤولاً عربياً ...
ورحتُ أذرع الغرفة جيئة وذهاباً ... إلى اخترق صمتَ الغرفة رنينُ الهاتف وكان المتحدث هو :
- كيف حالكِ ؟
أجبته بصوت مرتجف :
- الحمد لله ...
- اتصلي بمها واذهبا إلى المطعم ...
وأغلق الخط ... واتصلتُ بزميلتي واتفقنا أن نلتقي سوية في ساحة الأمويين ثم نتجه إلى الموعد المحدد ...
في السابعة مساءً ... كنا نحن الاثنتان في هذا المطعم نتحادث عن الضيف وعملنا نعه... حدثتني مها عن ديناميته في العمل وحبه له ودقة مواعيده ... كنا ننتظر وصوله ... وكانت مها تبدو متماسكة ... أما أنا ... فكنتُ مرتبكة أشدّ الارتباك ... فكيف لا ... وهي المرة الأولى التي سأقابل فيها مسؤول عربي ... وسوف تكون كل كلمة بل كل حرف محسوب علي ... أي يجب أن أهيأ نفسي للحديث أمامه وكأنني أحضّر لامتحان ...
كانت عيناي على الباب مصوبة ... وكلما دخل رجل بهندام أنيق أحسبه هو ... إلى أن نكزنني مها قائلة :
- هو ذا ...
التفتُ إليه ... لم أره ... بحثتُ هنا وهناك ... فتشتُ أرجاء المطعم زاوية زاوية ولم أره...
قلتُ لها باستغراب :
- لم أرهُ !!
نظرت إليَّ عاتبة ثم أشارت إلى يمينها وقالت لي :
- السيد ...
نظرتُ إلى الجهة التي أشارت إلها ... كرة متحركة رأيتُ ... بعينين وشعر وأذنين وفم ورقبة ويدين وقدمين ...
- كيف حالكِ؟
وهنا... لم أدرِ كيف أمسكُ نفسي وأتماسك... كيف أصف له حالي؟! كيف أقول له أنني مذهولة... مندهشة... مصدومة... مما رأيتُ؟! أكاد لا أصدّق أن الرجل المهم الذي حسبته مارداً بطوله والذي انتظرته بفارغ الصبر ليس إلا ذاك الذي يكادُ لا يُرى لفرط قصر قامته...
أمسكتُ نفسي عن الضحك وتماسكتُ قائلةً:
- الـ ... الـ ... حمد ... الـ حمد ... الحمد لله ...
لا أدري كيف تمالكتُ نفسي وأنا أجيبه عن سؤاله ...
ومع ذلك يجب التنويه إلى أناقته ... فربطة عنقه ذات اللون الغامق كانت تتناسب كثيراً مع بذته الكحلية ...وقميصه السماوي ... وكان وجهه يومئ لمن يراه بالفطنة والحنكة والذكاء... لكنّ عيناه كانت تخفيان وراء هذا الوجه الفطن براءة وسذاجة طفولية...
جلس على رأس المائدة ... وكان معه ضيفان ... عرّفنا إليهما ... وجلسنا جميعاً ... تحدث معنا لبعض الوقت ... وكنتُ ما أزال أحتفظ له بالرهبة والخوف ...
سألنا :
- ماذا تودان أن نتعشى ؟!
أجابته مها:
- مثلما تريد حضرتك ...
نادى نادل المطعم وطلب منه مقبلات مع طبق لم أحفظ اسمه ...
ثم سألني النادل :
- ماذا تودين ؟!
خفتُ أن أبدو جاهلة بأصناف الطعام الأجنبية ... فتحايلتُ وقلت للنادل :
- كما طلب السيد ...
أما مها فطلبت شرحات دجاج مع بطاطا مقلية ...
ورحنا نتحدث في مواضيع هامة تخص ما جاء لأجله ... وبدأ يوزع المهام علينا نحن الاثنتان ... وبدأنا بمشورته في هذه المهام ... إلى أن أتى العشاء ...
أمسكتُ الشوكة والسكين ... وهمستُ لزميلتي :
- هل الشوكة باليد اليسرى أم اليمنى تمسكها ؟
- الشوكة باليد اليسرى والسكين باليمنى ...
- لماذا يمسكها إذاً بعكس ذلك؟
لم تجبني بحرف بل اكتفت بابتسامة لخصّت استغرابها لذلك...
وضع النادل ما طلبته أمامي ... وياللهول ... قطعة من فخذ العجل ... وأنا التي لا أستسيغه ولا أستسيغ النظر إليه ... ثم بدأ الجميع يتناولون الطعام وأنا أنظر إليه...
هل هذا ما طلبه السيد ولم أفهم ما قاله ؟! ماذا أفعل ؟!
وضعت القليل من البطاطا في صحني وبدأتُ بتناولها...
كنتُ أتحدثُ مع مها وأنا أستغرب حالة الالتهام التي يستغرق فيها ضيفي، وأركز نظري في عينيها خوف أن تبادرني عيني إلى رؤية وجهه الغارق في الطعام...
مددتُ يدي –وعيني مع مها- أطلب وريقة نعنع أو قطعة خيار وإذ بيدي تتبلل بماء الصحن!!! نظرتُ إلى الصحن فوجدته فارغاً إلا من الماء، ولم أستطع إلا أن أنظر في وجه ضيفي لأبحث عن مصير النعنع والطرخوم والخيار والفجل... فوجدتُ الدليل مرمياً على أطراف فمه...
أَحسَّ أنني أنظر إليه كأني أطلب منه شيئاً... فسألني:
_ هل تريدين شيئاً؟ نعنعاً؟ فجلاً؟... أيها النادل...............
عدتُ إلى البيت ولم تفارق ذهني تلك الصورة... فكرتُ في عذر له، ربما لأنّ الطعام كان لذيذاً، ربما لأنه كان جائعاً جداً، ربما... ربما...
ولكن...
لماذا لا يتحكم البعض في تصرفاته عندما ينطلق أحد الدوافع الغريزية؟
هل الرغبة أقوى من العقل؟!
وفي الصباح... علمتُ أنّ الرغبة أقوى من العقل أحياناً!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81