الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجتمعاتنا العمياء - قراءة في رواية العمى للكاتب البرتغالي جوزيه ساراماغو

كلكامش نبيل

2016 / 4 / 4
الادب والفن


هذه هي الرواية الثالثة التي أقرأها لجوزيه ساراماغو، وكالعادة وجدته يناقش موضوعات فلسفية عميقة في مكانٍ مجهول وسط ظروف سريالية واقعية في الوقت ذاته تلم ببلدٍ بأسره. في هذه الرواية التي يصاب فيها كل سكان المدينة بالعمى عدا زوجة الطبيب – وسط ظروف غامضة وغير طبيعية ولا ممكنة – نجد بأن ساراماغو في الحقيقة يرمي لفقدان البصيرة، وكيف إرتد الإنسان بسبب فقدانها إلى درجةٍ تتدنى عن الحيوانات، والدليل أنه ذكر الكلاب والدجاج والأرانب، وهي تسير حياتها بطريقة طبيعية، بينما غرق البشر في وحل القذارة وما هو دون مستوى البدائية. يوضح ساراماغو كيف أن الأمور تكون محدودة في بداية الكارثة، وتتردى بشكلٍ أكبر كلما إزداد عدد العميان في المدينة، قبل أن ينتهي أي وجود لها بعمى كل المواطنين. ساراماغو الذكي إختار المرأة لتكون المرشد الوحيد المبصر لتلك المجموعة المتباينة في الأعمار والمهن والمستوى الثقافي والإجتماعي، وهو يرمز إلى قدرة المرأة على قيادة الشعب إذا ما كانت هي الكفوءة، وأن الجنس ليس أساسا للكفاءة، بل إن النساء هي التي أنقذت المجموعة في المحجر بأسرها عندما تسلطت عليهم مجموعة من المجرمين العميان. توضح الرواية أيضا بأن العمى لا يجعل الإنسان أفضل لأن عصابة فكرت بإستغلال بقية نزلاء المحجر على الرغم من أنهم عميان، فنهبوا كل ممتلكاتهم وأخيرا قاموا بإغتصاب النساء في العنابر مقابل توفير الطعام. في المقابل قد يكون من نعتقد بأنه شرير طيب القلب، مثال ذلك المرأة العجوز التي تقيم بالقرب من شقة إحدى نزلاء المحجر – المرأة ذات النظارة السوداء. غرقت المدينة في وحل القذارة، وإنتشرت الروائح الكريهة والغائط في كل مكان، وفقد الجميع ترابطهم الأسري وضاعت حدود الملكية الشخصية لأي شيء، وإمتلأت الشوارع بالأموات، ونهشت الكلاب الجثث. ساراماغوا يصور حالة مجتمع يغيب فيه التنظيم والبصيرة، وقد يرمز لإنتشار القتل والسرقة بينما لا يأبه أحد لذلك. ويصور سارماغو أيضا سلبية الناس حيال حقوقهم، عندما يرفض البعض التظاهر ضد العصابة خوفا من الموت بإطلاقات نارية عشوائية من مسدس العصابة الوحيد، ولكنه يطلب من غيره الذهاب للتظاهر لكي يحل الأزمة ويأكل في النهاية، وفي صورة أخرى للأنانية، وافق بعض الرجال على أن تذهب النساء لممارسة الجنس مع أفراد العصابة، ولكنهم رفضوا إرسال زوجاتهم لكي لا يأكلوا على حساب الشرف، قبل أن يجابههم الآخرون بأنهم سيأكلون على حساب شرف الآخرين وأن الإستجداء وأكل طعام الآخرين هو الأسوأ في حقيقة الأمر. ويدخل ساراماغو ليناقش المفاهيم السائدة عن الشرف لدى الناس. تناقش الرواية في تلك الفصول تضامن النساء مع بعضهن البعض، وإنتقام زوجة الطبيب بقتل رئيس العصابة، وتصور رفض الرجال للرد حتى فيما لو كان أفراد العصابة قد طلبوا الرجال بدل النساء، وإكتفوا بأن ذلك لم يحصل، وأن على النساء أن تضحي. تشير الرواية إلى إندثار المدينة في تلك الكارثة، وأن الريف قد يكون هو الأفضل للعيش في حينها، وإرتد الإنسان لحالات بدائية وبدأ يستحم بمياه الأمطار.

طوال الرواية، تشير زوجة الطبيب إلى عظم مسؤولية أن تكون المبصر الوحيد، وتمني العمى لتكون مع بقية القطيع، لأن المعرفة شاقة ومرهقة، وأن هنالك فرق بين حياة قلة من العميان وسط أناس يبصرون وبين أغلبية من العميان تحيط بشخص مبصر لكنه عاجز عن القيام بكل شيء. ومن المفارقات الأخرى للرواية هي أن الكثير قد إنزعج عند سماعه لأمر تعصيب أعين التماثيل المقدسة في الكنيسة وعد ذلك إنتهاكا للمقدسات، مع إنهم لم يتذكروا بأنهم هم جميعا من العميان في تلك الفترة. الرواية مليئة بالرمزيات وأكاد أعتقد جازما بأنها محاولة لتجريد الإنسان من الرقابة وتصور أنه سيتصرف بأكثر الأشكال بدائية فيما لو توقع بأن أحدا لا يراه. تبصر المدينة في نهاية المطاف، وتشعر زوجة الطبيب بأن مسؤوليتها العظيمة قد أزيحت عن كاهلها، ولكن الطبيب يقول، " لا أعتقد إننا عمينا، بل أعتقد إننا عميان، عميان يرون، بشر عميان يستطيعون أن يروا، لكنهم لا يرون."

إقتباسات:
هناك لحظات لا خيار للمرء فيها سوى ركوب المخاطرة.

هذه هي الطينة التي جبلنا عليها، نصفها خبث ونصفها إستهتار.

هذا ما نقوله عندما لا نريد لعب دور الضعف الجسدي، نقول أننا بخير، حتى لو كنا نحتضر.

شعرت زوجة الطبيب كأنها تنظر عبر مجهر وتراقب سلوك عدد من الكائنات البشرية لا يشكون بوجودها، صدمها هذا الشعور بكونها وضيعة وقذرة. فكرت لنفسها، لا حق لي في أن أنظر ما دام الآخرون عاجزين عن رؤيتي.

لو أننا نمعن التفكير قبل القيام بأي فعل، في النتائج المترتبة عليه، نروزها جيدا، نفكر أولا في النتائج الفورية، ثم المحتملة، وبعدئذ الممكنة، وأخيرا تلك التي يمكن تخيلها، فلن نخطو أبدا أبعد من النقطة التي تتوقف عندها محاكمتنا الأولى. فالخير والشر المتأتيان عن كلماتنا وأفعالنا متكافئان، إذ يستمر أحدهما في إتساق معقول وطريقة متوازنة، خلال الأيام اللاحقة، وربما إلى ما لا نهاية، في حين لا نكون موجودين لنرى نتائجه لنهنيء أنفسنا عليها أو نعتذر.

المسألة في الواقع، مسألة تنظيم. الطعام أولا، ثم التنظيم. كلاهما لا غنى عنه للحياة.

أن تكون أعمى شيء مختلف عن أن تكون ميتا. لكن أن تموت يعني أن تعمى.
الصوت هو بصر من لا يستطيع الرؤية.

قد يسبب الخوف العمى.

الحب الذي يقول الناس أنه أعمى، له صوته الخاص.

عندما يبدأ شخص ما بتنازلات صغيرة، فإن الحياة تفقد كل معناها في النهاية.

لن يموت إلا من كتب عليهم الموت، فالموت لا يعطي أي إنذار مسبق عندما يختار ضحيته.

خبز الآخرين هو الذي يثقل كاهل المرء دائما.

الخوف ليس مستشار حكيما دائما.

لست مستعدا لإزهاق روحي من أجل أن يشبع الآخرون. لكنك مستعد أيضا للتضور جوعا. بإنتظار أن يزهق شخص ما روحه كي تحصل أنت على الطعام.

كان الخطأ القاتل للمحاسب الأعمى في إعتقاده أن حيازة المسدس تكفي لإغتصاب السلطة، لكن النتيجة جاءت معاكسة تماما. ففي كل مرة يطلق فيها النار، ترتد النار عليه، أي، مع كل طلقة يطلقها كان يفقد بعضا من سلطته.
العمى هو أيضا أن تعيش في عالم إنعدم فيه كل أمل.

سوف تكون حكومة من العميان تحاول أن تحكم العميان، أي بكلمة أخرى، إنه عدم يحاول تنظيم العدم.

الإنتقام، العادل، هو فعل إنساني، فإن لم تكن للضحية حقوق على القاتل، لن يكون هناك عدل.

إن كل القصص مشابهة للقصص عن خلق الكون، فلا أحد كان هناك، لا أحد شاهد على أي شيء، رغم ذلك فالجميع يعرف ما قد جرى.

أرجوكم لا تسألوني ما هو الصالح والطالح فطالما كنا نعرف ما هما عندما كنا نضطر للقيام بفعل ما حينما كان العمى إستثناء. إن الخطأ والصواب، ببساطة، طريقتان مختلفتان في فهم علاقاتنا بالآخرين، لا تلك العلاقات التي نقيمها مع أنفسنا، فهذه يجب ألا نثق بها.

ماذا يعني أن نكون مبصرين في عالم كل من فيه عميان، أنا لست ملكة، بل أنا ببساطة تلك الإنسانة التي ولدت لترى هذا الرعب، بوسعكم أن تشعروا به غير إنني أشعر به وأراه.

حتى الله لا يرانا، فالسماء ملبدة بالغيوم.

العمى هو ثروة القبيح.

لا يحتاج العميان إلى إسم، فأنا هو صوتي وكل ما عداه لا يهم.

عظيمة هي تلك الحقيقة التي تقول، إن الأعمى الأسوأ هو ذلك الذي لم يرد أن يفتح عينيه.

الضرورة هي السلاح الأمضى.

هذه هي فائدتنا، أن نستمع لشخص يقرأ لنا قصة البشر الذين وجدوا قبلنا. لنبتهج بحظنا الجيد، بأننا ما زلنا نمتلك بيننا زوج أعين، آخر زوج أعين، إن إنطفأتا ذات يوم، ولا أريد مجرد التفكير في ذلك، فسوف ينقطع عندئذ ذلك الخيط الذي يربطنا بالنوع البشري، سيغدو الأمر كأننا يجب أن نفترق بعضنا عن بعض وإلى الأبد، عميانا تماما في الفراغ.

الصور ترى بأعين من ينظرون إليها.

لا أعتقد إننا عمينا، بل أعتقد إننا عميان، عميان يرون، بشر عميان يستطيعون أن يروا، لكنهم لا يرون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024


.. السجن 18 شهراً على مسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-




.. وكالة مكافحة التجسس الصينية تكشف تفاصيل أبرز قضاياها في فيلم


.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3




.. فيلم مصرى يشارك فى أسبوع نقاد كان السينمائى الدولى