الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعنالوجيا

حسن عجمي

2016 / 4 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع




لقد تحوّلت المعنالوجيا من علم إلى آلية سيكولوجية تخدع العقل و تغتاله. فالمعنالوجيا هي علم المعنى الذي يسعى إلى تحديد معاني المفاهيم و دلالاتها. لكنها باتت آلية فكرية تصر على أن لكل مفهوم لغوي معنى و دلالة ما أدى بالعقل البشري إلى أن يقع في خديعة معرفية كبرى.

تعتمد المعنالوجيا عادة ً على مسلّمة أساسية مفادها أن كل مفهوم لغوي يملك معنى و دلالة. و على ضوء ذلك تهدف المعنالوجيا إلى اكتشاف المعنى الحقيقي و الدلالة الحقيقية لكل كلمة يتم استعمالها اليوم أو تم استخدامها في الماضي. المسلّمة الأساسية للمعنالوجيا لديها حسنتها المعرفية لكونها دفعت نحو البحث عن معاني و دلالات المفاهيم ما أدى إلى ازدهار الفلسفة و العلوم المختلفة التي تحلِّل المفاهيم كتحليل العقل و الحياة و المادة و الطاقة. لكن هذه الفضيلة المعرفية للمسلّمة السابقة أمست رذيلة معرفية أيضاً. فرغم أنها دفعت العلماء و الفلاسفة نحو البحث في معاني و دلالات المصطلحات و المفاهيم فأنتجوا نظريات جديدة في العلوم و الفلسفة , تلك المسلّمة ذاتها جعلت المعنالوجيا آلية عقلية مخادعة لأنها أصرت على أن لكل مفهوم و مصطلح لغوي دلالة و معنى , و بذلك أنتجت إشكاليات فلسفية و علمية ما كانت لتنشأ لو لا التسليم المُسبَق بأن لكل مفهوم معنى و دلالة.

تحوّل المعنالوجيا إلى آلية فكرية تفرض على العقل فكرة أن لكل مصطلح لغوي معنى و دلالة جعلنا نميّز بين العديد من المفاهيم التي من المفترض عدم التمييز بينها ما سَبَّب تخبط العقل في مشاكل فلسفية و علمية لا حل لها. فمثلا ً , المعنالوجيا كآلية عقلية أدت بنا إلى الاعتقاد بأن مفهوم العقل يملك معنى و دلالة مختلفيْن عن معنى و دلالة مفهوم الجسد. و حدث ذلك من جراء اعتبار المعنالوجيا أن لكل مصطلح لغوي معنى يُميِّزه عن معاني المفاهيم الأخرى. فبمجرد أن نعتقد بأن مفهوم العقل يمتلك معنى مختلفاً عن معنى مفهوم الجسد تنشأ إشكالية فلسفية كبرى لا حل لها ألا و هي كيف من الممكن للعقل و الجسد أن يتفاعلا و يؤثرا في بعضهما البعض رغم اختلافهما الجذري المترتب عن اختلاف معناهما. فبما أن العقل يختلف عن الجسد من جراء اختلاف معنى مفهوم العقل عن معنى مفهوم الجسد , إذن من المستحيل أن يتفاعلا و يؤثرا في بعضهما. لكننا نعلم أنهما يتفاعلان و يؤثران في بعضهما البعض. هكذا المعنالوجيا كآلية مهيمنة على العقل البشري أوقعتنا في مشكلة فكرية من غير الممكن حلها. و لم يحدث ذلك سوى من جراء اعتبار المعنالوجيا أن لكل مفهوم أو مصطلح معنى يُميِّزه.




من المنطلق نفسه , المعنالوجيا القائلة بأن لكل مصطلح لغوي معنى يميّزه سَبَّبت مشكلة فلسفية و علمية أخرى لا حل لها في حال التمسك بصدق مسلّمة المعنالوجيا. بما أن اللغة البشرية تحتوي على مفهوم الحي و على مفهوم المادة غير الحية , و علماً بأن مسلّمة المعنالوجيا تؤكد على أن لكل مفهوم معنى يميّزه , إذن مفهوم الحي يختلف في معناه عن مفهوم المادة غير الحية. و لذا تختلف الحياة كلياً عن المادة غير الحية. و بذلك تولد المشكلة الفلسفية و العلمية التالية : كيف من الممكن للحياة أن تنشأ من المادة غير الحية رغم اختلافهما الجذري؟ هنا تستحيل ولادة الحياة من المادة غير الحية لأن الحياة مختلفة تماماً عن المواد غير الحية بفضل اختلاف معناهما. هكذا أوقعتنا المعنالوجيا في مشكلة فكرية لا حل لها , و فعلت ذلك من خلال اعتبار أن لكل مصطلح لغوي معنى مختلفاً عن معاني المصطلحات الأخرى. فلو أن المعنالوجيا لا تصر على أن لكل مفهوم معنى يميّزه ما كنا حينها ميّزنا معنى مفهوم الحي عن معنى مفهوم المادة غير الحية , و بذلك ما كنا لنقع في الإشكال الفكري السابق.

تتعدد المشاكل الفلسفية و العلمية التي أسست لها المعنالوجيا كآلية خداع عقلي منها المشكلة الإضافة التالية : بما أن , بالنسبة إلى المعنالوجيا , كل مفهوم لديه معنى يميّزه , إذن مفهوم الوجود يمتلك معنى مختلفاً عن معنى مفهوم العدم. و لذا للوجود ماهية مختلفة تماماً عن ماهية العدم. و بذلك يستحيل نشوء الوجود أي الكون من العدم. لكننا نعلم علمياً بأن الوجود نشأ من العدم. من هنا , أدت بنا المعنالوجيا إلى مشكلة فلسفية و علمية لا حل لها في حال تمسكنا بمقولة المعنالوجيا ألا و هي أن كل مفهوم يملك معنى يميّزه. كما أن المعنالوجيا كآلية عقلية كاذبة أدت إلى مشكلة فكرية أخرى هي التالية : بما أن , من منظور المعنالوجيا , كل مصطلح لغوي يملك معنى خاصاً به , و بما أن لغتنا البشرية تحتوي على مصطلح العقل الذي يعرف و يعلم و مصطلح الواقع المادي خارج الإنسان , إذن مفهوم العقل يملك معنى مختلفاً كلياً عن معنى مفهوم الواقع المادي خارج الإنسان. و بذلك العقل يختلف جذرياً عن الواقع و لذا يستحيل على العقل و الواقع أن يتفاعلا ما يؤدي إلى استحالة الحصول على معرفة الواقع من قِبل العقل. هكذا المعنالوجيا سَبَّبت مشكلة كيف من الممكن للعقل و الواقع خارج الإنسان أن يتفاعلا فتحدث المعرفة. لكن لو لم نميّز بين العقل و الواقع المادي ما كنا لوقعنا في هذه المشكلة الفكرية أصلا ً. على هذا الأساس , المعنالوجيا كآلية عقائدية دمّرت العقل البشري من خلال إنتاجها مشاكل فكرية لا داع ٍ لها.








المعنالوجيا كآلية خداع عقلي أدت أيضاً إلى نشوء الفكر الخرافي الذي يؤمن مثلا ً بالجن و الشياطين. فبما أن , بالنسبة إلى المقولة الأساسية للمعنالوجيا , كل مصطلح لغوي لديه معنى و دلالة , و بما أن لغتنا تحتوي على مصطلحات غامضة كمصطلح الجن و مصطلح الشياطين, إذن لتلك المصطلحات معان ٍ رغم غموضها. و بذلك , من منظور المقولة الأساسية للمعنالوجيا , تدل تلك المصطلحات على كائنات حقيقية. من هنا , أصبح العقل البشري عقلا ً خرافياً يعتقد بوجود كائنات لا نراها كالجن و الشياطين و غير مفيدة علمياً و لا فلسفياً. و الحل الوحيد للمشاكل التي أسست لها المعنالوجيا كامن في التخلص كلياً من مُسلّمتها الأساسية ألا و هي الاعتقاد بأن لكل مفهوم معنى يميّزه فدلالة. و لكي نتحرر من أوهام المعنالوجيا كآلية عقلية مخادعة علينا الاعتماد على مبادىء معينة في التفكير كالمبدأ التالي : فقط المفاهيم المفيدة في التفسير العلمي و الفلسفي لديها معان ٍ و دلالات. من هنا مفاهيم الجن و العفاريت و الشياطين إلخ لا معان ٍ و لا دلالات لها لأنها غير مفيدة في التفسير العلمي و الفلسفي. لكن مفاهيم الوجود و الذرات و الإلكترون مثلا ً لها معان ٍ و دلالات لأنها مفيدة في التفاسير العلمية و الفلسفية. هكذا نتحرر من خداع المعنالوجيا رغم سعينا في البحث عن اكتشاف و اختراع معان ٍ و دلالات للمفاهيم فندرس المفاهيم المفيدة أو التي من الممكن أن تكون مفيدة علمياً و فلسفياً بدلا ً من دراسة ما لا فائدة فيه. كما نتحرر من وهم المعنالوجيا من خلال عدم التمييز بين معاني المفاهيم التي لا تحتاج إلى التمييز بينها كعدم التمييز بين معنى مفهوم العقل و معنى مفهوم الجسد. فحينئذ ٍ لا تولد مشكلة تفاعل العقل و الجسد أصلا ً.

يكتمل تحررنا بفضل التخلي عن العديد من مصطلحات لغاتنا البشرية. فاللغة البشرية أمست أداة قمع عقلي و مشاعري و سلوكي و تحوّلت إلى أداة اضطهاد و قتل و اقتتال. فلا بد من حذف مفاهيم كافر و كفر و مؤمن و إيمان و مواطن و أجنبي إلخ من لغاتنا لأن من خلال تلك المفاهيم صَنَّفنا البشر إلى أجناس متعارضة و مارسنا الإرهاب ضد بعضنا البعض. هكذا تكمن الحرية الحقة في تحررنا من لغاتنا المُسبَقة و مُسلّماتها التي دفعت بنا إلى رفض الآخر. على ضوء هذه الاعتبارات , لا بد من التركيز على خلق لغات جديدة خالية من مصطلحات الطائفية و المذهبية و العرقية و العنصرية بأنواعها كافة و خالية من التمييز بين المفاهيم التي من غير المفترض أو من غير الضروري التمييز بينها. فلا عقول جديدة من دون لغات جديدة. المعنالوجيا ( كعلم للمعنى ) تغدو غير مضرة حين نتخلى عن فكرة أن لكل مصطلح لغوي معنى و دلالة فنتحرر حينئذ ٍ من لغاتنا المُحدَّدة مُسبَقاً.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيول دبي.. هل يقف الاحتباس الحراري وراءها؟| المسائية


.. ماذا لو استهدفت إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية؟




.. إسرائيل- حماس: الدوحة تعيد تقييم وساطتها وتندد بإساءة واستغل


.. الاتحاد الأوروبي يعتزم توسيع العقوبات على إيران بما يشمل الم




.. حماس تعتزم إغلاق جناحها العسكري في حال أُقيمت دولة فلسطينية