الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لينين... ذهن متقد وإرادة فولاذية – ألكساندرا كولونتاي

مرتضى العبيدي

2016 / 4 / 23
الارشيف الماركسي


تقديم:

يصادف يوم الثاني والعشرون من أبريل ذكرى ميلاد لينين سنة 1870. وبهذه المناسبة اخترنا نشر هذا النص لألكسندرا كولونتاي، وهو أحد النصوص الكثيرة التي كتبت حول هذا الزعيم البروليتاري وقائد ثورة أكتوبر العظمى، خاصة وأن هذا النص كُتب قبل انتصار الثورة في فترة من أحلك الفترات التي مرّت بها البشرية والحركة الثورية، أي في خضمّ الحرب العالمية الأولى، لمّا فقد الجميع البوصلة واصطفوا وراء بورجوازياتهم. ولم يبق غير صوت لينين وقلة من رفاقه في بعض البلدان لرسم طريق الثورة بتحويل الحرب الامبريالية إلى حرب ثورية تطيح بالأنظمة القائمة وتفتح الطريق لبناء عالم جديد.

هناك دائماً أفراد – حفنة من الأفراد في تاريخ البشرية – برغم كونهم نتاجٌ لتغيرات كارثية في المجتمع، يتركون بصمتهم على عهد كامل من الزمان. فلاديمير لينين يُعد أحد هؤلاء ذوي العقول الجبارة والإرادة الهائلة.
وبرغم ما يبدو عليه عمالقة التاريخ هؤلاء، إلا أن ما يجسّدونه ويعبرون عنه تتلاشى أمامه الفردية الضيقة. لا ينبغي تقييمهم بالمعايير العادية للصفات والإخفاقات والعواطف للناس في عصرهم؛ فلا يهم هنا السمات الشخصية لفلاديمير لينين، بل ما يمثله ويعبر عنه.. لقد جمع في نفسه، مثل مغناطيس بشري، كل ما يعبر في الثورة عن الإرادة التي لا تلين والقوة الماحقة والإصرار البنّاء. وكل من يتوق لما ستحققه عاصفة الثورة العمالية من تطهيرٍ للمجتمع، لا يسعه إلا أن يعتز ويحتفي بفلاديمير لينين الذي يجسّدها ويقدم التعبير الأفضل عنها.
صوت لينين
لم تكن الأممية الثانية مؤمنة بوصايا ماركس، وقد خانت مصالح الطبقة العاملة إبان الحرب الإمبريالية عام 1914. لقد أظهرت الاشتراكية الديمقراطية الألمانية، التي مثلت القوة الرئيسية التي تزعمت الأممية الثانية، جوهرها الانتهازي. لقد مدت يدها للبرجوازية الحاكمة وتقبلت سلاماً طبقياً تاماً.
لقد عشت ذلك اليوم وشهدت ذلك العار، حينما تنكّر الاشتراكيون الديمقراطيون الألمان للنضال الطبقي الثوري. كنت في الرايخستاغ في 4 أغسطس 1914، ورأيت بأم عيني مشهد انهيار قادة الاشتراكية الديمقراطية الألمانية حين صوّتوا لصالح ميزانية الحرب وتعهدوا بدعم حكومة بيثمان-هولويج.
لقد شَوّشَ هواء الحرب الإمبريالية السام كل العقول، حتى أن عدوى المساومات والانتهازية طالت بعض المهاجرين السياسيين الروس. هرعوا عائدين إلى روسيا، معلنين توبتهم عن آثامهم وخطاياهم السياسية واستعدادهم لخدمة وطنهم القيصري، مدافعين عن سياسات نيقولا الثاني وأذنابه.
شعرت بالفزع واليأس.. بدا الأمر وكأني فقدت كل شيء. كان الجو خانقاً، يخلو من أي بصيص نور، كما لو كانت الجدران تحيط بي من كل اتجاه وتسد كل الطرق. تمكنت بمساعدة ليبكنيخت من مغادرة ألمانيا إلى ستوكهولم. حينها كنت لازلت أؤمن بإمكانية إعادة إحياء الأممية الثانية من خلال معارضة مذابح وأهوال الحرب العالمية، لكني لم أكن أعرف ما هي السياسات التي ينبغي أن نتبعها، وعلى أي أساس نبنيها. كنا كالتائهين في عمق الغابة.
في هذه اللحظة من التخبط والارتباك وانهيار الأممية الثانية، حين كانت الأحزاب البرجوازية الرأسمالية تملأ الدنيا صخباً في إشادة وابتهاج بالوحدة الطبقية، أطلق لينين صيحته الحاسمة. وحيداً في مواجهة العالم أجمع، حلل لينين وكشف حقيقة الحرب الإمبريالية، والأهم من ذلك أنه أشار إلى الطرق التي يمكن من خلالها تحويل هذه الحرب إلى ثورة وحرب أهلية. فمن يرغب في السلام، لابد أن يحارب الانتهازية ويقطع أية مساومات مع البرجوازية.
وصلت بضع أعداد من الجريدة المركزية “سوسيال-ديمقراط” (1) من سويسرا إلى ستكهولم، وتضمنت هذه الأعداد توجيهات لينين بخصوص مهامنا حيال الحرب. كانت هذه من أكثر اللحظات تأثيراً في حياتي. لقد أذابت مقالات لينين الجدار الذي كانت ترتطم به رأسي سُدى. بدا الأمر وكأنني أصعد إلى النور من بئر عميق مظلم أتحسس طريقي إلى الأمام. كان هذا ملحوظاً ومؤثراً. كل ما كان عليَّ فعله هو اتباع فلاديمير لينين بين قواعد الطبقة العاملة الثورية. بعد ذلك بوقت طويل، علمنا أن مكتب اللجنة المركزية في روسيا كان بالفعل يتحرك وفق توجيهات لينين.
خلال تلك الأيام، بدا لي أن لينين يقف فوق كل البشر، وأن عقله الجبار فهم ما كان خافياً عنا جميعاً. أدركت حينها شجاعته الأخلاقية والروحية، جسارة لا تعرف حدوداً. وكلما تدنى الانتهازيون، كاوتسكي وأتباعه، كلما سَمَت صورة هذا الرجل الذي لا يعرف الخوف له طريقاً، الذي رسم الطريق وسط كل هذه الفوضى الدموية.
في أكتوبر 1914، كتبت أول خطاب لفلاديمير لينين (2). وفي الرد، الذي تلقيته عبر رفيق روسي، أوصاني بالبدء في العمل على الفور، والتواصل مع اشتراكيي اسكندنافيا الذين سيساهمون في تنفيذ هذه السياسات في النضال المتواصل للطبقة العاملة. ومذاك الحين وأنا أعمل وفق الإرشاد المباشر لفلاديمير لينين.
في نفس الوقت، أوكلت لي وللرفيق شليابنيكوف مهمة إعداد قنوات اتصال دائمة في اسكندنافيا بين لينين ومكتب اللجنة المركزية في روسيا. ظل الاتصال قائماً وفعّالاً، حتى قررت حكومة همرشولد المحافظة إغلاق “المركز البلشفي”. أُلقيَ القبض عليّ وسُجنت في جزيرة كونجشولمين، ثم طُرِدت من السويد (3). وبمساعدة بعض الأصدقاء النرويجيين، انتقلت إلى النرويج، ومكثت في هولمنكولن بالقرب من أوسلو. ومن منزلي الأحمر الصغير، فوق المضيق البحري، كنت أرسل إلى لينين الذي كان يبعث لي بكل ما أطلبه من كتيبات ومقالات. هنا في هذا المنزل قرأت خطابات لينين التي كان يرسلها على عناوين أصدقائي (4). وفي نفس المنزل، أعددنا القرار الذي قُدِمَ لليسار النرويجي لدعم يسار زيمرفالد، وصَدَّق لينين عليه.
حينما أفكر في فلاديمير لينين خلال تلك الأيام، لا يبدو لي مجرد رجل، بل يرتسم في ذهني تجسيداً لقوة هائلة تزيح القشور الاقتصادية والاجتماعية التي تراكمت عبر آلاف السنين من تاريخ البشرية. كانت ثمة خطة تنضج وتتبلور لإحداث تغيير ساحق في العلاقات الاجتماعية ولإعادة بناء المجتمع على أسس جديدة.
استمرت الحرب الإمبريالية، لكن بمساهمة لينين بدأت الهياكل الاجتماعية في التشقق.. تشظّت الأممية الثانية إلى فتات، لكن بدأت قوى جديدة حية في التمحور حول لينين. وحينما أوكل لينين إليَّ، في 1915 و1916، مهمة جذب أفضل الشباب الاشتراكي الثوري بعيداً عن الأممية الثانية سيئة الصيت، وتجميعهم حول يسار زيمرفالد، بدا الأمر أسهل مما كنت أتصور (5).
مرة أخرى، اضطررت لعبور الأطلسي لتجميع القوى، من بوسطن إلى سان فرانسيسكو، ومن فلادليفيا إلى سياتل، للنضال ضد الحرب الإمبريالية ولدعم يسار زيمرفالد.

ترجمة أشرف عمر

هوامش

(1) سوسيال-ديمقراط: جريدة سرية كانت الأداة الدعائية الرئيسية لحزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي، صدرت من فبراير 1908 حتى ديسمبر 1913، ومرة أخرى من نوفمبر 1914 حتى يناير 1917. خلال الحرب، عاودت الجريدة الصدور، وظهر العدد 33 في 1 نوفمبر 1914. كتب لينين افتتاحية العدد بعنوان “الحرب والاشتراكية الديمقراطية الروسية”، التي اعتُبرت بمثابة بيان اللجنة المركزية للحزب.
(2) بدأ لينين وكولونتاي يتراسلا في الأشهر الأولى للحرب. كُتبت الرسائل، الباقية إلى اليوم، من كولونتاي إلى لينين، بتاريخ أكتوبر – نوفمبر 1914، وكان لينين مسروراً بأن كان لكولونتاي نفس آراء البلاشفة.
(3) بحلول نهاية نوفمبر 1914، طردت الحكومة السويدية كولونتاي نهائياً من البلاد، متعللةً بمشاركة كولونتاي في الحملة التي ينظمها الجناح اليساري للحزب الاشتراكي الديمقراطي السويدي لكشف الحقيقة الإمبريالية للحرب. وفي 28 نوفمبر من العام نفسه، أوضحت كولونتاي أن سبب طردها من السويد كما يلي: “رسمياً، فإن القبض عليَّ، ومن ثم طردي، كان بسبب مقالتي المنشورة في مجلة “الشباب” السويدية المناهضة للحرب بعنوان “حول الحرب ومهامنا”. لكن يبدو أن السبب الحقيقي هو الخطاب الذي ألقيته عن نفس الموضوع في اجتماع حزبي مغلق. على أية حال، ألقيت الخطاب يوم الاثنين، وأُلقيَ القبض عليَّ الجمعة، ونقلوني من سجن إلى آخر (ستوكهولم ومالمو)، ومن ثم أُرسلت إلى كوبنهاجن تحت حراسة الشرطة.
(4) رسائل لينين إلى كولونتاي موجودة في الأعمال الكاملة للينين باللغة الإنجليزية، المجلد 49، حيث يحتوي المجلد على 21 رسالة من لينين إلى كولونتاي.
(5) أثناء الإعداد لمؤتمر زيمرفالد، ترجمت كولونتاي، بطلب من لينين، مسودة إعلان المؤتمر إلى اللغتين النرويجية والسويدية، كما نظمت مناقشة المسودة في اجتماع للجناح اليساري للحزب الاشتراكي الديمقراطي النرويجي، وحصلت على موافقتهم المبدئية عليها. وكان ذلك أيضاً هو موقف الجناح اليساري للحزب الاشتراكي الديمقراطي السويدي. وتعليقاً على ذلك، كتب لينين: “يسعدنا موقف النرويجيين وجهودك مع السويديين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الماركسيه اللينينيه
Almousawi A. S ( 2016 / 4 / 23 - 09:46 )
يحاول البعض خائبا
العبث بالقيم
والمثل الانسانيه النادره
متوهمين تحجيم اللينينيه على المدى الروسي
ومقالكم هذا
هو الرد العملي بل بالوثائق التاريخيه على مدى قرائه
لنين للواقع عالميا
وتحريكه للماركسيه باحزاب واثقه المسار
وستبقى الماركسيه اللينينيه
منارا لليسار التقدمي العالمي

اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس


.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم




.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟


.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة




.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا