الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في أسباب ضعف اليسار

ضيا اسكندر

2016 / 4 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


هل كُتِبَ على الشعوب العربية التي خاضت ما يسمّى بـ«الربيع العربي» الاختيار دوماً بين خيارين كلاهما لا يلبّي تطلّعات وأحلام غالبية الشعوب العربية من كادحين وفقراء وصغار كسبة؟
ففي تونس كان الخيار بين نظام استبدادي بقيادة زين العابدين بن علي وبين نظام إسلاموي بقيادة راشد الغنوشي. وفي مصر كان الخيار بين نظام كامب ديفيد برئاسة حسني مبارك وبين نظام الأخوان المسلمين. وفي ليبيا بين نظام ديكتاتوري بقيادة القذّافي وبين عبيد الناتو. وفي سورية بين نظام استبدادي وبين قوى متشددة من المعارضة المسلحة المرتبطة بالخارج. وقس على ذلك..
وكلا الطرفين الطارحين نفسيهما لقيادة الدولة والمجتمع، لا يقتربان قيد أنملة من مسألة توزيع الثروة ولا من النهج الاقتصادي الذي هو لبّ المشكلة في أيّ بلد على وجه البسيطة.
والسؤال: لماذا القوى (الثالثة) والتي تمثّل حقيقةً مصالح غالبية الشعب في كل هذه البلدان، لا تتمتع بالنفوذ الذي من شأنه أن يجعلها تسهم في تغيير الخارطة الاقتصادية الاجتماعية السياسية؟! تُرى، لماذا القوى العلمانية واليسارية بشكل عام ضعيفة إلى هذا الحدّ؟! لماذا لا تتمتع بفرص الفوز في أية انتخابات ولا تشكّل أيّ تهديد جدّي للقوى الأخرى المنافسة؟ بالرغم من أن الأحزاب الشيوعية والقوى اليسارية والوطنية الأخرى قدمت رموزاً من الشهداء، وأصبح بعضهم نبراساً وعلامةً من علامات التاريخ. وكانت جريئة في مواجهة الواقع الاجتماعي المتخلف. وأنتجت أفذاذاً من المفكرين العظام الذين أسهموا في إغناء الفكر السياسي العربي والإنساني. ومع كل ذلك بقيت ضعيفة لا تشكّل خطراً حقيقياً على مصالح القوى الاستبدادية والفاسدة في تلك النظم.
أعتقد أن الجواب يقودنا إلى مراجعة نقدية شاملة لهذه القوى؛ مراجعة إيديولوجية وأساليب نضالية وتحالفات محلية وإقليمية ودولية.
مما لا ريب فيه أن الحديث عن أزمة اليسار العربي أسالت حبراً كثيراً. ويجب أن لا يهدأ بالنا حتى نصحّح أخطاءنا ونتحوّل إلى حزبٍ جماهيري يقترب حقيقةً من الوصول إلى السلطة لتحقيق ما يصبو وتصبو إليه الجماهير التي يمثلها.
وباعتقادنا إن أهم الأسباب التي جعلت القوى اليسارية ضعيفة هو التالي:
• سيادة نُظُم الاستبداد على الشعوب لعقود، واعتماد حكوماتها سياسات البطش والقمع والتنكيل والتفقير والترهيب وكمّ الأفواه – إلا للتمجيد لها – مع عداء مطلق للديمقراطية، وطلاق بائن مع مبدأ سيادة القانون، مترافقةً مع نهج اقتصادي يزيد من الفوارق الطبقية ويبتعد كلياً عن العدالة الاجتماعية. أنظمة تزجّ بمفكّريها ومثقفيها في غياهب السجون. وتفسح المجالات لقوى الظلام والتكفير والتجهيل بكل الأنشطة التي من شأنها تقويتهم وإضعاف خصومهم.. ما ساهم في نشر مشاعر الخوف والهلع من مغبّة الانتماء إلى الأحزاب اليسارية (المغضوب عليها). والتعلّق بأوهام الشعوذة والخرافة والغيبيات للانتقال إلى واقع أفضل كما تعده بعض الديانات.
• من المؤسف أن بعض الشيوعيين العرب وضعوا أنفسهم في مواجهة الدين، وأعلنوا تنصّلهم من القيم الدينية. وعلت أصواتهم بالجهر بالإلحاد. ما أدّى إلى وقوف المرجعيات الدينية في غالبيتها في وجه الأحزاب الشيوعية. بينما كانت شعوبهم ينقصها الكثير لتصل إلى مرحلة النضج المطلوب لاستيعاب آراءهم.
• كما أن دخول بعض الأحزاب في تحالفات غير متكافئة (في العراق وسورية ضمن ما يسمى الجبهة الوطنية التقدمية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، ارتضى الحزب الشيوعي السوري وباقي أحزاب الجبهة على حرمانهم من بيع جرائدهم وباقي مطبوعاتهم في الأسواق. ومُنِعَ عليهم امتلاك مقرات حزبية علنية في المحافظات حتى عام الـ 2000 وحُظِّرَ عليهم العمل في صفوف الطلبة والجيش.. مقابل ماذا؟! مهندس أو طبيب في عضوية مجلس نقابة، أو نائب أو وزير في حكومة! وتنعّم قادة هذه الأحزاب بالامتيازات والمكاسب الحكومية. مقابل التخلّي عن إبراز وجه الحزب المستقلّ وغضّ الطرف عن الكثير من التجاوزات والخروقات التي ترتكبها أجهزة النظام وسلطاته المختلفة. بذريعة وقوف النظام ضد المخططات الإمبريالية والرجعية والصهيونية.. ما أدّى إلى انفضاض الكثير من جماهير هذه الأحزاب عنها، وتفضيلهم الانتساب إلى الحزب الحاكم، حيث لا مضايقات ولا اعتقالات ولا تسريح من الوظائف ولا حرمان من تولّي المواقع القيادية في الدولة..).
• إضافةً لذلك، فإن العوامل الذاتية والتي تتشابك إلى حدٍّ كبير مع الظروف الموضوعية، فيما يتعلق بضعف القوى اليسارية، لا يمكن التقليل من شأنها وإغفالها في ترسيخ الحالة التي تم توصيفها، (عدم وجود طبقة عاملة بالمعنى الماركسي، الأداة الرئيسة المخوّلة لحمل الفكر الاشتراكي. سيادة التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية ما قبل الرأسمالية أو تداخلها الجنيني معها في أغلب البلدان العربية. فكيف يمكن أن نحقق الاشتراكية في مجتمع متخلّف، من دون صناعة أو بصناعة هامشية وزراعة متخلفة ووعي قروسطي؟ إلى جانب حالة الاغتراب عن الواقع من خلال استخدام مفاهيم ومصطلحات (البروليتاريا: غير الموجودة بتعريفها الصحيح في العالم العربي، الكولنيالية، الكونفرنس، البروغرام..) دون أن يكون ثمة داعٍ لاستخدامها بحرفيتها وعدم تعريبها.
• إخفاق أنظمة اليسار العربي التي استلمت الحكم من خلال فشلها في الكثير من الأهداف التي وعدت الجماهير بها؛ فقد تعمّق واقع التجزئة، وتبخّر حلم الوحدة، وتمزقت الهوية القومية إلى هويات جهوية مجزّأة. ولم تُنجز مهام التنمية والتحرر من الاستعمار والتبعية للسوق الإمبريالية، وتفاقمت المشكلات الاجتماعية التي عمّقت الفوارق الطبقية في المجتمعات العربية، وانتشرت البطالة وتراجع مستوى التعليم والثقافة.. الخ. بالإضافة إلى الضعف الشديد في ثقافة الأعضاء المنتسبين إلى هذه الأحزاب، وبالتالي ضحالة تأثيرهم أو غيابه في أوساط الجماهير. بدليل اشتعال الانتفاضات العربية دونما أي دور ملموس لأحزاب وقوى اليسار فيها.
• غياب الديمقراطية الحزبية في تنظيماتها، وتعلّقها المرضي بزعمائها، واعتمادها أساليب عمل تقليدية في توسيع صفوفها، وتشظّيها وانقساماتها غير المبررة وغير المقنعة. وضعف المحاسبة والمساءلة الحزبية في حياة الأحزاب الداخلية. وتبعيّتها المطلقة لـ "الفاتيكان" الشيوعي في موسكو، وانتظار التعليمات والتلقينات والتوجيهات منه، دون بذل أي جهد في تطوير الماركسية والبحث عن السبل الكفيلة في توطينها في مجتمعاتنا العربية.
• عدم إنتاج وعي مطابق لحركة الواقع العربي، بسبب اعتماد القوى اليسارية بالدرجة الأولى على استعارة مقولات نظرية جاهزة أنتجتها الأحزاب الماركسية العالمية (التطور اللا رأسمالي، التوجه الاشتراكي أو التقدم الاجتماعي) وإسقاطها على واقعنا، دون النظر في متطلبات هذا الواقع وإشكالياته.
• انهيار تجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي وفي أغلب البلدان الاشتراكية، وانعكاس ذلك على معنويات الأحزاب الماركسية في العالم وما نجم عنه من يأسٍ وإحباط..
• ضعف التضامن الأممي ما بين قوى اليسار العالمي على نقيض الحلف الآخر "التحالف الإمبريالي الصهيوني وأدواته وشرائحه الطبقية" (مثلاً الصين: الدولة الثانية في العالم بالقوة الاقتصادية، ومع ذلك فإن دورها على المسرح الدولي لا يتناسب وحضورها الاقتصادي البتة. ودورها في دعم قوى اليسار مادياً أو حتى إعلامياً يكاد يقترب من الصفر. وكما هو معلوم فإن الإعلام يلعب دوراً رئيسياً في عصرنا الراهن في تكوين الرأي العام وفي التأثير عليه. وربما تبرز في المقام الأول الحاجة إلى وسيلة إعلامية مرئية لليسار العربي في مواجهة انتشار مئات المحطات المرئية السلفية والرجعية التي تغزو البيوت على مدى أربع وعشرين ساعة.)
كل ذلك وربما غيره أيضاً، جعل شعوب هذه البلدان غارقة بسبات في جهلها وتخلّفها، دون أن يكون لها أملٌ في التغيير نحو الأفضل. وإلى انكماش القوى اليسارية وتقهقرها.
ولو أجرينا استقراءً تاريخياً للأحزاب والقوى اليسارية بمختلف تشكيلاتها وتسمياتها، القومية منها والماركسية، وأحصينا الكمّ الهائل من الإخفاقات والأخطاء التي ارتكبتها، وأسباب فشلها في تحقيق أهدافها، دون أن تتجرّأ على الوقوف عندها ومراجعتها وتمحيصها ونقدها والإقلاع عنها. لوجدنا العجب العجاب. ليس هذا فحسب، بل إن جلّها يتباهى باعتزاز منافقاً بسلسلة (النجاحات) الهائلة التي حققتها وفي كافة الميادين، ما يدلّ على (صوابية!) نهجها و(حكمة!) قيادتها.. في حين كان يتوجّب عليها اجتراح أساليب عمل نضالية جديدة مبتكرة، وبرامج واقعية، وخطاباً سياسياً ومنهجاً في التفكير، يلبّي طموحات جمهورها المفترض وتقرّبها منه.
إن البحث عن الطرق والأساليب التي من شأنها تقوية الأحزاب اليسارية، يتطلّب عقد لقاءات ومؤتمرات وندوات.. لدراسة أسباب الضعف وكيفية معالجته، ليس على مستوى المنطقة فحسب، بل وعلى مستوى العالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا معنى لليسار
عادل عبد الصمد ( 2016 / 4 / 12 - 07:17 )
هل تستطيع أن تحدد استراتيجية اليسار كي أقول لك عن أسباب ضعفه ؟

اخر الافلام

.. مليار شخص ينتخبون.. معجزة تنظيمية في الهند | المسائية


.. عبد اللهيان: إيران سترد على الفور وبأقصى مستوى إذا تصرفت إسر




.. وزير الخارجية المصري: نرفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم | #ع


.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام




.. وكالة الأنباء الفلسطينية: مقتل 6 فلسطينيين في مخيم نور شمس ب