الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليعقوبى ورسالة الحقوق ............ برسم تعظيم الشعائر

محمود جابر

2016 / 4 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


بعض كلمات القرآن وجمله فريدة غير مكررة، ذات معان عميقة ودلالات نفسية وعقلية. ففي رحلة الإنسان في هذه الدنيا، هو يعلم أنه موجود فيها مؤقتا، وراحل عنها إلى دار القرار؛ يشغل فكرَه كيف ينجو وكيف يسمو، وكيف يترك الآثار الطيبة في حياته، ويستغل وجوده في الدنيا بعمارة الأرض وتسخيرها لطاعة الله. فالله استعمرنا في الأرض، وجعلنا فيها خلائف، ولم يخلقنا عبثا. فهناك رسالة ومهمة ترتبطان بجانب تكريم الإنسان ورقيه وحضارته، فقد أرشده الله تعالى إلى الاستقامة وكرّمه بهذا التشريع، وميزه عن بقية المخلوقات، وهو المكلف دونها، ولهذا فإن كان شأنه استقامة، فهو خير حتى من الملائكة.
إنها مسؤولية واضحة، رغم محاولات بعض المتفيقهين والمتفلسفين تعقيدها أو تشويهها. فبعض الناس لا يعجبه وضع المؤمنين الآن، وينظر في واقع الغربيين والمخالفين وما وصلوا إليه من حضارة ورقي، ويسارع إلى اتهامنا نحن المؤمنين. وربما قاده هذا - ولو من جانب الغيرة على الإسلام - إلى تشويه بعض المفاهيم الإسلامية والشعائر الحسينية والأحكام. وقد نسي هؤلاء أن هذا الدين مكتمل، أتم الله به النعمة ورضيه لنا. كما نسي هؤلاء أيضا أن المشكلة ليست في الدين وشعائره وأحكامه، بل في أتباع الدين؛ حين ضلوا طريقهم عن الجادة. ونسي هؤلاء كذلك سننا لله لا تحابي أحدا، فلا بد من الأخذ بها حتى يكون الرقي والحضارة والعزة، ومنها مداولة الأيام: "... وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ..." (آل عمران، الآية 140)؛ إذ المنعة والقوة مع من أخذ بأسبابها ولم يتواكل ويتكاسل. فالتقوى شيء، وحسن التوكل شيء آخر.

اليعقوبى معظما:

أحببت أن أقدم بهذا أمام عظمة هذا النص القرآني من سورة الحج والذي وقف أمامها سماحة المرجع الدينى محمد اليعقوبى يتدارسها ويتأملها وينقل لنا دقيق معانيها ومقاصدها وهى الآية الكريمة فى قول الله تعالى (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)الحج، الآية 32 .
إنه تعظيم شعائر الله، لأن الله هو الذي شرعها، وهو أعلم بما يصلح لهذا الإنسان. وشتان بين تشريع العبد لنفسه وتشريع الخالق سبحانه له، فلا نقدم بين يدي الله ورسوله وآل بيته، ولا تكون لنا الخِيَرَة إن كان التشريع قد نزل. فليبحث العقل عن الحِكم، وليجتهد فيما جاء مؤصَّلا لا مفصَّلا مما أراده الله عن قصد مجملا. وإن كان هناك مزيد عبقرية ففي مناحي الحياة الأخرى، ولكن يبقى للتشريع هيبته ومكانته بل تعظيمه، وهي علامة واضحة لا على التقوى مجملا، بل ركز النص هنا على تقوى القلوب التى هى خير الزاد الذى أمرنا الله تعالى أن نتزود به.
إن القلب هو مستودع الإيمان والهداية والبصيرة، فلا نريد ظاهر الأمور بل باطنها ومستقرها، فجعل الله سبحانه تعظيم الشعائر والشرائع عموما دلالة قوية على التقوى، وبالذات تقوى القلب في أعماق الإنسان وحقيقة جوهره؛ فهو خالص في توجهه إلى الله، وحبه له وخشيته منه، وتعظيمه له، فمن يعظم شعائر الله لا شك معظِّم لله الذي شرع، وهي علامة فارقة بين من يعظم أو على الأقل يؤمن ويؤدي ما أراده الله منه، وبين من يتردد أو يطبق الشرع وهو غير مقتنع به، فشتان بين الحالتين، إذ تعكسان حالة العبد ويقينه بربه، هل عظمه ورضي به ربا وإلها أم لا، فالعلاقة علاقة عبودية مطلقة لله تعالى، وهذا ما يميز المؤمن الملتزم عن غيره.
وفى البداية أوضح سماحته أنه لا يرد أن يُفهَم من كلامي الجمود وعدم الاجتهاد والانطلاق في البحث عن الخير وإقامة الحضارة الحقيقية التي يدعو إليها الإسلام، فكثيرة هي النصوص الظنية والأحكام الإجمالية والشؤون الدنيوية التي ينبغي تسخيرها لمصلحة الدين والمسلمين، ولكن بالبناء على الأصل الإسلامي وعدم التفريط بالثوابت الإسلامية.
يحاول بعض الناس -بقصد وبغير قصد- التشكيك في قدرة الإسلام على بعث الأمة من جديد. ولا أجد جوابا أدق وأفضل من قول الله تعالى( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)النور، الآية 55، فما هو إلا حسن التوكل على الله، والبصيرة والفهم.
أدرك أن هناك خللا في معاييرنا وأولوياتنا. ولعل الضربة التي تلقتها الأمة الإسلامية في عهد الاستعمار الحديث قوية، ومن قوتها أنها أفقدتنا شيئا من التوازن والقدرة على ترتيب المعايير والأولويات، وأفسدت علاقاتنا ببعضنا من جهة، وبديننا من جهة أخرى؛ فلا نريد أن ننهزم ولا أن نيأس، وفي الوقت نفسه لا نريد أن نبقى في دائرة التنظير، ولا نريد أن نصل بتنظيرنا إلى تغيير المفاهيم والاحتيال عليها، ولا أن نستشعر أن بعض تشريعات الدين ما عادت ملائمة كما يحاول البعض أن يفعل.
فالذين يطعنون عن الشعائر الحسينية وشعائر الزيارات المختلفة ويشككون فيها نقول لهم قول أمير المؤمنين (ع) قال:«نحن الشعائر والأصحاب، والخزنة والأبواب، ولا تؤتى البيوت إلا من أبوابها، فمن أتاها من غير أبوابها سمي سارقا». (ينابيع المودة للقندوزي ج3 ص471).
وهنا يقول سماحة المرجع اليعقوبى وهذه الشعائر تكتسب عظمتها وقيمتها بمقدار ما تحقق غايتها التى هى التقوى، وهنا ندرك الفرق بين تعظيم الشعائر وأداء الفرائض والواجبات، لان المنافقين كانوا يؤدون الفرائض مع رسول الله ولكن هل وصلوا إلى الهدف ؟!!
لا لأنهم لم يكونوا يؤدونها للوصول الى الهدف ولكن لخداع الناس والمؤمنين أصحاب القلوب الرقيقة كما هو حال كل المؤمنين الموالين فى كل عصر ومصر .
ونجد أن الله تعالى ترك لنا طريق التعظيم مفتوح حسب الاجتهاد والقدرة وترك شكل التعظيم مفتوح لكل أشكال التعظيم البدنى والجسمانى والعقلى والعلمى إلى آخره، وتأتى الشعائر الخاصة بآل البيت فى مقدمة تلك الشعائر لأنهم سلام الله عليهم كما قال الإمام على " نحن الشعائر" .
وبين سماحته أنه من موارد الالتباس لدى البعض أنه يظن أن المراد من الشعائر الحسينية وشعائر الله أمر واحد، والصحيح أن الشعائر الحسينية هي من مصاديق تعظيم شعائر الله، فإن الإمام الحسين (ع) هو من شعائر الله بل وأعظمها، وكلما كانت العلامة المنسوبة لله عز وجل أعظم كان أمر تعظيمها أهم وأشد، وتعظيم الإمام الحسين (ع) يكون عبر الشعائر الحسينية، وسميت كذلك لأنها من العلامات المنسوبة للإمام الحسين (ع) في الحزن عليه وتجديد ذكراه ، فالشعائر الحسينية هي تعظيم لشعائر الله.
ولقد اهتم علماؤنا الكبار بالغ الاهتمام بالشعائر الحسينية وخاصة في شهري محرم وصفر لما فيها من إحياء الدين وهداية جماعات من غير المسلمين، وحذروا من طعن المغرضين والمشككين.
إن خروج المواكب العزائية في عشرة عاشوراء من الشعائر العبادية العظيمة ومن الأمور الراجحة التي تعد من أظهر مصاديق الإيمان والتقوى وهو تعظيم شعائر أحياء مظلومية الإمام (ع).
ثم قال سماحته : والحق أن تعطيل تلك المظاهرات والمواكب لا يلبث رويدا حتى يعود ذريعة إلى سد أبواب المآتم الحسينية، وعندها لا سمح الله لا يبقى للشيعة أثر ولا عين، ولتذهبن الشيعة ذهاب أمس الدابر، فإن الجامعة الوحيدة والرابطة الوثيقة لها هي المنابر الحسينية والمآثر العلوية، وما تلك الهنابث والوساوس إلا من جراء هاتيك الدسائس – نزعة أموية ونزعة وهابية – يريدون إحياء ذكر بني أمية وإزهاق الحقيقة المحمدية ﴿-;- ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ﴾-;-.
ثم قال وجزى الله المؤمنين خير فى استجابتهم فى تعظيم شعيرة إحياء مواكب العزاء الفاطمي والعقيلة زينب وغيرها، وهذا يدعونا أن ننظر ونتأمل الشعائر المتروكة والمهملة مثل ترك حرم العسكريين الذى ترك مهمل وعليه فإن إحياء زيارة العسكريين يجب على المؤمنين إحيائه .
فالواجب هو إحياء الشعائر والمشاعر ونملأ هذا الفراغ لأنه من تقوى القلوب .
وذكر سماحته الحديث المروى عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لو عطل الناس الحج لوجب على الإمام – الحاكم - أن يجبرهم على الحج إن شاؤوا وان أبو فان هذا البيت إنما وضع للحج . الوسائل باب 5 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1.
وصحيح معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال: لو أن الناس تركوا الحج لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك وعلى المقام عنده، ولو تركوا زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك وعلى المقام عنده، فان لم يكن لهم مال انفق عليهم من بيت مال المسلمين . الوسائل باب 5 من ابواب وجوب الحج وشرائطه حديث 2.
الإمام والإنسان والشعائر ( رسالة الحقوق اليعقوبية):
فى هذه الفقرة أو فى الجزء الأخير من كلمة سماحة المرجع اليعقوبى وبعد أن شعر أن من حوله وفى حضرته دخل إلى عمق الهدف من الوعظ والدرس. أفصح لهم عن دقيق ما أراد أن يقوله لهم وعن المسكوت عنه من قبل الذين يعظون الناس ويجلسون مجالس العلماء، وحتى تتضح الفكرة علينا أن نتأمل قول الإمام على عليه السلام قال:«نحن الشعائر والأصحاب، والخزنة والأبواب، ولا تؤتى البيوت إلا من أبوابها، فمن أتاها من غير أبوابها سمي سارقا». (ينابيع المودة للقندوزي ج3 ص471).
إن النبى الذى نفسه الشريفة أعظم من الكعبة المشرفة كان يذهب إلى الكعبة يطوف ويقبل الحجر ويسعى بين الصفا والمروة وكذلك فعل الأئمة المعصومين، هل يذهب من هو أعظم حرمة إلى من هو اقل حرمة، ورغم أن الإنسان العادى الذى هو أيضا أعظم حرمة من البيت الحرم مأمور للذهاب الى البيت الحرام وتعظيمه ولكن لماذا؟
كان جواب سماحته شديد الدالة والوضوح والعمق فقال: الله يحب أن يرى عباده المؤمنين – كل المؤمنين – فى مواضع الطاعة لهذا عظم النبي هذا طائعا ومتزودا من القرب لله بالوقوف والتعظيم والتبجيل عند تلك المشاعر مؤديا تلك الشعائر طالبا للتقوى التى هى زاد للمؤمنين، وللتأكيد على معنا آخر وهو أن الشعائر والمشاعر هى التى حددها الله تعالى وفقط ... وأمرنا بتعظيمها وتبجيلها، لا التى – أي الشعائر - التى تخضع للأهواء والأمزجة والبدع فالشعائر هى شعائره تعالى حصريا .
الأهم هو الختامة والتى يمكن أن نسميها رسالة الحقوق عند اليعقوبى :
الإنسان هو بنيان الله وتعظيم الإنسان هو تعظيم للحرمات التى أمرنا الله تعالى أن نعظمها هذه الرسالة خاصة للحكومة العراقية التى تركت الناس وأهملت حاجاتهم وآلمهم وأوجاعهم ومصائبهم وفقرائهم وثكلاهم وأطفالهم ومقدراتهم نهبا دون رقيب أو حسيب.
وهى رسالة عامة للجميع أن أهم أنواع التعظيم لشعائر الله هو السعى على كل ذى حاجة وتلبية حاجاته التى يعجز عن تلبيتها لنفسه، وأن أشد أنواع التقوى هى أن تسعى فى جد وجهد وتنازل طائعا نحو أصحاب الحاجات من اجل أن ترفع عنهم عوزهم وما لحق بهم من ضر فهذه رسالة الأنبياء والأوصياء وكل الذين يبحثون عن زاد للآخرة من باب تعظيم شعائر ومشاعر الله التى حددها فى كتابه وفى سنن نبيه وتعاليم آل بيته الأطهار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحة وقمر - القرصان أكلة شعبية سعودية بطريقة الإيطالية مع قمر


.. صنّاع الشهرة - لا وجود للمؤثرين بعد الآن.. ما القصة؟ ?? | ال




.. ليبيا: لماذا استقال المبعوث الأممي باتيلي من منصبه؟


.. موريتانيا: ما مضمون رسالة رئيس المجلس العسكري المالي بعد الت




.. تساؤلات بشأن تداعيات التصعيد الإسرائيلي الإيراني على مسار ال