الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا يحدث بالضبط للتحالف الوطني هذه الأيام ؟

حسين كركوش

2016 / 4 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


1

أصبح واضحا أن الولايات المتحدة بدأت تتراجع عن سياسية النأي بالنفس فيما يخص العراق التي بدأها الرئيس اوباما منذ ولايته الأولى ، و رأيه القائل (دعوا العراقيين يحلون مشاكلهم بأنفسهم).
التحول الجديد شجعت عليه مراوحة الأوضاع العراقية في مكانها وعدم تقدمها ، أن لم يكن تراجعها طوال السنوات الثمان الماضية ، وظهور داعش على مسرح الأحداث ، ومن ثم احتلالها لمحافظات بأكملها واقترابها من العاصمة ، وهذه أمور تلحق اضرارا بالنفوذ وبالمصالح الأميركية.

ويبدو أن الولايات المتحدة عادت (وهل خرجت من العراق أصلا ؟ ) و معها خارطة طريق أكثر وضوحا.
سياسيا وعلى المدى البعيد الاستراتيجي ، لخص وزير الخارجية جون كيري خارطة الطريق الأميركية ، كما يلي : إن الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة حاليا (للشعب العراقي هو جزء من التزامنا الأوسع لمستقبل العراق كما هو موجود في الدستور العراقي ، عراق موحد ، تعددي ، فيدرالي وديمقراطي.)
تأكيد كيري على (وحدة) العراق أراد به ، على الأرجح ، أن يحسم الموقف الأميركي إزاء هذه المسألة ، وأن يسحب البساط من تحت أرجل بعض الساسة العراقيين الذين يستخدمون هذه القضية لأغراض حزبية سياسية خاصة بهم ، متى ما رأوا ضرورة لذلك.
وحتى يمنح كيري مصداقية لكلامه فأنه لم يذهب لعاصمة إقليم كردستان ، وإنما حكومة الإقليم هي التي جاءت إلى بغداد ، أي إلى المركز.

كل ما قاله كيري في كلمته يتطابق تماما مع ما تنشره هذه الأيام مراكز بحوث أميركية مهمة من مقالات وتقارير على الأرض العراقية لباحثين أميركيين من ذي الكلام المسموع لدى صناع القرار كان بعضهم قد زار العراق والتقى برئيس الوزراء الحالي وبمعظم رجال الطبقة السياسية على اختلاف توجهاتهم ومناطقهم.

وبالمعنى العام فأن خارطة الطريق الأميركية تعني ، وفقا للسياسة الأميركية ، أن يكون العام الحالي 1916 عام الحسم ، يتبعه استتباب وتقدم الأوضاع السياسية بعد القضاء على داعش ، وضبط التدخلات الإقليمية ، ودعم العراق اقتصاديا إزاء تراجع أسعار النفط ( قال كيري إن الرئيس اوباما سيطالب قادة دول الخليج عندما يلتقيهم ، بتمويل من بلدانهم لسد العجز المالي العراقي ) ، وتشجيع الإدارة اللامركزية من العاصمة باتجاه المحافظات ، ودعم التوجه نحو إشراك التكنوقراط في الحكم ، و عدم تركيز كل السلطات بيد رئيس مجلس الوزراء ، وضرورة مشاركة كل القوى السياسية في اتخاذ القرارت المركزية سواء كان رئيس الوزراء العبادي أو غيره.
وإذا كانت هذه ( آليات) تخص (إدارة) الدولة ، وقد تتغير وفق الظروف ، فأن هناك مسألة استراتيجية ثابتة تخص طبيعية النظام السياسي ، وهي رفض (إسلاموية) النظام أو (المشروع الإسلامي) ، كما أسماه المالكي ، والإصرار على ديمقراطية النظام. وهذه مسألة مركزية بالنسبة للولايات المتحدة ، كما يظهر.
وربما يكون من المفيد التذكير هنا بأن الولايات المتحدة تساهلت في بنود كثيرة عندما كانت تتفاوض مع الحكومة العراقية للتوقيع على اتفاقية الإطار الاستراتيجي ( SFA) الموقعة بين العراق وأميركا ، ما خلا البند حول الديمقراطية الذي أصرت على تثبيته في المادة 2 في القسم الثالث من المعاهدة.

أما في الوقت الحالي فأن الولايات المتحدة تلقي بثقلها وراء رئيس الوزراء الحالي ، حيدر العبادي ، وترى فيه قدرة على إدارة الأمور بطريقة سلسلة ذكية وبارعة ، ورغبة في إدارة الخلافات مع الآخرين بطريقة منفتحة وبناءة ، على خلاف رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ، كما ورد في تقرير نشره معهد بروكينغز الأميركي.
وإذا كانت هناك شخصية سياسية عراقية أطرى عليها وزير الخارجية الأميركية إلى حد التعظيم والتبجيل ونقل لها دعم وإعجاب الرئيس الأميركي ونائبه ودعمه الشخصي ، فهو رئيس الوزراء ، حيدر العبادي. بل أن تصريحات وزير الخارجية الأميركي بدت وكأنه جاء للعراق خصيصا ليقول : إن العبادي الآن رجل المرحلة وعليكم طاعته.

هل وصلت الرسالة الأميركية لمن تهمهم الأمور في العراق ؟
يبدو أنها وصلت.
ولأن التحالف الوطني هو الذي يقود السلطة التنفيذية وله أكبر كتلة برلمانية حاليا ، فأنه أكثر المعنيين. ولعل ما يحدث داخل التحالف يؤشر لذلك.

2

لا أظن أن حال التوتر والقلق التي ظهر بها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي في الأيام الأخيرة كانت بمعزل عن ما قلناه توا. فالذي نعرفه عن المالكي أنه رئيس أكبر كتلة برلمانية وكان لحد قريب يعتبر الرجل الحديدي و أكثر العراقيين قوة و تفاؤلا. لكن خطابه الأخير خلا من أي عناصر القوة ، و كان أشبه بصيحات إنسان يوشك على الغرق. إنها صيحات خوف واستغاثة.

المالكي تحدث عن (حكومة التكنوقراط) باعتبارها مؤامرة يريد لها أصحابها ( ضرب المشروع الإسلامي وضرب الإسلاميين) عن طريق إطلاق ( سيل هائل من الاتهامات الباطلة) التي (تستهدف الإسلام و وضعه على الرف.)
ولم ينس المالكي أن يقحم إقحاما الأنبياء والائمة والمرجعية ، عندما قال: ( إن مشروع خلفه محمد وعلي والحسين والمرجعية لن يموت.)
مَن هذه الجهات التي تريد (ضرب المشروع الإسلامي) ؟ و مَن تحدث عن حكومة التكنوقراط ؟
باستثناء حيدر العبادي والتيار الصدري لم يتحدث أحد عنها ، لا داخل التحالف الوطني ولا في خارجه. فهل أن حيدر العبادي ومقتدى الصدر هما من يريدان ( استهداف الإسلام و وضعه على الرف) ؟ لا أظن أن عراقيا واحدا سيجيب بنعم.
إذن ، أن الولايات المتحدة هي التي يعنيها المالكي.
ربما لهذا السبب لم يهدد المالكي في خطابه الاخير بفتح ابواب جهنم كما فعل سابقا. ولم يتوعد بسفك الدم ( سلاح مقابل سلاح ورجال مقابل رجال) كما توعد الصدريين.
المالكي اعتمد هذه المرة على المداهنة والتمسكن وإثارة العواطف وتهييج المشاعر الطائفية بأسلوب طغى عليه الخوف و التراجع وليس الهجوم الشرس كما في السابق.
لماذا ؟ لأنها مسألة أنداد. لأن المالكي يعرف ان خصمه هذه المرة ليس طرفا محليا ، كالمجلس أو التيار أو اتحاد القوى. المالكي يعرف ان خصمه الآن هو من وضعه على كرسي الرئاسة لولايتين. ومَن يكون بمقدوره أن يضعكَ على كرسي الرئاسة ، بمقدوره أن يضع كرسي الرئاسة على رأسكَ.

3

أما رئيس المجلس الأعلى السيد عمار الحكيم فقال ، وكأنه يكتشف الأمور لأول مرة ( إننا جميعا مشاريع ناقصة ولا نكتمل ألا بالعراق الذي يجمعنا)، مؤكدا على أن الأزمة (ليست أزمة حكومة وإنما أزمة هوية).
هل كان عمار الحكيم بحاجة لكل هذه السنوات حتى يكتشف هذه الحقيقة !
السيد عمار الحكيم تناسى أن مَن روج ودافع بحماس عن المشاريع الناقصة (الأقاليم) هو المجلس الأعلى الذي يقوده الآن ، وخصوصا عندما كان والده السيد عبد العزيز الحكيم رئيسا للمجلس و للتحالف الوطني. فما من جهة سياسية أو سياسي عراقي تحدثا بحماس عن إقليم وسط و جنوب بغداد كما تحدث المجلس الأعلى وقائده وقتذاك عبد العزيز الحكيم.
كثيرة هي الخطب التي قالها السيد عبد العزيز حول ضرورة إنشاء إقليم جنوب بغداد. فقط نذكر بما قاله في حزيران 2006 بأن (إقليم جنوب ووسط العراق عامل توازن وإصلاح العراق) ، و (عدم وجود إقليم للوسط والجنوب سيؤدي إلى اختلال التوازن.)
وسار عمار الحكيم على خطوات والده. فقد أعلن في اكتوبر 2007 عن ضرورة إنشاء إقليم جنوب و وسط العراق لأنه (في مصلحة الشعب العراقي).
وبالتالي فأن (أزمة الهوية) التي يقول الآن عمار الحكيم أنها أُس المشكلة ، لا وجود لها في ذهن المواطن العراقي.
(أزمة الهوية) افتعلتها أحزاب الإسلام السياسي الحاكم ، وهي تخصها وحدها ، لأن هذه الأحزاب لا تعرف ما تريد ، وليست قادرة حتى على تعريف نفسها.
وبدلا من حل أزمتها الداخلية هي ، فأن هذه الأحزاب ظلت تسير على طريق خلق أزمات متعددة للتغطية على انسداد الأفق عندها ، وقد عاشت وكبرت بفضل وجود الأزمات.
وها هي الآن تريد أن تحول تعديلا وزاريا بسيطا إلى أزمة جديدة تغطي بها على أزماتها الداخلية ، انتظارا لمعجزة. لكن المعجزة هذه المرة لن تحدث أبدا.
تدوير الأزمات وتأجيل حلها وترحيلها أو حتى خلقها لن ينفع بعد الآن. وبيع الخطابات البلاغية التي تخلو من أي إنجازات على الأرض أصبح بضاعة كاسدة. والاعتماد على عواطف الناس ودغدغة مشاعرهم الطائفية ما عادت تدر ربحا.
نعم ، ربما كانت هذه التجارة تدر ربحا كبيرا قبل سنوات ، عندما كانت المشاعر الطائفية في أوجها والوعود تكال بدون حساب ، وعندما كان سعر برميل النفط أكثر من مائة دولار. أما الآن و قد طالت استقطاعات الرواتب حتى صغار المتقاعدين فقد تحولت هذه البضاعة إلى سلاح يشهره المواطن ، جّسده الهتاف المدوي : (باسم الدين باكونا الحرامية).
انتهت الآن حتى مرحلة اللعب بالوقت الضائع ، وحلت مرحلة مواجهة الحقائق كما هي على الأرض العراقية.
وكما قال رئيس مجلس النواب سليم الجبوري في مقابلة مع قناة العربية : إن الأمور لن تعود للوراء. و على الأرجح أن هذا الكلام ليس من عنديات الجبوري إنما سمعه من الأميركيين. الأميركيون يريدون لعام 2016 أن يكون عام الحسم ، بعد أن تعبوا من (دَلال) ومن (غَنج) ومن (صبيانية) الساسة العراقيين الذين أجلسوهم على الكراسي.
ومن هنا الارتباك ، و صيحات الرعب عند البعض ، والدعوة إلى الحكمة والعقلانية ، عند البعض الأخر.

إن ما يثير هذا الارتباك و الفزع ليس حكومة التكنوقراط ، وهي على أي حال تعديل وزاري بسيط ، إنما هو أبعد من ذلك بكثير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي