الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البرازيل: المعارضة اليمينية تلجأ للبرلمان لتنحية ديلما روساف

مرتضى العبيدي

2016 / 4 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


قطعت المعارضة اليمينية في البرازيل شوطا جديدا في مخططها لتنحية الرئيسية ديلما روساف. فبعد الحملات الإعلامية التي لم تكفّ منذ صعودها إلى دفّة الرئاسة، وبعد التحريض عليها الذي اتخذ أشكالا متعددة مثل محاولة جرجرتها أمام القضاء بتهمة الفساد والتغطية عليه، وبعد إنزال مئات الآلاف من أنصارهم إلى الشوارع للمطالبة بتنحيتها، ها هم اليوم يلجؤون إلى البرلمان الذي يخوّل له الدستور في حالات معيّنة حجب الثقة على رئيس الدولة.
ففي الحادي عشر من الشهر الجاري، صوّتت اللجنة البرلمانية الخاصة المشكّلة للغرض بأغلبية أعضائها على إحالة "طلب تنحية ديلما روساف" إلى الجلسة العامّة للبت فيه. إذ صوّت لفائدة القرار 38 نائبا بينما عارضه 27 من جملة النواب الـ 65 المشكلين للجنة. ويعتبر ذلك نصرا أوليا للمعارضة، يتم بمقتضاه رفع الأمر للبت في الجلسة العامة. وعلى المعارضة في هذه الحال كسب ثلثي أصوات النواب أي 324 صوتا من جملة 513. ويؤكد الملاحظون أنّه إلى حد الساعة ليس لدى المعارضة إلا قرابة 290 صوتا مؤكّدا مقابل 120 صوتا لصالح ديلما، ويبقى قرابة الـ 100 نائبا غير مضمونين لا لهذا الشق أو ذاك، وهم اليوم مدار الصراع والمغازلة من قبل أولئك وهؤلاء.
وقد خاض زعيم حزب العمل البرازيلي "لولا" جولات كبيرة من النقاشات مع النوّاب فرادى وأحزابا لإقناعهم بالتصويت ضدّ هذا الإجراء الذي يعتبره جائرا ومُناف للديمقراطية بل هو بمثابة الانقلاب الذي يحصل في البلاد لأول مرّة منذ نهاية الحكم الديكتاتوري للجنرالات. ولم يكتف "لولا" بالنقاشات والتعهدات وعقد الصفقات، بل جاب البلاد طولا وعرضا لحشد أنصاره للحيلولة ضدّ ما يحصل وقد جمعت آخر المظاهرات التي قادها في "ريو دي جينيرو" ما لا يقل عن 700 ألف مشارك. إلا أن تصويت البرلمان يوم 18 أفريل الجاري جاء مؤكدا لما ذهبت إليه اللجنة البرلمانية المذكورة، فقطعت المعارضة اليمينية خطوة إضافية على طريق تنحية رئيسة البلاد، إذ صوّت لفائدة القرار 367 نائبا مقابل 137 فقط صوّتوا ضدّه بينما احتفظ سبعة نواب بأصواتهم ولم يشارك اثنان في التصويت قط. وهو ما يخوّل لها بإحالة الملف على مجلس الشيوخ الذي بإمكانه بالأغلبية البسيطة تنحية الرئيسة مؤقتا لمدة 180 يوما قبل البت النهائي الذي يفترض فيه الحصول على ثلثي أصوات هذا المجلس كذلك. وهكذا فالمعركة الدستورية لا تشكل إلا إحدى مظاهر الصراع بين قوى اليمين الليبيرالي ممثلة التروستات الكبرى والمصالح الامبريالية في البلاد من جهة وأحزاب الاشتراكية الديمقراطية وعلى رأسها حزب العمل التي قادتها الانتخابات إلى سدّة الحكم منذ سنة 2003 من جهة أخرى.
وقد استفادت المعارضة اليمينية من خدمات الآلة الإعلامية الرهيبة لمجموعة "الغلوبو" (العالم) الإعلامية التي تملك أهم وسائل الإعلام في البرازيل من جرائد ومحطات إذاعية وتلفزية ووسائل اتصال الكتروني والتي يصل بها الأمر في ما تبثه إلى نشر الحقد والكراهية والتحريض ضد كل ما هو يساري، واستفادت كذلك من انحياز جانب كبير من الجهاز القضائي لليمين ومكوّناته، لكنها لم تقدم على هذه الخطوة الأخيرة إلا بعد أن وجهت ضربة قاصمة للتحالف الحاكم بإقناعها أحد أطرافه وهو "حزب الحركة الديمقراطية بالبرازيل" بالانسحاب من التحالف، وهو ما أقدم عليه في نهاية شهر مارس بإعلانه استقالة وزرائه من الحكومة ونوّابه من الأغلبية البرلمانية.
وحزب الحركة الديمقراطية بالبرازيل هو حزب من وسط اليمين لم يغب على أيّ تحالف حاكم، يمينيا كان أو يساريا، منذ انتهاء حكم الجنرالات وعودة الديمقراطية إلى البلاد. فقد احترف بيع أصواته ونوّابه للحزب الذي يدفع أكثر. وفي الانتخابات الأخيرة ونظرا لفوز ديلما روساف بفارق ضئيل على منافسها اليميني، فإن حاجة حزب العمل لتشكيل ائتلاف واسع للحكم مقابل عتاة أقصى اليمين، جعله يقبل بشروط هذا الحزب ويبوّئه مكانة تتجاوز حجمه الحقيقي. من ذلك أن أحد قادته "ميشال تيمير" هو الذي يشغل اليوم خطة نائب رئيس الجمهورية وهو الذي ستؤول إليه الرئاسة دستوريا لبقية الفترة الرئاسية أي إلى سنة 2018 في صورة إزاحة الرئيسة ديلما.
لكن المعركة الحقيقية تدور رحاها في مواقع أخرى، ومن بينها الشوارع، من ذلك أن البوليس شرع في إقامة جدار حديدي في ساحة البرلمان للفصل بين أنصار الفريقين خلال أيام النقاش والتصويت خاصّة وأن اليمين أثبت فيما سبق من أحداث أنه قادر على تجنيد عصابات الجريمة المنظمة والجماعات الفاشية للتنكيل بمعارضيه. وقد أشار المراقبون أن كل المظاهرات التي دعا إليها اليمين في السابق لا يشارك فيها العمال ولا الشباب ولا الفقراء من سكان الأحياء القصديرية التي تنتصب في محيطات كبرى المدن البرازيلية بل يشارك فيه بالخصوص التجار والمقاولون وأرباب العمل. أمّا المظاهرات التي يدعو لها حزب العمل، فتشكّل الشرائح الشعبية مكوّناتها الأساسية، رغم استياء أعداد متزايدة منها من السياسات الحكومية الخاضعة أكثر فأكثر لإملاءات الشركات الكبرى وأصحاب رؤوس الأموال.
ويشكل هذا الاستقطاب الثنائي حجر عثرة أمام نشاط الأحزاب والمنظمات الثورية في صفوف الطبقة العاملة والفئات الشعبية، إلا أنّها لا تتوقّف على رسم طريق مستقلّ يأخذ بعين الاعتبار مصالح العمّال والنساء والشباب والمفقّرين الذين طحنتهم وتطحنهم كل يوم آلة السياسة النيوليبيرالية. ففي خضمّ المعركة الدائرة رحاها في البرازيل، يتوجّه الحزب الشيوعي الثوري بالبرازيل إلى العمّال وعموم الشعب، في مواقع الإنتاج وفي الأحياء الشعبية وفي الجامعات والمدارس ليشرح لهم أبعاد الصراع الدائر وليحثهم على ألا يكتفوا بموقف المتفرّج بل يحثهم ـ في قضية الحال ـ على قطع الطريق أمام مرشح اليمين "ميشال تيمير، حتى لا يصل إلى دفّة الرئاسة وهو الذي تعلقت به وبالكوادر العليا لحزبه قضايا عديدة في الفساد وتبييض الأموال، وهو المتحصّن اليوم بالبرلمان لكي يفلت من القضاء فما بالك لو أصبح في أعلى هرم السلطة. كما ينبّه الحزب الشيوعي الثوري إلى أن وصول مثل هذا الانتهازي إلى الرئاسية سيصاحبه لا فقط هجوم متزايد على لقمة عيش الكادحين وحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية (وشيء من هذا يحصل اليوم في ظل حكومة ديلما روساف) بل سيصاحبه كذلك تراجع على مستوى الحريات العامّة خاصة أمام الدعوات المتكرّرة إلى ضرورة إيجاد منقذ للبلاد يقيها شرّ الصراعات السياسية، وهو ما سمح بعودة بعض بقايا الجنرالات على الساحة وتطويرهم لخطاب الإنقاذ، أي ضرورة البحث على "بونابارت" برازيلي يضع جانبا "شرور" الديمقراطية وكل المكاسب التي حققها الشعب بتضحيات باهظة الثمن.
وفي الوقت نفسه الذي يساهم فيه الحزب في المعركة لمنع تنحية ديلما، إذ هو يعتبر خلفها المحتمل أكثر سوءا منها، فهو يطوّر نضاله المستقل حول شعارات ومحاور نضال متعدّدة من بينها التصدّي لمشروع الإصلاح الجبائي المزعوم والذي يثقل كاهل الأجراء لا غير، والمطالبة بتخصيص أموال الشعب لقطاعات التعليم والصحة والسكن، والدفاع عن المكاسب الاقتصادية والاجتماعية المحقّقة وكذلك المكتسبات الديمقراطية، كل ذلك من أجل تعبيد الطريق أمام إقامة سلطة الشعب، الحل الوحيد لإخراج البلاد من أزمتها الخانقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يوقع حزم المساعدات الخارجية.. فهل ستمثل دفعة سياسية له


.. شهيد برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحامها مدينة رام الله ف




.. بايدن يسخر من ترمب ومن -صبغ شعره- خلال حفل انتخابي


.. أب يبكي بحرقة في وداع طفلته التي قتلها القصف الإسرائيلي




.. -الأسوأ في العالم-.. مرض مهاجم أتليتيكو مدريد ألفارو موراتا