الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهروب

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2016 / 4 / 5
أوراق كتبت في وعن السجن


ليتني تمتّعت بذلك الجمال في جزيرة سانتوريني . لا أذكر شيئاً منها سوى مسير الحافلة إلى أعلى وقلبي يرتجف من الخوف عندما أنظر إلى البحر. أغمض عينيّ كي لا أسقط أنا والحافلة في البحر.أود أن أكمل رحلة قد تكون قريبة جداً من الإله.
كانت أثينا بالنسبة لي طريقاً محفوفاً بالموت إن نفذت منّي النّقود، لكنّها نفذت فعلاً. تقاسمها رجال بعضهم مسّجل باسمه الأوّل وكنيته السّوري، وعندما يقفل هاتفه . ينتهى الموضوع. جلست قربه قرب بحر جزيرة "سالونيك،" اليونانيّة كنت أعرف أنّه يتعاطى المخدّرات، وعرفت أنّ صديقي الطّفل، والذي بلغ سنّ الرّشد بين يديه قد بدأ يتعاطاها أيضاً. ضحكا كثيراً، وبعد منتصف الليل نمت على دكّة من بلاط مخصّصة لمن يرغب في السّهر على الشّاطئ. روائح الطّعام لا زالت تأتي من المطاعم المقفلة.
خائفة منهما، وكلّما تجاوز اللّيل المنتصف يتراءى لي ذلك المكنّى بالسّوري وكأنّ له أنياب تمصّ الدماء. أستسلم فلا حيلة أمامي إلا أن أقبل بهم، أرتجف أنا لست هنا . بل في دمشق . أقف أمام نقابة المحامين أطالب بحق زوجي في التعويض، كنت قليلة الحيلة. اعتقدت أن كلمة محامي تمنح الشّخص تميّزاً. لكنّ الشّرر تطاير من عينيّ ذلك المحامي في النّقابة. استدعى رجل " أمن" قال : اشحطوها.
بعد عدّة أمتار من عمليّة الشّحط ، والازدراء . كان لي لقاء حميم في مكتب ذهبت إليه معصوبة العينين.
كان الرّجل لطيفاً، وكلّما ربّت على كتفي كنت أنتظر أن يكون مصيري مثل مصيرهنّ قتلاً أو اغتصاب. لماذا غامرت بالمجيء إلى تلك النّقابة؟
أجبت نفسي: كي أستطيع إعالة أولادي. يبدو أنّني خسرت نفسي، وخسرت أولادي.
جلب لي الحارس فنجان قهوة .لا يمكن أن أرفض شربه حتى لو كان مسموماً.
قال الرّجل الزّعيم: أوراق زوجك ضاعت وعلينا أن نجدها. نحن دولة قانون.
لم أصدّق عندما فك أسري بعد ست ساعات، قال لي : اذهبي وتمتّعي بحياتك مع زوجك. أتمتّع حين ألفّ زوجتي. افعلي مثلي، فالحياة قصيرة.
يا إلهي!
لا يعرف أن زوجي ميّت، وأنني أتيت فقط من أجل أن أطلب تعويضه. اعتقد أنني أعمل في السّياسة.
لا أعرف لماذا أتذكّر ذلك السّواد. خرجت منذ عدة سنوات، وأقسمت على عدم العودة. أردت أن أحبّ دمشق، تذكرت عندما أردت أن أنزل من الميكرو باص، وبقيت إحدى رجلي عالقة به ، تمزق ثوبي وجرحني الرّمل. تذكرت كيف كنت أتصيّد الحافلة وقت الظّهيرة حيث آلاف الأشخاص يركضون جهتها، وقبل أن تصل بدقيقة واحدة يسير السائق بها من جديد إلى أبعد منّا قليلاً، فأنتظر الثانية في المكان الذي وقف فيه السّائق علّ الحافلة تقف فيه، لكن هذا السائق يقف بالميكرو قبل الموقف بعشرين متراً وريثما أصل يكون قد مضى بسرعة الضّوء.
هذه دمشق كما رأيتها، لكنّهم يقولون أنّها مليئة بالياسمين والحضارة.
يبدو أنني في حلم يقظة يعيد لي بعض ما نسيته عن الماضي. يوم أقسمت أن لا أعود.
خسرت اللعبة . بينما كنت أستعيد الذّكريات عن دمشق. أغمضت عيني. فرّ ذلك السّوري، ومساعدة . كانوا قد قالوا لي أن الرّحلة في الصباح ستكون مشياً على الأقدام، وهاهو الص[اح، ولا سوري إلا ذلك الذي هربت منه من أثينا.
أنا الآن بين يديّ سوريّ آخر .أخذني إلى أثينا ، وضعني في شقّة، أقفل الباب، وذهب. أفكّر في الهرب، لا أعرف كيف، فتلك الشّقق هنا مصنوعة من الوهم.
بعد منتصف الليل. رنّ هاتفي. .لا شكّ أن أحداً ما سوف يقول لي: أنّني سأجلب لك المفتاح، ودواء للسكّري ، ووجبة ساخنة. كم أنا جائعة!
أتاني صوت المكنى بالسّوري مهدّداً. إن تنفّست ستكون نهايتك على يدي، لقد أبلغت سيّدك أن يأخذك.
سيدي!
كم خفت أن يكون الاثنان خلف الباب وينقضّان علي. لم يعد لديّ مال.
بعد دقائق فتح شخص باب الشّقة. تظاهرت بالنّوم. يشبه الدّببة. كان يروح ويجيء، فتّش حقيبة يدي. أخذ منها مئة يورو لم يكن عندي غيرها.
أتى سيدي، وقال عليك أن تدفعي مبلغاً كي أرسلك بسهولة. شعرت أنه كاذب ، لكنني استنجدت بالأقارب والأصدقاء . أرسلوا المبلغ مباشرة إلى اسمه، وفي اليوم الثاني ذهبت بالباخرة إلى سان توريني.
لا أعرف لماذا العالم يترصّدني كي يذّلني. كانت بطاقة السّفر غير مدفوعة، وكان عليّ أن أخضع إلى تحقيق في مكتب داخل المطار. كانت المسؤولة فتاة تدير الأمور. فقط ساعتها عرفت كيف تكون المجنّدات في أبو غريب . فتّشت المرأة حقيبتي ، فوقع جواز سفري.
اقتادوني إلى سجن سانتوريني، حيث يحتوي على قاعتين للسّجناء، والطّعام على حساب السّجين. عندما يستجوبونهم تبدو أغلب قصصهم مثل قصتي.
رفضت الدّخول إلى الغرفة. بقيت في غرفة التحقيق. أرسلوا لي شخصاً موشوماً. قال أنه بإمكاننا أن نعمل في تهريب المخدرات، وأن نعيش معاً كأصدقاء.
ماذا يقول أيها الضّابط أنا صحافية. قال الشّخص الموشوم. هذه بعض أعمال الصحافيين أيضاً.
اقتادوني إلى غرفة صغيرة . عروني من ثيابي ، وفتشوا أماكن جسدي.
عدّت إلى غرفة التحقيق ذليلة . لكنّني جائعة ، وعطشى .
ليس معي ماء، فالماء يجب أن نشتريه، وليس معي طعام. أخرجت جهاز قياس السّكر من حقيبة يدي. نظرت إلى الضّابط. قلت له: انظر. أنت تقتلني. السكر عالي جداً. أشاح بوجهه عنّي، لكنًني شعرت أنه تعاطف معي عندما أخرج هاتفي من الحجز. قال لي تحدّثي مع أولادك لأربعة دقائق. ثم جلب لي طعاماً وماء رفضت أن آكله، ورفضت أن أشرب، قلت له أنت تقتلني ثم لا أعرف ما جرى لي إلا عندما استيقظت على سرير أبيض وجنود يجلسون قربي. أتت الممرضة أعطتني حقنة أنسولين ثم أعادوني إلى السّجن. فقط ساعتها عرفت أنّ بعض الأوروبيين رحماء.
أيها الضّابط. أريد أن أوكل محام. أريد حقوق الإنسان.
سألني: هل قلت أنك تعملين صحافية ؟ سوف أجلب لك طاولة وقلم وأوراق.
يبدو أنه ليس عنصريّاً مثل الذين كنت أراهم في أثينا .
جلست أكتب مذكرات السّجن، ورائحة كريهة تلفّني حيث يعطون للرجل مدة محددة ليذهب فيها إلى المرحاض، وتتلوث رجلاك لو ذهبت إلى المرحاض بالبول.
رائحة الكروم تأتي من النّافذة. أتذكر أبي، والأرض، وكلبنا بيّوض، وداليتي المجنونة . لم أتذكر من رائحة العنب سوى القليل. بكيت بصوت عال حتى الصّباح.
أنا مرهقة. لن أدعهم ينامون. أصبحت أبكي ، أشتم العنصريّة. أذكرهم بأنّهم قدموا إلى بلادنا واستقبلناهم. والمرأة التي ربّت والدتي هي منهم. توسّل لي الضّابط أن أسكت حتى الصّباح، لكن أغمي عليّ. فقد هبط السّكر في هذه المرّة.
خرجت من السجن إلى بيت أحد الأصدقاء . أتى إلى الشاطئ. أخذني خلفه على موتور سيكل .
سوف أموت هنا. لا مال لديّ، ولا دواء.
طلبت من صديقي بعض المال، وكان يمر بظروف ماديّة صعبة هو أيضاً.
سوف أنجو. لن أعود يا دمشق إن نجوت، وإن لم أنجُ لن أدفن فيك. ضيّعتِ حقي في العيش .
طلبت مجدّداً من أحد الأقارب مبلغاً.
سوف أتصرّف. عليّ أن أعيش كي أرى أولادي.
ذهبت إلى النادي السّوداني حيث يتمّ تزوير الهويات. اشتريت واحدة بأقل من مئة يورو. اسمي الشخصي وصورتي عليها، لكنّها صادرة من روما، حجزت بطاقة طائرة إلى روما.
لم أصدّق أنني ركبت الطّائرة.
أخبرت الجميع أنّني في روما، وحتى أكمل رحلتي أحتاج لثمن تذكرة إلى السّويد. كم كان خسيساً بعض الأصدقاء الذين كانوا رفاقي . لم يساعدني أحداً منهم. لكن بعض من أعمل معهم في الصحافة ساعدني ، انتظرت مع أحد الأشخاص عدة أيام. كان يحجز لي في فندق في روما بهويتي المزوّرة ، وكلما سمعت صوت مشي بعد منتصف الليل. أخاف أن يكون البوليس.
ركبت الطّائرة إلى السّويد. طلبت ماء. قالت المضيفة يمكنك شراء الماء بالكريدت كارت، ثم أشفقت عليّ وجلبت لي كأساً من الماء، وعندما وصلت إلى السويد كنت أرتجف من البرد . ذهبت إلى مكان تقديم طلب اللجوء، ومن بعدها مباشرة إلى المستشفى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخاوف إسرائيلية من مغبة صدور أوامر اعتقال من محكمة العدل الد


.. أهالي الأسرى الإسرائيليين لدى -حماس- يغلقون طريقاً سريعاً في




.. غضب عربي بعد -الفيتو- الأميركي ضد العضوية الكاملة لفلسطين با


.. اعتقال رجل في القنصلية الإيرانية في باريس بعد بلاغ عن وجود ق




.. أربك الشرطة بقنابل وهمية.. اعتقال مقتحم القنصلية الإيرانية ب