الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد الشافعي, الحلقة (9 / 29): دعوى شمول الشريعة الجزء 7

انور سلطان

2016 / 4 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نقد الشافعي, الحلقة (9 / 29): دعوى شمول الشريعة الجزء 7

ما حرم الله من التشريع

تم التنويه فيما سبق أن مقولة (لا مشرع إلا الله) حق أريد به باطل. والحق أنه لا مشرع في أمر الدين إلا الله، والباطل تحريم التشريع الدنيوي من جهة، وإباحته لفئة معينة من جهة أخرى، بذريعة قدرتها على اكتشاف أحكام الله. وهذا ليس باطل فقط، بل أبطل الباطل. وتعد لكل الحدود والمحرمات. حرموا الحلال على غيرهم. وأباحوا لأنفسهم الحرام وهو التشريع باسم الله.

والحقيقة هي أن الإسلام حرم خروج التشريع الدنيوي عن المبادئ الكلية من جهة، وإضفاء الصفة الدينية على تشريع الإنسان من جهة أخرى عبر نسبته لله. كما حرم وضع عبادات لم يأمر بها الله عبر نص صريح من الوحي.

ولا ينسب تشريع دنيوي لله إلا بنص من الوحي. وهذا استثناء، لأن الأصل فيه العقل. وقد جعل القران العقل أصلا، في غير أمر الدين (العبادة)، عندما خاطب الإنسان بالتزام مبادئ عقلية عامه في حياته، وهي النفع وحسن الخلق والعدل. وأمر الإنسان بإقامة العدل الذي يعرفه بعقله، هو إرجاع مباشر للعقل، وهو دليل على أصالته. فإذا كان بمقدور العقل معرفة العدل فيما يعرض عليه من قضاء، فبمقدوره أن يعرف العدل فيما يعرض عليه من مسائل تتطلب تشريعا، وإذا كان لا يحق لقاضي نسبة قضاءه لله، لا يحق للناس نسبة تشريعهم لله.

وإنزال الوحي لأحكام جزئية في بعض المسائل الدنيوية، لا يعني تحريم التشريع الوضعي. وما نزل من تشريع إما إبطال لما خالف المبادئ العامة. أو مساعدة للرسول والمسلمين في مسائل تطلبت تشريعا وتوقف فيها الرسول كالمواريث. أو تأكيد لأعراف صحيحة وإبطال ما عداها كمحرمات الزواج. فالزواج الصحيح كان معروفا، وما جاء به الإسلام تأكيد للصحيح المعروف.

والخطبة في الزواج كانت عرفا تعامل بها المسلمون كغيرهم، ومثلها الدية. وهذا تشريع وضعي من زمن الجاهلية، كان استجابة للظروف حينها.

لم يحرم القران التشريع الدنيوي بذاته، وما أبطله هو ما خالف مبادئه كاستحلال الميتة وهي خبيثة، وتحريم بعض الطيبات كالبحيرة والسائبة وغير ذلك. وهذا ما فعله المشركون على سبيل التعبد، سواء تعبد لله أم لأصنامهم، وسواء نسبوه لله أم لا. فأنكر القران عليهم هذا، ولم ينكر ويحرم التشريع العام الذي يحقق العدل والمصلحة.

(يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) (المائدة: 87).

والآيات من 136 إلى 153 من سورة الأنعام تعد نصا واحدا يتحدث عما شرعه المشركون وغالبه تحريم للطيبات على سبيل التعبد، فتستنكر عليهم هذا، وتعلمهم أنه كان ينبغي عليهم اجتناب الموبقات التي يرتكبونها لا تحريم الطيبات.

تتحدث الآية 136 عما جعله المشركون نصيبا لله وللأصنام من الحرث والأنعام وما جعلوه لله لا يصل لله بل للأصنام. والآية 137 تتحدث عن قتل المشركين لأولادهم. والآية 138 تتحدث عما حرمه المشركون من الطيبات والاستفادة من بعض الأنعام. والآية 139 تتحدث عما جعلوه للذكور دون النساء. والآية 140 تلومهم على ما صنعوه, ونصها: (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين). والآيات من 141 إلى 144 تعدد نعم الله. والآية 145 تحصر محرمات الأكل في أربعة أنواع: الميتة والدم المسفوح ولحم الحنزير وما ذبح لغير الله. والآية 146 تبين ما حُرم على اليهود من الطعام. والآية 148 ترد على المشركين الذين قالوا إن الله لو لم يكن راض عما فعلوه من شرك وما حرموه لما استطاعوا فعل ما فعلوا ولا تحريم ما حرموا. والآية 150 تطلب من المشركين أن يُحضروا شهداءهم على أن الله حرم ما حرموه, فإن جاءوا بشهدء فعلي الرسول ألا يشهد معهم.

ثم تبين الآيتان 151 و 152 ما استحلوه وكان ينبغي أن يحرموه. (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نروقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ماظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون. ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون).

إن هذه الآيات بيان مؤكد لما تقتضيه المبادئ العقلية العامة التي تتسق مع الفطرة، وليس تعليما وتعريفا بشئ ليس في إمكان العقل معرفته. وذكر في هذا البيان المسائل المهمة التي خالفها المشركون، وكان ينبغي أن يحرموها ولا يحرموا الطيبات، وينسبوا ذلك إلى الله. فبين لهم أنهم كذبوا بنسبة ما لا ينبغي أن ينسب إلى الله، وهو تحليل الخبائث والفواحش، وتحريم الطيبات والصالحات. فبين، بما لا يدع مجالا للتقول، ما حرمه الله وحلله، ردا على تقولاتهم وإبطالا لها. ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا؟!

والذين حرموا التشريع الدنيوي افتروا على الله كذبا، ونسبوا إلى الله ما لم يقله بتحريف كتاب الله، فلم يدعوا فقط، وإنما تجاوزوا الادعاء إلى التحريف.

إن نسبة تشريع إلى الله، لم ينزله في كتابه، هو من الافتراء على الله، والقول أن لله شريعة شاملة تفصيلا، منها ما بينه نصا، ومنها ما بينه دلاله، وجعل للمجتهدين اكتشافه، ليس افتراء حكم جزئي على الله، بل افتراء أصل خطير على الله، نتيجته إسقاط حكم الله وهو تحرم التشريع باسمه، والالتفاف على هذا التحريم بمقولة الاجتهاد عبر الاستدلال بالدلائل. والزعم أن الله وضع دلائل هو نفسه قول بلا دليل، وافتراء على الله، عبر تحريف الكلم عن مواضعه. وهذه النقطة ستناقش في الفصل الثاني.

إن تحريم التشريع الدنيوي، وهو أمر لا يستغني عنه الناس، ومتغير ومتجدد باستمرار، هو كتحريم الطيبات التي أحل الله لعباده من الرزق بدون برهان، ولا يوجد اختلاف إطلاقا. وهؤلاء الذين افتروا على الله الكذب، وحرموا باسمه، طالبهم الله بالدليل، وعد قولهم بلا دليل من القول على الله بغير علم. والدليل النص فقط الذي تقوم به الحجة.
(ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون). (النحل: 116).

ليس من حق أحد أن يضع تشريعا في أمر الدين سواء نسبه لله أم لا. ومن حق الناس أن يشرعوا لأمور دنياهم دون أن ينسبوا ذلك لله جاعلين من تشريعهم دينا. والقول ان الله حرم على الإنسان التشريع الوضعي هو من افتراء الكذب على الله. والذين قالوا بحرمة التشريع الوضعي ارتكبوا جرمين, الأول هو تحريم التشريع الوضعي دون دليل ونسبة ذلك لله وهو من افتراء الكذب على الله, والثاني إعطاء أنفسهم حق التشريع الوضعي ونسبة تشريعهم لله.


خاتمة الفصل

إن القول أن هناك أحكام لله غير منصوص عليها هو افتراء على الله. ومن قالوه إنما قالوه ليعطوا لأنفسهم حق الحديث نيابة عن الله، وحتى لا تكون نيابة صريحة، وحتى لا يظهر أنهم مصدر الحكم الديني، فلا بد من الكذب على الله بالقول أن لله أحكاما لم يقلها، وأنه وضع ما يدلهم عليها، وأن مهمتهم تنحصر في الاجتهاد لمعرفة أحكام الله. وهذا التصور غير المعقول الذي أوهموا الناس به يعد أكبر تحريف للدين، وهدم ما جاء به الدين، وهو تحريم نسبة حكم لله لم ينزل به الوحي، واعتبر القران ذلك افتراء على الله، وربوبية من دون الله.
لقد أبان الله مسائل العبادة تفصيلا، ولم يترك للإنسان أي قول فيها، لأنها ليست مسائل عقلية. ولكن في السلوك الإنساني غير التعبدي أبان المراد إجمالا لا تفصيلا وترك التفاصيل لعقل الإنسان نفسه. فأمر بحسن الخلق والعدل وألا يخرج الفعل إلى الضر، وهذه مبادئ عقلية عامة، تجعل الإنسان مسئولا عن حياته لا متلق سلبي لا يعرف الحق من الباطل بعقله، وإنما يحتاج بزعمهم، إلى توجيه من مفتين يبينون عن الله.
ويمكن القول أن كل دين سماوي، من لدن آدم إلى محمد، شامل بمبادئه الكلية، لا بأحكامه الدنيوية التفصيلية.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نحو 1400 مستوطن يقتحمون المسجد الأقصى ويقومون بجولات في أروق


.. تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون




.. الجزائر | الأقلية الشيعية.. تحديات كثيرة يفرضها المجتمع


.. الأوقاف الإسلامية: 900 مستوطن ومتطرف اقتحموا المسجد الأقصى ف




.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية