الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أن تكون شيوعيا، فهو التزام يومي (النص الكامل)

مرتضى العبيدي

2016 / 4 / 13
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


تقديم

"أن تكون شيوعيا، فذاك التزام يومي" هو كرّاس في التربية الشيوعية وضعه أحد أبرز قادة الحزب الشيوعي بالبرازيل في سنوات الجمر، لمّا كان الحزب محظورا ومناضلوه عرضة للاضطهاد والسجن وحتّى الاغتيال تحت الحكم الفاشي للجنرالات. لكن كان على الحزب أن يستمرّ ويؤمّن نشاطه في صلب الجماهير، ولم يكن ذلك بالأمر الهيّن، وهو ما حدا بالرفيق "أرّودا" ، أحد أبرز قادة ذلك الحزب، أن يحوصل تجربة الحزب وكوادره ومناضليه في هذا الكراس الذي يُعتبر ـ على صغر حجمه ـ حاملا لأثمن ما يتربّى عليه المناضلون الشيوعيون ، إذ هو يذكّر في كلّ فقرة من فقراته أنّ الالتزام بالمبادئ الشيوعية وتبنّي خط الحزب وبرنامجه يجب أن يجد ترجمة له في السلوك اليومي للمناضل الشيوعي وليس فقط عند إنجازه لمهمّة ما قد يُكلّفه بها الحزب.
ولقد سارع حزب العمال بتونس إلى الاستفادة من هذه التجربة كغيرها من التجارب التي يزخر بها التراث الماركسي اللينيني، فقام بترجمته ونشره تباعا في جريدة "صوت الشعب" السرّية، اللسان المركزي للحزب، تعميما للفائدة. وما أن اكتملت الترجمة حتّى نشر في كرّاس طُبع كسائر أدب الحزب آنذاك في ظروف السرّية وكان مناضلو الحزب واتحاد الشباب يتداولونه في إطار التكوين الذاتي وفي الندوات المخصّصة للتكوين الفكري.
واليوم وقد أصبح من الممكن نشره في ظروف أفضل، أعاد الحزب طبعه قصد تعميمه من جديد نظرا لثراء محتواه، حتّى يكون أداة تساهم في شحذ عزيمة المناضلين وتذكّرهم باستمرار أنّ اختيارهم الانحياز للطبقة العاملة وجماهير الشعب الكادح هو انحياز طوعي يقتضي منهم الالتزام به بصفة يومية وليس بصفة ظرفية ومن باب الهواية. إنّ الظروف التي يناضل فيها الشيوعيون تتغيّر باستمرار لكن التزامهم بقضايا الشعب ثابت لا يتغيّر، وهو ما يحتّم عليهم ترجمته في ميادين النضال وعلى كلّ الواجهات حتّى يؤدّوا واجباتهم على أفضل وجه.
فلا غرابة إذن من نشر هذا الكراس في هذا الظرف بالذات والحزب يناضل في ظروف لم يعتد عليها في السابق والتي قد يؤدّي عدم التأقلم معها إلى الوقوع في انحرافين كريهين، إمّا الانعزالية المقيتة وإمّا الليبيراية المفرطة. إنّ الاستفادة من تجارب الشيوعيين في جميع أنحاء المعمورة لا يعني البتّة استنساخها بل ملاءمتها مع الواقع الموضوعي والذاتي لكل بلد.

أن تكون شيوعيا، فهو التزام يومي

إن المسألة التالية لمن أهم المسائل المبدئية المطروحة: ماذا يعني أن تكون شيوعيا؟ وما هي أبعاد هذا الانتماء طيلة حياتك؟ وكيف تعمل للحفاظ على نقاوتك؟
يتنامى نشاط الحزب الشيوعي يوما بعد يوم ويصبح في كل مرة أكثر اتقادا وإنه لمن قبيل الوهم التصور بأنه من السهل ممارسة هذا الالتزام يوميا، فأن يطرح الإنسان على نفسه التزاما من هذا النوع ويواضب عليه باستمرار وتماسك، في سيرته ونشاطه يعني أن يقوم بعملية بناء ذاتي يومي، لأن الشيوعي ليس أي ثوري ولكنه ثوري بروليتاري، منظم بالضرورة ومناضل، يحمل إيديولوجيا إشتراكية بروليتارية، وسياسة ونشاط طليعيين مطابقين للمصالح الطبقية للبروليتاريا.

بوصلتك هي النظرة البروليتارية للعالم

إنه صعب ومعقد أن تبقى طيلة حياتك شيوعيا وأن تحفظ نقاوتك على الدوام، وليس المقصود كون الشيوعي إنسانا كاملا، أي ضربا من السوبرمان، كلا، يمكن أن يخطئ الشيوعي وأن تكون له نقاط ضعف ولا يمكن أن يكون الأمر غير ذلك، ولكن خصاله الذاتية هي التي ينبغي أن تظل دوما، هذه الخصال التي تستوجب دوام الصقل بالمعارف والنضالات الجديدة. ففي تكونه تحتل التعاليم الثورية المستمدة من تجربة نضالات البروليتاريا والحزب، والمحوصلة في النظرية مكانة خاصة ولا يمكن للشيوعي أن يتوقف عند هذا المستوى بل عليه إلى جانب ذلك أن يبحث عند ممارسة النضال الثوري كيف يثري ميزاته باكتساب العديد من المميزات الأخرى للمناضل البروليتاري الثوري الأصيل. و من أجل ذلك على الشيوعي أن يتخذ موقفا نقديا ثوريا إزاء أي نشاط من أنشطة الحزب وأي ممارسة يقوم بها في حياته، كما ينبغي أن يكون على درجة من الشجاعة لتعاطي النقد الذاتي دائما ومن وجهة نظر بروليتارية ثورية وحزبية، أي أن يعتمد النقد والنقد الذاتي على الوجه المناسب كطرق مجربة قصد التجاوز الواعي للأخطاء واستخلاص التعاليم الثورية حتى يتمكن من مزيد النضال وتحسينه في سبيل انتصار الثورة الاشتراكية والشيوعية ولكن رغم أهمية كل ذلك فهو لا يكفي لأن الخطوة الحاسمة هي التحول الفعلي والحقيقي للشيوعي بهدف الصقل والتطوير الدائم لخصاله الثورية البروليتارية في الممارسة. فأن تكون شيوعيا ليس أن تعلن عن ذلك رسميا وأن تقسم عليه، بل قبل كل شيء أن تشهد عملية تحول فعلية في الأفكار والممارسة، في المسلكية الإيديولوجية والأخلاقية في ترقية مستوى الفهم السياسي والقدرات العملية، في تطوير النشاط الحزبي والمسؤوليات بغية اكتساب متزايد لوجهات النظر البروليتارية الثورية وليس لشيء آخر. إن هذا التحول المتواصل والمتسق في تصور الحياة ، في السلوك، في النشاط والنضال كشيوعي، ليس كما وقع ترويجه لدى بعض الفئات الثورية عن خطأ مجرد العيش وسط مجموعة من الفلاحين الفقراء مثلا، وذلك نظرا إلى أن هؤلاء ونضالاتهم وأفكارهم، ممارستهم وأهدافهم، عادتهم وتقاليدهم...الخ لن تكون أبدا عناصر للشيوعي من وجهة نظر البروليتاريا وحزبها الماركسي اللينيني [م،ل]، إنه الانحراف عن الم الل القبول بجنس فلسفة بؤس برودونية على أنها ركيزة الأفكار والممارسات الشيوعية أو بصورة أوضح القبول بتصور فلاحي للعالم وليس بروليتاريا، وبالتالي بورجوازي صغير في الأساس، وقد يتكون في كنف هذه الظروف ديمقراطيون ثوريون، ولكن لن نحصل على مناضلين ماركسيين لينينيين حقيقيين ولا يمكن القبول في هذه النقطة الأساسية من البناء البروليتاري الثوري للحزب بأي خلط، إذ أن ذلك يجعل مستحيلا التكوين الم الل المكتمل لقيادته ومناضليه وتحويلهم إلى مقاتلي طليعة البروليتاريا الأصليين، القادرين لا فحسب على حل مسألة هيمنة البروليتاريا في مسار الثورة الديمقراطية، بل أيضا ورئيسيا على تقديم الحلول السليمة لمسائل القيادة البروليتارية في الثورة الاشتراكية، هذه المسائل التي لا يمكن مجابهتها بصورة متماسكة إلا بقوة النظرة البروليتارية للعالم وانسجامها، إن أساس وجهات النظر الإيديولوجية والسياسية والعملية للشيوعي لا تكون شيئا آخر غير الفلسفة الم الل التي تعبر وتدافع تماما عن مصالح البروليتاريا للطبقة والحزب، أن يتبنى المرء عن وعي هذا الاختيار الحياتي في حمل صفة الشيوعي والحفاظ على نقاوته على الدوام يعني التحول الأكثر جذرية في أفكار مناضل طليعي وممارسته، ذلك لأنه تحول قوامه وعي نقدي وثوري بروليتاري فعلا، لا بورجوازي صغير سواء كان مدينيا أو ريفيا.
أن تكون شيوعيا يعني أن تشارك مشاركة فعالة في النضال الثوري للبروليتاريا وحزبها بتبني إيديولوجيا وسياسة ومسلكية بروليتارية متماسكة، وذلك لأن هذه الطبقة وليس أي طبقة أو فئة اجتماعية أخرى، هي القوة الوحيدة الثورية في النضال من أجل النصر التام للثورة والاشتراكية والشيوعية. إنّ هذا الالتزام لهو بالتالي التزام على مدى طويل، تاريخي، وهو تنظيمي وسياسي وإيديولوجي معا، التزام من وجهة نظر البروليتاريا ورسالتها التاريخية التي تأخذ كركيزة لها كل جوانب الماركسية اللينينية وكلّ مقوّمات النظرة البروليتارية للعالم. وإنّها لمسألة مبدأ في الأساس لأنّ الفرق الجوهري بين الشيوعيين الحقيقيين ورفاق الدرب الكثيرين في صفوف أيّ حزب شيوعي وهو يجابه مرحلة الديمقراطية من الثورة، كما علّمنا إيّاه لينين، كون هؤلاء لا يستوعبون بعض جوانب الماركسية وبعض أجزاء من تصوّرنا للعالم، ثمّ يقول بكامل الوضوح : "حتى يسيطر الاشتراكي على الأحداث عوض أن يكون لعبة بين أيديهم، يجب أن تكون لديه نظرة صلبة ومكتملة للعالم، ويقول لينين إنّ ماركس وانجلس قد رسما منذ 1848 في "بيان الحزب الشيوعي" هذا التصوّر البروليتاري للعالم "بوضوح ونفاذ بصر عبقريين". إنّ المادية المتماسكة المطبّقة أيضا في مجال الحياة الاجتماعية، والجدلية كأكثر مذاهب التطوّر اكتمالا وعمقا، ونظرية الصراع الطبقي والدور التاريخي الثوري والعالمي للبروليتاريا صانعة المجتمع الجديد، المجتمع الشيوعي "تلك هي المكوّنات الأساسية التي أبرزها لينين للنظرة البروليتارية للعالم التي تكوّن وبكل وضوح نظاما متناسقا ومنسجما من وجهات النظر السياسية والإيديولوجية والأخلاقية حول العالم والحياة الاجتماعية والشخصية، حول ظواهر وأحداث محدّدة أو حولها جميعا، وجهات نظر تؤلّف تجربة عدّة قرون من صراع الطبقات المضطهدة ضدّ مضطهديها وتعبّر عن المصالح الحيوية للطبقة العاملة وكلّ الشغّالين في نضالهم من أجل التحرّر التام ومن أجل التحوّل الثوري للمجتمع. إنّ الأهمية الأساسية التي تكتسيها ضرورة الاستيعاب الكامل للنظرة البروليتارية للعالم من طرف الشيوعيين تكمن في كونها تعطينا قناعات علمية ومواقف ثورية صلبة متّفقة تمام الاتفاق ومصالح الطبقة العاملة، وهي قناعات ومواقف ضرورية للنضال الدائب من أجل الانتصار الكامل للثورة، للاشتراكية والشيوعية. فإذا ما اعتمدنا وبحزم على النظرة البروليتارية للعالم أو بأكثر وضوح على النظرة البروليتارية للتطوّر الاجتماعي، فسنتمكّن نحن الشيوعيين من بناء سليم لخط الثورة البرازيلية في المرحلة الديمقراطية والمرحلة الاشتراكية، وسنتمكّن دوما من خوض نضال بروليتاري ثوري.
إذن لنقل إنّ استيعاب النظرة البروليتارية للعالم هي العامل الأساسي لتحويلنا إلى بروليتاريين ثوريين حقيقيين في سلوكنا ونشاطنا وفي نضالنا، إنّها القوّة الوحيدة التي ستدفعنا طيلة حياتنا كي نحافظ على نقاوة شيوعيتنا.

تثوير الأفكار والممارسة في نار الصراع الطبقي

قال الرفيق ديمتروف ذات مرّة وهو يشيد بالمميّزات البلشفية لتيلمان، إنّ الثوري الحقيقي والقائد البروليتاري الفعلي يتربّى في خضمّ الصراع الطبقي وفي استيعاب النظرية الماركسية اللينينية، وأكّد أنّه لا يكفي أن يكون له مزاج ثوري بل يجب أن يصهر في نفسه طبعا وإرادة فولاذيين وصلابة بلشفية حقّة. وقال أيضا إنّه لا يكفي معرفة ماذا ينبغي أن نفعل بل يجب أن تكون لدينا الشجاعة الكافية لإتمام مهمّتنا وأن نكون على استعداد تامّ لإنجاز كل ما يمكن أن يخدم الطبقة العاملة مهما كان الثّمن وأن نكون قادرين على إخضاع حياتنا بأكملها لمصالح البروليتاريا وحزبها الماركسي اللينيني، ولن تكون حياة الشيوعي سوى تعلّم يومي وتطوّر مستمرّ من أجل صنع المناضل الحقيقي البروليتاري بشيوعيته، والتلميذ المخلص لماركس وانجلس ولينين وستالين.
صحيح أنّ مجموع الحزب يخلق لدى الشيوعي قوّة جديدة وحيوية، قوّة لا يحصل عليها المرء بمجرّد الانخراط في الحزب بل تنتج من المحتوى الجديد ومن القوة المادية والمعنوية التي تتولّد عن وحدة الفكر ووحدة الإرادة ووحدة العمل، وصحيح أيضا أنّ كلّ شيء مناهض للشيوعي في المجتمع الرأسمالي حيث يحيا المناضل مع الإيديولوجيا والنفسية السائدتين، النواميس الأخلاقية، العادات، الأعباء العائلية الثقيلة، الحياة الشاقّة التي ينبغي تحمّلها، الصعوبات والتقلّبات التي يجب تجاوزها، القمع والملاحقات البوليسية التي تُفرض مواجهتها...
ولهذا السبب بالذات، على الشيوعي أن يتحلّى بقوّة الإرادة والشجاعة ليصارع ويتعلّم، ويتعلّم ويصارع دون انقطاع، رابطا بين الممارسة والنظرية، النظرية والممارسة دون السقوط البتّة في الرضا الذاتي بما تعلّمه، لأنّ هنالك دائما جديد للتعلّم ولا بما قام به لأنّ المهامّ التي لم تُنجز بعد أكثر، كما أنّه يُطرح على الشيوعي أن يكون دائم الاستعداد لبذل الجهود اللازمة، مهما كانت، من أجل الانغماس في معارك الصراع الطبقي، والتحسين الدائم لتجاربه ومعارفه السياسية والإيديولوجية، وحتّى يكون أفضل مناضل من بين خيرة المناضلين الثوريين الطلائعيين للبروليتاريا، عليه أن يبرهن على قدرته السياسية والعملية خلال النضال الذي يخوضه، على قدرته بصفة ملموسة في تقديم اقتراحات صحيحة ومناسبة، وفي اتّخاذ القرارات والتفاني من أجل النضال وعبر النضال بوقوفه في الصفّ الأوّل لمجابهة الصعوبات وتحمّل التضحيات.
إنّ الشيوعي الحقيقي جندي للحزب، ينظّم حياته في اتفاق تام مع مصالح الحزب ويخلّص نفسه من كل ما يمكن أن يعوقه عن ممارسة النضال الثوري، علما بأنّه يُمكن أن يُطلب منه أداء أيّ مهمّة وأنّه يجب أن يكون دائم الاستعداد لإنجازها مهما كلّفه ذلك. ولهذا السبب بالذات، يتحتّم عليه تجنّب الغرور، أيّا كان نوعه، الذي قد يوصل الشيوعي إلى مواقع غريبة عن مصالح البروليتاريا والحزب، إذ بمرور الزمن، وبقدر ما يغفر لنفسه الأخطاء، فإنّ هذه الأخيرة المتراكمة تشوّه نقاوة شيوعيته كمناضل، وتتمكّن منه شيئا فشيئا آفات الحياة اليومية للبورجوازية الصغيرة وحتّى البورجوازية وهي حياة أقلّ مشقّة وخادعة، غالبا ما تفرضها عليك العائلة وعلاقات المهنة، ولهذا السبب، لا يحقّ لنا اختلاق التعلاّت لخداع أنفسنا وخداع رفاقنا، ولا في البحث عن تبريرات لانعدام الصلابة البروليتارية لدينا. بالعكس من ذلك يتوجّب على الشيوعي أن يواجه بثقة وشجاعة المثل الذي يقدّمه الحزب لأنّه الوحيد الكفيل بتمكينه من بلوغ النضج الثوري ومن المساعدة الضرورية لتطوّره البروليتاري.
وبالنقد والنقد فقط الذي يباشره المجموع المؤلف للحزب، دون وفاقية أو مجاملة، ولكن في ذات الوقت المليء حرارة ورفاقية شيوعية، يمكننا مساعدة الرفيق على بناء نفسه البناء اليومي البروليتاري الثوري، بناء المناضل الطليعي الذي يرغب صادقا في التطوّر كماركسي لينيني حقيقي.
أن تكون شيوعيا فهي طريقة عيش وليس ذلك لوقت معيّن فقط، بمناسبة مهمّة أو معركة بالذات ولكن في كلّ وقت وفي كلّ المهامّ وكافّة المعارك.
أن تكون شيوعيا يعني أن تفعل كلّ شيء من أجل الارتقاء بنفسك كبروليتاري ثوري، صلب وشجاع ونشيط، النضال عنصره، ولا ينفكّ يحدوه فيه الإصرار والجرأة والشغف، أن تكون مناضلا عنيدا ومغوارا ضدّ الأعداء الطبقيين للبروليتاريا والحزب وأن تقدّم لهم شواهد الصلابة البروليتارية الثورية الثابتة والشجاعة المثالية مثل التضحية بالنفس إذا فرضت الحاجة ذلك.
أن تكون شيوعيا يعني أن تُطبّق حكمة هوراس ضدّ الأعداء الطبقيين للبروليتاريا والحزب القائلة : "إذا لم أكن الموسى التي تقطع، فسأكون الحجر الذي يشحذها". وأن تكون شيوعيا، يعني أيضا أن تغدق بالروح الرفاقية على من يحملون نفس الفكر ويناضلون معك وذلك في كلّ لحظة من حياتك وفي أيّ موطن عمل حزبي.
أن تكون شيوعيا يعني لزوم اليقظة حتّى لا تفقد لونك في خضمّ المعارك الطبقية وفي كل المواقع التي تجري فوقها ومهما كانت تعقيداتها وضراوتها، يعني امتلاك إرادة فولاذية لتثوير أفكارك وممارستك بشكل متواصل ومتماسك حتّى تتمكّن من أن تفكّر وتناضل وتحيا دائما كبروليتاري في الصدارة في كامل نشاطه الثوري، يعني بذل قصارى الجهد وإتيان حتّى ما يبدو مستحيلا من أجل الحفاظ على حُمرة رايتك دائما وهّاجة والتقدّم بهذه الكيفية على كل جوانب نظرتك للحياة، على مستوى تصرّفك ونشاطك وعملك.
أن تكون شيوعيا فهو مسألة بناء ماركسي لينيني لا ينقطع، مسألة ممارسة بروليتارية ثورية متكاملة، فهوالتزام يومي.
ماذا يُشترط في المناضل الشيوعي؟

إنّ الحزب كطليعة ثورية ماركسية لينينية للبروليتاريا يمتلك قوّة وحيوية جهاز حي وفعّال، يدخل إليه أعضاء جدد باستمرار، إنّهم رفاق برهنوا على خصال طلائعية في معارك الصراع الطبقي، يبحثون عن الحزب ليناضلوا في صلبه ويصبحوا شيوعيين. ولكن لنسأل: ماذا يعني أن تكون مناضلا في الحزب الشيوعي؟
إنّ من يرغب في الانتماء إلى الحزب ويُقبل كأحد مناضليه يعرف جيّدا أنّه لا يملك بعدُ كلّ صفات الشيوعي. إنّ الرفيق الذي يدخل إلى الحزب يأتي سواء من صفوف الطبقة العاملة أو الجماهير الفلاحية أو من الحركة الطلاّبية أو من قطاعات أخرى من البورجوازية الصغيرة المتجذّرة ويحمل معه بمستويات متفاوتة ميزات وعيوب أصله الطبقي والتكوين الذي تلقّاه. ففي خلال نشاطه المتعدّد الأوجه، يأخذ الحزب على عاتقه تربية مناضليه الجدد ويكشف لهم عن الطريقة التي تحوّلهم إلى شيوعيين حقيقيين، فيشجّعهم على التخلّص من عيوبهم ونواقصهم وعلى تطوير صفاتهم الإيجابية واكتساب الخصال الثورية البروليتارية للمناضل الطلائعي، ولا يوجد لقب أشرف من أن يكون المرء عضوا في الحزب. فالانضمام إلى صفوفه هو الانتماء إلى المنظمة الثورية الماركسية اللينينية للبروليتاريين التي عليها خدمة الطبقة العاملة والشعب الكادح بإخلاص والنضال من أجل مصالحها الحيوية وتحقيق الانتصار للثورة الشعبية وللاشتراكية. يناضل الشيوعي من أجل مهامّ اليوم التكتيكية ومهامّ الغد الثورية الإستراتيجية. إنّ هذا النضال الشاقّ والمعقّد لن يتطوّر نحو الاكتمال وبثقة وفي أفق واضح ما لم ينخرط المناضل روحا وجسدا في الحياة العضوية للحزب وفي نشاطه الثوري.
ولا يمكن أن يكون الانتماء موسميا، متقطّعا، بل بصورة مسترسلة ومتماسكة، لا يمكن أن يكون هذا الانتماء مشروطا بظروف معيّنة، بل في كلّ الظروف حتى أشدّها تقلّبا. ولذا يجب أن يفهم الشيوعي القيمة الفائقة للشروط اللينينية الواجب توفّرها لدى المرشّحين لعضوية الحزب. هناك أربعة شروط لينينية يضبطها القانون الداخلي للحزب وينبغي أن تتوفّر لدى كل مناضل هي: تبنّي برنامج الحزب وقانونه الداخلي والمساهمة في تطبيقهما، النضال داخل إحدى منظمات الحزب، الانضباط لمقرّراته، ودفع المساهمة المالية كل شهر. وهذا لا يعني أن الأمر يتعلّق بمجرّد جمع لمتطلبات قانونية يخضع لها المناضل، كلاّ، فمغزاها أبعد من ذلك. إنّها حصيلة المبادئ الإيديولوجية والسياسية والتنظيمية، المعيارية والمنهجية للحزب البروليتاري الثوري من الطراز اللينيني، لحزب الثورة الاجتماعية الذي يكافح في سبيل بناء الاشتراكية والشيوعية، وبدون هذه الشروط الأربعة، يستحيل ضمان تطوير وتدعيم الحزب كمنظّمة تكون فعلا طليعة البروليتاريا وفي نفس الوقت كوحدة لإرادة كفاحية بإيديولوجيتها وسياستها وهيكلتها المركزية الديمقراطية. فأن يشترط الحزب على مناضليه الالتزام الكلّي بهذه المبادئ، فذلك لأنّه يريد تكوين مناضلين بروليتاريين ثوريين من طراز خاص، يهبون أنفسهم وكامل حياتهم لقضية الحزب الثورية الكبرى وللطبقة العاملة. إن القبول ببرنامج الحزب وقوانينه ليس إلاّ الخطوة الأولية للدخول إلى الحزب. إنّها المرحلة الأولى، وفيما بعد يساعد الحزب المناضل على استيعاب هاتين الوثيقتين الأساسيتين اللتين توجّهان حياة الحزب، ومن ناحية أخرى يبذل المناضل باستمرار مجهودا لتملّكهما في العمق، ولا يمكن لمناضل أن يجهل برنامج الحزب وأن لا يفقه أهميته التاريخية، كما لا يمكن له أن يبدو غير متأكّد فيما يخصّ محتوى قوانين الحزب ومنتهى قيمتها. هاتان الوثيقتان الأساسيتان تمثّلان المرشد الثابت للمناضل في نشاطه الثوري.

إنّ ما يقدّمه برنامج الحزب بدقّة ووضوح عملي هو ليس سوى ثمرة التحليل الماركسي اللينيني للوضع الملموس القائم في البرازيل. وإنّ الأهداف والمهمّات التي يطرحها ليست سوى التعبيرة الموضوعية عن الحاجة الملحّة للتغيير باتجاه إحداث تحوّلات ديمقراطية جذرية وذات طابع معادي للامبريالية والملاكين العقاريين الكبار والاحتكارات، وشعبية في البُنى التحتية والفوقية للمجتمع البرازيلي سيرا نحو الاشتراكية. كما يوضّح البرنامج الاتجاه الأساسي الذي يجب أن يأخذه النضال الثوري والشعبي حتّى يكون معبّرا عن مصالح البروليتاريا والشعب قصد إحراز النصر. إنّه البوصلة التي تُشير إلى الطريق الذي لا يدخله الشك في نشاط الشيوعيين ونضالهم مهما كان مجاله. وهي الوثيقة التي تمنحنا القناعة بأنّ شعبا يناضل من أجل الحرية والاستقلال لن يُغلب. أمّا بالنسبة لقوانين الحزب، فتُحدّد مفهومه كطليعة ماركسية لينينية للطبقة العاملة، تضبط المتطلبات والواجبات والحقوق، وتُرسي مبادئ التنظيم وهيكلته وتحدّد مشمولات الهياكل، قاعدية ووسطى وعليا، وتضبط القواعد التنظيمية الرئيسية وطرق العمل وتنظيم كامل حياة الحزب قبل وفوق كل شيء كمنظمة بروليتارية ثورية طلائعية مهمّتها تنظيم وقيادة الجماهير العمّالية والشعبية في كافّة مجال الصراع الطبقي. وبارتباط بالخط الاستراتيجي للحزب، فإنّ البرنامج هو الأداة اللازمة لتحرير شعبنا من نير الامبريالية والملكية العقارية الكبيرة والبورجوازية الكبيرة الاحتكارية والتقدم به في طريق الاشتراكية وتحت قيادة البروليتاريا. على كل مناضل أن يبذل أحسن ما لديه وأن يناضل بلا كلل من أجل انتصار برنامج الحزب وتطبيق التكتيك المتولّد عنه، التكتيك الثوري الذي يمتاز بكفاحيته ومرونته معا، ويهدف إلى كسب أوسع الجماهير الكادحة والشعبية للثورة. ولا تقلّ قوانين الحزب قيمة إذ أنّها تعتمد المبادئ والضوابط التي تُنظّم باستمرار حياة الحزب ويضمن تطبيقها الفعلي السير العادي لكلّ هياكل الحزب ونشاطا مثاليا لكافّة مناضليه.

هناك شرط ثان يجب أن يتوفّر لدى المناضل الشيوعي هو ضرورة الانتماء إلى إحدى منظّمات الحزب كطليعة للبروليتاريا منظّمة وثورية. إنّه ليس تجمّعا مفكّكا عديم الشكل، كتلة من الأفراد ولكنه وحدة مهيكلة بصورة عضوية على كل واحد من أعضائه الخضوع للروابط التنظيمية وللانضباط في تطبيق المقرّرات، وعلى هذا النحو يتمكّن الحزب من تحقيق الظروف والقدرات اللازمة لقيادة الجماهير الكادحة عمليا في كل مجالات الصراع الطبقي، إذن لا يمكن لأيّ مناضل حزبي أن لا ينتمي إلى أحد هياكله وأن لا يخضع له كليا. ثمّ إنّه من واجب المناضل بذل نشاط مستمرّ وبنّاء ضمن هيكله دون أن يخشى الصّعاب والتضحيات أو يضعف أمام تقلّب الظروف. وبتوجيه من الهيكل، يكتسب المناضل بفضل نشاطه الدائب مقدرة تنظيمية ووعيا وشعورا بروليتاريين ثوريين وروحا رفاقية وإخلاصا لا متناهيا لقضية الاشتراكية، هذه الصفات الشيوعية التي تنعكس في صلابة منظمة الحزب وكفاحيتها. وعلى هذا النحو، فإنّ المناضل لا يميّز بين مسؤوليته وطموحاته الثورية ومسؤوليات الحزب وطموحاته. وهكذا اعتمادا على منظمة الحزب، يمكن له الحفاظ دوما على نشاطه كمناضل من الطليعة الثورية الماركسية اللينينية للبرروليتاريا.

إنّ الشرط الثالث الذي يجب توفّره لدى مناضلي الحزب يتبوّأ هو أيضا أهمية كبيرة ويتمثّل في تطبيق مقرّرات الحزب بإخلاص. إنّ مقرّرات الحزب تحدّد المهامّ وتضبط التعليمات التي ينبغي تنفيذها، ومن أجل تنظيم وقيادة النضالات التحرّرية للبروليتاريا والشعب، يحتاج الحزب إلى التحرّك ضمن إرادة موحّدة وهو ما يتطلّب من مناضليه عملا يتجلّى في كلّ كفاحيّ منسجم. ويجب أن تُفهم مقرّرات الحزب بالوضوح الكافي وتوضع حيّز التطبيق ولا يتوقّف الأمر إلا على النشاط المتواصل والمتفاني لكل مناضل وعلى تصميمه الثوري وإرادته. ويّثري المناضل أثناء إنجاز مقرّرات الحزب تجربته ويكتسب صلابة وحزما ثوريين كما يكتسب روح المسؤولية والمبادرة، ويمكنه أن يُعاين النجاحات التي يحقّقها والنواقص التي تحصل ويقيّمها حقّ قدرها.

فبتحمّل المهامّ وإنجازها، يتعلّم المناضل كيف يناضل وينتصر، كيف يذلّل الصعاب ويتحمّل التضحيات وكيف يتقدّم دائما وينعت نفسه كشيوعي أصيل. وهكذا يساهم في إضفاء نشاط متزايد على منظمة الحزب ويدعم طاقاتها الكفاحية. ويشكّل دفع المساهمات المالية في إبّانها واجبا آخر من واجبات المناضل الشيوعي. فالمساهمة المالية توجد رابطة مادية بين المناضل والحزب كما أنّها تُعتبر عنصرا هامّا في تربيته إذ تُكسبه شعورا بالمسؤولية الحزبية. إنّ موارد الحزب القارّة تأتي من مساهمات مناضليه، وبدونها يصبح كل نشاط أعوص. إنّ أهمّ ما تحقّقه منظمات الحزب يتوقّف بدرجة ما على موارده المالية ولا يمكن البتّة القبول بأيّ تقصير للشيوعي في هذا الصدد. فعلى المناضل إدراك المغزى السياسي والإيديولوجي العميق لدفع المساهمات الشهرية، إذ أنّه بتقديمها في الموعد المحدّد، يكون ساعد منظمة الحزب على أداء أفضل لمهمّته الثورية.
أن يُذعن المناضل أمام هذه الشروط اللينينية الأربعة فهي ضرورة مشروطة بطبيعة الحزب نفسه ولا يمكن أبدا الإيفاء بأحدها دون سواها بل يجب توفّرها كاملة، فهي تشكّل وحدة عضوية لا تتفكّك ونظام مبادئ متمفصلة متناسقة يتوطّد صلبا داخله كامل الصّرح التنظيمي للحزب. يجب أن يكون احترام المناضل لهذه الشروط شغلا شاغلا دوما لأنّ ذلك يتيح له التطوير والتحسين المطّرد لخصاله كشيوعي وبناء حياته على أساس ممارسات جديرة بمناضل ماركسي لينيني.
يتميّز الحزب الشيوعي البرازيلي بالانسجام القائم بين برنامجه وقوانينه، بين إستراتيجيته وتكتيكه الثوري، بين هيكلته كحزب ماركسي لينيني ونضاليته البروليتارية. أن يكون المرء مناضلا في الحزب الشيوعي البرازيلي يعني أن يدخل في علاقة مع هذا الانسجام وأن يفي بهذه الشروط اللينينية ويتحمّل المسؤوليات وينجز مهامّ الحزب. إنّ الحديث عن كل ذلك هو الحديث عن حوصلة وتعميم المبدأ الكبير القائل بأنّ الحزب يكافح دائما للحفاظ على قلبه أحمر وإنّ مناضليه يتذكّرون على الدوام المقولة التالية : "أن تكون شيوعيا فهو خيار يومي".
ماي 1977
تشريف صفة العضو في الحزب

حتى نتمكّن من تحقيق انتصارات في الربط بين الماركسية اللينينية والممارسة العملية للثورة البرازيلية، علينا أن نحمل الطبقة العاملة إلى افتكاك الدور القيادي في المسار السياسي الحالي وضمانه. ولهذا السبب تتعاظم يوما فيوما مسؤوليات حزبنا ودوره كطليعة فعلية للبروليتاريا، والمهمّة الملحّة المطروحة عليه اليوم، بمناضليه وقادته هي أن يكون لديهم وعي كامل بذلك وبما توفّره الظروف من إمكانيات لا متناهية لإحراز انتصارات في عملنا.
قبل كل شيء على الحزب أن يساعد الطبقة العاملة التي وُلد من صلبها ومنحته قوة وحيوية على امتلاك وعي أكبر برسالتها التاريخية ومهامها الحالية والمستقبلية، وعلى تطوير نضالها في سبيل تحرّرها الاجتماعي وتحرّر شعبنا من الاستبداد العسكري الفاشي ومن نير الامبريالية والملاكين العقاريين الكبار وكبار الرأسماليين المرتبطين برأس المال الأجنبي. لا يمكن أن يوجد مكان في حزبنا لمواقف انتظارية وسلبية.
إنّ الوضع السياسي يفرض الآن وبإلحاح ضرورة تطوير وتوسيع مظاهر الاحتجاج والنضال، ويتوقّف ذلك إلى حدّ كبير على تكثيف النشاط السياسي الثوري لكامل الحزب وبذل مجهودات أكبر، على مثابرة ونضالية وتفاني هياكله ومناضليه تجاه الجماهير من أجل رفع يقظتها وإعدادها وتمكينها من نضالها مرورا بالأشكال المتطوّرة ذات الأبعاد الواسعة. ففي ظروف السرية القاسية والأشدّ معاكسة، يتوجّب على الحزب أداء دوره كطليعة، وهو ما يتطلّب من مناضليه وقادته عملا حازما وشجاعا، ولكي يشرّفوا صفة عضوية الحزب، عليهم أن يوفوا إيفاء كاملا بالمتطلبات اللينينية وأن يضعوا حيّزا لتكريس واجباتهم الحزبية.

واجبات عضو الحزب :

إذا كان الحزب هو الطليعة المنظمة والواعية للطبقة العاملة وكانت هذه تمثّل القوّة الوحيدة القادرة على قيادة التحويل الثوري للمجتمع البرازيلي والسير بالثورة الشعبية وبالاشتراكية إلى النصر، فأن تكون عضوا في هذا الحزب، يعني أن تكون في مستوى طلائعيته وأن تساهم بكل الطرق في تحقيق أهداف على هذه الدرجة من العظمة. ولذا فإنّه لا يوجد شيء أعظم من صفة العضوية في الحزب الشيوعي البرازيلي، الصفة العالية والمشرّفة والمعبّر عنها بوضوح ضمن الشروط اللينينية المطلوبة في المرشّح لعضوية الحزب وضمن التعريف بواجباته. إنّ واجبات عضو الحزب مطلقة الضرورة وذات أهمية لا تقبل نقاشا.
ما هي هذه الواجبات؟ السهر والنضال المستميت من أجل الوحدة الإيديولوجية والسياسية والتنظيمية للحزب، وفي نفس الوقت الحفاظ على انضباطيته والذود عنها. المساهمة في بناء الخط السياسي والعمل على استيعابه وتطبيقه تطبيقا جيّدا بالمشاركة النشيطة في الحياة السياسية للحزب والنضال بلا كلل من أجل إنجاز مقرّراته ومهمّاته. أن يكون المناضل بممارسته اليومية أفضل المناضلين وأكثرهم تفانيا واعتزازا لخدمة الجماهير، أن يبذل قصارى جهده من أجل إقناعها بسياسة الحزب وبمواقفه الثورية ومن أجل كسب المناضلين الطلائعيين المتواجدين في صلبها إلى صفوفه حيثما كانوا بالمعامل والضيعات والمدارس والأحياء والقرى.
أن تكون مناضلا في الحزب يعني أن تُجهد نفسك للرفع من وعيك السياسي والإيديولوجي وأن تتعرّف على التجربة الثورية للحزب وعلى المبادئ الماركسية اللينينية، ويعني أن تمارس النقد والنقد الذاتي وتشجّع على التكثيف من استخدامه بالمحاربة التي لا هوادة فيها للتحريفية والانتهازية بكل أشكالها وللاتجاهات القومية والاشتراكية الإصلاحية، وبالتأكيد على النواقص في نشاط الحزب والنضال ضدّ الأخطاء ونقاط الضعف وبذل منتهى الجهد قصد القضاء عليها.
أن تكون مناضلا في الحزب يعني أن تُخضع مصالحك الخاصة من دون قيد أو شرط للمصالح العليا، دون أن تخشى الصعاب والعقبات والتضحيات، وأن تحارب النزعة الفردانية وتذود عن الروح الرفاقية الشيوعية، وتتّبع نسقا متواضعا ومثاليا في حياتك وتنقاد بالمبادئ العليا للأخلاق الشيوعية، كما عليك أن تواصل العمل على تطوير نشاط الحزب ـ إذا فقدت الاتصال به لسبب أو لآخر ـ عبر التوجّه الذاتي في كل الوضعيات وفقا للخط السياسي للحزب وأن لا تتردّد أمام تحمّل مسؤولية بعض القرارات وتنفيذ بعض المهام وذلك مع الحفاظ على وثوقك وتفاؤلك في الساعات الحرجة، وعلى هدوئك وحذرك وقت الانتصارات.
أن تكون مناضلا في الحزب يعني أن تكون مخلصا وصادقا تجاهه ولا تسمح بإخفاء الحقيقة أو تشويهها وأن تفهم أنّ كل تصرّف يقوم به الشيوعي في حياته ينعكس على حياة الحزب وعلى سمعته عند الجماهير، وأن تحافظ بغاية الدقّة على أسرار الحزب وتلازم دوما اليقظة والصرامة الشيوعيين في العمل السري وفي النشاط العملي للجماهير وإزاء كل عدو طبقي للبروليتاريا وذلك ببذل النفس إذا اقتضت الحاجة. إنّ الحقد الطبقي تجاه العدو والإخلاص المطلق للحزب شيئان ضروريان في كل المجالات والظروف.
إن واجبات مناضل الحزب وخصوصا واجب الوفاء الكامل لقضية الحزب والطبقة العاملة والثورة الاشتراكية تعتبر الصفات المميّزة للمناضلين الطلائعيين والتي على الشيوعيين تجسيدها في سلوكهم وكل تصرّفاتهم. وتُصقل خصال الشيوعي داخل الحزب وفي خضمّ الصراع الطبقي، لا يمكن للمناضل اكتساب صفات الثوري البروليتاري الأصيل، الإنسان من طراز متميّز، إلا عبر أدائه لواجباته وسعيه إلى الارتقاء بتلك الصفات.
إنّ الشيوعيين هم الجزء الأكثر وضوحا سياسيا من الطبقة العاملة والأكثر تشيّعا ٌإيديولوجيا وتنظّما وتجربة، والأكثر حزما وإخلاصا ، ولكل هذه الأسباب فإنّ عليهم دون غيرهم قيادة الطبقة العاملة في الدرب الصعب والشاق، درب الثورة والاشتراكية.

الصرامة في كل الظروف

على الشيوعي مهما كانت المهمات والنضالات والأخطار والتقلبات والصعوبات والتضحيات، أن يبذل أفضل ما لديه من أجل الحزب بما في ذلك حياته نفسها، وأن يبرهن على تجرّده وشجاعته وحبّه وشغفه الثوري، وأن يلازم يقظة حادّة ولا يستنقص من شأن النشاط الماكر لجهاز القمع، وأن يفهم أنّ إنسانا واحدا يقظا وحذرا يساوي عشرة. كما يطرح عليه أن يكون دقيقا وصارما في العمل السري أو وسط الجماهير، وأن يكون خلال الإضرابات والمظاهرات والاشتباكات العنيفة مع القوات العسكرية والبوليسية مثال المناضل الثوري الطليعي، قائدا جماهيريا ماهرا ومقداما لا يخيّب البتّة ثقة الحزب، ثمّ عليه أن لا ينبس ببنت شفة في غرفة التعذيب ولا يدلي بأيّ تصريح قد يُضرّ بالحزب أو برفيق أو بصديق، ألاّ يكون لديه أيّ وهم حول العدو الطبقي ولا يمكّنه من تغليطه. كما يجب الحفاظ عن برودة الدم وعلى جذوة عزّته عالية كشيوعي لا يتذبذب ولا يهادن أو يستسلم. وواجب الشيوعي أن لا ينسى أبدا ولو وجد نفسه وحيدا داخل السجون وأمام المحاكم في مواجهة جهاز القمع، وفي صراع يبدو غير متكافئ أنّه الأقوى، أقوى بكثير من جلاّديه الحقيرين لأنّه يحتفظ بعزّة من يؤدّي واجبه ويعلم أن المُثُل الشيوعية ليست بمعادن تذوب، وأنّ سلاحه هو القوة التي لا تُقهر يحملها كممثّل جدير للحزب والشعب الكادح وقضيته هي قضية الثورة الاشتراكية المنتصرة لا محالة. فعندما يكون في قبضة أعدائه الطبقيين، يعلم أنّ رفاقه في النضال يقفون إلى جانبه وأنّ الراية الحمراء المجيدة غير بعيدة عنه، وأنّه ـ وهو في هذه الواجهة ـ أجدر ممثّل لهم.
وبقدر ما يزداد شكل الصراع الطبقي صعوبة ويشتدّ الامتحان وجها لوجه مع العدو الطبقي، يُطرح على الشيوعي ضرورة الوعي الكامل بطبيعة الصراع الذي يخوضه حتى يتمكّن دائما من الحفاظ على موقف صلب ونضالي لأنّه يعلم أن موقع المواجهة الذي يقف فيه يمثّل جزءا لا ينفصل من ساحة المعركة الكبيرة. الشيوعي في كل الظروف هو ممثّل الحزب نفسه. وعندما يتعلّق الأمر بقائد، فإنّ ما يُطلب منه يزداد جسامة نظرا إلى كون مسؤولياته أعظم من مسؤوليات غيره من المناضلين. وفي الكثير من الأحيان، يجسّد القادة فكر الحزب بهذه الصورة تجسيدا يجعل الجماهير ترى فيهم أمثلة حيّة تقتدي بها في حياتها اليومية، وفي مثل هذه الظروف خاصّة، يصبح تشريف صفة عضوية الحزب هو المبرّر الأوّل لحياتهم. إنّ القائد تنصقل قدراته كل يوم ويصلب عوده مع كل امتحان تُتيحه له حياة الحزب، وعلى كل شيوعي، قائدا كان أو مناضلا، أن يضع نصب عينيه مقولة لينين وهو يتحدّث عن الحزب الشيوعي : "إنّه وعي هذا العصر وشرفه وخبرته."
إنّ تشريف صفة عضوية الحزب الشيوعي البرازيلي يعني أن تُجهد نفسك من أجل استيعاب وتطبيق الماركسية اللينينية، ليس فقط في بعض مبادئها، استيعاب وتطبيق الإيديولوجيا الاشتراكية البروليتارية وليس هذه أو تلك من مكوّناتها، الخط الثوري للحزب وليس هذا أو ذاك من مظاهره، تطبيق كل المهامّ الحزبية وليس فقط تلك التي تبدو أسهل، إذن أن يجعل الناس يحترمون لقب عضوية الحزب وأن يكون شغله الشاغل على الدوام السعي إلى اكتساب وتطوير الصفات الشيوعية كمناضل ثوري طليعي للبروليتاريا، والهمّ الرئيسي للمناضل الحزبي هو النضال بكل جوارحه وقدراته حتى يكون شيوعيا طيلة حياته ولا "رفيق الدرب" الذي تحدّث عنه لينين، حتى يكون دائما مجنّدا للنضال، يفيض همّة بروليتارية. فإن كان حزبنا نجح في الحفاظ على شيء، فهو حفاظه على هذه العادة الثورية التي يحملها القائد كما يحملها المناضل ويصونها بمنتهى الحزم كواجب شيوعي ثابت في جميع الأوقات ومهما انقلبت الأوضاع، في أشقّ ظروف السرية وأعنف المعارك، في قاعات التعذيب وفي زنزانات البورجوازية، والتي يمثّلها الشعار البطولي : "الحزب أوّلا وحياتك فيما بعد إن أمكن." إنّ حياة حزبنا ثرية بأمثلة الصرامة والبسالة الموجّهة والتي تبيّن كم يمكننا بالفعل مواجهة كل المحن بجرأة والبقاء مخلصين للحزب والطبقة العاملة، لقضية الثورة والاشتراكية حتّى النفس الأخير. وإنّ أمثال دانيلي وقيبهارديني وأوست وأومار و أرّبو وفرنسيسكو شافس وبيكالهو ودرومان وهلنيرا وكثيرون غيرهم من أبطال حزبنا الذين سقطوا بشرف في معارك الصراع الطبقي ستبقى راسخة إلى الأبد في ذاكرة الشيوعيين البرازيليين وفي قلب شعبنا. إنّهم مصدر إلهام دائم كمناضلين أخلصوا إخلاصا مطلقا لمُثُلهم الشيوعية التي من أجلها سكبوا دمهم سخيّا، لنرفع عاليا راية النضال التي لم تكن أبدا سوى الراية الحمراء للحزب الشيوعي البرازيلي قائدنا وأمل شعبنا.
جويلية 1977

أهمية وراهنية سياسة صحيحة في مجال الكوادر

تكتسي مسألة الكوادر أهمية حيوية من أجل أن يمكن للحزب اكتساب حياة خصبة وأن يكون له عمل متواصل ومتماسك. وأصبح لزاما علينا المزيد من العناية بهذه المسألة في الوقت الذي يُفرض فيه على الحزب، وهو يواجه أوضاع السرية الشديدة، تطوير نشاط ثوري دؤوب ومتعدد ومتنوّع في كل مجالات الصراع الطبقي، وتقديم الحلول المناسبة للمشاكل السياسية المستجدّة والمباشرة، وأن يعرف دائما كيف يتصدّر المبادرة السياسية للجماهير.
فبدون الكوادر القادرين على تحمّل مسؤولية مقرّرات الحزب ومهمّاته وتطبيقها بسرعة وسداد، تصبح أفضل مقرّرات الحزب وأصحّ مهمّاته مهدّدة بالبقاء حبرا على ورق وتؤول إلى الإهمال.
إنّ أدنى إخلال باليقظة الشيوعية في مسألة الكوادر وأيّ ثغرة هما أبواب مفتوحة للوصوليين والمتردّدين وذوي الوجهين لتمكينهم من التسرّب بالحيلة إلى الحزب الذي لا بدّ أن يلحقوا به الضرر إن عاجلا أم آجلا.

المبادئ البلشفية في سياسة الكوادر

لا يمكن البحث بصورة سليمة في هذه المسألة إن لم تقُدنا منطلقات لينينية دقيقة، ولذا لا بدّ أن نفهم حاجتنا المطلقة إلى سياسة كادرية سديدة وإلى تطبيقها تطبيقا محكما.
لقد اكتسب حزبنا خبرة غنيّة وحقّق انتصارات فعلية ولكنه ارتكب أخطاء أيضا كانت ضئيلة كلّما أحسن تطبيق المبادئ البلشفية في سياسة الكوادر. وإنّه لمن المفيد التأكيد على المبادئ الأساسية لضبطها، وكان وضعها في المقام الأوّل الرفيق ديمتروف تلميذ لينين وستالين المخلص خلال المؤتمر السابع للأممية الشيوعية سنة 1935. وبالاعتماد على هذه المبادئ، يمكننا تقييم تجاربنا الإيجابية والسلبية تقييما صائبا واستخلاص التعاليم الثورية الضرورية لتجنّب الأخطاء والتحسين المتواصل لنشاط الحزب. فما هي هذه المبادئ وكيف نفهمها بالنظر إلى الحاجات الفعلية للحزب ولمتطلّبات خطّه؟

أوّلا: معرفة الكوادر بعمق إذ أننا لا نعرفهم عادة بما فيه الكفاية:

فقد تكون لدينا في عديد الأحوال فكرة جزئية أو سطحية عن الكثير منهم، إلاّ أنّ معرفة شاملة كاملة للكوادر ضرورية بصورة مطلقة كي لا تحصل لنا مفاجآت سيّئة يمكننا تجنّب حدوثها.
تعلّمنا تجربة الحزب أنّه كلّما كانت معرفتنا للأعضاء أجود، اكتشفنا مناضلين يتمتّعون بخصال شيوعية ثمينة لم ننتبه إليها من قبل البتّة، تمّ ومن ناحية أخرى لم يكن بغير هذه الطريقة تخليص الحزب من العناصر التي تسيء له إيديولوجيا وسياسيا لأنّها في الواقع تنكر المصالح الطبقية للبروليتاريا.
ويعلّمنا ستالين أنّه لا يمكننا مراقبة كوادر الحزب مراقبة سليمة ما لم نتعرّف عليهم بصورة دقيقة في كلّ مظاهر حياتهم الحزبية، وعلى قاعدة أفعالهم وليس أقوالهم فقط أو تصريحاتهم ووعودهم. ومن وجهة النظر البروليتارية الثورية، لا يجوز البتّة السماح للكوادر بإخفاء الحقيقة عن الحزب أو تشويهها مهما كانت المشكلة، فالكذب عليه يُعدّ من أفدح الأخطاء التي يرتكبها شيوعي في حياته. إنّ الصفات الأخلاقية للشيوعي لا يمكن أن تكون شيئا آخر يختلف عن الصدق والاستقامة والإخلاص للحزب. فإذا توفّرت لدينا هذه النظرة الواقعية فإنّنا نفهم بسهولة حاجتنا إلى دراسة دقيقة بالمجهر البلشفي مثلما كان يقول ديمتروف، حتّى نتبيّن نقاط ضعفهم ونقاط قوّتهم وكذلك من أن نعرف مدى استعدادهم لتقديم حياتهم في سبيل الحزب. وهكذا نستطيع معرفة واقع كلّ رفيق وما يمكن له أن يكون وتصوّر أكبر وأصغر مساهمة يمكن أن يقدّمها حاضرا أو مستقبلا لفائدة قضيّة الحزب والطبقة العاملة.

ثانيا: ترقية الكوادر بصورة حكيمة:

وحتّى تكون سليمة، فإنّ هذه الترقيات لا يمكن أن تتمّ بالمناسبات وعلى عجل بل على العكس من ذلك، يجب أن تخضع إلى عناية كبيرة وروح مسؤولية عالية، وبالتالي يتحتّم الاعتماد ـ كقاعدة ـ على النشاط اليومي للكادر وسط الحزب ووسط الجماهير، لا على نشاطه المتفرّق، على صلابته أوقات الشدّة وإخلاصه في تنفيذ مهمّات الحزب، وحنكته ويقظته في العمل السرّي وفي المزج بينه وبين العمل العلني، إخلاصه للحزب أمام أجهزة القمع ومدى تشبّعه بالروح الأخوية والرفاقية الشيوعية تجاه رفاقه، وتصرّفه خلال التحرّكات الجماهيرية والصّيت الذي يُحظى به لدى الجماهير. فإن نحن اعتمدنا هذا الأسلوب لترقية كوادر الحزب، فالنتيجة تكون عموما إيجابية، ولكن إذا نحن حدنا ولو قيد أنملة عن هذه المقاييس الصحيحة، تكون التأثيرات دائما سلبية ومُضرّة بالحزب.

ثالثا: الكادر المناسب في المكان المناسبّ

إنّه لأمر أساسي العمل على وضع كل كادر في المركز والمكان الأنسب لا لقدراته الحالية فحسب، بل أيضا بالنظر إلى إمكانياته الفعلية حتى يجد نفسه في ظروف تتيح له تنفيذا أفضل للمهامّ الحزبية وتطويرا أيسر لمؤهّلاته السياسية والعملية. إنّ استخدام الكوادر في مواقع غير مواتية لهو خطر ينبغي تجنّبه اتّقاء لنتائجه السلبية دوما، سواء على مستوى الحزب أو الرّفاق، ومن الضروري التزام السلوك الواقعي الذي يرى أنّه لا كمال لأحد وأنّ الشيوعي كغيره يعيش دائما عملية تحوّل متواصلة، مثلما تعلّمنا الحياة. علينا أخذ المناضل كما هو ومحاولة اكتشاف الاتجاه الرئيسي لتطوّره دون تهويل أو تقليل من خصاله وعيوبه. وإنّه لهامّ وضروري دفعه إلى تطوير خصال المناضل الشيوعي واكتساب أخرى جديدة وذلك بإقناعه في نفس الوقت بضرورة النضال لتجاوز عيوبه. ومن ناحية ثانية لا يمكن أن ننسى أنّ مراقبة منتظمة وغير عرضية لسلوك الكوادر وممارستهم يوميا، لإرادتهم الرّاسخة في التعلّم باستمرار وتحسين النضال، لاستعدادهم كي يُخضعوا مصالحهم الشخصية لمصالح الحزب العليا دون قيد أو شرط، وتفانيهم وصدقهم وإخلاصهم للحزب، هذه المراقبة لا مناص منها كأمر وثيق الارتباط بمسألة الاستخدام السديد للكوادر.
علينا قبل كلّ شيء ألاّ نغفل عن تعيين أصلب الكوادر وأنشطهم وأكثرهم تفانيا وقدرة على اتّخاذ المبادرة ووثوقا في المواقع الإستراتيجية للحزب ومراكز نشاطه الأساسية ولإنجاز المهمّات الأصعب. فإنّ هذه المواقع تتطلّب وجود مناضلين متملّكين لخطّ الحزب وذوي تجربة سياسية، وأهلية لأخذ القرارات، وروح عملية، يعرفون كيف يتصرّفون بطلاقة في ظروف السرية، ويحذقون التحرّك وسط الجماهير كي يكسبوا محبّتها ويصبحوا قادتها المحترمين. ولن يكون توزيع الكوادر سليما سديدا إلاّ عندما يشعر كل واحد أنّه في الموقع الذي يمكّنه من إعطاء أقصى ما لديه من أجل الحزب، والمساهمة باستخدام أفضل مؤهّلاته في النشاط الثوري للحزب. ينبغي تفحّص هذه المقاييس ببالغ اليقظة داخل حزبنا لأنّنا مجبرون على النضال في أحلك ظروف السرية ولأنّ مسؤولياتنا كطليعة ثورية ماركسية لينينية للبروليتاريا البرازيلية تتعاظم يوما بعد يوم. وأمام هذا الواقع يبدو بديهيّا أنّ مسألة توزيع الكوادر أو نقلهم إلى مكان آخر تتطلّب اهتماما خاصّا، سواء بالنظر إلى مسؤولياتهم في الحزب أو إلى شتّى المسائل المتعلّقة بأمن كلّ رفيق وبأمن نشاط الحزب. وإنّه لخطأ فادح أن نضع رفيقا في مهمّة لا قدرة له على النجاح فيها، أو السماح بعمل أفقي في ظروف السرية القصوى أو هتك قوانين العمل السرّي، إذ لا يجوز أن يعرف كل رفيق إلا من يتطلّب نشاطه اللقاء به. وتتضافر مع هذه الظروف جملة من الصعوبات الحقيقية ، مادية وعملية الخ... والتي لا تتحمّل قرارات مرتجلة بل تتطلّب البحث فيها بجدّية حتّى يجد كل مشكل الحلّ المناسب له.

رابعا: المساعدة المطلقة للكوادر

مهما كانت نوعية المناضل، فهو دائما في حاجة إلى توضيحات إيديولوجية وسياسية وحزبية، مدقّقة ومركّزة. وبهذا الصدد، على الكوادر أن يوافوا الحزب بتقارير ضافية عن التجارب المُراكمة من طرفهم في النشاط السرّي وفي الرّبط المحكم والملائم بينه وبين النشاط العلني وذلك بصورة منتظمة، حتّى يتمكّن من التحكّم في هذا الفن الصعب الذي يتطلّب يقظة شيوعية عالية وانتباها خاصّا وروحا خلاّقة. كما ينبغي أن يكون شغلنا الشاغل هو تمكين الكوادر من التطوّر المتواصل حتى يصبح بمستطاعهم إضفاء توجّه سديد وحيوي على عملهم الحزبي. وعلى نفس النحو، فإنّ الكوادر يستشعرون الحاجة إلى مراقبة القادة لنشاطهم المراقبة المنتظمة والأخوية لتصحيح أخطائهم ونواقصهم وتجنيبهم هفوات كان يمكن تلافيها,

خامسا: السهر بجدّية للحفاظ على الكوادر

إنّه لضروري أن نولي اهتماما خاصّا للغاية بالظروف التي يعيش فيها كوادر الحزب: ظروف حياتهم وعملهم، وذلك بتتبّع حالتهم الذهنية وأوضاعهم الشخصية وبالتعرّف على شواغلهم وحاجاتهم الحقيقية بما في ذلك مشاكلهم العائلية. يجب أن يُعامل الرفاق كرفاق وهم في حاجة إلى ذلك ولا يجوز البتّة أن يُعاملوا بجفاء أو احتقار ولكن دائما بأخوّة ومحبّة. كل كوادر الحزب في حاجة إلى حرارة الرّوح الرفاقية الشيوعية التي بدونها قد يشعر الرفيق بصعوبة الحفاظ على الاندفاع والقوّة الضروريين لتطوير نشاطه الحزبي باستمرار، والذي هو صعب ويتطلّب دائما الحماسة والحيوية والتفاني. كما يجب أن يكون لدينا الحسّ اللازم الذي بواسطته نُقدم على نقل الكادر من مركز ومن مكان لآخر في الوقت المناسب عندما تفرض الظروف ذلك أو حيث يتمكّن الرفيق من البذل أكثر وأحسن. إنّ شعورنا بالمسؤولية في الحفاظ على الكوادر يفترض السهر والانتباه إلى كل المشاكل العويصة الخاصّة بالتنظيم المناسب للعمل السرّي. إنّه عمل من نوع خاص ولا يمكن أن يكون ذا فعالية ما لم نحرص على التطوير الدائم والتجويد المستمرّ. فأدنى إخلال باليقظة الشيوعية أو أيّ عاهة روتينية، أو أي نوع من النزوع المحافظ قد يسبّب خسائر فادحة للتنظيم الحزبي ويُلحق جسيم المضارّ بالكوادر والمناضلين.

الكوادر هي كنز الحزب

إنّ التحليل الجدّي للمبادئ البلشفية الأساسية في مضمار السياسة الكادرية السليمة يبيّن إمكانية استخلاص دروس قيّمة من تجربة حزبنا السلبية والإيجابية نحن اليوم في حجة إليها. ولكن إلى حدّ الآن لا يمكننا القول أنّ كل الحزب ولا حتّى كافّة قيادته واعون تمام الوعي بالأهمية القصوى لهذه المسألة وبراهنيتها الدّائمة، وللأسف فالأمثلة لا تنقصنا عن سوء التقدير لأهمية مسألة الكوادر. وإنّ المواقف الاحتقارية أيضا ليست بنادرة، وكحزب له خصائص نضالية مميّزة، انخرط قادته ومناضلوه دوما وبكلّ بسالة في النّضال، والعديد منهم ضمن الخطوط الأمامية لشتّى العمليات الاحتجاجية والتحرّكات، فإنّ جهاز القمع العسكري والبوليسي يشنّ مطاردة فعلية لرفاقنا، ويعتقلهم ويمارس ضدّهم أبشع ألوان التعذيب، ويزجّ بهم في السجون السنين الطوال ويغتالهم. وأمام هذه الظروف الصعبة، يتحتّم علينا أن نتعلّم كيف نحافظ على كوادرنا ولكن أيضا كيف ننتقي ونرقّي ونوزّع ونساعد باستمرار الكوادر الجدد. يُقدم على صفوف حزبنا شبّان مفعمون بالروح الكفاحية والإمكانات الثورية ولكن بلا تجربة سياسية ولا حذق للعمل السرّي، فهم يتطلّبون بالتالي عناية خاصّة. نحن نعلم أيضا أن كلّ واحد من كوادر الحزب غالبا ما يجد نفسه يواجه مشاكل سياسية وحزبية جديدة تكون دائما صعبة، وتتطلّب منه الاعتماد على نفسه لحلّها، وهذه الحالات تتكاثر في ظروف السرية الدقيقة وتستوجب قدرة على المبادرة المتواصلة وقدرة أكبر على اتّخاذ القرارات وتحمّل المسؤوليات في قيادة النشاط الحزبي، وإنّ جملة هذه الأسباب تُكسب مسألة الكوادر أهمية وراهنية جدّ كبيرتين بالنسبة للحزب الذي ينبغي عليه أن يعيها جيّد الوعي.
إنّ ممارسة حزبنا ما تزال بعيدة عمّا قاله ستالين من كون "عنايتنا بالكوادر يجب أن تُعادل عناية البُستاني بنبتته المفضّلة" ومن "اعتبار الكوادر أثمن كنز في حوزة الحزب". إنّ هذه التعاليم الثمينة ترتبط بشرط لا يقلّ أهمية والمتمثّل في تقييم الكوادر باعتماد مقاييس واقعية وليس انطلاقا من رغبتنا، باعتماد المقاييس البروليتارية الثورية ذات الصرامة اللينينية. إنّ كامل الحزب مدعوّ إلى الأخذ بتعاليم ستالين هذه كشيء أساسي حتّى يتمكّن دائما من إيجاد أسلم الحلول لهذه المسألة المحدّدة لمستقبل نشاطه في كافّة ساحات الصراع الطبقي.
نوفمبر 1977

المقاييس اللينينية في انتقاء الكوادر

إنّه لشرف عظيم أن يكون المرء مناضلا شيوعيا، وإنّه لشرف أكبر أن يكون كادرا في الحزب، ومن الواضح كون هذه الوضعية تمثّل ارتقاء فعليا سواء في مضمار ممارسة الصلاحيات الحزبية أو في المسؤولية عن مصيره، فتتعاظم صلاحيات الرفيق ومسؤولياته ويزداد انشغاله بالحفاظ على نقاوته الشيوعية، ولهذا السبب بالذات، تكتسي مسالة انتقاء الكوادر خطورة حاسمة بالنسبة لحياة الحزب وضمان التطوّر والاستمرار للعمل الثوري في كلّ الظروف وحتّى في أشدّها معاكسة، وقد قال لينين بأن الرئيسي في عمل الحزب في ميدان التنظيم هو انتقاء الكوادر، وعلّق ستالين على ذلك بقوله "إنّها لفكرة عبقرية". كان الانقياد بها من قبل البلاشفة يُعدّ واجبا مقدّسا، ولم ينفكّ يذكّر في المؤتمرات والندوات والاجتماعات العامة للجنة المركزية بالأهمية القصوى لهذه الفكرة ويحدّد المعايير اللينينية في انتقاء الكوادر. وأكّد الرفيق ديمتروف في المؤتمر السابع للأممية الشيوعية، كقائد شيوعي من الطراز البلشفي، أكّد بمنتهى الحزم ضرورة اعتماد كافّة الأحزاب الشيوعية للمقاييس اللينينية في اختيار الكوادر، واكتسب حزبنا وهو يستوحي هذه المقاييس تجربة ثابتة يحاول إثراءها باستمرار.

خمسة مقاييس لينينية
يجب أن نميّز من بين المقاييس اللينينية خمسة أساسية:

أولا: تفان عميق في خدمة قضية الطبقة العاملة وإخلاص لا متناه للحزب

إنّ هذا المقياس مبعثه القناعة الراسخة بالدور الذي لا يعوّض البروليتاريا وحزبها كقوّة قائدة من أجل انتصار الثورة الشعبية المؤدّي إلى الاشتراكية. متى وكيف يمكن إثبات هذا التفاني وهذا الإخلاص؟ لا يمكن أن يحدث ذلك عبر المحادثات الشخصية ولا بالتصريحات أثناء اجتماعات الحزب لأنّ أقصى ما يمكن حدوثه هنا تقديم أفكار والتعبير عن مشاعر، تقديم وعود والتزامات شفوية، والمهمّ هو تجسيد ذلك في الممارسة العملية يوما بيوم وعبر تعرّجات مرحلة مطوّلة من نشاط الحزب. فلكي نعرف جيّد المعرفة كلّ رفيق، ينبغي متابعة ومراقبة مواقفه وسلوكه في خضمّ الصراع الطبقي كما في العمل السرّي، وخاصّة منه النشاط الحزبي الذي يتطلب حزما شيوعيا متواصلا وجهدا دائما وتضحية كبيرة ولو بالنفس. كما تجب مراقبة الرفيق أثناء مواجهته للقمع العسكري والبوليسي، وإنّه من الأهمية بمكان أن يتحلّى أعضاء الحزب كافّة بيقظة تامّة وشجاعة فائقة وعزّة نفس وهم يواجهون أشقّ الاستنطاقات وعمليات التعذيب الأكثر وحشية. إنّ سلوك الشيوعي داخل السجون وأمام المحاكم العسكرية والمدنية، ينبغي أن يكون واحدا. ففي مواجهة الأعداء الطبقيين للبروليتاريا والحزب، يمكن التأكّد من استعداد الشيوعي المعنوي ومن تحديد المعالم الحقيقية لشخصيته، فحيثما تجد حبّا لقضية الطبقة العاملة وإخلاصا للحزب، لا بدّ أن تجد حقدا قاتلا تجاه الذين يُخضعون الشغالين للاستغلال الفظّ والاضطهاد الوحشي ويجعلونهم يرزحون تحت نظام رجعي طاغية، حقدا تجاه الذين يطلقون العنان لممارسة اضطهاد وحشي ضدّ الشيوعيين فارضين على الحزب النضال في أشدّ ظروف السرية. إنّ تربية الحقد الطبقي ضدّ أعداء البروليتاريا والحزب وشحذه باستمرار ليُعتبر واجبا مقدّسا لدى كلّ شيوعي وثوري وطلائعي وماركسي لينيني، ولا تظهر مزايا الشيوعي وخصاله، نقاط ضعفه وتردّده أو حتّى انهياره الكامل إلاّ في النضال، من خلاله يتجلّى تفانيه وإخلاصه اللامتناهي لقضية الثورة. فبقدر ما يشقّ الصراع، ويشتدّ الامتحان يرتفع سلّم القيم والأخلاقية التي يضع فيها الشيوعي نفسه. وبقدر ما يكون الرفيق شجاعا وحازما، يتعاظم شعوره بالاعتزاز ويكون أقدر على مواجهة الصّعاب والصمود أمام الحرمان والبلاوي وتحمّل التضحيات التي تتطلّبها منه مصلحة الحزب. أن تكون شيوعيا يعني أنّك لا بدّ أن تفهم كأوّل واجب لك ضرورة التصرّف دائما بانسجام تامّ مع مصلحة الحزب وأهدافه العليا وأن تعتبر ذلك جزءا من كيانك، وبهذه الطريقة فقط، يمكن أن نعرف مدى امتلاك الرفيق لإمكانيات فعلية تخوّل له شرف الانتماء إلى كوادر الحزب مهما كان مستوى القيادة الذي يوكل إليه، ولن نُسرف أبدا في التأكيد على أنّ الأمثلة الجيّدة التي يقدّمها المناضل عبر نشاطه الحزبي أو في حياته الخاصّة هي تعبيرة ذات معنى بعيد بالنسبة لانتقاء كوادر الحزب على النحو اللينيني.

ثانيا: الإخلاص والاستقامة والصدق للحزب

هذه الميزات الثلاث وثيقة الارتباط الواحدة بالأخرى، وتؤلّف الروح العالية لدى الشيوعي وصلابة البنية المعنوية للبروليتاري الثوري. فحين يدرك عضو الحزب قيمته ويستشعر ثمانتها، ينشأ من داخله حافز طبيعي لاتخاذ هذه المسلكية، فإنّ الوعي بالمصالح العليا للحزب والشعور بالواجب تجاهه يدفعان المناضل إلى التحلّي بالاستقامة والإخلاص والصدق, قال لينين في معرض حديثه عن الإخلاص: "إنّ الإخلاص في السياسة أو في مجال العلاقات البشرية هو التطابق الذي لا تشوبه شائبة بين ما يقوله المرء وما يفعله". فإذا كان لينين نزّل هذا التنزيل متطلّبات الإخلاص في دائرة العلاقات السياسية بصورة عامّة، فيجب أن يكون ذلك في العلاقات الحزبية أشدّ، ويتطلّب الحزب نفس الشيء بالنسبة للاستقامة والصدق. فأن تقول شيئا وتقوم بغيره وأن تعمل على إخفاء سلوك مشين وأن تهوّل من قيمة العمل الذي تنجزه أو أن تقدّم نظرة خاطئة عن الوضعية الحقيقية، كلّ هذه التصرّفات غير شيوعية، وكل موقف أو إعلام غير مطابق للواقع أو محرّف لا يمكن أن يكون إلا مضرّا بمصلحة الحزب وسببا في الخسائر. لا حقّ للشيوعي مهما كان الظرف في إخفاء الحقيقة عن الحزب أو تزويرها ومهما كانت المسألة، تخصّه أو تخصّ رفيقا آخر، فإنّ مثل هذا السلوك ليس جديرا بالإنسان الشيوعي، دليل على أنّ صاحبه غير مخلص للحزب ولا لنفسه لأنّه قادر على الإيهام بما ليس واقعا والكذب على حساب القضية التي اختار بصفة طوعية النضال من أجل نصرتها وأقسم على الإخلاص لها. لا يمكن بحال من الأحوال أن يفكّر الشيوعي في مسائل عامّة تفكيرا سليما إلى حدّ ما وهو يحافظ في نفس الوقت داخل نفسيته وأخلاقيته بدرجة أو بأخرى على بعض سمات الروح البورجوازية الصغيرة والبورجوازية مثل الكذب والخداع واللؤم والخيانة والجبن. إنّها صفات سلبية تماما ومُضرّة دائما بمصالح الحزب، وإنّ الرياء ليس فضيلة ولكنه انحطاط. لا يُخفي الشيوعي شيئا من حياته ومن سلوكه ومن نشاطه داخل الحزب، ولا يخشى أن يقول كلّ ما يفكّر فيه ويشعر به وكلّ ما فعل أو حدث له إذ ليس لديه مصالح خاصّة يدافع عنها، إذن على الشيوعي أن يتكلّم بكامل الصراحة والدقّة ومن دون أدنى مراوغة ولا إضمار.
وإنّ أقلّ ما يمكن أن يتطلّبه الحزب من كل عضو من أعضائه هو أوّلا وقبل كل شيء الاعتزاز بانتمائه إلى الشيوعية. فإذا ما تحوّل الإخلاص والاستقامة والصدق للحزب إلى حوافز واعية في مسلكية الشيوعي، فإنّ هذه الخصال الرائعة تبرز عبر كافّة مجالات حياته الفكرية ونشاطه العملي، داخل الحزب وفي الحياة الخاصّة، وفي كلّ لحظة وظرف.

ثالثا: أن يكون المناضل الحزبي على أمتن صلة بالجماهير

فباعتبار الحزب هو الطليعة المنظّمة الماركسية اللينينية والمتقدّمة سياسيا من الطبقة العاملة، ينبغي أن لا يتأخّر عن أن يكون حميم الارتباط مع الجماهير، ارتباطا لا يقبل الانفصام، من خلال خلاياه المنغرسة في المراكز "العصبية" للنضال الطبقي. إنّ الحزب هو الطليعة الثورية المتماسكة للبروليتاريا، بالتحديد لأنّه لا ينفكّ يعمل على جرّ الجماهير العمّالية والفلاحية وسائر الشعب للنضال من أجل افتكاك السلطة السياسية وتحقيق الانتصار للثورة الشعبية والاشتراكية. ولذا يجب أن تشعر الجماهير وأن تدرك بأنّ الشيوعيين يأتون دائما في الصفّ الأوّل من معاركها، ولا يكون تحمّل هذه المسؤولية يصورة عملية ونشيطة إلا عبر المساهمة الحيّة والفعّالة داخل منظماتها والمعرفة المستمرّة لمشاعرها ومطامحها وحالتها الذهنية ومدى استعدادها للنضال، وعبر قدرتنا على استشارتها في المسائل التي تمسّ مصالحها والاستماع إليها، وقدرتنا على تربيتها والتعلّم منها والدفاع المستميت والمخلص عن مطالبها، باحثين عن أحسن السبل لإعداد وتطوير وتوجيه حركاتها الاجتماعية وأعمالها في كل المجالات وعلى كافة المستويات، وعبر اهتمامنا بمعرفة تقاليدها النضالية وتجاربها الثورية هادفين من وراء ذلك إلى استخلاص الدروس القيّمة ونشرها للتمكّن من دخول معارك طبقية جديدة. كما يبرز ارتباطها بالجماهير في القدرة على تقديم شرح مقنع للخط الثوري للحزب من أجل كسبها إلى مواقفه السياسية والإيديولوجية ومساعدتها على إنجاز تجربتها الخاصّة. وأخيرا يتجلّى في الدّأب المتفاني حتّى تعترف بهم كقادة لها وحتى يقع كسب أصلب مناضليه وأوفاهم وأكثرهم تمتّعا بحبّ وتقدير عمّال المعامل وفلاحي التعاضديات وطلاّب المدارس، كسبهم إلى صفوف الحزب، وقد قال ديمتروف في هذا الصدد: "إنّ سلطة قادة منظمات الحزب تبرز قبل كل شيء في اعتراف الجماهير بهم كقادة لها والتعرّف من خلال تجربتها الخاصّة على كفاءتهم وقدرتهم في اتّخاذ القرار وما يتحلّون به من روح تفان في النضال."

رابعا: قدرة المناضل على التوجيه الذاتي واتخاذ المبادرات في كل الظروف وعدم الخشية من تحمّل مسؤولية أخذ القرارات

إنّ الشيوعي وخاصّة إذا برهن بعد على خصال الكادر القيادي ينظّم حياته ويعمل دوما من أجل المصلحة العليا للحزب والثورة. فهو يسعى باستمرار لكي يثبت قدرته على المبادرة ولا يتردّد أبدا في اتّخاذ القرارات وهو دائم الاستعداد ويملك من الجرأة لتحمّل مسؤوليته، يواجه أعقد المشاكل ويكلّف بإنجاز المهمّات وأكبر الواجبات دون أيّ اشمئزاز، ولا يجوز للشيوعي البتّة التصرّف حسب المقولة التالية: "أنا لا أعمل إلاّ ما يُطلب منّي" وخصوصا إذا كان على الرفيق أن يعمل بمفرده ودون تلقّي توجيهات أو الخضوع لمراقبة مباشرة، فإنّه لا ينبغي له أن تفتر همّته ويسقط في السلبية، بل بالعكس عليه أن يكون أشدّ مع نفسه وأن يفعل المستحيل من أجل أن يُنجز كل يوم شيئا يخدم مصلحة الحزب. وإذا ما فقد صدفة صلته بالحزب، فهو يواصل إنجاز المهمّات الموكولة إليه ولن يكتفي بها بل ينخرط في أداء مهامّ أخرى حزبية إذ أنّ راحته الكبرى هي إنجاز مهامّه كاملة وعلى أفضل وجه. ويسعى الشيوعي إلى المحاسبة بما أدّى من واجبات ويأمل في أن تُقيّم أعماله التقييم الصّائب. إنّ الشيوعي الجيّد هو الذي لا يفقد صوابه ولا يشتكي ولا ينهار في الأوقات الصعبة وزمن التقلّبات ولكنه يظلّ واثقا متفائلا، وهو الذي لا يتباهى ولا يغترّ بالنجاحات والانتصارات، لكنه يحافظ على رصانته وحيطته ويبقى همّه الرئيسي هو البرهنة على مثابرته الراسخة في تطبيق قرارات الحزب أو عبر نشاطه وسط الجماهير. وكلّما وجد الشيوعي نفسه وحيدا أمام ضرورة حلّ إشكالات النضال الثوري، وشعُر بثقل المسؤولية الحزبية المناطة بعهدته تطوّر ونضُج بصورة أسرع لمهامّ أخرى أرقى.

خامسا: روح انضباط من الطراز اللينيني

أن يتحلّى المناضل بروح الانضباط يعني أنّه يُخضع مصالحه الشخصية بصورة غير مشروطة للمصلحة العليا للحزب، وأنّه يحترم ويطبّق بصورة غير مشروطة مقرّرات الأغلبية وينفّذ بإخلاص ما تعهّد بمسؤولية أدائه. أن يكون المناضل من الطراز البلشفي يعني أنّه لا يفرّق بين أقواله وأفعاله وأن يتحلّى بطبع بروليتاري صلب ويتصرّف على الدوام بشجاعة عالية وقوّة إرادة لا تتزعزع، أن يناضل كل يوم بعناد وحزم وشغف من أجل قضية الثورة والاشتراكية، القضية التي يجسّدها الحزب. إنّ التحلّي بروح الانضباط تعبير عن الفهم الواضح لكون نظام الحزب لا يقوم على قاعدة الإرادات الفردية بل على مبدأ خضوع المناضل للمنظمة والأقلية للأغلبية، ولكون هذا النظام هو التعبيرة عن وحدة الإرادة ووحدة العمل الثوريين اللتين ينبغي أن يميّزا الشيوعيين كمناضلين ماركسيين لينينيين. أن يكون المناضل من الطراز البلشفي يعني الصلابة الإيديولوجية البروليتارية الدائمة في النضال من أجل الماركسية اللينينية ضدّ أيّ رهط من أرهاط التحريفية والانتهازية، واللاهوادة في النضال من أجل استيعاب وتكريس الخط الثوري للحزب، وضدّ كافّة النزعات اليمينية واليسراوية، هذا هو الطابع الثوري البروليتاري المتماسك في الصراع الطبقي والبسالة وروح التضحية التي لا تثنيها أصعب المحن. إنّه شعور المسؤولية إزاء مصالح الحزب والانشغال الدائم بالجمع بين معرفة ما ينبغي فعله من ناحية والنضالية والإقدام اللذين لا يتزعزعان من أجل تحويل قرارات الحزب وتوجيهاته إلى منجزات ملموسة وحيّة. وهذه الخصال الشيوعية الثمينة تُصقل عبر النشاط الحزبي والتجارب الصعبة. غير أنّ سداد استراتيجية الحزب وتكتيكه الماركسي اللينيني وبالتالي عمله الثوري تجعل نضج المناضل أسرع، وإنّ روح الانضباط لشرط هامّ لتطوير النشاط الحزبي وجعله مثمرا في كل أوجه الصراع الطبقي. وتزداد قيمة هذا المبدأ مع ازدياد صرامة السرية التي يجد حزبنا نفسه مجبرا على دفع العمل الثوري في ظلّها ومع ازدياد المهام المطروحة للإنجاز صعوبة. إنّ روح الانضباط والطراز البلشفي للكوادر يرفعان من فعالية واكتمال النشاط الثوري للحزب ومن نضالية هذا الأخير وتماسكه في النضال، إنّهما يشكّلان شرطين أساسيين لإحراز نجاحات جديدة أكبر.

كوادر صهرتهم الروح الحزبية

وُجد في حزبنا انشغال دائم وينبغي أن يتواصل من أجل تحسين طرق انتقاء الكوادر، ولكن من الضروري أن تقودنا في ذلك معايير لينينية صارمة حتّى تكون المصالح الحقيقية للحزب فوق كل اعتبار إطلاقا. وتعلّمنا اللينينية كما تعلّمنا تجربة حزبنا أنّ مجال الخلط والاشتباه كبير عندما نسعى إلى انتقاء الكوادر على قاعدة الميل العاطفي أو الصداقة الشخصية والانطباع الحسن الحاصل من الوهلة الأولى عن هذا الرفيق أو ذاك. ويحصل نفس الشيء عندما نفضّل رفيقا ما لسبب وحيد هو أنّه يتقن الكتابة بأسلوب أدبي أو يجيد الخطابة، وقد يكون إنسانا فاقدا للروح العملية تماما، وهو أمر قد يجرّ إلى اختيار رفاق يتميّزون بانعزاليتهم وجمودهم المذهبي تحت غطاء من الجملة الثورية وذلك على حساب آخرين يملكون مؤهلات سياسية وعملية فعلية، مسؤولين ومبدعين، وأحيانا قادة جماهيريين يُحضون بحبّ خاصّ.
فإذا كانت هناك مشكلة حزبية تستوجب كامل اليقظة، فهي مسألة انتقاء الكوادر. ولهذا السبب يتحتّم دائما إيلاء ترقية الكوادر المختبرين، وبصورة مميّزة البروليتاريين منهم، اهتماما خاصّا حتّى ولو لم ينجح هؤلاء النجاح الكلّي في أداء مهامّهم الأولى، حتى ولو لم يتملكوا بعد المعارف النظرية اللازمة ولا التجربة الكافية في مجال العمل القيادي، ذلك أنّ قيمتهم الفعلية تكمن في كونهم يحملون في صلبهم صلابة الثوريين البروليتاريين الحقيقيين وأحاسيسهم وعقليتهم وتواضعهم وروحهم الرفاقية. يقول ستالين إنّ في حياة الحزب البلشفي غالبا ما وجدت حالات يكون فيها على رأس منظمات حزبية هامّة عمّال منقوصو الإعداد النظري والسياسي ولكنهم يبرزون كقادة مقتدرين ويمتازون على كثير من المثقّفين المفتقرين إلى الحسّ الثوري الضروري. ويضيف "من الممكن في البداية ألاّ تسير الأمور على أحسن ما يرام مع القادة الجدد ولكن ذلك ليس بالأمر القاتل، فيكفي أن تعترضهم عقبة أو عقبتان لكي يصلحوا أخطاءهم ويتحمّلوا قيادة الحركة الثورية. إنّ القادة لا ينزلون من السماء جاهزين ، إنّهم يُصهرون في سيرورة النضال."
يقينا أنّ هناك دائما فوارق في المنبت والتكوين والمعارف والتجارب والطّباع ما بين الكوادر، ولكن لا مناص من أن توجد صفات مشتركة تميّزهم كثوريين بروليتاريين، وهذه الصفات المشتركة ينبغي أن تكون قبل كل شيء الصلابة الإيديولوجية والمقدرة السياسية والمؤهلات العملية وخاصّة الروح الحزبية، الروح الحزبية دائما في المقام الأوّل، التي يعبّر عنها موقف طبقي فعّال وفي خدمة أوسع الجماهير وتخليصها من التأثيرات البورجوازية، وتوضيح التحالفات الطبقية في النضال من أجل افتكاك السلطة السياسية، والكفاح المستميت ضدّ التحريفية وكلّ أرهاط الانتهازية. ولهذا بالذات يقول لينين: "علينا أن نعمل بكلّ ما أوتينا من قوّة وأن نكون شديدي اليقظة حتى لا تقتصر الروح الحزبية على الكلام وإنّما تتعدّاه إلى الفعل." إنّ القيمة الفعلية للكوادر تثبت عندئذ بهدي تحلّيهم بالروح الحزبية عبر سلوك ثوري متماسك تُترجم عنه أعمال مشرّفة، دائمة الانسجام مع المصالح العليا للنضال في سبيل النصر للثورة والاشتراكية، للمُثل الجميلة والنبيلة للشيوعية.
ديسمبر 1977

البراغي (البولونات) الصغيرة الضرورية لماكينة الحزب

إنّ الحديث عن الرفاق الذين يقومون بمهمّات خصوصية في الحزب قليل، ويفسّر ذلك بالسرية الصارمة التي تحيط بنشاطهم الثوري، غير أنّ هؤلاء الرفاق يستحقّون كل الامتنان والتقدير من مجموع الحزب وخاصّة من القيادة. فهم يمثّلون قاعدة الارتكاز الضرورية لعمل الحزب التي بدونها يستحيل ضمان استمرارية النشاط الثوري اليومي.
خلال حفل في الكرملين وبعد انتصار السوفييت على ألمانيا النازية، ألقى الرفيق ستالين خطابا قصيرا ومفاجئا، كانت تحية أكثر منه خطابا، لم يكن يقصد قول أشياء خارقة للعادة ولا عبارات صعبة، بالعكس فإنّ ما قاله كان بسيطا ومألوفا ولكنه مليء بالعرفان الشيوعي والحرارة الثورية. كان يريد أن يرفع كأسا على نخب الذين لا يحملون أوسمة ولا يوجدون في مواقع قيادية، كان يريد إهداء تحية للرفاق المتواضعين الذين سمّاهم "البولونات" أو البراغي الصغيرة لآلة الحزب البلشفي الشاسعة والحكومة السوفييتية. قال ستالين: "هذه البراغي الصغيرة التي بدونها ما كنّا نساوي شيئا نحن القادة والماريشالات، ذلك أنّه لو افتقدنا واحدا منها لخسرنا كل شيء، أريد أن أشرب على صحّة هؤلاء الأشخاص البسطاء والمتواضعين الذين هم بمثابة البراغي الضامنة لسير آلتنا الكبيرة الاشتراكية في كل الميادين: علوم، اقتصاد، حزب... إنّهم آلاف وآلاف يكوّنون فيلقا لم يُكتب عنه إلا القليل ولكنه قاعدة ارتكازنا، إنّي أشرب على صحّة هؤلاء الأشخاص المتواضعين، الرفاق الذين يستحقّون تقديرا خاصّا".
إنّ هذا الثناء الذي عبّر عنه ستالين سنة 1945 على ملايين الرفاق دون أن يذكر اسما واحدا لا يمكن اعتباره ظرفيا وعابرا. كلاّ فهو ثناء بليغ الدلالة ومجعول لكي يبقى على مرّ الزمن، إنّها لعبارات غنيّة بمعانيها الماركسية اللينينية إذ تعبّر عن الحيوية الكبيرة لبلشفي قديم ومحنّك، فهي تختزل تعاليم ثمينة بروليتارية ثورية ذات مغزى إيديولوجي عميق من المناسب أن نتذكّرها دوما وأن نؤكّد على أهميتها التي لا تقدّر، وهذا مثال لينين للاعتراف بالقيمة الفائقة للنشاط البنّاء والضروري والذي لا مجال للاستغناء عنه للمناضلين المتواضعين.
إنّ تاريخ النضالات المستمرّة للحزب الشيوعي للبرازيل حافل بأمثال هؤلاء الرفاق المتواضعين والشيوعيين المناضلين والأبطال المغمورين. هؤلاء الرفاق هم الذين يربطون بين المناضلين، يترقّبون أوقات المواعيد، إنّهم المسؤولون عن أجهزة الحزب، هم الذين ينقّبون بحثا، هم المترجمون هم الراقنون، والمشتغلون بآلات الطبع، هم الذين يقومون بالمستحيل كي تصدر جريدة (الطبقة العاملة) بانتظام وتصل إلى حيث يجب أن تصل، هؤلاء الرفاق هم المناضلون المحترفون الأسخياء، وأصدقاء الحزب الذين يقدّمون خدماتهم للرفاق في الأوقات الصعبة، وينقذوهم من الموت في بعض الأحيان، إنّهم نقاط ارتكازنا، أولائك الذين يمكّنوننا من منازلهم وسياراتهم لتادية حاجيات الحزب المتعدّدة، إنّهم مراسلونا ومبعوثونا ورفاقنا المكلّفون بفتح جبهات لعمل الحزب، بحيث يكادون يلاقون دائما مصاعب جمّة ويتحمّلون جسيم التضحيات. وليس هؤلاء فقط بل أيضا رفاق آخرون كثيرون وكثيرون غيرهم، رجالا ونساء، شيوخا وشبابا، مرتبطون بألف مهمّة خاصّة يتطلبها النشاط الثوري متعدّد الأشكال للحزب. إنّنا لنتساءل: إن لم نعوّل على تفاني هؤلاء الرفاق وإخلاصهم، فكيف يمكن للقيادة المركزية وغيرها من القيادات الوسطى العمل في كنف السرية وفي بلد شاسع مثل البرازيل؟ ماذا يحدث للرفاق الذين قدموا من المدن أو من مناطق أخرى في البرازيل واستقرّوا بالأرياف التي لم يطؤوها من قبل وليس لهم أيّ فكرة عن أسرار الغابة الأمازونية مع الحطّابين أو الصيادين والفلاحين الذين يرافقونهم في مسيرتهم الطويلة ويسكنونهم أكواخهم البسيطة؟ كيف يمكن للقادة العسكريين لحرب العصابات بالأرياف التحرّك بنجاعة إن لم يستعينوا بهؤلاء الناس الذين يسكنون الغابة الأمازونية والذين علّموهم كيف يعيشون وسط صعوبات الغابة، وكيف يحصلون على القوت والمسكن وكيف يسيرون فيها دون حسّ؟ كيف يمكن لحزبنا الانغراس في المعامل وفي الريف وفي المدارس، في كل جبهات النضال الطبقي والقيام بنشاطه الثوري وهو يحيى في كنف السرية الصارمة من دون عمل هؤلاء الرفاق المتواضعين المتقن والمخلص والصبور، هؤلاء الذين يفتحون الطريق ويمهّدون الثنايا ويزرعون بذارنا الثوري وسط الجماهير؟ فلولا هؤلاء الرفاق لا يُتاح لأيّ قيادة حزبية أن تعمل بصورة عادية أو أن تكون ناجعة، وقد كان ستالين على حقّ حين قال إنّه من دونهم لا قيمة للقادة الذين يصبح من الصعب عليهم مواصلة النشاط اليومي للحزب وضمان استمرارية النضال الثوري. إنّنا نعرف أسماء البعض في حين لا نعرف غير الأسماء الحركية بالنسبة للبعض الآخر، أمّا الآخرون فيصعب التعرّف عليهم. لقد غادر الكثير من هؤلاء عائلاتهم ومن يّحبّون وكان عليهم أن يغيّروا عاداتهم للانخراط في العمل الصّامت وخفيّ الاسم للنضال الحزبي السرّي، وأمام الحياة الحزبية المثالية لجميعهم، يكون من واجبنا أن نثني عليهم بكلّ حبّ وإكبار. ولم يضحّ هؤلاء ببضعة أشهر بل بحياتهم كاملة، ولم ينحرفوا البتّة عن الطريق البروليتارية الثورية، بل وهبوا أنفسهم من أجل أداء مهامّهم بكل التفاني والشغف، والباعث على التأثّر والمثير للإعجاب حقّا. إنّك تراهم يباشرون النشاطات المليئة بالصعاب والمخاطر، يناضلون غير آبهين بحياتهم، ولم يكن لهذه أن يتخلّلها شيء من الترفيه أو الراحة نظرا لما تفرضه السرية الصّارمة من انضباط، ولا هي تعرف حسابا لمصلحة خاصّة أو طمعا أنانيا في ترقيات وألقاب وتشريفات. ولم يُتح لهؤلاء غير التمتّع بفرحة هادئة ، فرحة الشيوعي الحقيقي بالواجب المُنجز وغير المعلن، إذ الكثير منهم لا يشاركون في غير نقاشات سريعة ومتفرّقة ولا يظهرون حتّى في الاجتماعات الحزبية المضيّقة لأنّهم غالبا ما يكونوا مربوطين بواحد أو اثنين من الرفاق. لقد طُلب منهم الكثير باسم الانضباط الشيوعي، وقدّموا كل شيء للحزب من كلّ قلوبهم، وهم واثقون ومستعدّون في كل مرّة لتحمّل مهامّ أصعب في كنف العظمة الصامتة والسرية والثورية.
فعبر أحلك الفترات التي عرفها الحزب، كان الرفاق الذين يتحمّلون مهامّ خصوصية على غاية من اللزوم ولبّوا نداءات قياداتهم بسخاء شيوعي حقّ، لم يكن ذلك في مهمّات العمل السرّي فحسب بل أيضا في الصدامات العنيفة مع أجهزة القمع العسكرية والبوليسية حيث كان هؤلاء الرفاق دوما يقفون في الخطوط الأمامية للمعركة. لقد ساهم العديد منهم ماضيا في الإعداد للانتفاضة المسلّحة سنة 1935 وفي معارك الانتفاضة الشعبية لشهر نوفمبر، ومنذ مدّة أقرب، ساعدوا على إعداد المقاومة المسلّحة في الارقييا واشتغلوا مع الجماهير الفلاحية وناضلوا ببطولة ضمن قوى حرب العصابات. بالأمس كانوا واليوم هم مناضلون مقدامون في الإضرابات والمظاهرات أو في مواجهة العدو الطبقي داخل سجون الدكتاتورية، وكذلك هم في نضالهم المتفاني في المعامل والريف، بالأحياء والمدارس، وحيثما كانوا فقد عرفوا كيف يلازمون مواقعهم النضالية ويتصرّفون كشيوعيين حقيقيين. لقد مثّلوا السند الكبير لتطوير النشاط الثوري للحزب، بما في ذلك تضحيتهم بالنفس ببسالة مثالية ورفعة موجبة للعبرة. وإنّ أمثال هؤلاء الرفاق من مناضلي الحزب الذين تميّزوا داخل السجون وقاعات التعذيب لعديدون، ودون أن ينطقوا بكلمة أمام البوليس، فقد أصيب العديد لبقية حياتهم أو قُتلوا فماتوا ميتة بطولية، مبرزين من خلال إقدامهم وتضحيتهم كيف أنّه يمكن الحفاظ دائما على راية الحزب الحمراء عالية خفّاقة.
ومن دون معرفة أسمائهم، فإنّ الحزب الشيوعي للبرازيل ليعترف دائما بعظمة هؤلاء الرفاق الذين استطاعوا من خلال مُثلهم إثبات ما تعنيه القوّة المعنوية الكبيرة لقناعتهم الثورية العميقة وعظمة الانتماء إلى الشيوعية. هؤلاء الرجال والنساء الذين جسّدوا خلال حياتهم الوعي والمشاعر الحزبية هم بمثابة حلقات فولاذية بدونهم ما كان لتيّار الحزب أن يتواصل ويصلّب، إنّهم جنود الخفاء، وسيبقون في تاريخ حزبنا مصدر إلهام ومثالا يُحتذى به. يقول لينين، إنّه بدون حزم وتفاني وبسالة هؤلاء الأبطال المجهولين تستحيل الثورة الاشتراكية، وبدونهم لا تستطيع الجماهير تحقيق تحرّرها الكامل من كل أشكال الاستغلال والاضطهاد.
وحتى نبقى أوفياء لهؤلاء الرفاق الذين اضطلعوا ويضطلعون بمهمّات خاصّة، لهؤلاء الرجال والنساء البسطاء المتواضعين من مناضلي حزبنا، فمن العدل والسداد التأكيد على أنّ تلك المهامّ التي قد تبدو صغيرة، هي ليست ضرورية فحسب بل أيضا حيوية إطلاقا، لأنّهم بمثابة القطرات الصغيرة التي تكوّن سيل نضال الشعب الكادح الذي لا غنى فيه عن أيّ قطرة، فمهمّات هؤلاء الرفاق ذات قيمة ثورية كبيرة، القيمة العظمى التي يكتسيها العمل الشيوعي الحقيقي. إنّ شأن مهمّة ما وعظمتها لا يحدّدان بأهمّيتها الظاهرية، فكم مهمّة صغيرة مُعادة تكون حاسمة، وتتجمّع كافّة أعمال الحزب المختلفة والمتنوّعة في كيان واحد ألا وهو الحزب الذي هو نحن جميعا مجموعين، مناضلين وكوادر وسطى وقيادات عليا جنبا إلى جنب، مسؤولين عن مسير الحزب وعن كلّ خطوة مصمّمة يخطوها على الطريق المؤدية إلى انتصار القضية الثورية للطبقة العاملة. إنّ لهذا الفهم اللينيني قوّة الوحدة الحزبية الحديدية، غير القابلة للخلط التي ستقودنا حتما نحو انتصارات جديدة في مسيرتنا الطويلة ذات المعنى والأبعاد التاريخية.
إنّ تواصل حزبنا مردّه ليس انسجامه الماركسي اللينيني وصحّة خطّه الثوري والنمط الثوري البروليتاري لقادته فحسب، بل وكذلك العمل المُتفاني لمجموع الحزب. ففي آخر الأمر هو الذي يحوّل كلام القيادة وتوجيهاتها إلى واقع حي، تلك القيادة التي ينبغي أن تكون دوما التعبيرة الشرعية عن إرادة الحزب العليا طالما وقع احترام المبادئ والقواعد البروليتارية الثورية اللينينية للحزب. فإذا ما وضع المناضل نصب عينيه، في ممارسته اليومية، أنّه قطرة من نهر الثورة العظيم، ، بولونة ضرورية لآلة الحزب الكبيرة، بدونها لا يمكن أن تشتغل، وإذا ما أدرك كافّة القادة والمناضلين تمام الإدراك بأنّهم حيثما كانوا ومهما اختلفت مهامّهم في النضال، أجزاء ضرورية وثمينة من جيش الطليعة البروليتاري الماركسي اللينيني الذي سيبني مستقبل بلدنا، عندئذ سيتعاظم نضال حزبنا بدون حدود وسيسير قُدُما إلى الأمام وسيقود الطبقة العاملة والجماهير الكادحة بأكثر سرعة نحو انتصار الثورة الشعبية على طريق الاشتراكية فالشيوعية.
وباتّباع هذه المسلكية، يمكن لكلّ شيوعي أن يفكّر ويعمل ويحيا يوما بعد يوم كثوري بروليتاري متماسك ومصمّم ومخلص لقضية الحزب والطبقة العاملة، القضية التي لا بدّ أن تنتصر.
جانفي 1978
(انتهى)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس


.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم




.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟


.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة




.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا