الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد الشافعي, الحلقة (8 / 29): دعوى شمول الشريعة الجزء 6

انور سلطان

2016 / 4 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نقد الشافعي, الحلقة (8 / 29): دعوى شمول الشريعة الجزء 6

الاستنباط وأهل الذكر

الاستنباط

كلمة استنباط استخدمت، تحريفا، بمعنى الاستدلال على أحكام الله. وقد أشار الشافعي في مستهل كتابه إلى الاستنباط. قال: (اخلاص النية لله في استدراك علمه -أي القران- نصا واستنباطا) وفي الفقرة التالية مباشرة قال: (فان من أدرك علم أحكام الله في كتابه نصا واستدلالا ... فاز بالفضيلة الخ). (الرسالة: 19).

ونفهم من هذا أن الاستنباط هو الإستدلال على أحكام الله الغائبة.

لكنه لم يستدل على الاجتهاد في الدين بالآية التي وردت فيها كلمة الاستنباط. ولكن هناك من يستدل على وجود أحكام لله تحتاج إلى استنباط بقوله تعالى:

(وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف اذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منه ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا) (النساء: 83).

يُستدل بهذه الآية على أمرين: على الاجتهاد والإفتاء وعلى المجتهدين. فالاجتهاد هو الاستنباط والمجتهدون هم أولي الأمر

ومن استدلوا بهذه الآية على الاجتهاد والافتاء حملوا كلمة استنباط، بعد هدر السياق، على مصطلح ومعنى مستحدث نشأ لاحقا هو معنى الاجتهاد لاكتشاف احكام الله في المسائل التي لا نص فيها, وهو معنى لم يكن موجودا في عهد الرسالة، ولم تُسق الآية من أجله أساسا، لأنه لا يعقل أن يكون هناك مجتهدون مع الرسول في حياته يأمر القران بالرجوع إليهم كما يُرجع للرسول.

نُزع جزء من الآية عن بقة الآية (ولو ردوه ...)، ونُزعت الآية برمتها عن بقية الآيات التي تشكل جميعا نصا واحدا يتحدث عن المنافقين وليس المؤمنين.

ينتقد القران المنافقين الذين يذيعون الأخبار عن الرسول ومن معه، دون تثبت وتحرز. تتحدث الآية عن إذاعة، وليس عن سؤال في مسألة. ولو ردوا الخبر إلى الرسول قبل إشاعته لأخبرهم بالحقيقة، أو إلى كبراءهم وزعماءهم لعلم الخبر من يستنبطه منهم، أي من يتتبعه ويقف على حقيقته، وهذا هو المعنى اللغوي للكلمة الذي حُرف إلى معنى اصطلاحي مغرض.

مقولة "استنباط حكم الله" فرية كبرى في الدين، لا دليل عليها سوى تحكم في المعنى كما هو مع كلمة البيان، أو تحريف له كما هو مع كلمة استنباط. والتحكم تحريف، لأنه حمل للكلمة على غير معناها اللغوي المراد من سوق النص. ولو سلمنا بالمعنى المحرف فلن يرتق إلى أكثر من معنى ضني ضعيف جدا، ولايمكن وضع أصول خطيرة على ضنون.





أهل الذكر (المجتهدون(

و استدلوا أيضا على وجود مجتهدين يفتون ويستنبطون الأحكام بآيتي أهل الذكر بعد هدر السياق اللغوي ومناسبة النص.

قال تعالى: (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون. بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) (النحل: 43 - 44).

في هذه الآيات يطلب القران من المشركين, الذين يشككون في أن يرسل الله رجالا من الناس, بسؤال أهل الذكر، أي العلم بالكتب الأولى (البينات والزبر) إن كانوا لا يعلمون ما فيها.

ثم هل يعقل أنه يُقصد بـ "أهل الذكر"المجتهدون، وأن الآية تأمر الصحابة بسؤالهم وليس سؤال الرسول وهو موجود؟!
وفي موضع آخر, قال تعالى: (وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (الانبياء: 7).

يسألونهم عن ماذا؟

يطلب القران من المشركين سؤال أهل الذكر عن الرسل، هل هم رجال من البشر أم لا. وليس عن أحكام غائبة لله.

هذه الآية تشكل مع ما قبلها من الآيات نصا واحدا، وهي رد على المشركين الذين أنكروا الرسل واستغرابهم أن يرسل الله بشرا رسولا، فأرجعهم القران إلى سؤال أهل الذكر، وهم أتباع الرسل الأولين العارفين بالكتب (كما وضحته آيتي سورة النحل أعلاه)

والنص الكامل كالتالي:
(لاهية قلوبهم واسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم افتأتون السحر وأنتم تبصرون. قال ربي يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم. بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون. ما آمنت من قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون. وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون. وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين. ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين) (الأنبياء: 3 - 9).
وكما هو واضح تتحدث الآيات عن الرسل السابقين وأنهم رجال من البشر ويأكلون الطعام ونجاهم الله هم ومن آمن بهم, ومن ينكر بشريتهم فاليسأل أهل الذكر أي أهل العلم بالكتب السابقة التي روت خبرهم.


طبيعة العلم الديني وحدوده:

الآيات التي وردت بسؤال أهل الذكر, أي أهل العلم, دليل على أن العلم منحصر في العلم بما جاء في الكتاب، ولا يتجاوزه إلى وضع أحكام لم يأت بها الكتاب، ثم نسبتها لله بذريعة القياس أو غيره. فأهل الذكر, أو أهل العلم, لا يتجاوز فعلهم تلاوة وذكر ما جاء به النص فقط. ومن لا يعلم بما جاء في الكتاب فيمكنه ذلك بالرجوع إلى الكتاب، أو سؤال من يعلم بالكتاب عما في الكتاب، وليس سؤاله عما ليس في الكتاب.

الدين مُعطي في شكل نص, ما عدى الصلاة من حيث الشكل فهي مُعطاة عمليا ومنقولة بالتواتر العملي. والنص الديني المعطي, نتيجة لمرور الزمن, يحتاج إلى علماء يدرسونه لفهم معناه وفق ما تقتضيه اللغة والسياق التاريخي للنص. وهذه هي حدود العلم الديني: تعلم الكتاب وتعليمه. إن العلم بالنص الديني المعطى لا يخول العالم حق الافتاء ومعرفة أحكام الله فيما لا نص فيه, لانه لا توجد لله أحكام معينة إلا ما جاء به النص. والقول بوجود أحكام لله لا نص فيها, وأنه يجب اكتشاف تلك الأحكام, من الأفكار الدخيلة على الإسلام. ومن أدخل تلك الفكرة هم من نصبوا انفسهم مفتين باسم الله حتى يبرروا مكانتهم الدينية التي لا يستحقونها. لا توجد لأحد من البشر مكانة دينية إلا الأنبياء وحدهم. وإذا صح الحديث الذي نصه: (العلماء ورثة الأنبياء) فهم ورثتهم في معرفة كتبهم ونقل تلك المعرفة إلى غيرهم لا في مكانتهم الدينية ولا في الفتوى نيابه عن الله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س


.. كل يوم - د. أحمد كريمة: انتحال صفة الإفتاء من قبل السلفيين و




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: صيغة تريتب أركان الإسلام منتج بش


.. عشرات المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى




.. فلسطينية: العالم نائم واليهود يرتكبون المجازر في غزة