الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العمال يكدحون والكبار يتكالبون

فوزي بن يونس بن حديد

2016 / 4 / 25
ملف 1 ايار - ماي يوم العمال العالمي 2016 - التطور والتغييرات في بنية الطبقة العاملة وأساليب النضال في ظل النظام الرأسمالي والعولمة



بعد الثورة الفرنسية كنا نظن أن العمال سيجدون حقوقهم، وأن الطبقة الكادحة التي دافع عنها كارل ماركس ستجد طريقها وستتنفّس الصعداء بعد أن فكّت الكنيسة طلاسمها ولم تعد تتحكّم في الحياة المدنيّة وبعد أن كانت تمارس أبشع الجرائم في حق البشر، فمن فرْط تعصّبها لما كانت تعتقده، أنها تحارب كل جديد وتهاجم كل حديث، بدعوى أنه مخالف للفطرة الدينية المسيحية، وكانت تمارس سطوتها الشديدة على المرأة وتعتبرها نجسة ولا يحق لها المطالبة بأي حقوق مدنيّة بل عليها أن تكون في خدمة الرجال متى أراد الرجال ذلك.
وفي ظل هذه الممارسات البشعة وغيرها في حق الإنسانيّة والعيش في ظلام الجهل والعبودية والإذلال ظهرت ما يسمى الحركة الإلحادية التي تناهض الفكر الديني المسيحي المتشدّد، فكفرت بأنعم الله وجعلت كل شيء متعلقا بالدين المسيحي أفيونا حتى جاء كارل ماركس أبو الإلحاد لينشر أفكاره الجديدة أساسها الدين أفيون الشعوب، ولم يحدّد أي الأديان رغم أنه كان يشير إلى الدين المسيحي الذي كان يكبّل كل إبداع ويقضي على كل جديد ويحاصر كل فكر يريد التغيير والخروج من أزمة التقليد.
وفي ظل هذه التموجات الفكرية وما تابع الحركة الشيوعية من تطورات مجتمعية عندما وقف ماركس بجانب الطبقة الضعيفة أو طبقة البروليتاريا أو الطبقة الكادحة في المجتمع انطلقت ثورته على الدين بطريقة همجية، فلم يوازن في ثورته بين ما هو حسن في المسيحية وما ينادي به من أفكار جديدة، بل نسف كل ما يتعلق بالدين أو التديذن وأحدث نظاما جديدا سماه الشيوعية أو الإلحاد ومعناه إقصاء الدين من الحياة الاجتماعية وحتى السياسية، ليبقى المجتمع يعيش حياته على أنقاض الثورة الفرنسية ومناداتها بالحرية والعدل والمساواة، هذه المبادئ الثلاثة كانت مفقودة في عهد الدول الدينية المتمسكة بالديانة المسيحية وحيث السطو الفكري والابتذال الأخلاقي.
ولم تكن العلمانية يوما حلا جذريا لما يعانيه الغرب من الظلم القهري والسطو الفكري وإنما كان حلا وقتيا للخروج من الأزمة وفكّ الرباط مع الدين المسيحي الغارق في الفساد والظلام، ولأنه قد أفرغ الإنسان من روحه وركز على الجانب المادي سقطت الشيوعية ودمّرت مبادئها في التراب لأنها لم تعد صالحة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، ولكن الذي تخرّ له الجبال هو ميل بعض أبناء المسلمين إلى هذا الفكر المشوه رغم سقوطه المدوي، فما زال من أبناء جلدتنا من يريد أن يطبق هذا الفكر الملوّث على ديننا وقيمنا ومبادئنا.
ولم يعلم هؤلاء أن الإسلام هو الذي أتى بشعارات الحرية والعدل والمساواة وليست الشيوعية ولا الماركسية، والأمر واضح لا لبس فيه، فقد كان العرب في الجاهلية يعيشون نفس الطقوس الأوروبية في عصر الظلام إلى أن أتى الإسلام وبين أن الإنسان هو أساس الحياة، والاستثمار في الإنسان من أولى الأولويات، وأن التديّن أمر ضروري لتحقيق إنسانية الإنسان، وأن الدين لا بد أن يستجيب لرغبات الإنسان الفطرية ويضبطها حتى لا تتعدى حدودها وإلا صار منبوذا، ومن هنا كانت المسيحية في ذلك الوقت منبوذة من قبل كثير من المجددين في الفكر لأنها تمارس التقييد والتكبيل والعجرفة وبالتالي لم تعد مقبولة فقامت الثورة على كل معتقداتها الكلاسيكية المرفوضة.
ومن ينادي اليوم بفصل الدين عن السياسة أو عن الحياة عُدّ علمانيا في فكره، لأن الحياة لا تستقيم إذا خاطبت جسد الإنسان وتركت روحه تسبح في فضاءات الفكر المشوّه فتنتج عنه بذرات سيئة تشوّه المسار الحضاري الذي كانت عليه الإنسانية في صدر النبوة المشرق بهذه الشعارات والمبادئ والقيم الرفيعة، وترسّخ فكرا بشريا لا يصلح لزمن سقطت فيه الشيوعية كمبدأ من مبادئ الثورة الإنسانية لأنها قامت على فكر ناقص لا تمتد رؤيته إلى الآفاق البعيدة.
الشيوعية لم تكن حلا للعمال كما يعتقد الماركسيون فهم يتفوّهون بأنهم أصحاب قضية تحرير العمال لكن الواقع صار مأساويا أكثر مما مضى، فكيف لا يستطيع أيّ من العمال أن يملك شيئا، فكل شيء عندهم مشاع وبالتالي أسقطوا الملكية الشخصية من حساباتهم السخيفة فظل العامل يترنح بين شيوعيتهم ورأسمال الليبراليين والامبرياليين وبقي العمال في حيص بيص من أمرهم، لم ينالوا حريتهم ولن ينالوها مادام الأمر لا يجمع بين الأمرين وهو ما أقرّه الإسلام، فالإسلام منح العامل حق الملكية الشخصية ولم يصادر أملاكه لحساب الدولة وكأنه محروم من الامتلاك وهي صفة غريزية في البشر، وعندما سمح له بحرية امتلاك المال منح الشخص كامل الحرية في جمع المال وفي إنفاقه بطريقة أخلاقية بعيدة عن الغش، أو الاحتكار، أو الربا، أو التحايل، وليس مثل الرأسمالية التي لا تعير للأخلاق اهتماما ولا قيمة عندها للرحمة والعاطفة الإنسانية أو المثل العليا أو الأخلاق في سبيل الحصول على المال وكل هذا يؤدي إلى ظلم الأمة ويقوي معول هدمها بيدها لأن الأخلاق زالت والجانب الروحي معدوم مندثر فلم يبق إلا الركض وراء المصلحة الجشعة فأصبح الرأسمالي شرِها متكالبًا على المال، وكذلك الاشتراكية فهي تقصي حق الفرد في امتلاك ما يرغب وتجعل كل شيء مشاعا وللجميع الحق في التصرف فيه، هذه النظرة القاصرة للمال جعلت المذهبين يسقطان إلى غير رجعة مما جعل كثيرا من الدول الغربية تتبع النظام الإسلامي بعد الأزمة الاقتصادية العالمية سنة 2008م.
فالعالم اليوم يترنّح بين ناري الشيوعية المقيتة والرأسمالية البغيضة، وليس له حلّ إلا الرجوع إلى المعاملات المالية الإسلامية التي تتبع خط الحقوق الشرعية للعامل وتمنح الاقتصاد العالمي أمانا من السقوط المدوّي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في


.. ماذا تضم منظومات الدفاع الجوي الإيرانية؟




.. صواريخ إسرائيلية تضرب موقعًا في إيران.. هل بدأ الرد الإسرائي


.. ضربات إسرائيلية استهدفت موقعاً عسكرياً في جنوب سوريا




.. هل يستمر التعتيم دون تبني الضربات من الجانب الإسرائيلي؟