الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في احفاء خاص برائد الشعر الغنائي المغربي...

عبد السلام انويكًة
باحث

2016 / 4 / 3
الادب والفن


في حنينهم لأثير متناغم ودافئ، لما يجدونه فيه من ذات وأنس مفيد وترفيه وترويح وحلم وتفريغ نفسي وسفر وجداني. كثيرا ما يكون الجنس النبيل الصحفي في العمل الاذاعي، باعثا على سعة قاعدة المستمعين. والأثير/الاذاعة لا تزال بمكانة في وجدان المجتمع المغربي والعربي عامة، داخل البيوت في الأسواق ومحلات التجارة والحرف ... رغم كل الزخم الكائن، وما يطبع ويميز تكنولوجيا اتصال كاسحة في زمن عولمة وتدفق قيم. ومساحة الأثير النبيل من حيث تيمته وتدبيره ومن حيث أداءه واختيار، لا تزال مواعد جادبة لعاشقي الاذاعة في معناها وحسها ورسالتها، رغم هذا التعدد في الاتصال والمصادر، ورغم هذا التباين في الاثارة وتخمة المجال. ومن مساحات الاذاعة المغربية التي كانت في ذاكرة المستمعين بمكانة خاصة، مسائية سبت نصف شهرية / سهرة السبت. والتي تعني سنوات مجد الأداء والعمل الإذاعي الأنيق. عندما كان المستمع يعيش ويتأمل ويسترجع مشتركه من ذاكرة جماعته، من فن وفكر وابداع وتعبير وجمال وتميز وذوق رفيع. وعندما كان العمل مباشرا والأداء تلقائيا وحميميا وصادقا، وكانت الجلسات مرحة جاذبة آخذة بعين الاعتبار ما يحن اليه الجميع ويطربهم.
ومن التجارب المليئة بدلالات فنية تراثية وثقافية وابداعية وجمالية، سهرة ”هذي ليلتنا”، التي كان يعدها ويقدمها ذ. حسين العمراني بكفاءة متفردة. سبت من حين لآخر كانت تحضره ذاكرة واعتراف وتكريم، من خلال قراءة بصمات ماض، وتلاقح وتجارب وعلامات فنية. أعطت الكثير للثقافة على امتداد عقود من زمن جميل، بما في ذلك ما لا يزال محفوظا بخزانة الاذاعة. ضمن أواخر حلقات "هذي ليلتنا" واحدة خصصت لمبدع، اقترن اسمه بالشعر الغنائي المغربي وبزمن الشعر عندما كان الشعر شعرا. إسم كان بأعمال شعرية غنائية مغربية خالدة، جمعت بين البهاء والرمزية والجمال والصدق والصورة. إنه ذ. عبد الرفيع الجواهري ومن لا يعرفه، ابن دار الاذاعة في سنواتها الاولى. أين تعلم الكثير كما جاء على لسانه، في موعد احتفاء خصص له ولأعماله ولزمنه الفني. رفقة آخرين ممن صنعوا مجد اغنية مغربية لاتزال عابرة للزمن والاجيال والحب، لما هي عليه من اقبال وتقدير واعتبار نادر كما كانت دائما ومنذ عقود. والجواهري كمرجع في القصيد الغنائي الأصيل بلا منازع، من العلامات التي أسست لتفرد الأغنية المغربية واشراقها، بفضه وفضل آخرين من نفس دربه، تحولت الى إرث لامادي ضمن حضارة مغربية خلاقة. في حقه وبالمناسبة أورد ذ. عبد الله شقرون أنه شاعر مرموق وملهم، والشهادة هاته من مرجعية حقيقية عندما يتعلق الأمر بالفن والأدب وأهل مكة أدرى بشعابها.
وكانت بداية علاقة الاستاذ الجواهري وارتباطه بالإذاعة الوطنية، كممثل، ثم كإعلامي قبل انتقاله الى التلفزيون من خلال انتاجات مفتوحة “سمعت – قرأت و كتبت”. ويذكر أن الجواهري هذا المبدع العميق الإرتجاف في كلمته الشاعرة، هو من أصول فاسية حيث المدينة القديمة والدروب و الأضرحة، وحيث القرويين وفضاء العتيق أين الفقه والفقهاء، وقواعد الحياة والتربية والعلم و النصوص....وأين التعلم والأخذ والسلف والعبرة. بكل هذا الأثاث بدأ العشق والكلمة.
والجواهري الذي كان رفيع الحس والشعر منذ الصغر، اكتشف في ذاته هذه الموهبة باكرا واكتشفها الآخر فيه باكرا. من خلال تجاربه الاولى مع الأقران ورفاق الزقاق، أين كان يقطن مع الأسرة في فاس والكل في فاس. هكذا كانت بدايات نبوغه الشعري، وهكذا كانت تجارب صاحب رائعة القمر الأحمر. عبر رحلة مدوية في تاريخ الشعر الغنائي المغربي، من حيث تركيبها وصورها وتوزيعها وأسلوبها ... ومن منا لا يرحل وجدانا مع راحلة أين حب الحياة والانسان والتنشئة. وأين ”لمن سأغني” بحبال صوتية شاعرية رهيفة نافدة، كلها أعمال ممتلئة بما يكفي من الرمزية والجمال، ثم ميعاد وما أدراك ما ميعاد صوتا وخيالا وارتجافا.
لقد كان الجواهري بأعماله هاته هو الشعر والشعر نفسه، من باب الانصاف والجميل والاعتراف وهذا للتاريخ، كان الجواهري بفضل في عبور الأغنية والغناء المغربي الى خارج البلاد/ الى الشرق تحديدا. أين فوجئ كبار الموسيقيين / الملحنين العرب في أرض الكنانة، بتركيبة الأداء الفني الغنائي المغربي في شموليته وشموخه. ورحم الله عبد السلام عامر، وأطال عمر من أغنى ريبرتوار الغناء المغربي الأصيل بقصيده الشامخ، هو الجواهري الذي يعد شاهدا على عصر عنوانه العريض، عظمة طرب مغربي حديث وعظمة أداء ولحن وكلمة. الجواهري هو اتحاد كتاب المغرب -عندما كان حقيقة اتحاد لكتاب المغرب- من خلال تجربة قيادة وتدبير زمن الكتابة، وزمن القلم وزمن هيبة المثقف المغربي والأدب والشعر والقصيد، قبل هذا الضجيج المكتوب المنظم وهذا الكائن الغريب. والجواهري في ما لا يتقنه الكثير، كان يحسن قراءة المسافات بين الكتابة والسياسة.
إن اعادة قراءة الماضي باستحضار مجده وأمجاده في الفن والابداع عبر السمعي والمرئي، الى جانب نعم التكريم والاعتراف والتقدير والاجلال الصادق، صدق القمر الأحمر والشاطئ والأمس القريب.... هي بمثابة مواعد للنبش والعبرة والذاكرة والأرشيف، في أعمال من كانوا بجد وكد واجتهاد وغيرة وصدق وترفع وتعفف، من اختاروا السمو في ابداعهم، بعيدا عن أية دونية ولحظة ضيقة آنية وارتزاق وظهور براق..إن همس العمل الاذاعي بهذه القامات والمقامات من حن لآخر حتى لا تطوى التجارب بالنسيان، من شأنه التعرف على كثير من خيوط ماض عالق، في ذاكرة جماعة ومجتمع وأرشيف مشترك بمثابة مرجع وعبرة ودليل مجد.
عبد السلام انويكًة / تازة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي


.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و




.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من


.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا




.. كل يوم - -الجول بمليون دولار- .. تفاصيل وقف القيد بالزمالك .